الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس هناك عقيدة جديدة بل تغير في موازين القوى

خالد خليل

2016 / 3 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


انتهاء  زمن القطبية الأحادية خاصة في اعقاب أزمة الاقتصاد الامريكي الكبرى عام 2008 لم يؤد الى قطبية ثنائية بل متعددة تعمل معظمها للوصول الى الشراكة في ادارة العالم والاقاليم وفقا لتوازنات القوة بشتى المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية والعلمية ..الخ. 
قبل اكثر من عام تحدث وزير الدفاع الامريكي السابق "تشاك هاجل" عن التقدم التكنولوجي السريع في الصين وروسيا، مما يعني حسب تعبيره أن الهيمنة العسكرية في العالم لم تعد أمرا مضمونا وان التحليلات التي أجراها البنتاجون تظهر حقيقتين جديدتين بوضوح: الأولى هي تطوير وتوسيع نطاق التكنولوجيا العسكرية المتقدمة في دول أخرى، والثانية أن العالم يدخل عهداً، لم تعد فيه الهيمنة الأمريكية في البحر والسماء والفضاء أمراً مفروغاً منه.  
اذن انتهاء القطبية الاحادية (وليس عقيدة اوباما المتميزة كما يروج كثيرا هذه الايام) أجبرالادارة الامريكية بحكم الضرورة على التعامل مع التوازنات الإقليمية والدولية الناشئة ليس فقط من خلال استراتيجية التفوق وتعزيز منظومات السيطرة والتحكم الامريكية على العالم ، وانما اضطرت الى التعاطي مع خطاب الشراكة في إدارة العالم والأقاليم بشكل مختلف عن ذي قبل . فالتطور النوعي للصين على مستوى الاقتصاد العالمي وليس الاقليمي فحسب اضافة الى عودة روسيا بقوة كقوة عظمى وتأثيرها الفاعل في الصراعات الإقليمية والتحالفات التي نسجتها على المستوى الدولي والاقليمي بدءا من الصين ومرورا بدول أوراسيا وقول الفصل في صراعات الاقليم رغم الاحتجاج الاوروبي والامريكي وصولا الى ايران وسورية ومصر، كل ذلك ومعه امور اخرى ، كتشكل منظمات اقتصادية مثل منظمة شنغهاي ومجموعة دول البريكس،  أدى الى تغير في السياسات الامريكية. لقد استنتجت إدارة أوباما ان حروب امريكا العبثية في افغانستان والعراق كانت عاملا رئيسيا في تدهور الاقتصاد علاوة على آثارها وتداعياتها السياسية . 
ليس هناك عقيدة خاصة لاوباما وانما هناك سياسات تمليها الضرورة ،تعدها مؤسسات الدولة، تتوافق مع المعطيات والتطورات على مستوى العالم . اعدت الادارة الامريكية في فبراير 2015  وثيقة جديدة تتضمن تعديلات على استراتيجية الأمن القومي حددت أهدافا من ضمنها:  
"تفكيك الشبكات التي تهدد شعبنا ومواجهة العدوان ضد حلفائنا وشركائنا وضمان تدفق الطاقة من الشرق الأوسط الى العالم ومكافحة تطوير أو استخدام أسلحة الدمار الشامل». وتعهدت الإدارة «الاستثمار في قدرات إسرائيل والأردن وشركائنا في الخليج لردع أي عدوان».
وتحث الحكومة العراقية «للتعاطي مع شكاوى السنّة من خلال حُكم أكثر انفتاحاً وشمولية»، ولم تغفل الحديث عن ضرورة الشراكة الإقليمية في محاربة الارهاب وتحطيم داعش. 
وفي الملف السوري دعت الى حل سياسي «دائم للنزاع المدمر» والتعاون «مع الشركاء لتدريب وتجهيز المعارضة السورية المعتدلة لتكون قوة ضد الإرهابيين وضد وحشية نظام الأسد." 
  الا ان الدور الروسي في سوريا والإنجازات الكبيرة للجيش السوري وحلفائه سدت الطريق امام المطالبة بالقضاء على النظام السوري، واضطرت الولايات المتحدة للتعامل مع المتغيرات ببراغماتيتها المعهودة قبل سحب البساط نهائيا من تحت أقدامها . هذا هو السبب الحقيقي وراء التنسيق التام مع الروس . فلا امريكا غيرت جلدها ولا روسيا خانت أصدقائها كما يسوق الاعلام المشبوه.
 
من جهة اخرى اكدت الوثيقة المذكورة على ما جاء في الاستراتيجية السابقة منذ عام 2010 بشان تطوير علاقاتها وشراكاتها مع الهند ودول الباسيفيك ليكون بالإمكان المحافظة على تفوقها ووقف زحف الصين الى مقدمة الاقتصاد العالمي. ولا تخفي الادارة عداءها لروسيا من خلال الحديث عن ما اسمته عدوانية روسيا التي يجب ان يوضع حد لها عن طريق استمرار فرض العقوبات الاقتصادية عليها. وهنا أيضاً وبسبب قوة روسيا وبراعة قيادتها وتخطيطها تضطر الادارة الامريكية للتعامل الواقعي مع التطورات على الارض. وتنسق مع روسيا في ذات الوقت الذي يعلن فيه وزير الدفاع الامريكي كارتر امام الكونغرس ان روسيا باتت التهديد الاول بالنسبة للامن القومي الامريكي على مستوى العالم وليس مجرد دولة إقليمية كما تبجح اوباما قبل اقل من عام!! 
 التوازنات الدولية والإقليمية الجديدة لم تعد تسمح بالتفرد والقطبية الأحادية. من الصعب ملاحظة تغير دراماتيكي في استراتيجية التفوق الامريكية المعهودة من خلال هذه الاستراتيجية التي اعلنت في مطلع العام الماضي، على رغم تغيير خطاب الاستعلاء الفظ والاستعاضة عن حديث الحروب المباشرة والتدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول والشعوب باستخدام التحالفات والشراكات.  لانه في المقابل ما زالت امريكا وراء الفوضى الراهنة في الشرق الاوسط من خلال دعم وتأجيج صراعات وحروب بالوكالة لانها اقل كلفة واكثر نجاعة في تحقيق الاهداف المرسومة لها.  
الادارة الامريكية رغم الحديث عن عقيدة جديدة لاوباما لم تغير سياسة تقسيم الدول العربية على اساس عرقي ومذهبي وبهذا لم تتوقف عن السعي لإشعال فتيل الصراع المذهبي بين السنة والشيعة رغم مطالبتها السعودية بالشراكة مع ايران في إدارة المنطقة . من جهة تعلن امريكا انها تحارب الارهاب وفي نفس الجملة تسلح مع حلفائها ما تسميه المعارضة المعتدلة في سورية ومن ثم تريد حلا سياسيا هناك.  
 العالم تجاوز مرحلة قبول تلك الأدوات القديمة كالصراع بين الغرب والشرق على أسس دينية والحروب الصليبية وغيرها ، هذا ما تثبته نتائج حربي العراق وأفغانستان . لذلك غيرت امريكا استراتيجيتها في الشرق الوسط من خلال التركيز على تقسيم دول المنطقة وتاجيج الصراع المذهبي كوسيلة هامة للتجزئة وهدم وتدمير الدول وبالتالي إدارة وتكريس ما اسماه برنارد لويس الفوضى الخلاقة . وهي تركز على اهداف مماثلة في شرق اوروبا مستبدلة الصراع المذهبي بالصراع العرقي وتمزج في دول اسيا المحيطة بالصين الصراعات العرقية مع صراعات نفوذ جيوسياسية.
من هذا المنطلق فان مناطق بؤر الصراع في الشرق الاوسط وشرق اوروبا ستبقى ملتهبة ما دامت تصب في خدمة المصالح الامريكية ، وسوف تخبو نارها كلما تعاظمت قوة التوازنات الإقليمية والدولية المقابلة للمشروع الامريكي، ومن الواضح ان امريكا التي احضرت أسطولها للمتوسط وكانت تعتزم ضرب سورية مباشرة ، لم تتراجع عن ذلك بسبب اتفاقية نزع الاسلحة الكيماوية من سورية بقدر ما انها كانت تبحث عن مخرج يخلصها من تداعيات تلك الضربة التي كانت ستؤدي الى اشتباك محتمل مع روسيا في عرض المتوسط . كذلك الامر بالنسبة لإيران وانتهاج المفاوضات معها بديلا لحرب مباشرة كانت ستكلفها ربما أضعاف ما كلفتها حرب العراق وأفغانستان . 

لم تعد الولايات المتحدة المتحكم الوحيد في العالم وإدارة الصراعات والأزمات رغم الثقل النوعي الذي تتمتع به ، وكما يبدو ان استراتيجياتها الجديدة لم تعد تدعو علانية الى السيطرة على العالم كما كانت في عهد الجمهوريين  او ما يعرف بالتيار المحافظ والذي اطلق عليه جورج سورس وصف الداروينية الاجتماعية التي تدعو الى البقاء للانسب ونعتها بالفظاظة كونها تشدد على التنافس اكثر من التعاون.
وفقا لدلالات الاستراتيجية الجديدة فان المرحلة الراهنة ستشهد مزيدا من الصراعات على النفوذ الجيوسياسي في مختلف المناطق والأقاليم لكنها ستبقى محدودة بحدود التوازنات الدولية الجديدة . 
 وفي حالة سوريا من يفرض الحل هو الميدان وقوة سوريا وقوة المحور المقاوم المتحالف والمتقاطع مع المصالح الروسية الاستراتيجية ، ولا شك ان روسيا ساهمت كثيرا في التغيير الحاصل في ميزان القوى الحالي ، الا انها في نفس الوقت فرضت نفسها كدولة عظمى بشكل قاطع كنتيجة لهذا التطور النوعي في سوريا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن