الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السعادة في التطوع/ قصة

باقر العراقي

2016 / 3 / 5
الادب والفن


السعـادة في التطوع
في شهر تموز وعند منتصف الليل تماماً، كنت قد أنهيت واجبي في حراسة الرادار الفرنسي العتيق، المسمىi-o-c كانت ليلة صيفية جميله منعشة، عدت إلى سريري الذي أخرجته عصرا من القاعة الحامية، والتي أخذت حرارتها من حر الصحراء اللاهب، في منطقة نائية، غرب مدينة الناصرية 0
إستلقيت على السرير متأملاً وجه القمر، والذي طالما يعطيني أملا في الحياة، وتفاؤلاً لا حدود له، أرخيت عيوني وذهبت في غياهب النعاس، وبعد فترة قصيرة سمعت أنيناً من مكان قريب، صرخت فزعا: أنه صراخ طفل...! وفي مكان قريب..! بل هو مولود صغير..!، يا الهي.... ما هذه المصيبة نحن في الصحراء، من أين جاء هذا المولود؟ حتى أنه لا توجد نساء هنا، وبعد فترة أزداد الأنين ولأكثر من طفل هذه المرة.
نهضت من السرير مفزوعاً، وأخذت أبحث عن هذه الأصوات، وقدماي تتسابقان مع بعضهما البعض، وأنا اقترب نحو الأنين، وإذا بي أرى كلباً يئن ويتوجع ويعوي، لكنه ليس ذلك الصوت الذي سمعته من فراشي، وقفت في سكون الليل منتظراً خروج الأنين، فأخذ يظهر من جديد، وسمعته يخرج من تحت قدمي، من باب "بالوعة" الحمامات القديمة المهجورة0
عندها أدركت أن هناك جراء، وهذه أمهم التي تتوسل اليَ، وهي بالفعل الأم الثكلى، حينها أتضح كل شيء بالنسبة لي، فالبالوعة عميقة ومبنية بالكونكريت المسل، وتحتوي فضلات جنود كتيبة الإنذار والسيطرة، تُراكمت منذ فترة طويلة ،أخذت أفكر ماذا افعل؟ والأنين يزداد، والأم بجواري تلوذ بنفسها، وتطلق الحسرات والآهات مطأطئةً رأسها بين قدماي، أخيراً قررت مساعدة الأم، ونزلت إلى الحفرة، وأخذت أبحث عن شيْ انزل عليه، متأرجحا وممسكا بكلتا يديَ، بفتحتها الصغيرة من الأعلى، لكن دون جدوى، فلم أستطع لمس القاع0
لم تصل قدماي إلى القاع، خرجت لأبحث عن شيء أنزل عليه في الحفرة، وجدت علبة زيت كبيرة قديمة، أمسكتها بأصابع رجلي وأنزلتها رويدا رويدا، ونزلت وراءها، كان الظلام دامسا في الداخل، والرطوبة عالية جدا، والحشرات تتناثر على جسدي من كل جانب، لكنها لن تثنيني، أخذت أتلمس الأرض المملوءة بالقاذورات، إلى أن أمسكت أحدهما.
نظرت إلى الفتحة التي كانت أملي في الخروج فرأيت القمر، وقد ظلل نصف وجهه، وجه الأم الثكلى، وكأنها تناديني :-أعطيني صغيري، أرجوك - أرجوك، فأخرجته من باب الحفرة، وعدت أبحث عن الأخر، الذي يسكن عندما أتحرك، فكرت بالخروج وتركه، التفت نحو فتحة البالوعة فوجدت الأم تنظر لي وكأني أرى دموعها تنسال على خديها، عندها قررت أن لا أخرج إلا مع الصغير الآخر0
فعلا كان لي ذلك، بعد جهد جهيد، وخوف شديد، ووقت أستغرق نصف ساعة تقريبا، خرجت مزهواً فخوراً بنفسي، رغم القذارة والروائح الكريهة، فجأة إعترضتني الأم، وجراءها تتراقص بين أرجلها، وكأنها تقول لي أشكرك من كل قلبي، وفقك الله أيها الشاب الصغير.
إغرورقت عيناي وإنهمرت دموعي بحرارة، فرفعت رأسي ونظرت إلى القمر، رأيته يبتسم لي، ويعطيني أملاً جديداً في الحياة، وسعادةً لا توصف، أحسست حينها ببرودة منعشة على وجنتي المتسختين، وعدت أبحث عن ماء لأغتسل، وأنظف ملابسي الملطخة بالقذارة، متسائلا: هل أن مساعدة خلق الله تجلب السعادة؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دخلت الجنة
ماجدة منصور ( 2016 / 3 / 6 - 01:26 )
لقد دخلت الجنة يا رجل...ألا تدري ذلك؟؟
احترامي

اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا