الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنون تحت المطر

طالب عباس الظاهر

2016 / 3 / 13
الادب والفن


جنون تحت المطر
قصة قصيرة
طالب عباس الظاهر
كان لوقع كلماته انثيال مريح في خلدي... سحر أخّاذ، فألوذ الى الصمت، مزيج من السخرية والحكمة والتهوّر والعبثية والجنون ... كأني أتعرف على خفايا وأسرار زوربا آخر، رغم إني امرأة يشهد الجميع لها بالرزانة والحكمة... لكن ها أنذا أعترف بان هذا الرجل قد انتزعني بسرعة البرق من سكون عالمي الهادئ، كسّر مرايا أنوثتي... ليقذف بي في أتون فوضى عالمه الصاخب المجنون.
سحرني منذ أول كلمة... كأني أخذت العدوى سريعا، وتهاوت جميع حصوني، فهل أتنازل عن توازني وأستجيب لجنونه؟
الغريب فعلا تناغم كلماته مع حالتي النفسية في خضم أجواء هذا الصباح الشتوي الرطب ... ببرده وضبابه ومطره، بحزنه وحنينه وايحاءاته.
هل هو مجنون فعلا ليرسل لي بحرارة هذه الكلمات رغم لقاءنا القصير... القصير جدا عبر هذا الفضاء الافتراضي... في هذا العالم الأزرق... الأزرق... المتماهي في حقيقة تشبه الوهم أو وهم يشبه الحقيقة، أم تراه فعلا شاعر مجنون كما يدعي؟
كلماته تندفع ليّنة .. عذبة.. ساحرة.. شاعرية، موغلة في الصدق والعفوية والعمق والوضوح.
موسيقى عشق صوفي تدغدغ مكامن خفيّة في الروح، وتسافر بي نحو مديات المستحيل.
في كل مرّة يفاجئني بما يمور في خاطري من هواجس ... يخبرني عني ... عن مشاعري بيقين راسخ كأنه يلمس مكنوناتي لمس اليد أو كأنه يستقرأني مثل أعتى العرّافين.
انتبهت الى ضجّة من أصوات المنبهات تشتعل خلفي، وتعكر طهارة وجه الصباح بالشغب، آه .. الضوء الأخضر في إشارة المرور!
لست أدري منذ متى انفتح السير وأنا متوقفة بسيارتي دون حراك؟
قطرات المطر تعزف سمفونيتها الخالدة على أوتار الحياة... نظرات العيون لسائقي السيارات من الجانبين وهي تجتازني كان فيها الكثير من التعجب الممزوج بالسخرية وربما الغضب!
هل ظنوا بي مجرد مجنونة تحت المطر.
تركتهم يسبقوني لأتخلص من سياط النظرات.
وقع مريح للحركة الآلية للماسحتين الأماميتين وهي تروح وتجيء بنصف دائرة لتفتح مجال الرؤية أمامي، وتزيح القطرات الكبيرة المرتطمة بالزجاجة في زخة مطر سريعة.
كلماته مازالت تندفع ... سيل جارف من الموسيقى ... إعصار يدفع معه تركيزي الى هُوة من الفراغ ... أفكار فعلا متطرفة، وصور مدهشة، كأنها سطور ملحمة عشق أسطوري.
سحر لغته يتساقط في بركة مشاعري الراكدة منذ قرون كتساقط هذا المطر، ليتحرك ... ليتكسر... لينمو فيها شيء ما، لتشتعل الفقاعات وتنطفئ، وقد ترك الحرية لمئات الدوائر الآخذة بالتمدد والاتساع الى مديات لانهائية في ذاتي.
كنت أتمنى أن يصادفني " ترفك لايت " آخر أكثر زحمة لأستطيع أن أقرأ كلماته بهدوء تحت المطر .. هل قلت أقرأ؟
أقصد أرتشف هذي الحروف على مهلٍ ... أحاول تذوقها بلذة حسيّة مترعة بالانتشاء... أسكر بخمرتها الروحية المعتـّقة.
كم وددت أن لا أفيق!
قرأت كثرا..
كتبت كثيرا..
لكن مثل هذا الجنون .. ومثل هكذا جموح.. ومثل هذي الثورة الشاعرية المتمردة لم أعرفها في حياتي، صرخت بذاتي ، مجنون .. مجنون .. مجنون.
لم أصادف في حياتي مجنونا حكيما مثله!
حسبت إن أصابع كائن خرافي من وراء الغيب هي من ترسل لي بتلك الحروف... ولم أستطيع تصديق وهم إن هناك من بني البشر من يمكن لكلماته ان تبث في روحي نغمات مثل هذا الفرح الطفولي، وتملأ مساحات حياتي بكل هذه الألوان من الجمال.
كلمات سحرية غمرتني بطوفان خيالاتها ... اندفاعها... حكمتها ... فلسفتها ... صدقها... عبثيتها... جنونها...و ...و.........!
" أشعر بالظمأ كلما حاولت الارتواء.
ألا تعلمين .. أما تدركين .. يا ....... يا أنتِ!
كم أحتاج وجودكِ مع نزول المطر؟
نحيبه الثاكل يتعالى..
في أول موجة حزن لهذا الشتاء،
وتذكرتكِ..
تذكرتكِ كغصّة فؤاد..
دموع السماء رطّبت مشاعري بالحنين اليكِ،
حفزّت جدبي على الاخضرار.
وأهاجت صقيع أحاسيسي الى الدفء..
دفء الحضور المستحيل،
سرّاي .. أنت والمطر".
لم أنتبه إلا على أصابع أحدهم وهي تنقر بقوة فوق زجاج سيارتي الجانبي .. بل تكاد تحطمها، وعلامات التعجب والغضب والإزدراء بادية في ملامح وجهه بوضوح.
آه ... لقد فعلتها مرة أخرى ... وكنت كأني امرأة بها مسٌ من جنون، وقبل انطلاقي وجدت اصبعي يرسل له آخر حرف من حروف الكلمة، وقد قطّعتها وهو " ك " مع نزول زخّة مطر سريعة مباغتة راحت تجتاح الوجود.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-