الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضايا في بلاغة الإقناع الفلسفي عند المهدي بن تومرت

محمد الشاوي

2016 / 3 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هو إمام الموحدين( 473 - 524 هـ ) ومؤسس دولتهم بالمغرب والأندلس؛
حيث رفع في عصره شعارا رئيساً مؤداه العودة إلى الأصول في الفقه من خلال توجه سار عليه محاولا مجاوزة ابن حزم الأندلسي من جهة 
والرد على المتكلمين من جهة أخرى.
 والهدف من ذلك هو النزوع إلى التأصيل بالرجوع بفروع الفقه إلى أصولها المستنبطة منها. وبالموازاة مع ذلك الوصول إلى المرتبة الإجتهادية؛ ردا على المرابطين من خصومه السياسيين  ولا سيما منهم الفقهاء الذين انكبوا حول إبستيمي الفقه المالكي الذي يعود بنا إلى الدولة الأموية.
وهو إبستيمي في تقديرنا يقوم على التقليد والإرتباط بالفروع على حساب الأصول ( أنظر : الناصري، الإستقصاء، الدار البيضاء 1954، المجلد الثاني، ص: 67،  وكذلك:   أبو بكر بن علي الصنهاجي  البيدق، أخبار المهدي بن تومرت وبداية الدولة الموحدية، الرباط 1971،
 ص : 67 ) .
 إن إجتهاد بن تومرت تأسس على معرفة دقيقة بالأصول الأرسطو طاليسية للمنطق والفلسفة والكوسمولوجيا، حيث لم يتأثر بها كغيره من الفقهاء والمتكلمين، إنه تأثيره هاهنا إكتسى طابعا خاصا، بل إنَّه ظل يأخذ منها شيئا وباحتشام ويترك أشياء أخرى يقبل بها وينتقدها في نفس الوقت، ما عدا الذي يتوافق مع مذهبه الفقهي الذي يحصر أصول المعرفة فيه في ثلاث مصادر، وهي : السمع والحس والعقل؛ رافضا كل المصادر الأخرى.

كما تجدر الإشارة إلى المكانة الكبرى التي يحتلها مفهوم التوحيد في نسقه الفكري من خلال نظرته لخصمه/ المخاطب المضمر الصريح الذي يتبدى في غريمه السياسي باعتباره غريما عقائديا أيضاً، مادامت العقيدة لا تسلم إلا من خلال التوحيد. يقول: " فالله لا تحده الأذهان، ولا تصوره الأوهام، ولا تلحقه الأفكار، ولا تكفيه العهقول" ( أنظر:
ابن تومرت، أعز ما يطلب، مقدمة غول. تسهير، تحقيق لوسياني، الجزائر 1903).

والمراد بهذا القول هو حذف التقابل بين القطع والشك، بين الحقيقة والشبيه بها. ومن نماذج تأثره بالإقناع الأرسطي من خلال حجاجه العقلي الذي وظفه في دعواه؛ نستحضر مبدأ عدم التناقض الذي يظهر في استحالة اجتماع الضدين، وكذا استحالة انقلاب الحقائق. كما أن الظن يضاد العلم، الشيئ الذي يصعب الجمع بينهما ماداما ضدان.
 وبه فإن الظن لا يمكن أن يصير علما، والعلم لا يمكن أن يصير ظنا.
( أنظر كتاب الصلاة، ضمن مجموع أعز ما يطلب ص: 5 من المقدمة )
إن بلاغة الإقناع الفلسفي عند ابن تومرت لا تستقيم إلا بالنظر إلى الطريقة التي وظفها في سبيل الرد على خصومه، فما دام العقل قادر في أسسه وتوابثه على إدراك الحكمة التي تجري عليها الشريعة، فهذا يعني أيضاً أن يحيط بجميع خباياها ودلائلها، بل عن إدراكها كلها إدراكا تاما.

من هنا نلمس عدم تدخل العقل في حدود الله عز وجل بالإستعانة بالمعرفة بالعلل، وهذا ينطبق على الأحكام الشرعية مثل حكم الأرملة والمطلقة، وإفطار رمضان وتارك الصلاة والزنا...
وعلى هذا الأساس فإن العقل وإن كان حسب ابن تومرت لا يناقض الشرعة من جهة؛ فإنه من جهة مغايرة لا يثبته. وفي عدم الإثبات للنفي له  على فهم العلل وعلى تشريع ووضع الشرائع، فإن الشيئ الذي يؤدي بنا حسب ابن تومرت إلى ابطال القياس الشرعي بعدم إمكانه وفي نفس الوقت فإنه يقوم بعدم ركيزة قياس الغائب على الشاهد، أي تلك التي نهجها علماء الكلام ولا سيما منهم الأشاعرة عندما تطرقوا للأحوال، ودعوتهم بأن العلم علة كون العالم عالما، فالعلة يجوز أن تفارق معلولها، وبه فإنه يستحيل مع ابن تومرت وصف علم الله بأنّه علة، كماأن العلة قد تبقى مع معلولها، وهذا لا يجوز مع الله عز وجل.

والجمع بينهما غير وارد البتة، فليس هناك جمع بينهما أو تجانس، فالله تعالى لا مثيل له ولا جنس له .( أنظر : ابن تومرت، أعز ما يطلب،      ص: 116 ) .
وإذا كان ابن تومرت كما قلنا قد حصر أصول المعرفة في السمع والحس والعقل رافضا بذلك كل المصادر الأخرى؛ فإن عمله السياسي قد فرض عليه اللجوء إلى بعض الأساليب كما يقول المفكر سالم يفوت، والتي قد يُفهم بها أنه يأتي بالخوارق والكرامات إلى غير ذلك..." فإن ذلك لا يتعدى ميلا محضة اضطر إليها لإقناع خصومه وأتباعه بالقدرة على إتيان الخوارق وبأنه المهدي المعصوم. ويتأكد لنا ذلك من خلال الفحص الدقيق للنصوص التي تحدث فيها عن النبوة والمعجزة، فهي جميعا نصوص تسير في إتجاه يقول بأن المعجزة دلالة يظهرها الله على يدي النبي تدل على صدقه فيما جاء به من أحكام وأن فاعلها المتفرد بفعلها هو الله. "  (  أنظر: سالم يفوت، ابن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب والأندلس، دار الثقافة ، مطبعة النجاح الجديدة، ط1 2009 ص: 501)
وعليه فإن بلاغة الإقناع الفلسفي عند ابن تومرت لا تتجه نحو تأصيل المعقول وتصحيح المنقول فحسب، بل إنها تؤسس لإشكالية فكرية ساهمت في خلق ثورة على المنقول من خلال دعوته إلى الإجتهاد من غير الفصل بين الكتاب والسنة والإجماع .

إن هذا المؤشر يدعونا أيضاً إلى التأمل وإعادة النظر في فكر هذا العالم والفقيه الذي مارس السياسة لكي تستجيب لمبادئه وقواعد منظومته الفكرية والفقهية مما جعله يقصي القياس الفقهي لظنيته، إذ ينطلق من أسس افتراضية تقوم على تساوي المقيس ( العلة ) والمقيس عليه (المعلول)
لكي نصل في النهاية إلى ميلاد شرع جديد، وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على حملة ابن تومرت التي شنها على فقهاء المذهب المالكي من أنصار الدولة المرابطية. أضف إلى ذلك موقفه الرئيس من المذهب المالكي الذي لم يكن لكي يتساوى مع فقهاء المالكية، مما جعله يختلف مع مالك، لكن رغم ذلك فقد أقر بأهمية كتاباته الفقهية، وخير دليل على هذا اهتمامه بكتابه الخالد " الموطأ " الذي اعتبره أصلاً وليس فرعا كما يخوض فيه بعض المالكيين في جزئياته، وهذا ما جعله يكتب كتابا قيما عن " الموطأ " أسماه: " محاذي الموطأ " وهو مخطوط دعا فيه طلابه للإهتمام به و دراسته دراسة لا تنفصل عن الكتاب الأصل" الموطأ ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا