الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عازف المزمار و الاطفال (4)

الياس ديلمي

2016 / 3 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


و انا نائم كالعادة اذ بزلزال قوي جعلني افيق من سباتي و اذ بعفريت مفتول العضة قائم فوق راسي يرمقني بحدة النظرات ، قلت ( من انت ؟) ، قال ( مبعوث الحكيم النبيل لأبين لك ما غاب عنك من التأويل ) ، قلت ( فما بك لا تشق السقف لتلج الدار ؟ ) ، قال ( للأسف ما انا بجبريل انما جني لا يشق له غبار ، قم معي سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا و لم تحط به خبرا مع العلم اني سأرهقك سفرا ) ، فخرجت معه من الدار و قلت له ( اين الدابة المجنحة لنطير مثل الانبياء كالمعتاد؟ ) ، قال ( هذه الرحلة ستكون بالمنطاد ) .
تعجبت و ما لي من حيلة إلا الانصات ، ركبنا المنطاد ليحلق بنا حتى استوينا فوق السحاب .
وجدنا مكانا فيه ورشة و فيه اناس عاملون يقومون بصنع المزامير و يهيئونها لشحنها في شاحنات لنقلها و تسويقها ، قلت ( من هم هؤلاء و ماذا يفعلون ؟ ) ، قال العفريت ( اصبر ) ..
اكمل المنطاد طيرانه الى ان وصلنا الى امة من الناس منقسمة الى قسمين كل قسم منهم يستمع الى رجل يقوم بالعزف على مزماره الاول الحانه بطيئة و الثاني الحانة سريعة فقلت للعفريت ( من هؤلاء ؟ ) ، فرد عليا قائلا ( اصبر ) ..
اكملنا الطيران و بدا المنطاد في الانخفاض رويدا رويدا فلمحت مجموعة من الناس ملقاة في الارض تمسك ببطونها متألمة صارخة فلا منجد و لا مداوي لها .. قلت ( من هم ؟) .. كالعادة قال ( اصبر ).
ويعد ربع ساعة شرع منطادنا في الهبوط الى ان لامس سطح الارض ،فقال لي العفريت ( حان وقت السير ) فانطلقنا حتى وصلنا الى مكان وجدنا فيه اناس يرقصون و احدهم يعزف لهم الحانا متنوعة فقال لي صارخا ( ارقص ، ارقص ) و لكن الامر اربكني فلم اجد بدا من ذلك إلا بمشاركتهم الرقص و انا لا اعلم ما مناسبة الرقص .. و كان العازف يعزف قليلا ثم يطلب منا بالقفز فيقفزون و انا معهم اقفز لكن لا اعلم سبب هذا الفعل لنكمل بعدها الرقص ..
امسكني العفريت من يدي و قال لي ( لننطلق ) ، قلت ( ما الذي كان يحصل و ما الذي حصل لي ؟ ) رد عليا ( اصبر ) و انطلقنا نمشي لمدة ساعة حتى وصلنا الى قصر عليه حراس ، قمنا بالدخول و لا ادري كيف دخلنا فوجدنا رجلا جالس على سريره و من مظهره عرفت انه ملك و قد كان بينه و بين شخص اخر حوار، فقال الرجل للملك اسمع يا ايها الملك : ( إن القلوب التي أبغضناك بها لفي صدورنا وإن السيوف التي قاتلناك بها لفي أغمادها وإن تقبل للحرب شبراً أقبلنا لها ذراعاً ) .. فسكت الملك .. فتعجبت من كلامه ! ولما خرج الرجل تقدمت من الملك قائلا له : ( يا أيها الملك لم سكت عنه ؟ ولماذا لم تعاقبه ؟ )
فقال المالك (ويحك يا رجل ألا تعلم من هذا ؟ ) قلت : ( لا ) ، فقال ( إنه الأحنف بن قيس التميمي الذي إذا غضب ، غضب معه مائة ألف سيف لا يسألونه لماذا غضب ) ، و امر الجنود بإلقائي خارج القصر دون ان استوعب ما حدث ، قال لي العفريت ( لا تسال ، لنكمل طريقنا ) ..
فانطلقنا حتى وصلنا الى بلدة يبكي اهلها جميعا .. تقدمت سائلا احدهم عن السبب الذي يبكيهم . فرد عليا احدهم و قال ( كنا نعيش في هذه البلدة بسلامة و هناء الى غاية اليوم الذي غرنا فيه الجشع و الطمع و البخل فأخذنا نكتنز الذهب و الفضة و نبيع ما ظننا انه من الكماليات غير المفيدة الى ان بعنا كلابنا و قططنا و كل الحيوانات التي كنا نربيها لكن الجرذان قامت بغزونا و اكلت مدخراتنا و افسدت محاصيلنا فلم نجد منجدا ينجدنا إلا شخصا كان يعزف على المزمار عاهدناه بإعطائه مكافئة مغرية مقابل التخلص من هذه القوارض المفسدة و هذا ما تم بالفعل إلا ان جشعنا جعلنا نطرده دون ان نفي بالوعد ، و لكنه انتقم منا بان سحر اطفالنا بأنغام عزفه و اخذهم جميعا و لم نرهم منذ ذلك اليوم ) .
لقد صدمتني القصة ، انهم يتكلمون عن الحكيم الذي رافقته ، لم اعد افهم شيئا فالتفت الى العفريت سائلا فقال ( الان سأنبئك بتأويل ما لم تحط به خبرا و لم تستطع عليه صبر ) ، قلت ( اني اسمعك ).
قال ( فأما الورشة و العاملون الصانعون للمزامير فهي لكهنة الدين و اما المزامير فهي المنابر و اما العاملون فهم صغار الشيوخ و الخطباء ) ، و اكمل يقول ( اما الامة من الناس المنقسمة بين سامع لعازف الحان بطيئة و بين سامع لعازف الحان سريعة فهي القنوات الفضائية التي دأبت على فتح التاريخ الدموي الطويل لصراعات الطوائف التي تنسب نفسها للإسلام رابطين موت الماضي بموت الحاضر العازفون شيوخ يفتحون كتب سواهم ويقرؤون منها مستشهدين على سخافتها , وقنوات تتصيد مقاطع لشيوخ الطوائف الاخرى يستهزؤون برموز قومهم فينشرونها ولسان حالهم يقول للمتابع الذاهل : انظر الى حقيقة جيرانك وأصدقائك التي اخفوها عنك , هكذا يفكرون ، فأما اللحن البطيء فهو لهو الموت الموجه للجرذان و اما اللحن السريع فهو لحن الحياة الخادعة الموجه للقطعان ) ..
ثم استرسل في الكلام ( الناس الذين كانوا منبطحين على الارض يتألمون هم اصحاب البلدات المجاورة بلدة هاملن الالمانية هم يمثلون الشعوب الاخرى و قد شربوا من النهر الذي تم القاء الجرذان فيها فأصيبوا بتسمم خطير ، اما حفلة الرقص التي رقصت فيها فهي تمثل السوق ، و يكون تحريك السوق وقيادته بيد أهل النفوذ وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة وهم قادة القطيع الذين يسوقونه للبيع أو الشراء أو حتى الهروب من السوق سخروا لهم الإعلام ليقرع طبول الحرب وأبواقها أو يرفع راية الاستسلام ويعلن نهايتها ان من يخسر في السوق هم أولئك الذين تحركهم عواطفهم لا عقولهم لذلك فتعويد النفس على ضبطها وكبح عواطفها عند الشراء أو البيع يحد من تأثير هذا السلوك على المتداول وكلما كان بيعه وشرائه بطريقة مدروسة فنياً ومالياً وزمنياً كان استثماره ناجحاً وخسائره أقل وقراره حكيماً مقارنة بالشراء أو البيع بطريقة عشوائية ) ، سكت العفريت لحظة ثم قال ( اما ما جرى عند الملك فتلك هي نظرية القطيع ، حيث ان مقولته الاخيرة إنه الأحنف بن قيس التميمي الذي إذا غضب ، غضب معه مائة ألف سيف لا يسألونه لماذا غضب تمثل سلوك القطيع في النفس البشرية وقد أدرك الملك بدهائه أن الأحنف قائد للقطيع وأن وراءه مائة ألف رجل يخرجون معه للقتال لا يدرون لماذا خرجوا ) .
قلت ( و ما تأويل ما فعله الحكيم الذي ارسلك ) ، فتبسم العفريت ثم قال ( اما الجرذان فهم المفسدون في الارض و الذين يتبعون اللحن البطيء فهم يتغذون على الجهل و الفقر و ما ان تنتهي مهمتهم حتى نرسلهم الى اماكن اخرى ليموتوا و بموتهم ينتشر الوباء مرة اخرى و ينتقل كما حدث مع هؤلاء الناس الذين وجدناهم يصارعون المرض القاتل بسبب شربهم لماء النهر الناقل لمخلفات و فيروسات الجرذان المنتحرة و اما الاطفال و الذين يتبعون اللحن السريع هم القطعان و هي كيانات بليدة , ذوي عقول معطلة تتلقى المعلومات والمواقف من وسائل الإعلام تتعاطف مع من يتعاطف معه مقدم البرنامج , وتهاجم من يهاجمه السياسي وتحمل من يحمله رجل الدين مسؤولية كل ما جرى,شاهدنا هذا في جميع الازمات,حيث يُصف السنة والشيعة صفين متقابلين في تقييم الاحداث رغم ان جلهم وغالبيتهم الساحقة لم يقم يتحليل حقيقي ومحايد للأحداث,لكنهم يسارعون الى مشاركة منشورات الصفحات الصفراء,مع تعليق شاتم للآخرين وحين يشاهد الصديق من الطائفة الاخرى هذا تزداد قناعته ان “جميعهم حتى المثقف منهم” حاقدون عليه حقداً يمتد الى الف عام .
وهكذا تسير وسائل الاعلام ومن وراءها شعوباً كاملة الى الهاوية، دون تردد من تلك الشعوب، التي لا تمانع ضياع بلادها-موضة الدعوة الى التقسيم كحل اخير-وضياع حياة شبابها ومستقبلها فدى لبقاء فضاء تملؤه اصوات النعيق الطائفي والقانون-كما الله والمجتمع الدولي-لا يحمي المغفلين ) .
قلت ( و من انت ) قال ( انا نفسك ) ، فقلت ( لم ارك الا ناصحا لي لا عدوا تكيل لي ) .
ضحك حتى بانت نواجذه و قال مقهقها ( انا النفس التي الهمها ربها فجورها و تقواها ) و استمر في قهقهته مختفيا عن انظاري لأفيق من نومي على وقع قهقهة المشاهدين للممثل الكوميدي مستر بين في التلفاز .
تبا لقد كنت في حلم ...
----------------------------------
* في المقال توجد بعض الاقتباسات ليست من تاليف المؤلف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح