الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيها الأمريكيون .. لماذا تركبون سيارات الهامر Hammerعند إثارتكم الفتنة بين السنة والشيعة في العراق ؟

أنيس يحيى

2005 / 11 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا شك أني أقل جرأة من غيري .. فهناك الكثيرون من الذين اتخذوا خياراتهم ، واتخذوا أيضاً قرارهم بالمواجهة دون اكتراث للمخاطر التي لا بد أنها بانتظارهم . قد أجد بعض الأسباب التخفيفية لنفسي ، بعدم إظهار جرأة كاملة . من هذه الأسباب ، قناعة تراودني أحياناً كثيرة بأن إشهار سيف المواجهة ، دون الاكتفاء بما هو أبعد من التلميح وإبداء الاشارات ، عمل يسهّل إفراز الناس بين مَن هم مع ، وبين مَن هم ضد ، حتى أنه يسهّل أيضاَ إنزلاق مَن هم في الوسط إلى جانب من الجانبين . وبالغالب يكون الانزلاق باتجاه أولئك الذين يظهرون تمسّكاً بموروثٍ لا يعتبرون الصلاح في سواه ، ويوظفون هذا الموروث في التأقلم مع متطلبات مجتمعاتهم التي يسودها الاستبداد والتسلط ، ومن ثمّ الفقر والجهل .
جمعتني الصدفة منذ أيام ببعض معارفي السابقين ، وكان بين هؤلاء أناس لم ألتقِ بهم من قبل . . الجميع على مستوى معقول من الثقافة والوجاهة الاجتماعية ؛ فبينهم أطباء ومحامون ورجال أعمال .
كان من السهل ولوج موضوع الأطماع الأمريكية في منطقتنا ، فتحدث بعضهم عن مهمة القاضي ميليس ، وعن التقرير الذي رفعه إلى مجلس الأمن حول اغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري ، وكيف يتحرك هذا القاضي الالماني وفق التوجهات الأمريكية بقصد خلق الذرائع الكافية لاسقاط سوريا " لم يبقَ إلا سوريا في مواجهة اسرائيل ، إذا سقطت فعلى الدنيا السلام " . وقد أكد صاحبنا بأن الأمريكيين سيشنون حرباً على سوريا " تعاونت أم لم تتعاون " . ومسألة أسلحة الدمار الشامل في العراق حاضرة عند كل مَن يريد التأكيد على تنفيذ الأمريكيين لمخططاتهم دون الاكتراث إلى صحة المبرارات . تدخّلَ آخر من الحضور ، وقد كنت عرفت قبل قليل أنه محامٍ . وكانت بداية كلامه على الشكل التالي : " سيدفع الأمريكان ثمن عنجهياتهم .. الثمن وجود أمريكا هذه المرة .. لقد قاومهم الملحدون في فيتنام .. اليوم هم في مواجهة مقاومين مؤمنين يشتهون الاستشهاد " .
لقد طالت " مرافعة " المحامي ليخلص إلى القول أن الأمريكيين لجأوا إلى الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة عندما ازدادت أعداد قتلاهم في العراق . وروى للجميع هذه الحادثة التي تؤكد برأيه صدق ما يقول .. تفاجأ سكان أحد أحياء بغداد الشيعة كما قال ، عندما وجدوا صباح أحد الأيام إنذاراً معلقاً على مدخل أحد مساجدهم .. والانذار يهدد الشيعة بالقتل إذا ارتادوا هذا المسجد . وقد كان الانذار موقعاً من إحدى التنظيمات السنية . نزع الأهالي الانذار ، لكنهم وجدوه معلقاً فوق مدخل المسجد صبيحة اليوم التالي .. واستمر ذلك لمدة أسبوع حتى اقترح أحدهم حراسة المسجد لمعرفة مَن يقف وراء هذه الفتن . المفاجأة كانت كما قال المحامي ، عندما توقفت سيارة هامر Hammer ليلاً أمام المسجد ، ونزل منها رجلان ، ثم أخذا بالاقتراب من المسجد . فما كان من الحراس إلا اعتقالهما " ما بيعرفوا كلمة عربي .. إثنين أمركان .. حققوا معهم وسلموهم للشرطة العراقية " .
إكتفت غالبية الحاضرين بهزات من رؤوسهم تأكيداً على ما جاء في رواية المحامي . وقد علق بعضهم بأن مصلحة الأمريكيين تقضي ببذر الشقاق بين السنة والشيعة ، وكذلك بين العرب والأكراد ، وذلك وفق القاعدة الذهبية " فرّق تسد " .
كان للسؤال الذي سأله رجل الاعمال وقعاً غير مستحب لدى الكثيريين " أين سمعتِ هذه القصة يا أستاذ ؟ " حتى أن المحامي لم يجد ما يستحق الرد به ، سوى : " القصة معروفة .. والأمريكان هيذي شغلتهم " .
لعل رجل الأعمال أحس بشيء من المهانة إزاء رد المحامي باستخفاف ، فأكد أن القصة ليست معروفة على الاطلاق ، حتى أنه سأل الحاضرين إذا سمع بها أحدهم قبل الآن . لم ينتظر رداً من أحد ، بل إعتبر أن الخلاف بين السنة والشيعة قائم منذ فجر الاسلام " صراع عمره ألف وأربعماية سنة " .
جميعنا لاذ بالاصغاء إلى كلام رجل الأعمال الذي إستطاع بشيء من الهدوء ، وكثير من الحزم جعل الجميع ، وبمن فيهم المحامي يصغون إلى عرض تاريخي مسهب منذ نشأة الانشقاق في صفوف المسلمين الأوائل ,حتى يومنا الحاضر . كان ينظر إلى كلّ منا وكأنه يتأكد من استيعاب كلامه عندما قال : " مَن يستطيع القول أن نزاع علي ومعاوية – الحسين ويزيد من صنع الأمريكيين ؟ "
قد لا تكون لعبارته تلك " لن يشفى المريض إذا أخفيت عنه علته " علاقة مباشرة بالموضوع . إلا أنه استطاع أن يتكىء عليها للوصول إلى دعم قناعاته في هذا المضمار ، فاعتبر الخطأ الفادح الذي تصحّ نسبته للأمريكيين هو " في جعلنا قادرين على كشف أمراضنا " .
صدام حسين ، كما قال رجل الأعمال ، إستطاع ضرب الجميع بالجميع ؛ مذهبياً وقومياً . ورغم ذلك نجح في إبقاء بؤرة التوتر كامنة بين السنة والشيعة ، وكذلك بين العرب والأكراد . وذكّرنا بهول المآسي التي بتنا نعرفها بعد سقوط صدام ؛ حرب كيماوية ومقابر جماعية وعراق بائس .
قد يعتبر البعض أن المحامي محق في مقاطعته لرجل الأعمال ، فالأخير وجدها فرصة للتحدّث في موضوع يتقن عرضه ويتقن أيضاً الدفاع عنه .. فأسهب وأطال . لكن المحامي قد اعتاد بدوره أن لا يترك الخصم يستحوذ على إعجاب القاضي وقناعاته . لذا وجد في كلام رجل الأعمال " أموراً كثيرة بحاجة إلى إعادة النظر فيها " . إلا أن ما وجده منفذاً للطعن في " مرافعة " خصمه ، كان : " لكن هذه الصراعات التي تحدّتَ عنها لم نسمع بها قبل احتلال الأمريكيين للعراق " .
أعتقدُ أن رجل الأعمال وجد في كلام المحامي سذاجة ، أو مستوى أدنى مما يريده . لذا وقف وهمّ بالمغادرة . إلا أنه قرر عدم المغادرة قبل إسماعنا ما وجده خاتمة معبّرة عما يعتقده في هذا الموضوع ، فقال أن الصراع السني الشيعي في العراق يمكن تحميل الأمريكيين بعضاً من مسؤوليته .. " أين مسؤولية الأمريكيين في التفجير المتبادل بين السنة والشيع في الباكستان ؟ "
لعل الرجل أراد استفزاز الجميع عندما رفع يده اليمنى أمامنا وقال بتأنٍ وحزم بأنه غير معني بالدفاع عن الأمريكيين الذين يضعون المخططات خدمة لمصالحهم المتواجدة في منطقتنا وفي أماكن كثيرة من العالم . همّ رجل الأعمال كما عبّر عنه بنفسه ، هو معالجة واقعنا بما هو غير مألوف في ثقافتنا وتراثنا . كان بودّي أن أسأل عما يقصده رجل الأعمال بقوله " بما هو غير مألوف في ثقافتنا وتراثنا " . إلا أنه أكمل بما يعبّر عن خلاصة قناعاته عند قال : " كلّ محاولة لالقاء مسؤولية واقعنا على الآخرين ، وراؤها أحد أمرين : الجهل أو تكريس واقعنا المزري " .
لم يكن الرجل فظاً كما اعتقدتُ قبل قليل . فقد اقترب من المحامي بهدوء ، ووضع يده على كتف المحامي وهو يقول باسماً : " على الأمريكيين ألا يركبوا سيارات الهامر Hammer عند إثارتهم الفتنة بين السنة والشيعة في العراق " .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب