الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


و اذا قرأنا ، فماذا نقرأ؟

محمد مجدى عبدالهادى

2005 / 11 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يثير الكثير من مثقفينا التساؤل حول أمتنا التى لا تقرأ ، متسائلين بالتالى و بالضرورة عن جدوى الكتابة و معناها ، و هم محقين و لا شك اذ ما جدوى ان تسود عشرات او مئات الصفحات ، التى لا يقراها احد ،اللهم الا حلقات ضيقة لا تغنى و لا تسمن من جوع
و قد طرح الكثيرون اسبابا و مبررات لهذه الظاهرة ،فذكروا منها الامية ،عسر القرأة ،قلة المطبوع ،ضعف القوة الشرائية ،و غيرها
و هكذا فلا خلاف حول ازمة القرأة فى أمتنا ، و لا جدال فى أن من يقرأون أنما هم قلة ضئيلة ، لا تشكل نسبة ذات قيمة وسط امواج و شلال الأمية و الجهل
و أن كنت اعتقد أن هناك جانب اكثر خطورة ، لم ينتبه له الكثيرون ،اذ ليت المشكلة تقف فقط عند قلة من يقرأون ، اذ ان المأساة تكتمل فصولا ، اذا دققنا و بحثنا فيما تقرأه هذه القلة ، فليست المشكلة فقط ضعف نسبة القراء ،و هذا شديد الخطورة فى ذاته ، و لكن الأخطر فى مضمون ما تقرأه هذه القلة الضئيلة ، فالأزمة ذات شقين ،شق كمى ،أى حجم المقروء ،و بالتالى نسبة القارئ من الأمة ، و شق كيفى ،أى مضمون المقروء و نوعيته ،و بالتالى نوعية القارئ ذاته
و لأن الأرقام لا تكذب ، كما أنها أدق اللغات ؛لهذل سنحاول عرض المشكلة من خلال الأحصاءات ،و التى سنركز فيها على الجانب الكيفى ،و الذى يتضمن الجانب الكمى ، كما ان الجانب الكمى لا خلاف عليه ،و بالنسبة لموضع الأحصاءات ،فاننا سنتخذ مثالا لها مصر ، باعتبارها المتاحة لنا لحظة كتابة هذه السطور
و أول تمييز كيفى فى جمهور القراء ، هو التمييز بين قراء الصحف وحدها ،و قراء الكتب ،فلا شك ان هناك فرق كبير بين قارئ الصحيفة وحدها ،و قارئ الكتاب ،لصالح الأخير بالطبع ،من حيث المواضيع المطروحة و نوعيتها و عمقها... الخ ، و تشير صحيفة الأخبار الى أن عدد قراء الصحف لا يزيد عن نصف مليون فى ايام الأسبوع العادية ، و مليون فى الأعدلد الاسبوعية ، و هى كمية ضئيلة اذا ما قورنت بعدد سكان مصر فى وقت نشر الاحصائية (أكثر من 52 مليون نسمة )، أما فيما يخص عدد قراء الكتب ، فتخلص بعض الدراسات (كتاب قضايا النقد و الابداع العربى - دكتور سيد البحراوى)الى انه لا يتجاوز بأى حال من الاحوال رقم الثمانمائة ألف قارئ
و لا يجب ان ننخدع بقرب الرقمين من بعضهما ،و ببداهة ان قراء الكتب يقرأون فى الغالب الصحف ايضا ، بل يجب ان نأخذ بالأعتبار ان دورة الصحيفة-أى تبادلها بين القراء-اسرع بكثير من دورة الكتاب ،و ذلك بحكم طبيعة كل منهما و حجمه و طبيعة القراء ايضا
و هذا ما يشير الى قلة من يهتمون بفهم العالم -و تغييره بالضرورة-،الى من يأبهون فقط بمعرفة اخباره
أما التمييز الكيفى الثانى ، فيعنى بمعرفة نوعيات الكتب التى تقبل عليها تلك القلة القارئة ،و فى هذا يمكننا الاستعانة باحصاءات حديثة
فيشير احد استطلاعات الرأى ، و الذى اجرى على موقع مكتبة الأسرة ،حول نوعيات الكتب المفضلة لدى القراء ، ألى ان الأعمال الدينية تاتى فى المرتبة الاولى من حيث الأفضلية ،فيفضلها 50.5% من المستجيبين للأستطلاع ،و الذين بلغ عددهم 1700 فرد ، تليها الاعنال الادبية بنسبةتليها الاعمال الفكرية بنسبة 48.1% ،و كتب التراث بنسبة 43.7% ، و الكتب العلمية بنسبة 41.4% ، و روائع الادب العربى بنسبة 41.1% ، و روائع الادب العالمى للناشئين 37.6%
كذلك ذكر تقرير التنمية الانسانية العربى لسنة 2003 ، ان الكتب الدينية تمثل 17% من عدد الكتب الصادرة فى الدول العربية فى السنوات الخمس الاولى من الثمانينات
و هذه الاحصاءات و ان كانت تؤكد على تربع الكتب الدينية عرش الطلب ، وبالتالى عرش صناعة الكتاب فى العالم العربى ، الا انها ليست معبرة بالشكل الكافى عن هذه الحقيقة ، و هذا يرجع لطبيعة هذه الاحصاءات ذاتها
فالنسب المستخرجة من الاسنطلاع الذى اجرى على موقع مكتبة الاسرة تأتى متقاربة ؛لان الاستطلاع كان يقيس مدى تفضيل القراء للنوعيات المختلفة من الكتب بشكل غير تنافسى ، و بالتالى فهو لا يقيس تفضيل القراء لنوعية او نوعيات معينة من الكتب على حساب نوعيات اخرى من الكتب ، بل عن مدى اهتمام القراء بكل نوع من الكتب على حدة ،و لا شك فى ان الاستطلاع لو اجرى على التفضيل بين النوعيات و ليس على مدى الاهتمام بكل نوعية على حدة لأظهرت النتائج التفوق الساحق للكتب الدينية على حساب باقى الكتب
اما عن احصاءات تقرير التنمية الانسانية ،فانه و ان كان يشير الى توقعات دور النشر عن الطلب ، و بالتالى العرض ، الى انه لم يشر الى معدل دوران النوعيات المختلفة من الكتب ، أى كم تستغرق الطبعة الواحدة من كل نوع بحيث تتضح الصورة الحقيقية لتوزيع النوعيات المختلفة من الكتب ، و التى و لا شك ستكون فى صالح الكتب الدينية ، والتى تتفوق بلا جدال على الصورة التى تعطيها ال17% التى يتحدث عنها التقرير بكثير
و اذا كانت الاحصاءات معيبة ،و لا تعبر عن الواقع بالشكل المطلوب ، فانه ليس افضل من اللجوء الى من يعايشون الواقع بأنفسهم ،و الى التجارب و المواقف التى نعيشها فى الواقع
فقد اكد لى صديق مثقف يتاجر فى الكتب -و هو ما يعطى شهادته الكثير من المصداقية-ان الكتب الدينية اكثر الكتب رواجا ، فاكثر من نصف الكتب المباعة كتب دينية ،بل انه يتحسر-محقا-فيقول ،و يا ليتها كتبا دينية محترمة ، بل اغلبها تافه و سطحى ،و لا علاقة له بالفكر الدينى الصحيح
و من تجاربى الشخصية ، اذكر انى كنت اجلس بجوار شاب فى مقتبل العمر فى احدى وسائل المواصلات العامة ،و وجدته منهمكا فى كتاب كبير لا يقل عدد صفحاته عن الثلاثمائة صفحة ،و عندما نظرت فى الصفحات التى يقرأها وجدت سطورها تتحدث عن الحجاب(!) ، و للوهلة الاولى طننته-اى الحجاب-احد مواضيع الكتاب ، ثم اذا بى افجأ عندما اغلق الشاب الكتاب ،بان هذا الكتاب الكبير يدور بمجمله حول هذا الموضوع! ، فلك عزيزى القارئ ان تضحك او تبك ،او لتمت كمدا-و ان كنت انصحك الا تفعل_، اما انا فليس لدى تعليق
اسباب و نتائج
و لا شك فى اننا لا نعارض فى اهتمام الناس يشئون دينهم ، بل و نسعد باهتمامهم بمعرفته بانفسهم ،و لكن هذا اذا كانوا يلجئون الى مصادر جيدة و محترمة ، لا كتب الارصفة ،و اذا جعلوا هذا جزءا اساسيا من اهتماماتهم ،لا الهم الوحيد و الاكبر الذى يلتهم ما عداه من اهتمامات
و هذه نقطة نحب ان نؤكد عليها قبل ان نتحدث عن بعض اسباب و نتائج هذا الوضع ،و الضرورات التى يفرضها
فلا شك ان اهم اسباب هذا الوضع هو حالة الاغتراب السائدة فى مجتمعاتنا العربية ، فبعد فشل كافة المشاريع القومية و الاجتماعية ذات الطابع العلمانى ، شعرت الجماهير باليأس من الخلاص ،و بالعجز فى مواجهة الواقع ،الذى لجأت لتفسيره و التعامل معه غيبيا ، بعد ان عجزت عن التعامل معه بمنطق العلم و المادة و الواقع ، فنشأت تنويعات مختلفة على ذات اللحن الدينى ، فكانت السلفيات المختلفة ذات التوجهات الراديكالية ،و كان التدين التطهرى ، الذى ازداد حجمه ومداه بعد فشل الاول فى تقديم حل او حتى اثبات وجود رؤية ،و هو ما انعكس بالضرورة-رغم ذلك-على حجم التأثير و الشعبية لجماعات الاسلام السياسى بالايجاب،و التى و ان لم تحظ بالضرورة بالـتأييد ، فهى على الاقل تحظى بكثير من التعاطف و القبول ، خصوصا اذا ما قورنت بغيرها من القوى السياسية ، كما انعكس هذا علىحجم التاثير و الشعبية الذى حظى به الدعاة الدينيون ،خصوصا منهم الدعاة الجدد مثل محمد جبريل و عمرو خالد و غيرهم ممن لا يخرجون -مثل الغالبية العظمى ممن ينتمون الى التيارات السلفية-عن اطار الرؤية البرجوازية للعالم
و لا ادل على صحة هذا التحليل من احصاءات ما بعد يونيو 67 ،كذلك ما نراه فى الغرب -اذ تعيش الحماهير هناك حالة مشابهة من العجز و الاغتراب-،من عودة متزايدة الى الاصولية الدينية من ناحية ، و الخرافات الشعبية القديمة من ناحية اخرى،و لولا رسوخ تقاليد و مؤسسات الديموقراطية ،و قيم العلمانية و العقلانية و العلم ، لتردى الغرب مثلنا الى المنحدر الخطر للاصولية الدينية
و اما عن النتائج ، فأولها سيادة الفكر الغيبى ، فالفكر الدينى و ان لم يكن غيبيا بالضرورة ، الا ان السائد منه-للاسف- غيبى ، و بالتالى ففى اتجاه الحماهير الى الفكر الدينى فى ظل هذه الظرف ، اتجاه الى الغيبيات بالضرورة ،و اذا اضفنا الى هذا نوعية الكتب الدينية الرائجة ،فان هذا الاتجاه يتأكد
ثانى هذه النتائج تعزز الفردية و الذاتية اللاتى يدعمها الفكر الدينى السائد ،مما يعنى مزيدا من الهجرة الى الداخل ، بعيدا عن المشاكل الحية التى نعانيها فى الواقع ،و هو ما يصب فى مصلحة النظم القائمة ، أو التعامل معها من ذات المنطلقات التى تنطلق منها الجماعلت السلفية ،و هو ما يصب فى مصلحة هذه الجماعات ؛بما يؤدى الى المزيد من القوة لها ،و هذه هى النتيجة الثاثة
نتيجة رابعة ، تتمثل فى المزيد من الضعف للتيارات العقلانية فى الفكر، الديموقراطية فى السياسة، و مزيد من القدرة على الابتزاز باسم الدين ،سواء من الجماعات الدينية ، او من النظم الحاكمة ،و هو ما قد يفرض على التيارات الديموقراطية ذاتها اللجوء الى الى الخطاب الدينى فى معاركها السياسية ، باعتياره الطريق الوحيد المأمون لمجرد البقاء فى الشارع السياسى الذى تقبله الجماهير
و قد يثير البعض الاعتراض ،مؤكدين ان الصورة لن تكون بهذه القتامة ، فاذا كان القراء قلة بالأساس ، فان هذا التأثير سيكون ضئيلا ،و لكن نرد عليهم بأن هذه القلة القارئة هى التى يخرج منها المثقفون و الناشطون سياسيا و اجتماعيا ،و هم و لا شك اصحاب التأثير الاكبر فى تحريك الجماهير،
و هذا التأثير سيحوز قراء"عذاب القبر"و امثاله اغلبه ، بحكم الاغتراب الذى تعانيه الجماهير ،و طبيعة وعيها المتخلف ،و نزعتها الغيبية المستقره
ان مشكلة القرأة ،و بالتالى مشكلة الوعى ،مشكلة خطيرة ذات ابعاد متعددة ،يأتى على راسها-خصوصا فى المرحلة الراهنة-البعد السياسى ،خصوصا و قد كثر الحيث عن ضرورة الاصلاح السياسى و التغيير الديموقراطى ، فلا شك ان جهل الجماهير يدعم بقاء النظم القائمة ، كما ان سيادة القراءات الدينية ،خصوصا من نوع عذاب القبر و الحجامة و الحجاب و غيرها،-التى سبق و و صفها المفكر الاسلامى عبد الرحمن الكواكبى بأنها "لا ترفع غباوة و لا تزيل غشاوة"-يخدمها و لا يضرها ، بخلاف القراءات السياسية و الاجتماعية و الادبية و العلمية و الفلسفية التى تحرك الفكر و تثير التساؤلات حول الواقع ،و لهذا كانت دائما ما تثير خوف الطغاة و كراهيتهم ،و هو ما أكده عبد الرحمن الكواكبى فى كتابه "طبائع الاستبداد"
و هذه و لا شك احدى اكبر مشكلات التغيير فى مجتمعاتنا العربية-مثما هى احدى مشكلات التخلف الفكرى و ضعف الابداع و كثير من المشاكل-،و على كل المطالبين بالتغيير اخذ هذه المسألة بالاعتبار ،و العلم بأن معركة التغيير معركة طويلة ،فهم انما يصارعون عادات اجتماعية مستقرة ،و ميراث تاريخى عمره آلاف السنين-و ما اصعب مصارعة العادات و مقارعة التاريخ-،هذا اذا كانوا يريدون تغييرا حقيقيا
و لهذا فعلينا ان نذهب الى الجماهير فى مواقعها ،و ان نبتكر اساليبا جديدة فى الوصول اليها ،و جذبها الينا ،لنشر قيم العقل و الاستنارة ،و الثقافة العلمية ،و الايجابية الاجتماعية ، باعتبارها نفيا للماضى ،و تغييرا للحاضر ، و صمام امان فى المستفبل ، فالثورة تبدأ باعادة تأسيس العقلانية التى يقوم عليها المجتمع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسلمون في بنغلاديش يصلون صلاة الاستسقاء طلبا للمطر


.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري




.. رحيل الأب الروحي لأسامة بن لادن وزعيم إخوان اليمن عبد المجيد


.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ




.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف