الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعليم المقهورين

فتحى سيد فرج

2016 / 4 / 17
التربية والتعليم والبحث العلمي


تـعـلـيم المـقـهـورين
رغم ان كتاب "تعليم المقهورين" للفليسوف ” باولو فريرى“ نشر فى عام 1968 وترجم إلى الإنجليزية 1970، ثم إلى العربية لأول مرة عام 1980 إلا أن تأثيره ما زال طاغيا على الفكر التربوى فى مصر بصفة خاصة وفى العالم بصفة عامة . لماذا؟ . لقد توطدت شهرة هذا الكتاب في المجالات التربوية على أنه يقدم نظرية جديدة في أساليب التعليم وبخاصة تعليم الكبار، ولكن المؤلف يحدد فيه المعالم الرئيسية في فلسفة الثورة، الثورة التي تستهدف تحرير الإنسان وتوجيه طاقاته نحو تغيير العالم الذي يعيش فيه. فقد تحدث باولو فرايري في كتابه عن الثورة كعمل يمارسه المقهورون من أجل تجاوز ظروف القهر واكتساب حريتهم وهم في هذه الممارسة يواجهون القاهرين الذين لا يريدون لهم أن يتحرروا بل يريدون لهم أن يستكينوا لظروف القهر ويعتبروها قدراً محتوما لا يمكن الفكاك منه .
فقرار تعليم الشعب هو قرار سياسي، ذلك أن تعليم القراءة والكتابة لا يمكن أن يكون عملاً حياديًا. بل هو فى الحقيقة له قصد سياسي، إذا كان بأسلوب التلقين فهو يرسخ القهر، وإذا كان بالأسلوب الحوارى – الذى يقترحه - فهو يحقق الحرية ويكسر قيود القهر .
ويرى فرايري أن الثورة، ليست محنة يقدمها القادة للأفراد ذلك أن الأفراد إن لم يبدءوا تحرير أنفسهم بأنفسهم في عمل تضامني، فلن يمكن للقيادة أن تحررهم، وهو لا ينكر أهمية القيادة في العمل الثوري، فللقادة دور هام في توجيه الجماهير للإحساس بظروف القهر، غير أن القيادة التي تفرض فكرها على الناس محكوم عليها بالفشل لأنها ليست قيادة ثورية وإنما هي بديل متسلط يحل محل القاهرين ويفتقر إلى الثقة فى الجماهير .
ان محاولة عرقلة العمل الجماعى والحوار مع االجماهير يعتبر خوفا من الحرية، أوو عدم ثقة بالجماهير ، فالثورة التى تقوم على عدم الثقة لا تحـقـق أهداف الجماهير وإنما تـحقـق أهداف القادة وحدهم، الثورة لا تحقـق أهداف الجميع إلا بتحاف الجميع .
نقطة الانطلاق في فلسفة باولو فريري التربوية هي تحليل عملية «القهر» التي يعانيها العالم الثالث، وإيضاح نتائجها الاجتماعية والنفسية ومحاولة اكتشاف الطريق للتغلب عليها، فقد بين أن القهر والتخلف والسيطرة هو السمة الرئيسة للعصر الذي نعيشه ويعني فريري بالقهر ذلك النسق من المعايير والإجراءات، والقوانين الذي يشكل الناس ويكيف طبيعتهم، ثم يضغط على عقولهم حتى يعتقدوا أن الفقر والظلم الاجتماعي حقيقتان طبيعيتان لا يمكن تجنبهما في الوجود الإنساني ولا يتم ذلك إلا حينما يكون النفوذ والسلطة لدى قلة من الناس، والخرافة، والوهم في عقول الكل .
والقهر ليس مجرد بنية اجتماعية واقتصادية، وإنما ثقافية أيضًا ويسميها فريري «ثقافة الصمت» والتى يتم فيها قبول الأمر الواقع القهري فيتأرجح الناس بين وهم التفاؤل وقهر التشاؤم غير قادرين على تغيير واقعهم وسعيهم الجاد نحو المستقبل، ولذلك يسعى الناس في هذه المجتمعات إلى استعارة حلول لمشكلاتهم من المجتمعات الأخرى دونما فحص أو تحليل نقدي لسياقاتها التاريخية التي ظهرت وتبلورت فيها، ونتيجة ذلك أن تكون ثقافة هذه المجتمعات «ثقافة مغتربة» .
يقول فريري: "لا يوجد شيء اسمه عملية تعليم محايدة، فالتعليم إما أن يتحول إلى أداة تصهر الأجيال الصغيرة في النظام الحالي وتؤدي إلى الانصياع له، أو يصبح أداة لـ "ممارسة الحرية"، إنها الوسيلة التي من خلالها يتمكن الرجال والنساء من التعامل بشكل انتقادي وخلاق مع الواقع، ويكتشفون كيف يمكنهم المساهمة في تحرير مجتمعهم".
الأداة الوحيدة في عملية التحرر هي التربية، التى تعمل على "الأنسنة" وعلى إقامة علاقات حوارية بين القيادة والمضطهَدين، أما التعليم السلطوي فهو الذي يؤدي إلى تطويع الطلاب وجعلهم جزءا لا يتجزأ من عملية القهر والعبودية، وعكس التعليم السلطوي يأتي التعليم التحرري الذى يقوم على الحوار الواعي الذي يؤدي بطلابه إلى نقد المجتمع، والوصول به إلى التحرر والقضاء على السلطويين، بإدماجهم في عملية "أنسنة" المجتمع ككل.
هذا وقد قامت أفكار وبرامج باولو فريري التربوية على أسس فلسفية واضحة هى :
- الإيمان بالإنسان وبجماهير الشعب وقدرتها على تغيير أوضاعها وتغيير العالم.
- النظر إلى المعرفة على أنها عملية بحث لاتلقين، وأنه لا يوجد جهل مطلق أو حكمة مطلقة.
- النظر إلى العالم على أنه عملية متجددة متغيرة وليس وضعًا ثابتًا فيزيقيًا واجتماعيًا.
- أن الوعي والنظرة الناقدة مفتاحا الطرق إلى التعليم، وفهم العالم، وتغييره.
- أن التعليم عملية تغيير وتحرير اجتماعي.
لقد كان فريري يؤكد دائمًا أن التعليم في بلد مقهور أداة للتغيير الاجتماعي الثوري للواقع الذي تعيشه بلدان العالم الثالث، وللتغلب على الفقر والقهر والتبعية .
التعليم السائد خاصة فى الدول المتخلفة - بالنسبة لفريري- هو أداة للقهر يتم فيها التعامل مع المتعلمين بوصفهم أشياء أو مستودعات وهذا ما يطلق عليه ”التعليم البنكي“. حيث يكون المعلم مصدر المعرفة الوحيد، والطلبة مجرد مستقبلين للمعلومات يخزنونها دون وعي لحفظها وإعادة تذكرها دون أن يعوا معانيها، وفي النهاية تصبح وظيفة التعليم في هذا المجتمع تحقيق تكيف الإنسان مع المجتمع واستسلامه للقهر . وفى إطار التعليم البنكى يقدم المعلم نفسه للتلاميذ على أنه الصورة المضادة لهم، وهو بإضفائه صفة الجهل عليهم يبرر وجوده باعتبااره اعلى منهم، ومن حقه ان يقهرهم اتساقا مع طبيعة مجتمع القهر الذى يعيشون فيه، لذلك يجسد هذا التعليم مجموعة من المفاهيم التى فىى حقيقتها انعكاس لمجتمع القهر .
- المعلم يعرف كل شىء، والطلاب جاهلون لا يعرفون شيأ .
- المعلم يفكر ، والطلاب لايفكرون .
- المعلم يتكلم والطلاب يستمعون .
- المعلم يختار ويفرض اختيااره، والطلاب يزعنون .
- البرناامج الدراسى والمحتوى مفروض، وعلى الطلاب التأقلم .
وبدلاً من هذا االأسلوب فى التعليم، يطرح فريري مفهومًا جديدًا للتربية يدعو إلى الحرية، يعتمد على طرح المشكلات وكشف الحقيقة والوعى بالحياة، يسميها ”التربية الحوارية“ حيث يتشارك المعلم والمتعلم فى البحث والمعرفة ويستفيد كلا منهم من الآخر ، فالمتعلم قد يكون لديه خبرات ومعارف وقدرات يمكن ان يستفيد منها المعلم .
ويمكن المقارنة بين الأسلوبين على النحو التالي :
- التربية البنكية تخفي الطريقة التي يعيش بها الإنسان عن طريق وضع العالم في صورة أسطورية. أما التربية - الحوارية فتحاول نزع هالة الأسطورية عن العالم .
- التربية البنكية تعادى الحوار.. بينما ”الحوارية“ تنظر إلى الحوار على أنه وسيلة لإدراك العالم بالتشارك والاستفادة بين الطرفين .
- التربية البنكية تعتبر التلاميذ كائنات تستحق المساعدة، والحوارية تصنع منهم مفكرين.
- التربية البنكية تحبط الإبداع، أما الحوارية فتقوم على أساس الإبداع والتفكير الناقد .
- التربية البنكية تؤكد الثبات، فيما تنظر الحوارية إلى الوضع كمشكلة قابلة للتغيير .
- التربية البنكية تؤكد القدرية. أما الحوارية فتطرح هذا الوضع كمشكلة قابلة للتغيير .
- لتربية البنكية تهدف إلى تكيف الإنسان مع الواقع الاجتماعي، وبقاء هذا الوضع دون تغيير. أما التربية الحوارية فتهدف إلى تغيير الواقع الاجتماعي والثورة عليه .
مفهوم المنظومة : هي منهج فكرى جديد ينظر إلى أي ظاهرة سواء كانت طبيعية أو إنسانية ، مخلوقة أو مصنوعة ، بوصفها كلا واحدا لا يمكن فهم سلوكها من خلال فهم مكوناتها كلا على حدة ، ولا يمكن فهم سلوك مكوناتها المنفردة إلا فى إطار الكل الذي تنتظم فيه . فالكل المشترك له خواص مختلفة عن خواص مكوناته ، ويسلك سلوكا مخالفا لسلوك مفرداته ، وفقا لقاعدة الكل أكبر من مجموع أجزائه، وتقف "المنظوماتية" على طرف نقيض مع مبدأ "الاختزالية" الذي ساد العلم الحديث فى صورته الأولى ، وهكذا حلت النظرة الكلية والمتكاملة محل النظرة المتجزئة ، مما مكن الإنسان من فهم الظواهر فى علاقاتها المتشابكة بشكل أوضح .
الثورات التكنولوجية : بحلول نهاية القرن العشرين حدث تحول كبير، فقد وصل العلم إلى نهاية حقبة، وبداية حقبة جديدة . فقد أدى التوصل إلى القوانين الأساسية للمادة (نظرية الكم) وقــوانين الحياة (البيولوجيا الجزئية) وتطور (تكنولوجيا الكمبيوتر)، وأكتشاف خواص جديدة للعناصر عن طريق تصغيرها إلى مستوى الجزيئات (تكنولوجيا النانو) وشكلت هذه الثورات أعمدة العلم الجديد، فتحطم نواة الذرة واكتشاف أسرارها، وفك شفرة نواة الخلية التى أدت إلى ثورة الـ DNA، وتطوير الكمبيوتر، وتصغير المواد والعناصر الطبيعية، والأهم من كل ذلك الترابط بين هذه العناصر وضعنا أمام عتبة ثورات علمية جديدة .
علوم جديدة : لم يعد الاهتمام بعد كل هذه التطورات منصب على كم المعرفة ، فقد أصبحت متوفرة بأشكال مختلفة وتحت الطلب فى أي وقت ، ولكن السؤال عن كيف يمكن تحصيل المعرفة والقدرة على توظيفها فى حل المشكلات أصبح أكثر أهمية .
تــعــلـيـم مـغـايــر : هذه التطورات المذهلة وفرت للدول النامية التى ما تزال تعانى التخلف وتدنى مستوى الخدمات، فرصة وحيدة ومدخل لا غنى عنه للارتقاء إلى المستوى الذى يؤهلها للدخول لهذا العالم الجديد هو "التعليم .. بل التعلم الجيد" ، وضرورة التخلى عن الأساليب والنظم العتيقة التى لا تستطيع التواصل مع مفاهيم هذه العلوم الجديدة ، وكذلك ضرورة القضاء على العديد من السلبيات المتراكمة والتى تعوق تطور النظم التعليمية بما يتواكب مع هذه التغيرات ، ولن يتحقق ذلك إلا بتوفر تمويل كبير جدا وتخصيص نسبة كبيرة من موازناتها السنوية لتحقيق الجودة الشاملة وتطبيق معايير الجودة لكل عناصر ومكونات المنظومة التعليمية، مع أهمية العمل على تحقيق متطلبات أساسية يمكن اختصارها فى االآتىى :
• تغيير محتويات المقررات الدراسية بما يتلاءم مع مفاهيم المنظومة العلمية الجديدة .
• انتهاء عصر التلقين ، والمعلم يجب أن يكون مجرد ميسر يحفز التلاميذ على الوصول للمعرفة من خلال البحث ، واكتساب المهارات بذاتهم .
• انتهاء عصر الوظيفة الدائمة، والثبات المهني، فالشهادة لم تعد مسوغ وحيد للتعيين ، ولكن الخبرات والمهارات وإتقان العمل من خلال استمرار التعلم والتدريب طوال الحياة .
ضرورة الاستفادة من تطورات المعارف والنظريات التربوية والتقارير الدولية خاصة تقرير هيئة اليونسكو للقرن الجديد والمعنونة " التعليم : ذلك الكنز الكامن " والذي يخلص إلى :
التعلم لنعرف : بتكوين معارف عريضة توفر فرص عمل متجددة .
التعلم لنعـمل : نتعلم لنكتسب مهارات متجددة من خلال الاهتمام بالتدريب التحويلي والتعلم
المستمر لمواكبة متغيرات سوق العمل ، ولنعمل فى فرق وبالمشاركة مع منظمات المجتمع المدني .
نتعلم العيش معـا : نتيجة فهمنا للآخر ، والاعتماد المتبادل ، واحترام التعددية ،وتحقيق السلام .
نتعـلم لنكون : من خلال تنمية الشخصية الفردية ، والاستقلال الذاتي ، ومهارات الاتصال .
من اجل كل ذلك لابد من جودة التعليم وتفعيل الجودة وتطبيق المعايير لاستمرار البقاء والوجود فى هذا العالم سريع التغير . هذا .
• إن مفهوم التعلم طوال الحياة هو المفتاح لبلوغ القرن إلحادي والعشرين وتحقيق التواصل المعرفي .
• دور التربية أن توفر للمتعلمين قدرا من نمو المعرفة يمكنهم من فهم المتغيرات والتعامل مع التطورات العالمية فى كل البلدان على نفس المستوى .
هذا وقد لاحظ العالم الأمريكي "ليون ليدرمان" الحاصل على جائزة نوبل فى الفيزياء عدم إقبال الطلاب على العلوم الأساسية فقرر مع مجموعة من زملائه النزول للمدارس الثانوية والحوار مع الطلاب والمدرسين ، واستخلص من ذلك مجموعة من قواعد للتعليم الحديث تقوم على الآتي :
• ربط هذه العلوم بحياتهم اليومية ، وبأحدث الاكتشافات العالمية .
• الممارسة العلمية بمعنى ضرورة أجراء التجارب ، إعداد البحوث ، حرية التساؤل وقبول الأخطاء والحوار حولها ، المناقشات النقدية وتفنيد الآراء .
• المشاركة كفريق ، فالنشاط الفردي لم يعد ينتج علما جديدا، أو عالما كبيرا.
• ضرورة الخروج إلى ميادين العمل للتعرف على علاقة الإنتاج بالبحث العلمي .
• ضرورة مشاركة الطلاب فى العمل التطوعي ، وتقديم خدمات ، والتمرس على أساليب كسب الدعوة والتأييد والتأثير فى متخذي القرار .
• التواصل مع أحدث الأكتشافات، حيث أن التعلم لا يتوقف بعد التخرج من دور التعليم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخبز يعيد بارقة الأمل الى سكان غزة | الأخبار


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يضع دول المنطقة أمام تحديات سياس




.. العاهل الأردني: الأردن لن يكون ساحة معركة لأي جهة وأمنه فوق


.. هل على الدول الخليجية الانحياز في المواجهة بين إيران وإسرائي




.. شهداء وجرحى جراء قصف قوات الاحتلال سوق مخيم المغازي وسط قطاع