الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد العزيز العطي، القائد الشيوعي البارز

نعيم الأشهب

2016 / 4 / 9
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


برحيل "أبو الوليد" تكون الحياة قد أكملت تسليمها للتاريخ سجل آخر الفرسان المؤسسين للحزب الشيوعي اﻷ-;-ردني، عام 1951. كان أبو الوليد قد التحق ومنذ العام 1946 بعصبة التحرر الوطني في مدينة غزة، التي عمل فيها معلما، سوية مع طيب الذكر الرفيق فائق وراد، بعد أن أكملا الدراسة الثانوية. وعن طريق فايق عرف أبو الوليد طريقه الى عصبة التحرر الوطني. كانت العصبة، آنذاك، حديثة العهد، ومع ذلك، تحوّلت الى تيار سياسي يساري بارز في الساحة الفلسطينية. ومن حينها نشط أبو الوليد في العمل السياسي، في إطار العصبة، لصالح قضية شعبه.
وما أن تشرّد أبو الوليد مع عائلته من قريته ياسور، بنتيجة نكبة 1948، حتى وهب نفسه بلا أي تحفظ وتفرّغ للنضال السياسي والعمل الحزبي بقية حياته، ودون أي توقف حتى النهاية، ولم تعد له أية مهنة وﻻ-;- اهتمامات أخرى. في البدء كان يعتاش مع عائلته في مخيمات اللجوء، مما تقدمه وكالة الغوث من مواد غذائية فقيرة وهزيلة. وفي البيوت الحزبية التي انتقل اليها فيها، منذ وقت مبكر، لم تكن المعيشة فيها من ناحية المواد الغذائية أفضل حاﻻ-;- وبخاصة في السنوات اﻷ-;-ولى بعد النكبة، مع إضافة التوتر واﻹ-;-حساس الدائم بخطر الاعتقال.
ومع ذلك، فأصعب ما كان في حياة أبو الوليد ورفاقه، في تلك اﻷ-;-يام المأساوية، هو السباحة ضد التيار. فقد أفلحت موجات التهريج الرجعي، التي غمرت البلاد العربية، طوﻻ-;- وعرضا، مستهدفة تغطية وتبرير تواطؤ النظام العربي ودوره في المؤامرة على الشعب الفلسطيني وقضيته. وقد غمرت هذه الموجات العاتية كالسونامي، عقول السواد اﻷ-;-عظم من شعبنا، وبخاصة في البداية، وأصابت بالشلل والتشويش المطلق، عقول الغالبية العظمى من عضوية العصبة ومؤيديها، مصحوبة باﻹ-;-رهاب اﻷ-;-سود الذي جرى تسليطه على الشيوعيين بنوع خاص، ﻷ-;-نهم كانوا القوة السياسية الوحيدة التي تصدت لفضح هذه المؤامرة ودور اﻷ-;-نظمة العربية فيها، بحيث لم يتبق من عضوية العصبة التي كانت تملأ الميادين إﻻ-;- العشرات على نطاق الشعب كله في الضفة الغربية. وتتمثل المعجزة في إصرار هذا النفر المتبقي على مواصلة المعركة بعناد وتحدٍّ عجيب. وكان أبو الوليد، الذي كان في بداية العشرينات من عمره، في الصف اﻷ-;-ول من هؤﻻ-;-ء الذين قرروا تحدي السماء ! دفاعا عن الحقيقة المغدورة.
وفي تشرين الأول من العام 1948 كان على "أبو الوليد" أو "ابو أنور" كنيته في العمل السري، أن يقوم، مع الرفيق طيب الذكر موسى جبران من قرية سعير، بالتوزيع، في مدينة الخليل، للمنشور الموقع من اﻷ-;-حزاب الشيوعية اﻷ-;-ربعة: السوري واللبناني والعراقي وعصبة التحرر الوطني، والذي يكشف للجماهير الفلسطينية والعربية طبيعة المؤامرة الرهيبة على الشعب الفلسطيني وعلى قضيته الوطنية، ودور اﻷ-;-نظمة العربية فيها، ومسرحية دخول جيوشها الى فلسطين بدعوى تحريرها من العصابات الصهيونية. وكانت عملية التوزيع فجرا. وبعد توزيع الكم اﻷ-;-كبر منه اعترض الحرس القومي التابع لبلدية الخليل برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري آنذاك، الرفيق موسى جبران الذي كان على ظهر حمار، ليكتشفوا في الخرج ما تبقى من ذلك المنشور. وبسرعة البديهة التي تميز بها أبو الوليد، أفلح في اﻹ-;-فلات باانعطاف الى مدخل مطحنة حبوب في المكان، بينما انشغل أفراد الحرس القومي في تعذيب الرفيق جبران في الشارع العام بشكل وحشي، ولم ينقذه من التصفية سوى دورية عابرة للجيش المصري، نقلته الى المعتقل.




// الجريدة السريّة


وفي اﻷ-;-ول من العام 1949، بدأت قيادة العصبة بإصدار جريدتها السرية "المقاومة الشعبية". ولم يكن إيصالها الى المناطق المعنية باﻷ-;-مر السهل، بسبب الفقر المدقع الذي كانت تعيشه العصبة آنذاك، حيث كان يعز، أحيانا، ثمن تذكرة الباص، لناقل الجريدة السرية من مدينة الى أخرى. ولم يكن نادرا قيام "أبو الوليد" - وهو ما جرى فعلا - شأن غيره، بنقل هذه الجريدة السرية من رام الله الى القدس مشيا على اﻷ-;-قدام!
وفي العام 1950، تمّ اعتقال أبو الوليد في غرفة بائسة، في أطراف مدينة رام الله، ومعه الرفيق فهمي السلفيتي. وكان معهما في الغرفة فؤاد نصار، الذي أفلت، حينها، من الاعتقال بالصدفة حيث تصادف خروجه الى المرحاض الخارجي - كما في البيوت القديمة - لحظة مداهمة الغرفة المذكورة. وقد جرت محاكمتهما، بموجب قانون المنظمات غير الشرعية الموروث عن حكومة الانتداب البريطاني حيث لم يكن قانون مكافحة الشيوعية سيئ الصيت قد تمّ تشريعه في اﻷ-;-ردن. لم يتخذ الرفيقان موقفا دفاعيا وإنما الهجوم، بفضح طبيعة المؤامرة على القضية الفلسطينية، والمطالبة بتحرير اﻷ-;-ردن من السيطرة البريطانية وإلغاء المعاهدة الجائرة مع بريطانية وطرد البعثة العسكرية وعلى رأسها الجنرال جون كلوب من البلاد. وقد حكمت المحكمة عليهما بالعقوبة القصوى في ذلك القانون، وهي السجن لمدة عام. وكان لمحاكمتها ودفاعهما السياسي صدى مرموق في اﻷ-;-وساط السياسية في البلاد،آنذاك.
وعقب صدور الحكم عليهما، جرى نقلهما الى سجن عمان المركزي في المحطة (جرى هدمه ولم يعد قائما) لقضاء محكوميتهما. وظنا من إدارة السجن بأنه من اﻷ-;-فضل لتحديد نشاطهما عدم جمعهما في في نفس الغرفة، قامت بفصلهما في غرفتين مختلفتين مع بقية المساجين. وهذا ما أتاح لهما، وﻹ-;-ول مرة في تاريخ سجن عمان المركزي أن ينشرا آراء العصبة وتقييماتها للوضع السياسي في البلاد بين المساجين في هذا السجين الكبير. وهكذا، ألقيا البذور اﻷ-;-ولى التي جرت رعايتها من قبل الوافدين الشيوعيين الذين لم ينقطع سيلهم الى ذلك السجن الرهيب، وكان من الثمار المتنوعة لذلك أن كسب الحزب رفيقا متميزا، كان من أبطال أول إضراب في تاريخ سجن عمان صيف 1951، والذي كان رفاق الحزب المتعاقبون على هذا السجن قد عبأوا اﻷ-;-جواء لوقوعه، و شكل نقلة نوعية في النضال لتحسين الحياة المزرية والبدائية في ذلك السجن، هذا الرفيق هو طيب الذكر فارس مسعود، من قرية بيت فوريك، قضاء نابلس، الذي ما أن أنهى محكوميته وخرج من السجن حتى التحق بالحزب.
وحين أعاد الحزب بناء مطبعته السرية بدل اﻷ-;-ولى التي جرت مصادرتها أواخر العام 1951، في البيت الحزبي في عمان والذي كان فيه فؤاد نصار ورفاقه الثلاثة الذين جرى اعتقالهم ومحاكمتهم معه، غدا الحزب بحاجة الى عامل مطبعة متمكن ؛ وكان فارس مسعود "أبو طارق" قد عمل خلال فترة سجنه الطويلة نسبيا، في مطبعة السجن، التي كانت تطبع الكثير من المواد لدوائر الحكومة والجيش. وهكذا، باشر "أبو طارق" عمله في مطبعة الحزب الجديدة اعتبارا من 30/11/1953 بعد أن تزوّج، كما أشار عليه الحزب، واختفى في البيت الحزبي لسنين طويلة.
وما أن أنهى أبو الوليد ورفيقه فهمي السلفيتي محكوميتهما وخرجا الى الحياة العامة حتى عادا الى الاختفاء والعمل السري. ومع أنه تزوّج تلك اﻷ-;-يام من ابنة الشيوعي الفلسطيني العريق فخري مرقة، لكنه عاش بعيدا عن عائلته السنين الطوال في السجون وفي العمل السري. وفي العام 1953، جرى إعتقال "ابو الوليد" من جديد، في بيت حزبي في مدينة نابلس، هذه المرة، مع رفيقه طيب الذكر رشيد الهباب. وقد جرت محاكمتها بموجب قانون مكافحة الشيوعية سيئ الصيت، وقضت المحكمة بسجنهما لمدة ثلاث سنوات ؛ وكانوا المجموعة الثانية التي تحاكم بموجب هذا القانون، بعد مجموعة فؤاد نصار ورفاقه. وقد جرى نقلهما، بعد المحاكمة، الى معتقل الجفر الصحراوي الرهيب ليقضيا مدة محكوميتهما هناك في"البراكس" الذي كان فيه فؤاد نصار ورفاقه المحكومون معه، والمعزول عن "بركسات" المعتقلين، حيث كان شقيق أبو الوليد محمد، وابن عمه وزوج شقيقته شفيق - أبو يوسف من بين أولئك المعتقلين، ولم يكن من المسموح، حتى في جوف الصحراء، بالتقاء المحكومين مع المعتلقين إﻻ-;- مرة كل يوم جمعة.




// البيوت السرية


خلال معارك حلف بغداد، في خريف 1955، كان أبو الوليد في البيوت السرية، ليظهر بضعة شهور خلال فترة حكومة النابلسي الوطنية؛ ومع الانقلاب الرجعي في 24/4/1957 عاد أبو الوليد الى الاختفاء. وذات مرة، حدث أن تجمّعنا في البيت الحزبي في القدس الذي كان الرفيق طيب الذكر، إبراهيم عبّادي (أبو مايك) وزوجته المسؤولين عنه، خمسة رفاق وهم أبو الوليد وخلدون عبد الحق من نابلس وأحمد معروف من البيرة، وأبو مايك وأنا. وكان ﻻ-;- بدّ من تخفيف هذا الكم لخطورته في حال اكتشافه. وأذكر أن "ابو الوليد تولّى، حينها، تزييف هوية شخصية لي ساعدتني في الانتقال الى عمان في تلك الظروف من اﻷ-;-حكام العرفية والمطاردة الوحشية للشيوعيين، حيث كانت عقوبة من يعتقل منهم ﻻ-;- تقل عن الخمس عشرة سنة، بل إن بعضنا كان محكوما عليه غيابا بهذه العقوبة.
وحين جددت المخابرات اﻷ-;-ردنية حملة الاعتقاﻻ-;-ت، صيف 1966، والحقت أضرارا جدية بالتنظيم الحزبي، وفي إطار ذلك كان اكتشاف المخابرات للبيت الحزبي الذي كنت وزوجتي فيه، في 30/8/1966 تقرر خروج الرفاق فايق وراد وعبد العزيز العطي وفؤاد قسيس، الى خارج اﻷ-;-ردن كإجراء احتياطي، حتى تنتهي تلك الموجة اﻹ-;-رهابية. وأظن أن هذه كانت المرة اﻷ-;-ولى التي يخرج فيها أبو الوليد ويصل الى الاتحاد السوفييتي ويشارك مع فؤاد نصار في بعض الفعاليات السوفييتية.
ولدى تشكيل قوات اﻷ-;-نصار، بالتعاون مع اﻷ-;-حزاب الشيوعية الشقيقة: السوري واللبناني والعراقي، كان أبو الوليد هو ممثل الحزب في قيادة هذه القوة الفدائية. وحين غزا اﻹ-;-سرائيليون لبنان صيف 1982، وجرى استنفار الطلبة الفلسطينيين واﻷ-;-ردنيين للمشاركة في التصدي لهذا العدوان، كان أبو الوليد المسؤول اﻷ-;-ول من قبل الحزب الشيوعي اﻷ-;-ردني عن مجموعته.
ولما حدّ المرض وتقدم السن من حركة "أبو الوليد"وغدا نادر الظهور خارج بيته، بقي همّه الحرص، كما كان دوما، على وحدة الحزب والشيوعيين. وحين كنت أزور عمان، كنت أحرص على اللقاء به، وفي بيته في السنوات اﻷ-;-خيرة، حيث نستعيد بعض ذكريات مسيرتنا الحافلة.
وإذا كانت بعض اﻷ-;-ديان ترسم من يكرس حياته، بإخلاص وتفان صادق، لخدمة الدين المعني، قديسا، فما عسانا، وفق هذا المعيار، أن نرسم تلك الكوكبة الباسلة والمتفانية الى أقصى مدى، والتي تصدت لقيادة المعركة في أعقد الظروف وأخطرها بعد النكبة، وكان أبو الوليد آخرهم في الرحيل عنا ؟!..أولئك الذين وهبوا حياتهم كلها، دون تحفظ وبكل التفاني ونكران الذات، ﻷ-;-نبل وأشرف قضية، وهي الدفاع عن حق الشعبين الشقيقين الفلسطيني واﻷ-;-ردني في الحرية والعدالة الاجتماعية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المجد والخلود لهؤلاء الرواد
عتريس المدح ( 2016 / 4 / 9 - 15:20 )
المجد والعلياء لارواح هؤلاء الذين علمونا معنى الفداء ، الرفاق فؤاد نصار وعبد العزيز العطي وفهمي السلفيتي وفؤاد قسيس ورشدي شاهين ويعقوب زيادين .....الخ هذه الكوكبة

اخر الافلام

.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز




.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز