الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلاص المزيف

حسن إسماعيل

2016 / 3 / 4
الادب والفن


في بدء التاريخ البشري
كان المجهول منتصب القامة
وكانت الأسئلة تجول تصنع خيراً وشكاً وعمقاً وبحثاً

كل حضارة شقت طريقاً ما للوصول
للإكتشاف والبقاء ..وللرسوخ والانتصار
البقاء للأقوى
البقاء للأصلح
البقاء للمــُتأقلم والمــُـتكيف والمــُـتحكم
البقاء لحاملي خيوط العرائس

وبعد قرون كان الحصاد
من شق طريقه في الغيب وزرع الشموع والبخور .. حصد العشور والنذور
ومن شق طريقه في الأرض وزرع الشك والبحث والفلسفة والرياضيات .. حصد العلم

كان خوف الأول عظيماً ورغباته أعظم .. فحصد هيكل عظيم مـُرصع بالذهب والماس
وكان شك الثاني عظيماً ورغباته أعظم .. فحصد مختبر عظيم مـُرصع بالخيال

لم يملك الأول سلع ملموسة يبيعها لشعبه
كلها كانت سلع وجدانية ضميرية جوانية
تعزية ما .. صبر ما .. رضا ما .. سلام ما .. أمان ما
ورجاء لإنتظار ما هو ملموس فوق
في أرض الملموس يعطيك الوجدان
وفي سما الغيب سيعطيك الملموس
انتظر .. انتظر .. انتظر .. بعد الموت ستأخذ
أو ستكون محظوظ جداً وستحضر .. الانتصار في الأرض
مُلك السماء للأرض
انتظر .. انتظر .. انتظر

لكن الثاني كان يملك سلع ملموسة يبيعها لشعبه
والشعب جائع للأشياء
والحاجة أم الإختراع
وماء الأشياء مالح .. لا يروي
ولأجل ذلك سيظل السوق مفتوح على مصرعيه
لدينا عطشان ولدينا ما يظن أنه يرويه
معادلة التــُخمة التي لن تنتهي
والسراب لا يحتاج لغيب لنبقيه
يمكن أن تصنع سراب لعطشان في الأرض أسهل
والحياة بين الإحباط والرجاء .. بين الرغبة والقدرة .. بين الحلم والتحقق .. ممكنة
فانتظر .. واشرب واعطش .. وانتظر .. واشرب واعطش .. وانتظر

بعد قرون من تخيـُل الأول أنه امتلك الإجابة ومن تخيـُل الثاني أنه امتلك السؤال
من احتكر معرفة الغيب
ومن احتكر معرفة الوجود
من صنع نهراً من الدماء وأكوام من الجثث على مذبح الحقيقة المطلقة
ومن صنع نهراً من الدماء وأكوام من الجثث بقنابله النووية وطائراته التي بلا طيار

من ملأ كنزه وصندوق نذوره بعطايا القطيع للرب الذي ليس لديه حساب بنكي
ومن ملأ كنزه بسوق العولمة والشركات عابرة القارات وبمصانع السلاح التي تحتاج للحروب
ومصانع الأدوية التي تصنع الأمراض لكي تعالجها
البائعون الجائلون للغيب .. والبائعون الجائلون للأرض

المتكبر الأول من امتلك المطلق
والمتكبر الثاني من امتلك النسبي
وبينهما شعوب وقبائل تتقاتل وتتصارع على صك الجنة ولقمة خبز
وجهى عملة الجوع الإنساني .. الحرية والخبز أو الخبز والحرية .. ملك وكتابة

ما أتعس الإنسانية عندما تقع في فخ الجوع
وعندما يرصد جوعها صياد بلا قلب
تكتمل الغواية

المشكلة بعد هذا الكم والكيف الهائل من القرون
من الخوف والجوع والقلق والبحث والإرتواء والشبع
مازال الإنسان خائف
مازال الإنسان جائع
مازال الإنسان عطشان
لم يخلصه الهيكل
ولم يخلصه المختبر

يمكن أن تكون الإشكالية في البحث عن خلاص
في البحث عن شبع كلي
في البحث عن ارتواء بالرشفة القاضية
احتمال

أو احتمال آخر ..
أن الإشكالية في كبرياء الطرفين .. كبرياء الغيبي وكبرياء النسبي

والسؤال .. هل نحتاج أن نعرف أننا أطفال في كوكب في الفضاء الرهيب جداً
وأننا نحبو ومازالنا نحبو
وأننا نعرف بعض المجهول وبعض العلم
نعرف الكثير من الأسئلة وقليل من الإجابة
وأننا نحتاج أن نتأنسن أكثر من احتياجنا للإجابة والمعرفة والتكنيز
وأن الأطفال الجوعى أهم بكثير من تنظير الغيب وديناصورات العلم المسلح
وأن العجائز أهم بكثير من رائحة البخور وثيران الأسواق
ما أقبح وجهي العملة .. الكاهن والعالم .. من لا يصنعوا حياة افضل للبشر وللحيوانات وللطبيعة

ما أغبى الكبرياء والمتكبرين .. يثقبون سفينة بشريتنا بدعوة خلاصها
من أي الأشياء تخلصونا ؟!
هذا خلاص أم استعباد ؟!
هذا خير أم فساد
لو هذا هو الحب فكم يكون التوحش ؟!
لو هذا هو الهيكل فأين مغارة اللصوص ؟!
لو كانت قلوبكم لحمية فقلوب الصخر تربح

هل حان الوقت أن نقف .. أن نجعل إجاباتنا تصمت وأسئلتنا تستحي
هل حان الوقت لكي نرى كم تلوثنا بدماء الأبرياء
هل حان الوقت أن نصغي لصراخ المطرودين والمشردين والمنبوذين في الأرض
هل حان الوقت أن نذهب إلى الجوعى والعطشى
أن ينزل كل طرف من عرشه المرصع بالكبرياء
ويجول يصنع خيراً ويشفي كل من تسلط عليهم مرض أو فساد أو شر أو أنانية
هل حان الوقت أن يتأنسن الإنسان ؟؟؟؟؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81