الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية للمناقشة :رياح الاستبداد

فريدة النقاش

2016 / 3 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


توالت خلال الأيام الماضية وقائع تدل على أن للدولة الأمنية يدا طولي، بل إنها قد تكون أيضا توحشت، وأصبح العصف بالحريات التى انتزعها المصريون على امتداد قرنين من الزمان وبثمن باهظ أصبح هذا العصف عملا روتينيا يخرج لسانه لدستور البلاد الذى حصن الحريات، ويسخر من تضحيات الشهداء الذين سقطوا فى موجات الثورة، ودفاعا عنها، وقد كانت الحرية هى شعارها الأول، وكان الاحتجاج على الممارسات القمعية للشرطة أحد دوافعها، وإن كانت هذه الموجات الهادرة قد نجحت فى إزاحة رئيسين، وتعرية جذور الفساد والاستبداد حين سلطت عليها شموسها الوهاجة، فإنها لاتزال على الطريق فى سبيل التخلص لا فحسب من ترسانة القوانين المقيدة للحريات التى تراكمت عبر أزمنة الاستبداد، وإنما فى سبيل التخلص أيضا من الممارسات الأمنية التى تعتبر المواطنين عبيدا والشرطة سادتهم، وهى الممارسات التى ضربت الجهاز الأخلاقى للمجتمع فى الصميم، وشوهت العلاقات الاجتماعية التى أسس لها التفاوت الشاسع فى توزيع الثروة، واحتكار أصحاب الملايين والمحاسيب للسلطة، وتسيير البلاد وفق مصالحهم وأهوائهم باعتبارها ملكية خاصة لهم ولأبنائهم.

واستقوت المؤسسة الدينية إسلامية ومسيحية على المواطنين والمثقفين بخاصة فى خضم الصراع الضارى الناشب فى البلاد حول المستقبل الذى تتطلع الملايين التى لم تبخل بشيء أثناء موجات الثورة لأن يلبى هذا المستقبل احتياجاتها للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، بينما تقاتل المؤسسات والقوى الرجعية من أجل الاحتفاظ بمكاسبها ومكانتها التى بينت موجات الثورة عدم مشروعيتها وإن لم تنجح فى انتزاعها عنها، فازدادت هذه المؤسسات ضراوة وحكرا.

تسلطت المؤسسة الدينية الإسلامية على المفكرين والمبدعين، وتسلطت المؤسسة الدينية المسيحية على العلاقات الاجتماعية للمواطنين فيما يخص الزواج والطلاق الذى هو موضوع منازعة منذ عقود.

وأطاح الأزهر بمفكر كبير هو الدكتور “جابر عصفور” من منصبه كوزير للثقافة كان لديه مشروعه المهم لكى تصبح الثقافة جزءا عضويًا فاعلا وأساسيًا فى عملية التنمية عبر التنوير الذى يتأسس على العقل النقدي، والرؤية الشاملة، تلك الرؤية التى تقرأ التراث قراءة موضوعية، وتضع كل منتجاته الفكرية والسلوكية فى سياقاتها لأنها جميعا نتاج أزمنتها، ولا يجوز لنا أن نجعلها تتعالى على التاريخ أو نحولها إلى أصنام كما يفعل التوجه الغالب فى المؤسسة الدينية.

وحين أطلق الرئيس السيسى دعوته لتجديد الفكر الديني، ثم عاد ووصف ما يطلبه بالثورة الدينية حين أصبح خطر داعش يهدد البلاد.

استجابت المؤسسة للدعوة شكليا، فى حين أمعنت عمليا وواقعيا فى ممارستها القمعية باسم الدين، واستقوت الرجعية فى أوساط القضاء بهذا الموقف فقبلت النيابة قضايا الحسبة، وحكم قضاة بالسجن ضد الباحث “إسلام بحيري” والروائى “أحمد ناجي” وفى مغازلة ممقوتة لهذه التوجهات الرجعية أوقفت إدارة التليفزيون المملوكة للدولة المذيعة آيتن الموجى لأنها استضافت الباحث فى علوم الدين والمفكر “سيد القمني”.

وأخذت قوائم الممنوعين من السفر، والممنوعين من دخول البلاد تتزايد لتعيد إلى الأذهان ذكرى الأيام السوداء التى شاءت سلطات الاستبداد فيها أن تحول البلاد إلى سجن كبير، لتفرض على المصريين سياسات اقتصادية واجتماعية ليبرالية متوحشة، تهدد حقهم فى العيش بكرامة، أو تفرض صلحا منفردا مع العدو الصهيوني، يخاصم العالم العربي، ويهدر تضحيات المصريين ويحاصر قضية تحرير فلسطين.

وتنم الممارسات القمعية المتزايدة ضد المواطنين التى توثقها منظمات مجتمع مدنى يجرى حصارها وملاحقة ناشطيها وصولا حتى إلى المجلس القومى لحقوق الإنسان الحكومى تنم عن كراهية للدستور الجديد الذى هو نتاج موضوعى لموجات الثورة، والذى يحمى بل يحصن الحريات العامة، ويكفل حرية الفكر والتعبير والاعتقاد وحق التنقل، ويجرم كل هذه الممارسات ويعاقب عليها.

ويبدو أن مجلس النواب الجديد المشغول بصغائره لا يشعر بخطر العدوان على الحريات وهبوب رياح الاستبداد فإن شعر سوف يسارع إلى وضع القوانين المكملة للدستور، وإلغاء تلك القوانين المخالفة له.

كذلك لم تستوعب السلطة الجديدة فى بلادنا حقيقة أن موجات الثورة أحدثت تغييرا جذريا فى المصريين، وعليها الآن أن تنتبه لهذا التغيير قبل فوات الأوان.

فهل يعرف البوليس أين ستحبل الأرض الصغيرة بالرياح المقبلة؟ رحم الله محمود درويش.

فريدة النقاش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر