الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة أول بيان تضامني مع حلبجة قبل 28 سنة

آزاد أحمد علي

2016 / 3 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


قصة أول بيان تضامني مع حلبجة قبل 28 سنة
آزاد أحمد علي
في أواسط شهر مايس/آذار عام 1988 حلت بالمدنيين في كوردستان العراق كارثة كبرى، تجسدت وتمركزت في مأساة قصف مدينة حلبجة بالغازات السامة، وشكلت ذروة لسياسات وعمليات الجينوسايد ضد مواطني كوردستان العراق.
مر الحدث ضمن ملابسات نهاية صراعات الحرب الباردة وفي خضم حرب الخليج الأولى، بقليل من الإهتمام، لدرجة يمكن القول أن ضمير البشرية الجمعي لم يتحرك حينها، إلا في حالات إستثنائية وفردية، حيث ظلت القوى العظمى صامتة، فضلا عن تأمر من باع السلاح الكيميائي لمجرمي بغداد، من دول وشركات كبرى.
حقا كانوا قلة قليلة أؤلائك الذين تضامنوا مع محنة الشعب الكوردي في مواجهة حرب الإبادة الجماعية بالقنابل والغازات السامة.
قبل 28 سنة كان لي شرف صياغة أول بيان تضامني مع حلبجة الشهيدة، وكان إختبارا لكثير من المواقف النظرية. اليوم إذ نعيد تقييم الذكرى، رغم قلة عدد من وقع على البيان، بين صفوف نخبة المثقفين والأكاديمين من الوسطين العربي والإسلامي، نحاول إحياء حالة التضامن تلك والوفاء لنبل مواقف المتضامنين.
كانت أياما عصيبة، صادمة، كئيبة تنشر اليأس، لكن ثمة قامات كانت تنشط وتقاوم عهدئذ، وكان نشاطهم وتضامنهم رافعة لسوية معنوياتنا المتدهورة، وتخفيفا عن أحزاننا، وتقدير لنضالات شعبنا.
إنطلق النشاط من ساحة باب الفرج بمدينة حلب، من دار الكتب الوطنية. إذ ساعدني الصديق الدكتور عبد الرزاق عيد في تنقيح البيان الذي أعددته مسبقا، أنهينا صياغة البيان وتنقيحه في غرفة الدكتور عبدالرزاق، كانت غرفته صغيرة بائسة، تشبه بالزنزانة، إذ لا يتجاوز طولها كما عرضها ثلاثة أمتار، بسقف عالي يتجاوز أربعة أمتار، كان الدكتور عيد معاقبا شبه مسجونا في تلك الغرفة، غير مسموح له بالتدريس في الجامعة، وكان يعمل مجرد كاتبا لتصنيف الكتب الواردة إلى المكتبة.
توجهت من حلب إلى دمشق مرورا بحمص، حيث كان الصديق عبد الباسط سيدا قد زودني ببعض العناوين والهواتف لكبار أساتذة الجامعة ومثفي دمشق، حيث كان مازال طالب دكتوارة في قسم الفلسفة بجامعة دمشق، وظروفه لم تكن تسمح له بمساعدتي والتحرك العلني. لقد كانت حقا أياما مظلمة كنا نبحث فيها عن بصيص أمل، عن شخص واحد يتخذ موقفا تضامنيا مع محنة الكورد الكبرى وقضيتهم المنسية، كنا نتلمس طريقنا لنيل مجرد موقف ضمن الحدود السياسية والإنسانية الدنيا، خاصة أي دعم إعلامي للتذكير بالجرائم التي كانت تقترف بصمت في مناطق متعددة من كوردستان العراق. لم تكن ظروف الاعلام والتواصل كما هي اليوم، فلم تكن الفضائيات قد إنتشرت، فضلا عن الهواتف النقالة وشبكة النت، كان ملاذنا الوحيد هو الصحافة، والبيانات الورقية.
كان المشهد السياسي معقدا لدرجة لم يتفهم إلا قلة قليلة من المثقفين والأكاديميين والصحفيين حقيقة ما حلت بالكورد من كارثة، حقيقة الكارثة التي حرقت الأرض ودمرت آلالاف القرى، خنقت الأطفال والنساء بالغازات وشردت الرجال...
من حيث جوهر الصراع ومن أحد أهم جوانبه، كان شعب كوردستان العراق من أول ضحايا الصراع السياسي السني - الشيعي في المنطقة، فقد كانت كارثة حلبجة أحد أبرز محطاتها، وأحد أسوأ نتائج الحرب العراقية – الإيرانية، لدرجة أن العديد من الساسة والكتاب السنة كانوا يصرون في نسب عمليات القصف الكيميائي لحكومة الملالي في طهران، وليس لنظام بعث الصدامي، وفي النتيجة لم يكن مستوى التضامن واسعا ولا فعالا.
لكن الحق ينبغي أن يقال ويجب التذكير به دائما، عندما دخلت مبنى إتحاد الكتاب العرب في دمشق – المزة، استقبلني رئيس الإتحاد الدكتور علي عقلة عرسان بود، وعلى الرغم من بعثيته ذات الصبغة القومية المتعصبة إلا أنه أكد لي تعاطفه مع الشعب الكوردي، أبدى ملاحظة على نص البيان وأشار أن صياغته تدل وكأنها كتبت من قبل الشوعيين! ثم قال: بصفتي رئيسا لاتحاد كتاب البلاد العربية كلها لا أستطيع التوقيع على البيان، وإنما كل من يوقع هنا من أعضاء الإتحاد فهم أحرار ولهم قراراهم، وهذا ما حدث فعلا، وبدأت أقرع الأبواب في مبنى الإتحاد بابا بابا، وأدرج تواقيعهم على البيان...
جاء الموقف الفلسطيني تضامنيا فعالا، فبعد إستكمال التواقيع التي ضمت أسماء عربية مهمة، توجهت إلى مقر مجلة "الحرية"، استقبنلني السيد (وائل زيدان)، وإسمه الحقيقي داوود تلحمي، كان عضوا للمكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وتلقى إقتراح نشرها في "الحرية" بسرور، بل وبحكم التجربة الاعلامية الفلسطينة الرائدة يومئذ، قال لي: سنترجمها وسنعيد توزيعها ونشرها في أوربا. وهذا ما تحقق فعلا فبعد إسبوعين تقريبا سررت كثيرا للإنتشار الواسع وللتضامن الكبير الذي تم مع مأساة حلبجة عبر البيان، خاصة أن النسخة الاوربية للبيان تضمنت تواقيع لكبار كتاب ومفكري أوربا، أذكر منهم الروائي الإيطالي الأشهر ألبرتو مورافيا على سبيل المثال لا الحصر. لاحقا نشرت عدد من الصحف العالمية وتلك التي تعادي نظام البعث العراقي البيان مجددا، فاتسعت رقعة النشر والتوزيع خلال عدة أسابيع.
بهذه المناسبة حاولت أن أجري دراسة موثقة لذلك الحدث الجلل، وإستذكار تلك الأجواء المأساوية، لكن المواد الأرشيفية قليلة، فالنسخة الأصلية للبيان مودعة عند صديق في مدينة القامشلي ضمن أرشيف حزب الشغيلة الكوردية، فضلا عن أن نسخة مجلة الحرية التي نشرت البيان وعليها كل أسماء الموقعين، مخبأة في أحد زوايا أرشيفي المتناثر، علما أن تاريخها يعود إلى أواسط شهر نيسان 1988، للتذكير ولمن يساعد في تأمين نسخ إضافية. أفترض أنه كان أول بيان تضامني نشر على نطاق واسع لتسليط الضوء على مأساة حلبجة والتذكير بجرائم نظام بغداد البائد، وبالتالي التضامن مع مجمل قضية شعب كوردستان التحررية عهدئذ. وحبذا لو تسعى الجهات المعنية في حكومة إقليم كوردستان العراق ومحافظة حلبجة على تجميع كل المواد والوثائق التي تشير إلى نشاطات تلك المرحلة وتوثق للجانب الإعلامي والتضامني مع المأساة.
هدفي الرئيس من هذه السردية أن أبين للأعزاء من شباب الكورد وشاباتهم المنتمين لعدة أجيال، الذين إنخرطوا في العمل السياسي والثقافي الكوردستاني طوال العقود الماضية، ضرورة أن نستمر في الوفاء لمن تضامن معنا أيام المحن الكبرى، وأن لا نتخلى عن خاصية الوفاء الكوردية وأخلاقياتنا الأصيلة، مهما كانت الظروف والملابسات، وأن لا ننظر كثيرا إلى الأمام وإنما أيضا وبنفس الأهمية، أن نلتفت قليلا إلى الوراء، ليتضح لنا بأن العرب هم في أغلب الحالات كانوا أول من تضامن مع شعبنا، وفي جميع الأحوال تظل أرضية التضامن، التعايش والتفاهم الكوردي – العربي مهمة لمستقبل المنطقة ولسعادة الأجيال القادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE