الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تخطيط الرؤى المستقبلية لتحقيق جودة الحياه (Quality of Life )

سفيان منذر صالح

2016 / 2 / 27
التربية والتعليم والبحث العلمي


تخطيط الرؤى المستقبلية لتحقيق جودة الحياه (Quality of Life )

د. سفيان منذر صالح
فوجئنا قبل ايام وتحديدآ في 23-2-2016 بتقرير مؤسسة ميرسر العالمية الخاص بدليل جودة الحياه (Quality of Life ) والذي تناول الوضع العراقي وعاصمته بغداد التي صنفت بالمرتبة الاخيرة من بين مدن العالم ( من اصل230 دولة ) واحتلت فينا في النمسا المرتبة الاولى من ناحية نوعية وجودة الحياه المقدمة للسكان فيها ، وتجري المؤسسة المسح بصفة سنوية لمساعدة الشركات، وأرباب العمل على تحديد التعويضات المادية العادلة لموظفيهم عند إرسالهم للمهام الدولية المختلفة.
وتعتمد المؤسسة قبل الكشف عن مؤشرها ، على عدة معايير مكونة دليل قياسي ، منها الاستقرار السياسي والاجتماعي، والمناخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومستوى التعليم والخدمات الطبية، ومستوى المواصلات والمرافق العامة كالمياه والكهرباء، ومدى توفر المراكز الترفيهية كالمطاعم والمسارح والقاعات الرياضية، إضافة إلى مدى توفر المساكن والسلع الاستهلاكية، والأمور البيئية كالطقس ومعدل الكوارث الطبيعية ، وتبني ميرسر تقييمها للمدن ايضآ على الأمن الذي تتمتع به المدن وسهولة ممارسة النشاطات التجارية والحرية الفردية والحصول على الخدمات للبنى الفوقية والتحتية مجتمعة .
يمتاز دليل ميرسر بأنه يقوم بقياس حاجات الحرمان الفعلي من الخدمات الأساسية وليس بالاعتماد على مقدار الدخل للحصول على هذه الخدمات فقط، وهذا يعني اعتبار الأسرة محرومة من الحصول على الحاجة الأساسية وان كان دخلها يؤهلها لذلك وكما هو الحال من الحرمان من خدمات البنى التحتية (الماء، الكهرباء، الصرف الصحي) ولا يشمل هذا الدليل الخدمات الأساسية التي تشترى بل يشمل هذا الدليل الخدمات الأساسية الأخرى التي لا تشترى بالمال كالأمان الشخصي، والخلو من الأمراض المزمنة، والإعاقات، ونقاوة البيئة، وتوفير الخدمات العامة وكل ما يرتقي بجودة الحياة للفرد الحضري ، يتكون دليل مستوى المعيشة من 6 ميادين رئيسة حددت حتى تتلاءم مع مكاتب الأمم المتحدة المختلفة والموزعة بالعالم والظروف الخاصة المحيطة لكل بلد، ويتضمن كل ميدان عدد من المجالات التي تتضمن واحد أو أكثر من المؤشرات، كمثال على ذلك يتضمن ميدان التعليم أربعة مجالات هي، متابعة الدراسة والمستوى التعليمي للبالغين، وإمكانية الرضا عن المدرسة، والوقت للوصول إلى المدرسة، تقاس بما مجموعه خمسة مؤشرات وهكذا ، سوف ندخل بصلب الموضوع ... أن القيام بأي عملية تخطيطية لتطبيق مؤشرات ما( كمؤشر ميرسر) ، اجتماعيآ واقتصاديآ وبيئيآ ضمن مدينة معينة ، يبدأ اولآ بالتخطيط على مستوى الموقع وذلك بايجاد المنشآت والمؤسسات، يخطط لها لتلبي رغبات السكان وبشكل يساعد لتطبيق هذه المؤشرات للأرتقاء بمستوى جودة الخدمات المقدمة لهم ، من خلال ترابط وتشابك وظيفي متكامل فيما بين المكونات للمدينة ، لذلك لابد من الاهتمام بالمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية ذات المساس بحياه الفرد وجودة الحياه المقدمة له، وامكانية اعتبارها نقاط انطلاق نحو رسم سياسة مستقبلية ناجحة من خلال الاهتمام بالواقع الخدمي الموجود بشتى ابعاده ، مع امكانية استخدام الطرق التخطيطية السليمة للارتقاء بكافة المؤشرات المكونة للبرنامج التخطيطي ، ولايتم ذلك الابعد تحديد نقطة الصفر، لمعالجة والارتقاء بأهم المشاكل ذات العلاقة وتصنيف هذه المشاكل حسب الاولويات المعدة وخلال جداول زمنية معينة والانطلاق والتحول الى مرحلة لاحقة ، ثم الوصول الى هدف التخطيط من خلال ايجاد نوعية حياة اجتماعية واقتصادية وبيئية ذات جودة عالية يتمتع بها السكان ، والاستراتيجية تعني وضع خطة لتحقيق اهداف بعيده الأمد ، وفي مجال التخطيط العمراني تعني المخططات الاستراتيجية ، تطوير المدينة بهيكلها العمراني ومناخها الاستثماري وبنيتها التحتية والاستفاده من مواردها الاقتصادية وحماية نسيجها الأجتماعي (بتطوير المنظومة الاجتماعية وفق السياقات المتبعة بهذا الخصوص ) ، لذا كان لابد من صياغة أهداف لتحقيق ستراتيجية مدينة تحقق رغبات ساكنيها من ناحية جودة الحياه ، اولآ في هذا الخصوص ثم بيان نقاط القوة والضعف ثانيآ ، اعتمادآ على بيانات واحصاءات معدة سابقآ والاستفاده من الفرص في رسم السياسة المستقبلية مع مواجه التهديدات ، للوصول الى نوعية الحياه المطلوبة لمدينة بغداد .
ومن الركائز الأساسية لأي عملية تخطيطية ناجحة اعتمادها على المعلومات الإحصائية، التي تستند على أسلوب معين وتعريف محدد علاوة على السمات الأساسية (الموثوقية والشمولية والآنية) ، وهذا ما يميز المعالجات الإحصائية بمفهومها الدقيق عن المعلومات بمفهومها الشامل، حيث تشكل المعلومات والمعالجات الإحصائية أحد أهم العناصر الأساسية التي يُستند عليها في وضع خطط التنمية والاستراتيجيات وتحسين كفاءة القرارات ، كما أن توفيرها للقطاعات كافة وعلى مختلف الصعد ضروري ، بالإضافة إلى أهميتها في رصد مسيرة التنمية وتقويم منجزاتها.
توضع الأهداف على ثلاث مستويات في المدن للارتقاء بجودة الحياه (Quality of Life ) :
1- أهداف ستراتيجية : Strategic Goals
وتصاغ هذة الاهداف بشكل عام وشامل حول النتائج الكلية المطلوب تحقيقها اعتمادآ على ما أفرزته المعالجة الأحصائية ( لكل قطاع يحاول الارتقاء به اعتمادآ على input و output للبيانات )، وتكون طويلة الأجل وغير محدد النهاية Ended-open ،لانة وكما نعلم ان برنامج الارتقاء بالمدن هو مشروع مستمر يتبع التوزيع الأحصائي المستمر ، وغير محدد النهاية .
2- أهداف تكتيكية Tactical Goals
هذه الأهداف تكون أكثر تحديدآ من الأهداف الاستراتيجية وتشتق منها ، وتمثل الوسائل التي من خلالها تتحقق الأهداف الاستراتيجية ، وتكون متوسطة الأجل ولها نهايات محددة ، وتصاغ على مستوى (القطاعات) والابعاد البيئية والاجتماعية والأقتصادية للمدينة المحققة لجودة الحياه المقدمة للسكان ، ويشارك في صياغتها الأدارة العليا في مجلس محافظة بغداد والوسطى في المدينة متمثلة بالمجالس المحلية والبلدية .
3- أهداف تشغيلية Operational Goals
تعتبر هذة الأهداف أكثر تفصيلآ وتحديدآ من الأهداف التكتيكية وتشتق منها وتكون قصيرة الأجل وتمثل وسائل وأساليب تحقيق الأهداف التكتيكية ، ويشارك في صياغتها الأدارة الوسطى للمدينة مع الإدارة الإشرافية للمجالس البلدية المختلفة في المدينة وتصاغ على مستوى المحلات السكنية والسكان ، وتحليل الفجوة للوصول الى المستقبل المراد تحقيق الأهداف فية ، وتقييم الفرق بين الوضع الحالي والمستهدف الوصول اليه من خلال هذا التحليل ، وبناءآ على ذلك تستطيع المدينة تطوير استراتيجيات محددة وتحديد المصادر لسد الفجوة وتحقيق رفاهية وجودة الحياة للسكان وفق نماذج رياضية احصائية تستخدم التنبأ المستقبلي اعتمادآ على السلسلة الزمنية المدروسة مهما اختلف القطاع المدروس مع الاخذ بنظر الاعتبار المتغيرات الدورية والعرضية والفجائية .

لقد أصبحت الحاجة الى ايجاد رؤية مستقبلية للمدن ضرورة تخطيطية ملحة ، اعتمادآ على تحليلات متعددة تستخدم في وضع الرؤى المستقبلية منها ( تحليل سوات وتحليل الفجوة و 6 سكما وغيرها) ، وتعد الرؤية المستقبلية للمدينة امرا في غاية التعقيد كونها تحتاج الى تظافر كل الجهود من قبل جميع فئات المجتمع في المدينة وبشكل مكثف في رسم مستقبل المدينة .
ان الرؤية المستقبلية تعدل بين الحين والاخر اعتمادآ على التطور في فهم القضايا المستجدة وتجدد المعلومات وتغيرها مع الوقت نتيجة للتغيرات الدورية والعرضية والفجائية احيانآ ، وهو ما يعني تغير المعلومات والمعرفة التي بنيت عليها ، فضلآ عن تغير الظروف الخارجية ودخول عوامل جديدة تؤثر على عملية اتخاذنا للقرار . ومما يجب التأكيد علية هو ان القيم والمبادىء التي تعبر عنها الرؤية يجب ان تكون راسخة وثابتة بقدر يكفي لملائمة اي تعديلات او تغيرات جديدة ، بحيث يتم تعديل الاسلوب والطريقة نحو تحقيق رؤيتنا المستقبلية فقط دون تغيير الجوهر الفعلي للرؤية ذاتها .
وتوافر الرؤية المستقبلية اطارآ ودليلآ ارشاديآ لتخطيط المدينة ، ويستفاد منها في التقويم طويل الامد والتقييم الاني واختيار الاستراتيجيات المختلفة والآليات تبعآ لنوع الاستراتيجية المتبعة ، في اختيار البدائل الحضرية المستقبلية للمدينة لأنها تعكس الاهداف والغايات الموضوعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة