الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاكس

ماري مارديني

2016 / 3 / 31
كتابات ساخرة


لم يراه انه ورقة رسمية ..! الفاكس هذا ورقة و لا يحمل طوابع و عدة تواقيع و ختم ! فهو ليس رسمي ! هكذا قال موظف على حدود عاصمة نامية . الفاكس الصادر من سفارة دولته في بلد اخر و المُرسل لهم من السفارة ذاتها بيد موظفينها ليس معترفاً به على حدود عاصمتهم ، فالاوراق الرسمية يجب ان تكون خطية و مختومة و عليها عشر طوابع ليراها موظف الحدود رسمية! و يثق بها.

هذا كان قبل سنوات. ... فبعد سفر من قارة الى قارة كان يجب الانتظار حوالي سبع ساعات لتأمين اوراق تثبت صحة الفاكس! !! و ما ورد به ! كي يقتنع الموظف ان الفاكس من سفارة دولته اليه انه رسمي، و انه بدل الطوابع الملونة و الختوم المختلفة الاشكال و الالوان تم دفع رسوم بديلة عن الطابع بل تفوقها بكثير من حيث القيمة و الحضارة ! هذا ليس ذنب الموظف المسكين الذي يقف يراقب اوراق الداخلين الى تلك العاصمة ، انه ذنب الحضارة التي لم تجد طريقها الى العقول لان ابواب العقل مغلقة عن الحضارة فلم يكن بوسع الحضارة الدخول لعقل ذلك الموظف لكي يتلعم ان الفاكس ورقة رسمية كافية للوثوق بها . و لم يكن بوسعها الدخول لعقل من وظفه و لم يخضعه لدورة تعليمية يتعلم بها كل ما يتعلق بثقافة الفاكس.

خلال السبع ساعات في انتظار العفو عن الفاكس واعتباره صالح و قانوني ، جلست اراقب عمل السادة الموظفين في ذلك المكان !و من بعض مشاهداتي ما يلي :

وقف طوابير من المنتظرين امام نافذة الموظفين ليسمحون لهم بالدخول بعد الاطلاع على اوراقهم الرسمية و هذا طبيعي ، ولكن الغير طبيعي انه كان مجموعة من الموظفين يتجولون بين الواقفين بالطوابير يحاولون جس نبض الواقفين بآخر الطابور و يعرضون عليهم مساعدة بتسريع دخولهم قبل اولئك الواقفين بأول الطابور، و معلوم ان المساعدة طبعاً تحتاج اتعاب ..وكانوا اذا استطاعوا اقناع احدهم او اكثر فإنهم كانوا يأتون فجأة الى الموظف الجالس خلف نافذته و يقولون له " مشي لي هالاوراق ! او يرمون امامه تلك الاوراق و يغمزون له غمزة " انها الرشوة " رشوة و بإتفاق سابق بينهم و مكشوف للرائي .

قدمت سيدة اوراقها الى موظف النافذة فطلب منها بأن تأتيه بختم على ورقة معينة من الموظف الاخر الذي يجلس في غرفة زجاجية بزاوية معينة ، فذهبت السيدة اليه لكنه كان مشغولاً بمحادثة هاتفية خاصة شخصية ! و كان عليها ان تتظر ريثما ينهي تلك المكالمة ..

موظف اخر جالس خلف طاولته و لان الوقت كان ليلا فكان الموظف غارقا في نومه و" يشخر"! و المُراجع الذي اراد منه طلب او مساعدة اضطر ان يقلق راحته ! و يوقظه . ربما كان على المراجع ان يعتذر من الموظف بسبب الازعاج!

سيدة وصلت للتو و ارادت الدخول عبر الحدود لكن لم يسمحوا لها ! مع انها ارادت ان تدخل مدينتها و وطنها و ليس مدينة وطن اخر ! فمن يثبت انها هي هي ذاتها لان اوراقها الرسمية منتهية الصلاحية فلا يحق لها الدخول ! هكذا قالوا لها ..فلا يحق لها الدخول الى وطنها فأين ستذهب اذن ! و كيف ستجدد اوراقها الرسمية و هي اتية لتفعل ذلك و الاشخاص الذين معها كانوا يشهدون انها هي ذاتها صاحبة الاوراق التي تحملها و كانت صورتها واضحة على احدى الاوراق تلك!

مواطن عربي كانت تلك العاصمة قد اعطته جنسيتها تكريما له.. و اعطوه اوراق رسمية كاملة مثل اي مواطن فيها ، و اتى فرحا يرغب بإستعمال ذلك الحق بتلك الاوراق الرسمية الممنوحة له ، لكنهم لم يسمحوا له بالدخول لانه اصلا ليس ابن ذلك البلد و اوراقه التي معه لا تؤهله للدخول الى عاصمتهم، فعليه استعمال اوراق وطنه الاول " التي لم تكن معه وقتها" ليحق له الدخول.

جميل الجلوس على الحدود..! مع انه ممل ، ولكنه يعطي صورة عن طبيعة بعض الموظفين ، صورة طبيعية و صادقة ، فتعامل الموظفين مع القادمين يختلف بنوعه و اسلوبه مع اختلاف القادمين ! و لكل قادم يوجد عند الموظف اسلوب يستعمله معه ، و كذلك لكل موظف طريقته الخاصة بمحاولة الحصول على " الاكرامية " حتى الرشوة يسعون لتجميلها و يسموها اكرامية، " نمشي لك ورقك و كلك ذوق!" او " اهلا و سهلا رح ساعدك بسرعة ..." لكن المسكين ابن ذلك البلد ما رأيت ان احدا اهتم به او قال له اهلا و سهلا تفضل ..سأ ساعدك .. رح مشيلك اوراقك ، و مسكين ذلك الذي انتظر بالطابور و كان اول واحد .. فمع انه وقف اول واحد الا انه وقف كثيرا لانه لا يعطي اكراميات لاحد، او لانه لا يقدر ماديا، او لانه ذو مبدأ، فلا يقبل بذلك الاسلوب ، اسلوب ال" رشاوي " فعليه الانتظار ريثما يمشوا ارواق من يدفع !

المهم بالنهاية اقتنع الموظف ان الفاكس سليم وقانوني و صالح للاستعمال و رسمي. فأردت الدخول للمدينة لكن كان يجب ان اجيب على سؤال مهم! جدا و مبدع جدا !هو "شو جايي تساوي هون !؟" و لان السؤال كان مبدع فكان يجب علي ان اجيب جواب اكثر ابداعا و بكل جدية و هدوء فقلت " سوف اقوم ببعض التفجيرات هنا و هناك ! ان الوقت الذي انتظرت به هنا لتقتنع بالفاكس كان يكفي ان اعود به ، ماذا سأفعل هنا غير الزيارة !". و قد استغربت بدوري ان ذلك الموظف استطاع الابتسامة ! فكل ذلك الوجه الكشري ابتسم من كلمة تفجيرات على الرغم من قلة حضارة الكلمة، لكن الفاكس بكل حضارته و رونقه جعله يشك و يغضب و يضع عقدة بين عينيه و ملامح تستغبي الفاكس و مرسليه و الذين يؤمنون به.

ذلك كان قبل سنوات قلة ! و ان كان ذلك الوضع هو القائم الى الان فإنه مآساة . مآساة لان الفرد لا ينقصه عقل و لا ينقصه قدرات و لا ينقصه انسانية كل ما ينقصه هو التثقيف و التدريب و الاعداد و النظام ومواكبة الحضارة. بكثير من الدول يتم انهاء المعاملات عبر الهاتف و عبر الفاكس و الايميل و بكل لباقة و احترام و راحة و نظام فما الفرق؟

اما لماذا اكتب ذلك ..فالجواب لاني احب الحضارة و اثق بالعقل و اؤمن بالكلمة فإني اكتب . و لان من يقفون على حدود اي دولة فإنهم صورة تمثل الناس الذين فيها و الثقافة العامة لهم ، فيجب ان يتم اختيارهم بدقة ، و تدريبهم و تأهيلهم و تعليمهم اهمية احترام النظام و الطابور و الانسان و الوقت ليقدموا صورة لائقة فهم اول من يراهم القادم و اخر من يراهم بأي دولة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل


.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج




.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما