الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا فشلت جماعات الإسلام السياسي في الحكم؟

عاصم منادي إدريسي

2016 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


لماذا فشلت جماعات الإسلام السياسي في الحكم؟
منذ العقود الأولى من القرن الماضي، عرف العالم الإسلامي ظهور جماعات الإسلام السياسي التي أعلنت معارضتها للأنظمة السياسية الحاكمة في البلدان الإسلامي. ولم تتردد هذه الأنظمة في محاصرتها وحظر أنشطتها وقمعها واعتقال نشطائها ومطاردتهم سرا وعلانية. أمام هذا الحصار الرسمي لجأت هذه الجماعات الدينية إلى التباكي وادعاء المظلومية استدرارا لتعاطف عامة الناس وشفقتهم، ولترسيخ هذه المظلومية رفعت شعارا أعلنت بموجبها أن تخلف الأمة الإسلامية وتراجعها وضعفها راجع إلى ابتعادها عن الدين الحقيقي وتقليدها للغرب الكافر وتعاملها معه، وأنها تتعرض للقمع والمنع والحصار والحظر بسبب دفاعها عن الدين ومبادئه وحرماته وتدعو إلى تطبيق حدوده.
كان المؤسسون الأوائل لهذه الجماعات الدينية-السياسية يدركون جيدا ما يحدثه الخطاب الديني من وقع وما يخلفه من تأثير في نفوس عامة الناس الذين يعانون الفقر والهشاشة والظلم والقمع، وما يعنيه الخطاب الديني لهؤلاء البؤساء الذين يجدون فيه نوعا من التعويض النفسي عن الحرمان والمعاناة اليوميين. وفي ظل استشراء الفساد السياسي والإداري في هذه الأنظمة السياسية، رفعت جماعات الإسلام السياسي شعار "الإصلاح ومحاربة الفساد وتخليق الحياة العمومية، والقضاء على مظاهر الفسق والفجور"، وكانت تعرف جيدا أنها تحرك وترين حساسين جدا بالنسبة للجماهير داخل العالم الإسلامي في الشرق والمغرب الكبير. وهو ما جعلها تلقى الكثير من الدعم والتعاطف بسبب الخطاب الأخلاقي الذي تروج له شعبيا.
فجأة ودون سابق إنذار، تندلع ثورات/احتجاجات الربيع العربي في أكثر من بلد، وبعد أن جرب الناس اليمين واليسار والملكيات والطغيان والراديكالية، بدا أن الوقت قد حان لتتولى جماعات الإسلام الإسياسي سدة الحكم. ومن أقبية السجون وجلسات الوعظ والإرشاد والمدارس الدينية وخطب الجمعة، حزموا أمتعتهم وانتقلوا إلى دار السلطان والحكومة (مصر.تونس.ليبيا.المغرب..).
كانت انتظارات الناس منهم وآمالهم فيهم من الضخامة بحيث لا يوازيها إلا خيبة أملهم فيهم. لقد راهن الشارع الإسلامي على مصداقيتهم ورصيدهم الخلقي وانتماءاتهم التي لطالما رددوا أنها انتماء للفقراء والمسحوقين. ولذلك توقعوا منهم نهضة اقتصادية تنعكس مباشرة على حياتهم اليومية المملوءة بؤسا وفقرا. لكن تجاربهم في الحكم، أثبتت ابتعادهم التام عن شعاراتهم التي رفعوها، وعدم وفائهم بالتزاماتهم التي نالوا بسببها تعاطف الشعوب ودعمها.
في المغرب مثلا، بنى حزب العدالة والتنمية حملته الانتخابية على شعار " محاربة الفساد ومتابعة المفسدين وحماية المال العمومي وربط المسؤولية بالمحاسبة". وهي شعارات رفعتها حركة 20 فبراير التي قادت الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بمحاربة الفساد. وكان الموقف الشعبي المتعاطف مع الحزب يراهن عليه لمتابعة المفسدين وناهبي المال العام، خاصة وأن أغلب الصناديق المالية بدأت تعلن إفلاسها واحدا تلو الآخر (المقاصة.المكتب الوطني للماء والكهرباء.التقاعد...). وبينما كان النغاربة ينتظرون إعلان الحكومة عن فتح تحقيق في أسباب الإفلاس، فاجأهم رئيسها وهو يعلن عن عدم متابعة المسؤولين مستدلا على ذلك بقوله تعالى "عفا الله عما سلف"، متنازلا عن شعاره الانتخابي "محاربة القساد ومتابعة المفسدين".
أكثر من ذلك، وبسبب غياب المشاريع الحكومية التي يجب أن تعدها الأحزاب السياسية لمواجهة الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتقديم الحلول العملية لها، فقد لجأت الحكومة إلى رفع الدعم عن المواد الأساسية الضرورية والمحروقات تاركة المواطن المقهور في مواجهة تقلبات السوق والمضاربين، وذلك للتخفيف من الميزانية التي تخصص لدعم هذه المواد. وعندما شارف المكتب الوطني للماء والكهرباء على الإفلاس، قررت الحكومة مجددا الرفع من قيمة فواتير استهلاك الماء والكهرباء لحمايته من هذه النتيجة الحتمية.
ما يهمنا من هذه الأمثلة أن الحكومة الإسلامية تفتقر إلى المشاريع السياسية والاقتصادية والتنموية التي يمكن أن تنفذها أثناء ولايتها الحكومية خدمة لمصالح الشعب وتنفيذا لالتزاماتها. لكن تجاربها في الحكم بينت أنها انتقلت دون استعداد أو خبرة من مجالس الدعوة والوعظ والإرشاد إلى ممارسة الحكم. كان الأمر أشبه بطفرة سريعة تحولوا فيها من عالم ضيق ينادون فيه بالقطع مع الكفار والنصارى واليهود ويطالبون بإلغاء مظاهر العري والخمر والزنا..إلى عالم الحكم حيث اكتشفوا أن العالم أوسع بكثير مما تخيلوا، وأن فكرة القطيعة لا تستقيم في عالم لا تستطيع فيه أي دولة مهما عظمت قوتها أن تحقق الاكتفاء الذاتي. ولذلك بدأوا يتراجعون تدريجيا ويتخلوا عن شعاراتهم وقناعاتهم للبقاء في السلطة وما تتيحه من امتيازات ونعم.
والآن، ما هو الدرس الذي ينبغي استخلاصه من تجربة جماعات الإسلام السياسي في الحكم؟
على المواطن الإسلامي في هذه المجتمعات (ومنها المغرب طبعا) أن يتعلم بأن خطاب "العودة إلى الدين وتطبيق الحدود واحترام الأخلاق" ليس إلا خطابا عاطفيا يحرك الوجدان ويداعب خيال الفقراء. لكنه ليس خطابا إجرائيا يمكن ترجمته على أرض الواقع والاستفادة منه.
على المواطن في هذه المجتمعات أن يتنبه إلى الفوارق القائمة بين مجالي الدين والسياسة. تقتضي الممارسة السياسية مهارات ومبادئ ليست متوفرة في الدين أبدا. فالإمساك بعلوم الفقه والتفنن في الفتموى يجعل من المرء داعية وواعظا قادرا على إرشاد الناس إلى طرق الخلاص والنجاة من النار والفوز بالجنة. لكنه لا يجعل من المرء رجل سياسة ناجح. إن تحقيق النجاح السياسي يقتضي من الفاعل السياسي الإمساك بمهارات وفنون التسيير والإدارة والتدبير، وهي مهارات لا يمكن تحصيلها بالدعاء والتباكي، يتعلق الأمر بعلوم معاصرة مؤسسة على مناهج وقواعد علمية صارمة (علوم الاقتصاد والتدبير والمحاسبة والتسيير والإدارة والعلوم السياسية والإنسانية...).
وفي أمور الحكم، لا يحتاج الناس إلى وعاظ يفتونهم فيما يجب عليهم فعله وما لا يسمح لهم بفعله. بل يحتاجون إلى سياسيين يجيبون عن تساؤلات الفقر والعطالة والتهميش وضغف البنيات التحتية والتجهيز والخدمات العمومية والصحة والتعليم، يحتاجون لمن يحقق لهم الحد الأدنى من العيش الكريم والكرامة الإنسانية، وفي هذه المصالح يتنافس السياسيون، والأجدر بتولي الحكم ليس أكثر الناس معرفة بالدين والفقه، بل الأكثرهم نفعا وجلبا للمصالح، وأقدرهم على درء المفاسد.
إن انتقادنا لتجارب الحكم التي خاضتها جماعات الإسلام السياسي في أكثر من بلد إسلامي، لا يرجع إلى عدائنا لها أو للدين. فالدين ملك للجميع، وليس يحق لها أبدا أن تدعي امتلاكه واحتضانه والنطق باسمه. فالله لم يكلف أحدا بهذه المسؤولية. وعندما تبرر فشلها السياسي بوجود مؤامرة ضدها من طرف من تصفهم بالعلمانيين والكفار وأعداء الدين، فإنها في الحقيقة ترفض الاعتراف بعجزها السياسي عن النهوض بمسؤوليات الحكم، وتفضل إلصاق التهمة بالآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة