الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوضى سيوف الخِلافة

دانا جلال

2016 / 3 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يحملوا قرآنهم مع سيوفهم اثناء فتوحاتهم، فهم يتجهون صوب ديار النجاسة والكفر من وجهة نظر حملة السيوف الإسلامية اثناء فتوحاتها، فعن يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو وعن ابن عمر قال: "نهى رسول الله (ص) أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو). (1)
ان منع حمل القرآن الى ارض العدو لم يكن سببه الخوف من ان يناله العدو قدر تعلق الامر بجعل المقاتل الغازي متحرراً من المقدس وجانبه الروحي، لان حمل القرآن من قبل المقاتل سيكون له تأثير إيجابي في افعاله وسلوكياته.
تقسيم العالم الى داريــن (دار الإسـلام ودار الكفـر) والتي وردت المصطلحات الخاصة بهذه الديار في الكتاب والسنة بألفاظ مختلفة مثل (دار الفاسقين - أرض العدو - دار الهجرة والسنة - دار شرك - دارة الكفر - بلدة الكفر) نتاج الفكر التكفيري الذي استند عليه الدين الإسلامي.
للدارين تعاريف مختلفة في مفرداتها وصياغاتها ومتفقة في جوهرها، يعرفهما ابن القيم (دار الإسـلام هي التي نزلها المسلمــون وجــرت عليـها أحكــام الإسلام، وما لم تجرِ عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام) (2)، ويعرفه أبو حنيفة بعد وضع شروطه (لا تصير دار حرب حتى تجمع فيها ثلاثة أشياء -;- أن تكون متاخمة لدار الحرب، لا شيء بينهما من دار الإسلام. الثاني: ألا يبقى فيها مسلم ولا ذمي آمن. الثالث: أن تجري فيها أحكامهم. ولنا، أنها دار كفار، فيها أحكامهم، فكانت دار حرب - كما لو اجتمع فيها هذه الخصال -، أو دار الكفرة الأصليين. (3) وقال السرخسي في شرحه لكتاب (السير الكبير) (والدار تصير دار المسلمين بإجراء أحكام الإسلام) (4) وللقاضي أبي يعلى الحنبلي تعريفه (كل دار كانـت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي دار الكفر) (5)
وعن أبي يوسف ومحمد (إذا أظهروا أحكام الشرك فيها فقد صارت دارهم دار حرب، لأن البقعة إنما تنسب إلينا أو إليهم باعتبار القوة والغلبة. فكل موضع ظهر فيه حكم الشرك فالقوة في ذلك الموضع للمشركين فكانت دار حرب، وكل موضع كان الظاهر فيه حكم الإسلام فالقوة فيه للمسلمين) (6) وقال ابن تيمية "ويجب أن يكون معلومــاً أن هذا التقسيـم مجمع عليه بين علماء الأمة من السلف والخلف. وأن الإجماع لابد أن يستند إلى دليل من الكتاب أو السنة" (7)
التقسيم وعلى خلاف ما يدعي البعض بانها موضوعة فهي موجودة وبالأدلة من القرآن والحديث، فمن القرآن (وقال الذين كفـروا لرسلهـم لنخرجنكـم من أرضـنا أو لتعودن في ملتنا (8)، و (قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا) (9)، وقوله (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) (10) وقوله (والذين آمنـوا ولم يهاجـروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) (11)، وقولــه (سأوريكــم دار الفاسقـين) (12) .
حينما يتم تحديد البلاد بانها دار كفر، فان الحديث عن اسلمتها بالحوار الحضاري، ومن ثم دخولها الاسلام سلماً ليست الا بأكذوبة، فعمليات النحر والحرق وجز رؤوس والسبي والنهب باسم الجزية كان المشترك في تاريخ الشعوب التي تعرضت للغزوات الاسلامية.
بعد تحديد جغرافية الكفر، فان قاعدة فوضى السيوف، لخلفاء وجنود وأحزاب الله فرض نفسه قاعدة لا يمكن مناقشتها لان عمليات القتل والتفنن فيه، ووسائل اذلال الشعوب المقهورة لم يأتي من فراغ، فالمقاتل الغازي استند على قراءات نصوص قرآنية وسيرة نبوية.
عمليات ضرب الاعناق كفرض وفريضة دينية على يد هذا الجيش كانت القاعدة في ديار الكفر) فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق) (13).
قال القرطبي: (لم يقل فاقتلوهم لأن في العبارة بضرب الرقاب من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيه من تصوير القتل بأبشع صوره، وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه). (14)
وقال ابن كثير: ({فضرب الرقاب} وقال أبو بكر الجزائري: (أي فاضربوا رقابهم ضربا شديدا تفصلون فيه الرقاب عن الأبدان). (15)، وقال الكاساني: ({فأضربوا فوق الأعناق} وهذا بعد الأخذ والأسر لأن الضرب فوق الأعناق هو الإبانة من الفصل ولا يقدر على ذلك حال القتال ويقدر عليه بعد الأخذ والأسر). (16) هذه الآية صريحة الدلالة في جواز نحر الكفار قبل أو بعد أسرهم وهذا ما فهمه العلماء من هذه الآية. قال تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم} (17). نزلت هذه الآية معاتبة من الله لرسوله والمؤمنين يوم بدر إذ أسروا المشركين وأبقوهم لأجل الفداء بدلا من قتلهم.
خيارات المقاتل الغازي في ديار الكفر كان بين القتل والسبي، قال تعالى: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصين} (18)
قال ابن كثير في قوله تعالى {أو بأيدينا}: (أي القتل أو السبي)، وكذا قال الطبري، فنحن ننتظر بهؤلاء الكفار أن يعذبهم الله بأيدينا قبل عذاب الآخرة والنحر يدخل في ذلك.
ان النحر صورة من صور القتل ثبت الحث عليه في الكتاب والسنة وآيات النحر واضحة جلية في القران وأفعال محمد
فالتمثيل بجثث الأعداء جائز بشرط المعاملة بالمثل كما يحدد بعض الفقهاء، والدليل على ذلك وعن ابن كعب رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً ومن المهاجرين ستة منهم حمزة بن عبد المطلب فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنربين عليهم في التمثيل. فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} (19)، فقال رجل: لا قريش بعد اليوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفوا عن القوم إلا أربعة) ((20)
المعاملة بالمثل ورغم بشاعة صورها كانت مبررة من قبل المقاتل الغازي. قال بن القيم (وقد أباح الله تعالى للمسلمين أن يمثلوا بالكفار إذا مثلوا بهم فجدع الأنف وقطع الاذن وبقر البطن ونحو ذلك هي عقوبة بالمثل ليست بعدوان والمثل هو العدل) (21). وعن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته (22). الغلظة والشدة كان جزء من سلوك الجيوش الإسلامية بالتعامل مع الموصفين بالكفر في ديار الكفر {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} (23)،
وجاء في الصحيحين ان الرسول قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله الله وأن محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله. (24)
وروى ابن الأثير وابن إسحاق وغيرهم من أصحاب السير عن عمرو بن العاص قال: حضرت قريش يوماً بالحجر فذكروا النبي صلى الله عليه وسلم وما نال منهم وصبرهم عليه فبينما هم كذلك إذ طلع النبي صلى الله عليه وسلم ومشى حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفاً فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه مثلها ثم الثالثة فقال لهم: (اتسمعون يا معشر قريش، والذي نفس محمد بيده جئتكم بالذبح). (25)
أما إقرار الرسول بجز الرؤوس فقد روى الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن فيروز الديملى قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسي). (26)
أما البيهقي فقد روى، انه وفي سرية أبي حدرد قد أتوا برأس رفاعة بن قيس، ولم ينهه الرسول عن ذلك.
وروي عن البراء قال: لقيت خالي معه الراية، فقلت: أين تذهب؟ فقال: (أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن آتيه برأسه) (27).
وفي الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم وعن عبد الله الديلمي عن أبيه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسي الكذاب، فقلت: يا رسول الله قد عرفت من نحن فإلى من نصير؟ قال: (إلى الله عز وجل وإلى رسوله)، وكان أتيناه به من اليمن ليقف صلى الله عليه وسلم على نصر الله وعلى كفايته المسلمين شأنه (28).
في معركة بدر مر عبد الله بن مسعود رضى الله عنه فوجد أبو جهل في آخر رمق، فاحتز رأسه، وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: (هذا فرعون هذه الأمه)، وقضى بسيفه لابن مسعود رضى الله عنه (29). عمليات قطع الرؤوس ونقله كان سائدا مع الاختلاف في التفاصيل، ففي المغني روي عن الإمام ابن قدامة: (ويكره نقل رؤوس المشركين من بلد إلى بلد، والتمثيل بقتلاهم، وتعذيبهم... وإن فعلوا ذلك لمصلحة جاز) (30).
يظهر ان الاكتفاء بنقل خبر قطع الرؤوس قد بدأه الخليفة الأول ففي السير الكبير وشرحه وفي سنن سعيد بن منصور (عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَأْسِ يَنَّاقِ الْبِطْرِيقِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ! فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا، قَالَ: " فَاسْتِنَانٌ بِفَارِسَ وَالرُّومِ؟ لا تُحْمَلْ إِلَيَّ رَأْسٌ، فَإِنَّمَا يَكْفِي الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ " (31).
ان إلقاء الرعب في قلوب الأعداء في ديار الكفر كان مطلباً شرعياً وفق القران قال: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} (32) و{سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله} (33)
وفق الحديث وبغض النظر عن ضعفه لان من ارتكب تلك الجرائم كان ومازال مؤمناً به وهنا تكتمل الصورة ((قال الرسول: (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ وأُحلّت لي الغنائم، ولم تُحلّ لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامّة)) (34).
ثقافة الرعب واشاعتها جعل من الرؤوس الإنسانية وبغض النظر عن المبررات لعبة بيد ساديين تفننوا بها، فهذا عمرو بن العاص وحين حاصر الإسكندرية ظفر برجل من المسلمين فأخذوا رأسه، وجاء قومه عمراً مغضبين، فقال لهم عمرو: (خذوا رجلاً منهم فاقطعوا رأسه، فارموا به إليهم في المنجنيق). (35)
الهوامش
1- (يحيي بن شرف أبو زكريا النووي 1869) وبه قال أبو حنيفة والبخاري رواه الإمام مالك فى الموطأ، والإمام أحمد، والبخارى، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبان فى صحيحه. (صحيح ابن حبان– (21) كتاب السير باب (13) – حديث رقم 4715/1 – مصدر سابق)
2- أحكام أهل الذمة لابن القيم، 1/ 366، ط دار العلم للملايين 1983.
3- المغني مع الشرح الكبير 10/ 95
4- السير الكبير 5/ 2197
5- المعتمد في أصول الدين لأبي يعلى صـ 276، ط دار المشرق ببيروت 1974
6- المبسوط للسرخسي، جـ 10 صـ 114، ط دار المعرفة
7- (مجموع الفتاوى) 7/ 39
8- إبراهيم 13
9- الأعراف 88
10- الممتحنة 10
11- الأنفال 72
12- الأعراف 145
13- سورة محمد:4
14- تفسير القرطبي
15- المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير
16- بدائع الصنائع ج7 /119
17- الأنفال:67
18- سورة التوبة:52
19- النحل:126
20- اخرجه النسائي وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه البيهقي
21- عون المعبود مع حاشية ابن القيم على سنن أبي داود " (12 / 278)
22- رواه مسلم. شرح رياض الصالحين المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
23- التوبة: 73
24- رواه البخاري ومسلم. جامع العلوم والحكم- ابن رجب الحنبلي
25- رواه أحمد في " المسند " (11/609) طبعة مؤسسة الرسالة من رواية الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وحسنه المحققون، والشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند أيضا، وحسنه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6/19)، وكذا الشيخ الألباني في " صحيح الموارد " (1403). وجاء في رواية الإمام البخاري (3678) لأصل القصة أن عروة بن الزبير رحمه الله قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
26- السنن الكبرى للنسائي » كِتَابُ السِّيَرِ » حَمْلُ الرُّءُوسِ - رقم الحديث: 8351
27- مشكل الآثار للطحاوي » بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ... رقم الحديث: 2497
28- الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم » ذِكْرُ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهَةَ رَضِيَ اللَّهُ رقم الحديث: 2385
29- توضيح الاحكام ج1/383
30- المغنى: 565/10_566
31- سنن سعيد بن منصور » كِتَابُ الْجِهَادِ » بَابُ: مَا جَاءَ فِي حَمْلِ الرُّءُوسِ
32- الأنفال:12
33- آل عمران:151
34- شرح أحاديث عمدة الأحكام شرح الحديث الـ 42 " أُعطيت خمسا "
35- المغني لابن قدامة - كتاب الجهاد- الجزء رقم9








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف


.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب




.. مأزق العقل العربي الراهن


.. #shorts - 80- Al-baqarah




.. #shorts -72- Al-baqarah