الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إخفاء الحقيقة التاريخية للمرأة الأمازيغية شكل من أشكال طمس الثقافة الوطنية. الجزء الثالث والأخير

يامنة كريمي
كاتبة وباحثة

(Yamna Karimi)

2016 / 3 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إخفاء الحقيقة التاريخية للمرأة الأمازيغية شكل من أشكال طمس الثقافة الوطنية
Y.K.TAMALUT
الجزء الثالث والأخير
المرأة المعاصرة في تامزغا
تعيش المرأة المغربية في الفترة الحالية مرحلة انتقالية مما يصعب معه تحديد معالم وخصوصيات المرأة لأنها لم تتبلور بشكل واضح. حيث لازال هناك نوع من التجاذب ما بين إطارات ثقافية مختلفة تحاول كل واحدة تبني وضعية المرأة واستيعابها. لكن رغم هذه الوضعية سنحاول الوقوف على الفئات من النساء التي أصبحت أوضاعهن تتبلور معالمها بشكل أقرب من الوضوح. وإن المعيار الوحيد الذي اعتمدناه في هذه الفترة للتمييز ما بين فئات النساء بتامزغا، هو الوضع السوسيو-اقتصادي والموقع الجغرافي. فالمرأة تختلف خصوصياتها حسب الوسط التي تنتمي إليه. مما يسمح بالتمييز ما بين:
- النساء في المدن وقد قسمناهن إلى الفئات الغنية والمتوسطة والفقيرة.
- والنساء القرويات بدورهم قسمناهن إلى نساء محظوظات ونساء مهمشات.
1- النساء الحضريات:
1-1- المرأة الحضرية من الفئة الغنية:
إن هذا الصنف من النساء نجدهن ينحدرن من الأسر المنتمية حسب المعيار الاقتصادي للبرجوازية بمراتبها المختلفة، وبنسبة ضعيفة للإقطاعية. والمنتمية حسب المعيار الإثني للأسر الوافدة من الشرق أو المدعية للإنتماء، والتي انفتحت على كل من الحركة القومية العربية – حزب البعث – وعلى الحماية الفرنسية التي جمعتها بها مصالح عدة –الحركة الوطنية-.
1-1-1-المرأة الحضرية من الفئة الغنية، ذات الخصوصيات الشرقية –المرأة المحافظة-
هذه الفئة من النساء من نساء تامزغا هي التي استفادت من كل الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية وعلى رأسها التعليم. فرغم كون تعليم المرأة كان ممنوعا اجتماعيا باسم الدين، فإن هذه الفئة قد استفادت منه سواء عن طريق المعلمين الخصوصيين أو عن طريق المؤسسة المعروفة بدار الفقيهة. لكن هذا التعليم رغم ما كان يوفره للمرأة من وعي بمجموعة أمور فإنه كان تعليما انتقائيا تراعى فيه الشروط الضرورية لاستمرار السلطة الأبوية السياسية والاجتماعية والأسرية. لذلك فإن المرأة قد انحصر تعليمها في الأدب والفن وأحيانا الفقه ولكن تبعا لتأويل الأسلاف. وحاليا نجد أن هذه المرأة قد تولد عنها صنفين من النساء. وإن كان الصنفان يشتركان في الانتماء للطبقة الغنية وللأسرة المشرقية في غالب الأحيان، فهما حاليا يختلفان في التكوين وبالتالي في المبادئ والقيم وخاصة تلك التي تهم علاقة الرجل بالمرأة.
فالفئة الأولى تشبعت بالأفكار المشرقية فيما يخص الثقافة النسوية ولذلك ورغم تعلمها ووعيها بحقيقة الأمور ظلت على الأقل شكليا، محافظة على البنية الأسرية الرجولية المتمثلة في تبعيتها للرجل ومتحفظة من الوقوف معه جنبا إلى جنب، أو مساواتها له، خوفا من ضياع الامتيازات التي تحظى بها الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها. باعتبار أن وضعية كل من المرأة والرجل يشكلان الأسس التي قامت عليها المنظومة السوسيو-اقتصادية والفكرية لتلك الطبقة، وتغير هذه العلاقة سيودي حتما إلى التغير في النسق العام الذي وجدت ضمنه هذه الفئة السوسيو-اقتصادية المحظوظة وربما يتسبب ذلك التغير في ضياع بعض أو كل الامتيازات التي تتمتع بها تلك الفئة الغنية. لذلك فضلت الاستمرار في إظهار التبعية والرضوخ للرجل كميراث ثقافي للأزمنة ما قبل إسلامية للشرق العربي والذي استوعبته من خلال تربيتها وبإلحاح وإصرار من الرجل كممثل للسلطة الأسرية والاجتماعية. لذلك سميت –محافظة- لكن الحقيقة ليست محافظة في شيء لأن ادعاء القدرة على فعل شيء خارج قانون الطبيعة البشرية أمر لا أساس له من الصحة. ولذلك فإن ادعاء المرأة المحافظة قدرتها على قبول ظاهرة تعدد الزوجات، أو حرية الرجل في الطلاق، وتمتعه بامتيازات خاصة تجعله في مرتبة أعلى منها ومنحه كل الحق في السيطرة عليها واستغلالها، لا لسبب سوى أنه رجل، فإنني أجد ذلك ضربا من ضروب الحماقة والهذيان. لأن الطبيعة البشرية ترفض الاشتراكية في الأشياء التي نعزها وبالنسبة للمرأة المتزوجة عادة أغلى ما عندها زوجها وما تقاسمه من خلفة وكسب مما يخلق لديها نوع من الغيرة عليه ورفضها مشاركة أي امرأة لها فيه وإن كانت أمه. نجد هذا الصنف من النساء يظهر نوع من التفهم الاصطناعي الرجل عندما يريد أن يتزوج بامرأة أخرى أو نساء أخريات حتى وإن لم تكن الضرورة تدفع لذلك – لأنني أستثنى حالات الضرورة إيمانا بأن العمل الذي يقوم به الفرد بفعل الضرورة القصوى أمر لا يرفضه العقل والمنطق رغم صعوبة تقبله أحيانا على المستوى العاطفي-. أو أنها تعلم بوجود خليلات له أو ما شابه ذلك ولكنها تبدي عدم الاهتمام حتى يرضى عنها المجتمع الرجولي ويوشحها بوسام المرأة الصالحة الفاضلة المضحية. لكن ودائما بالانطلاق من الطبيعة البشرية وما يطبعها من أنانية وغيرة... فإن هذه المرأة عادة ما يرافق سلوكها الظاهر هذا الذي لا يعبر عن إرادتها الحقيقية، سلوك آخر يرافق رغباتها ويفجر مكبوتاتها وذلك السلوك إما أن يكون في شكل انتقام من نوع، العين بالعين والبادي أظلم. أو أنها تنغلق على نفسها وتلجأ للغيبيات وتحتمي بالخرافات. لأن الوسط رجولي متطرف أو أن هناك مصلحة تسعى لقضائها سواء لصالحها أو صالح أهلها والجميع يعرف أن الزواج في هاته الأوساط عادة ما يكون زواج مصلحة. ولذلك ما يمكن استخلاصه هو أن هذا النوع من النساء يعشن ازدواجية الشخصية. لأن سلوكهن لا يخالف في الحقيقة مبادئ الطبيعة البشرية كما يظهر. وإنما كل ما هناك أنهن يفعلن ما لا يقلن ويقلن ما لا يفعلن. ولذلك فلسن خاضعات حقيقة وإنما شكلا فقط وذلك قد ثابت ثبوت اليقين بحكم التجربة الناجمة عن معايشتهن لمدة طويلة جدا، فهن حاليا لا يعشن حالة المساواة مع الرجل فقط، كما يتطلب المنطق الإنساني، وإنما يتحكمن فيه ويعتبرنه مجرد مورد اقتصادي مهم في حياتهن. مع الاحتفاظ دائما بطابع سيادة السلطة الأبوية.


1-1-2- المرأة الحضرية من الطبقة المتوسطة:
هذه الفئة من النساء تشكل نسبة مهمة جدا ولا أدل على ذلك ما سنحاول توضيحه. فمن أهم خصوصيات هذه المرأة هي كونها ولدت في بيئة مناسبة للعيش والتربية القريبة من الحقيقة والواقعية، لأنها لا تعاني من نقائص الوسط الفقير وما يتسبب فيه من انحراف وفساد بفعل الفاقة والعوز، ولا نقائص الغنى الفاحش وما يترتب عنه من طغيان وتجبر كأعنف أشكال الأمراض والمفاسد الاجتماعية. وقد صدق صلى الله عليه وسلم حينما قال خير الأمور أوسطها. ونظرا لما لهذه الطبقة الاجتماعية من إمكانية التعامل بنسبة من الموضوعية، فمعظم نسائها قد استطعن التوصل إلى مستوى من الوعي السليم. وذلك بفعل أنهن يمثلن المرأة التي تتمتع بنوع من الاستقلالية الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي الفكرية بحكم أنها لا تخضع لضغوط المصلحة الاقتصادية ولا لضغوط التبعية للمشرق مثل المرأة المحافظة ولا يؤثر عليها بريق الغرب، الأمر الذي يمنحها كل الإمكانيات للتأمل في الذات وملاحظة الواقع ومحاولة تشريحه وإعادة بنائه على أسس محلية وإنسانية، دون الخروج عن جوهر الحقيقة. فهذه الفئة من النساء إذا استثنينا منهن نسبة فضلن التسلق الطبقي والانصهار في الوسط البرجوازي فإن الباقي قد اتجهن طريق البحث عن الحقيقة لأنه قد تولد لديهن إحساس بأن كل شيء من حولهن – المعارف المدرسية – طبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية... –يوحي بأن هناك أمر غير واضح يستلزم الوقوف على كنهه. ومن هذه الأرضية توصلن إلى اكتشاف مجموعة حقائق، بما فيها وضعية المرأة الأمازيغية. وتفهمن أن علاقتها بالرجل علاقة غير منطقية ولا موضوعية. وسعين للبحث عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الحالة المرضية. انطلاقا من قناعتهن بأن، كل من المرأة والرجل يجب أن يعيشان على أساس المساواة والعدالة وأن اختلاف الجنس ليس مبررا لتفضيل أحدهما على الآخر، انطلاقا من المبادئ الإسلامية والمنطقية. ولذلك يمكن اعتبار أن هذه المرأة هي التي أسست لحركة نسوية تطالب بالحقوق الطبيعية للمرأة، وتندد بكل تمييز اتجاهها وترفض أن تخضع المرأة لأي نوع من العنف سواء أكان معنويا: كتحديد مصيرها فيما يتعلق بالدراسة أو العمل أو الزواج والعزل... أو جسديا عن طريق الضرب والجرح – محجبة-... وكذلك مضايقتها – التحرش الجنسي – واستغلالها بشكل أو آخر. ولتحقيق ذلك تمت إقامة وإنشاء مؤسسات لتوعية المرأة ومساعدتها في الحالات الشاذة مثل الطلاق التعسفي، الحمل الغير المرغوب فيه، التعرض للضرب المبرح، هروب الزوج من بيت الزوجية، استحواذ الرجل على مال المرأة، استخدامها بشكل لا يحترم مبادئ حقوق الإنسان... كما أن هذه الفئة من النساء تحاول تغيير النظرة التحقيرية إلى المرأة سواء من طرف الرجل أو من طرف المرأة نفسها لأن الوسط الاجتماعي والعامل الزمني قد جعلا المرأة تتعرض لغسل الدماغ، وتفقد الثقة بنفسها وتقسو عليها إيمانا بالمقولة القائمة على أن الرجل خلق ليكون أفضل من المرأة ولذلك فله حق التحكم فيها وما عليها إلا السمع والطاعة والتنفيذ لتستمر الحياة الأسرية ومن ثمة الحياة الاجتماعية فالحياة البشرية. الأمر الذي لا يختلف عن المبادئ التي قامت عليها السياسة الإمبريالية من "خلق العرق الصيني للعمل...، والعرق الأسود لخدمة الأرض... أما الأوربيون فيمثلون عرق السادة والجنود. فليعمل كل واحد فيما خلق له ليسير كل شيء على أحسن حال"(1).
1-3- المرأة الحضرية الفقيرة:
يشكل هذا الصنف أغلبية النساء بالحواضر. ومن مميزات هذه النساء هو الفقر وكل ما يرافق هذه الظاهرة من آفات اجتماعية وخلقية. مثل عدم توفر أدنى حاجيات العيش سواء فيما يتعلق بالسكن والمأكل والملبس والصحة والتعلم... فترتفع نسبة الأمية بينهن وينتشر الجهل ويقل الوعي، مما تترتب عنه مجموعة من الانحرافات مثل المتاجرة في الأعراض والسرقة والعنف سواء كمصدر أو متقبل. وارتفاع ظاهرة الطلاق والتعاطي للشعوذة والسحر في غالب الأحيان كملجأ للعاجزات والعاجزين والمحرومات والمحرومين والتعلق بالأولياء والسادة... وهذه العينة من النساء هي التي تعيش ظاهرة الاستغلال والاستعباد بجميع أشكالها ومن جميع الأطراف وخاصة الرجل فهو يضغط عليها ويبتزها سواء كزوجة أو عاهرة أو متشردة أو عاملة أو خادمة أو حماة أو بنت أو تلميذة أو منتخبة بحيث استغلال النساء في هذا الجانب يهدد أمن واستقرار البلد ويحول دون أي تقدم لأن الأمر وصل به إلى درجة أنهم يدفعونها من أجل أن ترفض المطالبة بحقوقها ورفع الظلم عنها وتحارب من يحاول أن يحقق لها ذلك. ولا يجوز أن نلومها وإنما اللوم يقع على من كان سببا في أن تتدنى وضعيتها إلى هذا الحد وإن كان لها قسط من المسؤولية في ذلك. وهناك دراسات لكل حالة على حدة وكلها تثبت بأن المرأة محط استغلال وتمييز وعنف... الأمر الذي جعل الهيئات الدولية التواقة للحرية والكرامة الإنسانية السهر على التحسيس بهذه المشاكل في شكل احتفالات وذكرى مثل اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء، ذكرى عيد الأم... وضع عقوبات للحد من التحرش الجنسي والبحث عن علاج لها سواء عن طريق التربية والتعليم أو نشر مبادئ حقوق الإنسان أو محاولة التوعية بضرورة قراءة الإسلام قراءة جديدة تستهدف المعرفة الدقيقة بمبادئه الجوهرية. لكي لا يخضع ديننا الحنيف للحكمة القائلة الدين أفيون الشعوب".
2- المرأة القروية:
2-1- المرأة القروية المحظوظة:
إن هذه الفئة من النساء رغم اختلافها الجغرافي مع المرأة الحضرية وما لذلك من قدرة على جعل خصوصيات كل منهما تختلف عن الأخرى، فإننا نجد أن المرأة القروية المحظوظة تتشابه مع المرأة الحضرية –المحافظة- وذلك لأسباب عدة أولها تاريخي ومرتبط بأن النظام الإقطاعي الذي تنتسب له المرأة القروية المحظوظة هو في غالب الأحيان بيد الأسر التي يدعم وضعها السوسيو-اقتصادي، العنصر الديني-الشرفاء، شيوخ الزوايا، فقهاء...- لذلك يصعب عليها المس بالركيزة الأساسية التي توفر لها التميز الاقتصادي والاجتماعي بالمقارنة مع باقي الطبقات الاجتماعية الأخرى ولو كان ذلك على حساب عدم مساواتها الظاهرية للرجل كما وضحنا ذلك في فقرة المرأة الحضرية المحافظة لكن لابد من تسجيل الحقيقة التالية وهي أحيانا حتى هذه المرأة المحمية بحكم وضعها الاقتصادي والاجتماعي، فإنها بحكم غياب الحماية القانونية المسطرة فإنها تتعرض لنفس مصير غيرها من النساء في بلاد تامزغا وهو التحقير والاستغلال.



2-2- المرأة القروية في البوادي أو الجبال النائية:
رغم اعتناق هذه المناطق للإسلام فإن انعزالها وبعدها عن الضغوط العربية كسلطة مهيمنة ساعد المرأة الأمازيغية على الاحتفاظ ببعض مظاهر الثقافة المحلية القديمة. وفي هذا الصدد يقول إيكور: "النساء في القرن العشرين يتمردن على السلطة الذكورية ولكن خلال العديد من الحضارات القديمة، كان من الممكن أن يكون الرجال هم من يتمردون على السلطة الأموسية. فالسلطة النسوية، كانت هي المنتشرة بشكل لا يمكن أن نتصوره، والعالم الأمازيغي بالأخص، لازال يحتفظ بالآثار. فإلى اليوم لازال الطوارق الذين هم أمازيغ تحكمهم النساء، والرجال مهمتهم حربية(2). فعلا ما جاء عند إيكور شيء ثابت تاريخيا ومازالت آثاره قائمة وموجودة إلى حد الساعة في بلدان تامزغا بصفة عامة والمغرب بصفة خاصة. حيث المرأة تعتبر صاحبة سلطان ونفوذ. ويظهر ذلك من خلال كونها:
* تملك حق اختيار زوجها بكامل إرادتها ولا أدل على ذلك مما يحدث في أيت حديدو-إملشيل- هذه الظاهرة التاريخية التي رغم أن السلطة المهيمنة قد شوهتها وحولتها إلى ظاهرة فولكلورية(3) فهي أصدق شاهد على عزة المرأة الأمازيغية.
* تقرر وتسير أمور العائلة بكامل الحرية وهي التي تبث في الأمور المهمة. ولما لا؟ وهي التي تقوم بكل الأعمال الفلاحية من زراعة ورعي وسقي وأعمال منزلية وما تتطلبه من أعمال خارج البيت مثل البحث عن الماء والحطب وحش الكلأ للماشية وإصلاح البيت وتزيينه والقيام ببعض الحرف اليدوية لتوفير الحاجيات الضرورية أحيانا أو للتجارة أخرى خاصة إذا علمنا أن في معظم القبائل الأمازيغية تمارس المرأة التجارة بامتياز. هذا فضلا عن كونها زوجة وأما.
- وجود حالات حيث الأبناء يحملون لقب أمهاتهم، وذلك على شاكلة حمو نعيشة، بوعلى نيطو ميلود. بل قبائل بكاملها تنسب للمرأة مثل أيت زينب، أيت فاطمة على غرار ما كان معروفا سابقا وقد أشرت لذلك.
* تتمتع بحرية التخلي عن زوجها إذا دعت الضرورة إلى ذلك، خاصة وأن معظم القبائل الجبلية لا يتم فيها الزواج بالعقد المكتوب حيث يقتصر الأمر على الجماعة أو الفاتحة. هذه الظاهرة – الحرية في الزواج والطلاق –نلاحظها في موريتانيا بشكل كبير. وعند الطوارق مثلا، المرأة تتمتع بامتيازات كبيرة اتجاه الرجل. فهي التي تقرأ وتكتب وتعلم الأطفال، بحروف تيفيناغ، وهي التي تمارس الموسيقى. والتمتع بهذه الحريات هو الأمر الذي أكسبها شجاعة وجعلها في مستوى المسؤولية داخل وخارج البيت.
2-3- شجاعة المرأة الأمازيغية وجرأتها:
احتفظت المرأة الأمازيغية بخاصية الشجاعة والإقدام كرصيد ثقافي موروث عن الأجيال الضاربة في القدم – الأزمنة الأموسية– مما جعلها تقوم بكل الأعمال والمهام الصعبة والشاقة والخطيرة إلى درجة أنها اقتحمت عالم المخاوف والمخاطر وساهمت في الأعمال الحربية، سواء كرفيقة ومشجعة للرجل – زوجا أو أبا أو أخا – لهم أو كممرضة للجرحى والمعطوبين أو كحاملة للسلاح وفي هذا الإطار أستحضر الشهادات الآتية:
فعن المرأة الأديبة والشاعرة التي وظفت أدبها للمقاومة والنضال من أجل أشرف قضية وأنبل هدف وهو الوطن، فلم أجد أفضل من امرأة ضريرة – لا تبصر – والمعروفة بتاوكراتأولث عيسى نايث سخمان. أقامت بالأطلس وبالضبط في منطقة أغبالا أولا ثم رحلت إلى تونيفت. نشأت يتيمة ولم تتزوج وكرست نفسها للمقاومة ومواجهة الاستعمار بالكلمة القوية المعبرة والشعر الملتزم الهادف، الموجه للاستعمار تارة وللمتخاذلين في مواجهته تارة أخرى وعنها يقول رينيي الذي يصفها بأنها كانت عدوتهم: "لم تكن نبية ولم تكن سحارة... وإنما كان لها خيال يندهش المرء لما فيه من قوة خارقة".(4)
أما عن النساء اللواتي حملنا السلاح أو ساعدن مباشرة حامله، فإنني قد وجدت شهادة صادقة فيما قاله المقاوم عبد الله عبد الرحمان الصنهاجي في حق المرأة الأمازيغية، مرحلة المقاومة المسلحة وهو كما يلي:
"فكانت هذه الزوجة خير مساعد لي في أعمالي وقت تأسيس وتسيير شؤون قيادة جيش التحرير بالناظور فقامت بعملها في هذا السبيل بقدر ما تستطيع القيام به المرأة في الجهاد، ووجدت في هذه الزوجة الوطنية الصادقة أمينة بنت علال بن حدو وقت ممارستها للعمل في القيادة... مثال المناضلة الصادقة السعدية زوجة أخي الشهيد محمد بن محمد بن علي. كما لاحظت هذه الروح الوطنية لدى كثير من النساء المغربيات المقاومات في صفوف المقاومة وجيش التحرير، كمثل المرحومة أمينة بنت بوزيان اليزناسية أم الرحماني ميمون بن محمد اليزناسي، التي أظهرت كفاءتها الوطنية في حراستها لمستودع السلاح بمركز "كرمة" على ضفاف وادي ملوية السفلي في الوقت الذي فتحت السلطات الاستعمارية الإسبانية والفرنسية البحث عن هذا السلاح في المنطقة، بعد عثورها على البندقية العشارية، ومثل المرحومة أم المجاهد حمش التي عندما جرح ابنها هذا في أول معركة بتيزي وسلي، رافقته في نقله إلى المستشفى بالناظور وقالت لي هذه الكلمات بلغتها المحلية تاريفيت ما معناه: حموش في يد الله ويدكم أما أنا فابعث بي حالا جبهة القتال لأساعد ولدايا الإثنين الباقيين في الجهاد بالماء والخبز والبصلة؟ ومثل سيدة أخرى من تيزي وسلي لم أتذكر اسمها ولكني أتذكر قولتها الحكيمة في موضوع جهاد المرأة: فعندما دفعت قوات فرنسا بدباباتها وطائراتها في معركة ردها العنيف على المجاهدين في منطقة تيزي وسلي، وفرار سكانها المدنيين بأبنائهم إلى منطقة الحماية الإسبانية ووصولهم إلى نقطة الحدود حيث لقيهم سكان قبيلة بني توزين بالترحاب والدموع، عندها قالت سيدة بلغتها (الأمازيغية): "مايمي امطاون خا الشهداء أرحث أكيدي أتزرم ثلاث انتمغارين أمجاهدن أورونت ثلاث إمجاهدن دجدد أذرن ذي الجهاد". ما معناه بالعربية: لماذا هذا البكاء على الشهداء، تعالوا معي رؤية ثلاثة نسوة مجاهدات قد وضعن في الخلاء ثلاثة مجاهدين جدد". ومثل المرحومة خديجة زوجة المجاهد موح حماد أقضاض التي كانت دوما إلى جانب زوجها في جبهة القتال جنبا إلى جنب كالرجل.
ولم تكن المرأة المغربية حديثة العهد بالمقاومة والجهاد في سنوات معركة الملك والشعب من أجل الاستقلال فقط، كما استغرب ذلك المؤرخون والمفكرون الأجانب عندما شاهدوها تخرج من وراء الحجاب لتقود المظاهرات وتشارك في المقاومة وجيش التحرير، بل كانت في تاريخها البعيد القريب، بالإضافة إلى مهمتها المنزلية، تحمل البندقية وتجاهد إلى جانب زوجها وأولادها في الجبال والسهول ومن الجنوب إلى الشمال منذ أن بدأت الجيوش الفرنسية والإسبانية في حملاتها العسكرية لاحتلال البلاد من سنة 1907 إلى 1934م، وهي بذلك خلدت أروع صور البطولة والجهاد لدى النساء المغربيات كما عرفهن التاريخ"(5).
وإلى جانب هذه الشهادة الرائعة في حق النساء الأمازيغيات في منطقة الريف التي لا تختلف عن باقي المناطق والجبال نستحضر شهادة المؤرخ فورنيل الذي رغم انتماءه إلى الطرف المعادي للأمازيغ خلال فترة المقاومة لم يمنعه ذلك من القيام بمهمته وتسجيل هذه الحقيقة التاريخية التي يقول فيها: "وقد ذكر إدوارد وسترمارك أن هؤلاء الصالحات كثيرات الوجود بمراكش، وأن هذه البلاد تنفرد بذلك عن عامة بلاد المسلمين، وأكد أن مسلمي مراكش استبقوا ذلك من أام وثنيتهم الأولى. وطكرإيفير امرأة شديدة الشبه بالكاهنة لها شبه زعامة على بعض البربر الذين كانوا يناوئون الفريسيين واسمها لالا فاظمة"(6) أما إذا تكلمنا عن المرأة الأمازيغية في الجزائر فإننا لا يسعنا إلا أن نركع أمام إنجازاتها الاجتماعية والوطنية وعلى رأسها عملية الجهاد التي خاضتها هذه النساء بأعداد جد مهمة وبكل شجاعة وتضحية حيث أن السجون الجزائرية في عهد الاستعمار الفرنسي مثل سجن باربروس والحراش وسركاجي والقصبة وغيرها كثير قد احتضنت عددا هائلا من المجاهدات اللواتي حولن على أكثر من سبعة سجون حسب شهادتهن بتهمة حمل السلاح أو توزيعه أو صنع المتفجرات... لكن الذاكرة الرسمية الجزائرية – الكتابات التاريخية الأفلام الوثائقية الأنشطة الثقافية – التي لا تختلف عن مثيلاتها بشمال إفريقيا قد همشت أو على الأقل قوضت كل إنجازات المرأة وأقصت نضالها وتضحياتها كمظهر من مظاهر إقصاء المرأة نفسها. وحصرت العمل النضالي على الرجال بشكل واضح.
2-4- ذكاء وحنكة المرأة الأمازيغية:
إن الكلام عن المستوى الفكري للمرأة الأمازيغية في الفترة المعاصرة أمر يصعب الإحاطة به أولا لتعقد معايير قياس الذكاء من جهة ولصعوبة إيجاد نماذج محددة جغرافيا. لذلك سنعتمد فقط على توضيح بعض مظاهر الذكاء الذي تتمتع بها المرأة الأمازيغية والذي يتضح من خلال أنها رغم حداثة تعاطيها للدراسة والعلم والبحث عن المعرفة فإنها قد حققت نتائج أكثر مما يمكن أن يتصوره العقل وأحرزت على نسبة من المعارف والتجارب يندهش لها المرء. وشطارتها هذه تتضح أكثر عندما نطلع على الصورة المأساوية للظروف القاسية التي تتعلم فيها المرأة الأمازيغية خاصة في البادية. وقد تكلمت عن الصورة لأن رغم محاولتي التقرب من المشكل فإنني بكل بساطة وموضوعية أعتبر نفسي غير قادرة على نقل صورة تامة ونزيهة لتلك الظروف. والتي تتمثل في بعد المدرسة في غالب الأحيان بما يقارب عشرات الكيلومترات عن مكان الإقامة. غياب المواصلات وعورة المسالك والممرات. شدة البرد أو كثرة الثلوج والإفتقار للملابس الضرورية لقساوة الشتاء. العطش ولهيب الشمس المحرقة أحيانا لسعات الزواحف والحشرات صيفا. التعرض للعنف من طرف الأطفال كظاهرة من مظاهر المجتمع الذكوري. مواجهتها للاستغلال الجنسي سواء خارج المدرسة – لبعد الطريق وخلوها – أو داخلها. أضف إلى ذلك ضرورة مساعدة أهلها في الأعمال الفلاحية طول السنة إلى جانب العمل في الحقول الأخرى مقابل أجر في حالة الفقر. وكذلك مساعدة الأم في بعض الحرف التي تشتغل بها المرأة القروية والتي منها صناعة الزرابي والحياكة والأدوات المنزلية. بل الخطير في الأمر هو الجو العام الذي أحيطت به تلك الفتاة أو المرأة في هذه المناطق (7) والمتمثل في دور الدعارة والفساد وسط التي استنبتت في معظم المناطق(السيبة سابقا) ناهيك عن الفقر المدقع والغياب التام وربما المتعمد للسلطات. ورغم هذه الظروف الخانقة التي لا يمكن إلا أن تحبط العزائم وتقتل الآمال وتحول دون تحقيق المبتغيات، استطاعت المرأة الأمازيغية من الجبال أن تصبح مهندسة وطبيبة وأستاذة ومحامية وربة بيت تحمي أسرتها بمالها الذي تجنيه من عملها وبخدماتها التي تقدمها لأبنائها كاد ومعلمة وصديقة ولزوجها الذي ترى فيه عنصرا ضروريا للحياة الأسرية السليمة لأنها وإن استقلت عنه ماديا واستغنت يوما عن نفقته بشكل كلي فإنها تعي بأن وجوده ضروري وحتمي لكونه يشكل إحدى دعائم الأسرة، مثله مثل المرأة أو الأولاد، حيث إذ غاب عنصر منهم فقدت الأسرة إحدى ركائزها وتضررت بفعل ذلك وهذا موقف من الرجل يرفع من قيمته ويعزز وجوده أكثر من السابق ويثبت أن تعلم المرأة وخروجها إلى العمل لا ينافس الرجال ولا يقلل من شأنهم ولا يمس بالأخلاق ولا يهدد استقرار الأسرة والمجتمع مادام كل عنصر من عناصر هذه الأسرة أو المجتمع يتحمل مسؤولياته في إطار الحق والعدالة والمساواة والاحترام. ورد الاعتبار للمرأة في نظري ينتج عنه كذلك رد الاعتبار للرجل لأنه بعدما كانت تنظر إليه المرأة كحارس أمين وكمورد مالي قيمته تقاس بما ينفقه عليها، "الرجل مكايعيبو غير شكارتو" حاليا أصبحت المرأة المعاصرة تنظر إليه كإنسان من جهة وكعنصر ضروري للحياة الأسرية السوية ومن باب الاحترام والتقدير الذي تكنه له، فهي تتقاسم معه عبء الحياة ومتاعب الدنيا. ولا تطلب مقابل ذلك إلا سلوكا إنسانيا بسيطا ألا وهو اعتبارها قانونيا واجتماعيا، إنسانا قادرا على تحمل المسؤولية لأنها فعلا تتحملها وبكل جدارة واستحقاق رغم كل الضغوطات التي تمارس عليها من أجل إظهارها بمظهر الضعف والغباء. وتهميشها في كل المور والقضايا وأن كانت هي التي تحركها وتصنعها والدليل على ذلك الحقائق التي توصلنا إليها في هذا البحث والتي ظلت طي الكتمان بل الخطير أنها عوضت بصفات وسلوكات لا تمت لواقع المرأة الأمازيغية في شيئ.









الخلاصة:
انطلاقا مما سبق عرضه يمكن أن نقول أن المرأة الأمازيغية أو المرأة بشمال إفريقيا بما فيها المرأة الفرعونية والنوبية عاشت سالفا أوضاعا اجتماعية وسياسية واقتصادية جد مريحة ومرضية. فهي لم تشكو من القهر ولا الاستعباد كما تتكلم عن ذلك الكتابات الرسمية للسلطة العربية المهيمنة بشمال إفريقيا حاليا. فقط لأن هذه المنطقة والتي لم تكن بينها حواجز حقيقية كما أوضحنا ذلك كانت في معظمها مجتمعات أموسية في أغلب المراحل التاريخية. ولذلك المشكل لم يطرح نهائيا قبل الغزو العربي لشمال إفريقيا عموما وتامزغا خصوصا. فالعرب هم الذين حملوا معهم ثقافة تحقير المرأة وتهميشها وتفقيرها وتجهيلها. لأن كل القوانين التي يخضعون لها المرأة لا تعمل إلا على الحط من كرامتها وإذلالها وبالتالي إذلال المجتمع لأن ليس هناك مجتمع لا تشكل المرأة قلبه النابض لما تلعبه من دور في التربية والتوجيه والإنجاب والإنتاج والتسيير والتدبير المباشر أو غير المباشر. والمناهضون لحياة المرأة حياة طبيعية يبررون سلوكهم اللامنطقي واللاإنساني هذا بالدين والشريعة، لكن في الحقيقة ما فعلوه وما يفعلونه اتجاه المرأة لا يمت للدين بصلة ولا أدل على ذلك من أن جوهر الإسلام هو الحرية والعدالة والمساواة واحترام الآخر وإيثار الغير وإعطاء لكل ذي حق حقه. فكيف يعقل أن تستثنى المرأة وحدها من هذه القاعدة ويحكم عليها بعض "الفقهاء" بالعيش مقيدة ومظلومة ومحتقر ومنبوذة ومهمشة ومستغلة بدعوى أنها ناقصة عقل ودين وتجب عليها الوصاية ولا يحق لها ممارسة حياتها الطبيعية بكل حرية ومسؤولية؟
إنه لمن المؤسف أن تكون العلاقة الأسرية وبالتالي الاجتماعية في تامزغا قد قامت منذ – الغزو العربي – في معظمها على هذا النوع من العلاقة ما بين المرأة والرجل التي لا يقبلها لا العقل ولا المنطق ولا الدين. لكونها تقوم على التمايز والتفاضل والاستعباد والاستغلال كمظاهر للظلم والطغيان. لأنها علاقة غير صحيحة ولأن الديانات قد نزلت لا لتكرس الخطأ وإنما لتصلح أمر البشر وتنظم حالهم وتنشر بينهم الرحمة والمودة والحب والسلام وهذه أمور لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل المساواة والتوازن ما بين المرأة والرجل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر