الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحزاب السياسية العراقية وقدرتها على التغيير

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2016 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


الأحزاب السياسية العراقية وقدرتها على التغيير
أ.داخل حسن جريو
عضو المجمع العلمي العراقي

عرف العراق نظام الأحزاب السياسية بصورة او بأخرى منذ تأسيس دولته الحديثة في مطلع القرن العشرين المنصرم. لم يكن تأسيس هذه الأحزاب قائما في الغالب على عقائد سياسية معينة , بل كانت أقرب ما تكون إلى تجمعات ولاء لبعض الزعماء السياسين النشطاء في المعترك السياسي, أو تجمعات ولاء عشائري لبعض الإقطاعيين وزعماء العشائر ورجال الدين الطامعين ببعض المكاسب السياسية, بإستثناء بعض الأحزاب التي قادها بعض السياسين المتنورين ممن كانوا يملكون حسا وطنيا ورؤية سياسية معينة لبناء دولة حديثة على أنقاض تركة ثقيلة من الخراب والفقر والجوع والمرض التي خلفتها السلطة الثمانية التي حكمت العراق قرونا طويلة. وبمرور الوقت وتحسن أوضاع العراق نسبيا في مجالات التعليم والمعيشة والصحة, تأسست أحزاب عقائدية لبرالية أو إشتراكية أو قومية في بداية عقد الثلاثينات من القرن المنصرم ,على غرار ما موجود في البلدان الأخرى الأكثر تقدما من العراق , وبالإستفادة من خبراتها وتجاربها وبرامجها السياسية.إقتصر دور هذه الأحزاب على معارضة السطة الحاكمة وتعبئة الرأي العام ضد برامجها السياسية عبر المظاهرات والإعتصامات وبخاصة في صفوف الطلبة , ولم يكن للنساء دورا فاعلا في الحياة الحزبية. وبسبب المضايقات الحكومية التي كانت تتعرض لها بعض الأحزاب من قبل السلطات الحكومية فقد إتخذت من بعض التنظيمات المهنية واجهة لنشاطاتها وكسب الأعضاء لصفوفها.
ولعلها مفارقة غريبة أنه لم يدر بخلد قادة الأحزاب السياسية بأنواعها وتصنيفاتها المختلفة عبر تاريخ العراق السياسي وحتى يومنا هذا,على الرغم من تمتع بعضها في بعض الفترات برصيد جماهيري جيد , أنه بمقدورها بمفردها يوما أو بتحالفها مع أحزاب أخرى, إستلام السلطة السياسية في العراق بالطرق السلمية عبر صناديق الأقتراع الحر للمواطنين. لذا لجأت هذه الأحزاب المتطلعة إلى السلطة بأية وسيلة كانت إلى التحالف مع بعض القادة العسكرين في تشكيلات الجيش العراقي المختلفة المتطلعين هم الآخرين إلى السلطة في إطار تنظيمات سياسية سرية للقيام بإنقلابات عسكرية عندما تسنح لها الفرصة بذلك,بحيث تقدم الأحزاب الدعم الشعبي لقادة الإنقلاب العسكري عند إعلان إنقلاباتهم بوصفهم منقذين للبلاد والعباد في إطار تبادل المنافع , بتولي بعض قادة الأحزاب مناصب وزارية , ويرسخ القادة العسكريون مواقعهم القيادية في السلطة لاسيما أنهم غير معروفين جماهيريا قبل ذلك. إقتصر دور الأحزاب السياسية على تحريض الرأي العام ضد السلطات الحاكمة عبر مناشيرها الحزبية وصحفها والمظاهرات الطلابية وبعض الإعتصامات.
وفي الغالب لا يستمر زواج المصلحة هذا بين الأحزاب والعسكر طويلا , إذ سرعان ما يدب الخلاف بين قادة الإنقلاب أنفسهم وينفرط عقدهم بتفرد بعض قادة الإنقلاب بالسلطة وإقصاء جميع منافسيهم وأنصارهم من العسكريين والمدنيين على السواء,ليكون هناك قائدا أوحدا ملهما. والأمثلة على ذلك كثيرا ليس في العراق فحسب , بل ومجمل البلدان العربية التي شهدت إنقلابات عسكرية , أبرزها مصر عبد الناصر وسوريا الشيشكلي وبعده الأسد واليمن السلال وعلي عبد الله صالح والسودان النميري وبعده حسن البشير وليبيا القذافي وعراق عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف واحمد حسن البكروصدام حسين.
وفي جميع الأحوال يبقى هؤلاء العسكر المهيمنين على السلطة بحاجة إلى واجهة حزبية مدنية لتجميل صورة حكمهم بإضفاء لمسة مدنية , لذا يلجأون إلى الإتكاء على أحد الأحزاب ممن يرتضي قادته تقاسم كعكة السلطة معهم بتولي بعض المناصب الوزارية , أو أن يهيمن قادة الإنقلاب أنفسهم ,على مواقع قيادة الحزب الذي كانوا ينتسبون إليه قبل الإنقلاب , ليكون حكمهم حكما مدنيا بزي عسكري يضمن لهم البقاء في السلطة . وإذا عجزوا بإيجاد شريك مدني ثانوي مناسب , فأنهم أنفسهم يتولون تأسيس حزب سياسي خاص بهم من بعض السياسين الطامعين بمناصب ,بدعوى فساد الأحزاب المدنية القائمة في البلاد, ومن هذا المنطلق تتم تصفية جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى ومنعها من ممارسة العمل السياسي بصرف النظر عن قوتها او ضعفها , وملاحقة كوادرها وربما تصفيتها جسديا بدعاوى التآمر والخيانة والتخابر مع المخابرات الأجنبية .
وفي ضوء شعور الأحزاب السياسية بعجزها وعدم قدراتها على إستلام السلطة في بلدانها , فإنها أوقعت نفسها بوهم مساعدة الدول الأجنبية لها في مسعاها هذا,فكانت ضحية إفترسها مخالب المخابرات الأجنبية التي قدمت لها بعض الأموال والدعم الإعلامي , لتجعل منها مطية لتحقيق مصالحها التي لا علاقة لها بمصالح تلك البلدان .ولعل خير شاهد ودليل على ذلك تجنيد الإدارة الأمريكية وحلفاؤها , بعض الأحزاب السياسية العراقية التي كانت توصف نفسها بأحزاب المعارضة والتي لا وجود فعلي لمعظمها في داخل العراق , في مسعاها لغزو وإحتلال العراق لأسباب خاصة بها لا علاقة لها بمصالح العراق وشعبه,والذي نفذته عام 2003. كانت نتائج الغزو كارثية على جميع الصعد وبكل المقاييس كما كان متوقعا وكما معروف الآن للقاصي والداني, لم تقتصر الكارثة على هدم نظامه السياسي فحسب, بل هدم الدولة العراقية برمتها شعبا وحكومة ومؤسسات وحضارة,ليعيش الشعب العراقي بعدها في فقر مدقع يفتك به الجهل والمرض والبطالة وفقدان الأمن والآمان. والأهم من كل ذلك فقدان القيم والأخلاق وتفشي الفساد بكل معانيه في مفاصل المجتمع المختلفة, وإنسداد أفق الأمل بمستقبل أفضل مما أدى إلى هجرة ملايين من سكانه إلى البلدان الأخرى طلبا للعيش الكريم والأمن والآمان.
كما أنه ليست بعيدة عن الأذهان الفوضى العارمة التي حلت ببعض البلدان العربية التي أوهموها بربيع عربي مزعوم , ليحل بها بعده الدمار الشامل في جميع مناحي حياتها ويصبح أهلها مشردين في مشارق الأرض ومغاربها,وذلك لعدم قدرة الأحزاب السياسية التي تولت زمام السلطة في بلدانها على إدارة شؤون البلاد والعباد بحكمة وعدل وإنصاف ,وانانيتها بالتفرد بالسلطة, فضلا عن عدم قدرتها في الوقت المتاح لها على تقاسم السلطة مع العسكر الذين سرعان ما إنقضوا عليها , لتذهب بلدانها مهب الريح في حروب وصراعات دامية بين مختلف الفصائل باتت تهدد وجود بلدانها ووحدة أراضيها.
بات حال العراق اليوم لا يسر عدو أو صديق في ظل فوضى عارمة لا يبدو لها نهاية . وهنا يتبادر إلى الذهن هل يمكن لمن تسببوا بهذه الفوضى ان يضعوا لها حدا بعد أن بلغ السيل الزبى .إبتداءا نقول أنه لا توجد حاليا في العراق أحزاب سياسية حقيقية بالمفهوم السياسي المتعارف عليه في الدول الديمقراطية,ربما بإسثناءات قليلة لبعض الأحزاب التي باتت لا تهش ولا تنش كما يقال شعبيا, إذ إن معظم القوى المتصدرة للمشهد السياسي , توصف نفسها بتكتلات سياسية, وهذه التكتلات تتكاثر وتتشرذم وتتلاشى بحسب المصالح والمنافع التي يجنيها أصحابها,وهي تكتلات ذات طبيعة طائفية أو أثنية, تديرها عائلات دينية أو عشائرية , ويتوارث أبناء هذه العائلات قيادتها. ولا تعرف شيئا عن الديمقراطية وبرغم ذلك تصر هذه التكتلات على أنها تجمعات سياسية ذات بنية ديمقراطية وتسعى لبناء عراق ديمقراطي.وحقيقة الأمر أنها مافيات فساد لها أذرع مليشيات مسلحة تحميها من أية مساءلة أو محاسبة قانونية قد يفكر بها البعض.
وأزاء هكذا حال هل يمكن أن يؤدي الحراك الشعبي القائم حاليا في العراق مهما كانت قوته الإطاحة برؤوس الفساد المدججة بالمال والسلاح والسلطة, والذي لم ينجح مثل هذا الحراك الشعبي الأفضل تنظيما والأكثر دعما في بلدان عربية أخرى ظروفها السياسية أقل تعقيدا. وماذا عن حراك وإعتصام عدد من النواب الذين هم نتاج نظام المحاصصة السياسية وادواته التشريعية التي أدت إلى ما يشهده العراق من فوضى ودمار وفساد ؟ وهم يتبادلون الإتهامات فيما بينهم بالتورط في الفساد وخراب البلاد والعباد, ولم يقدموا لنا ملامح برنامج إصلاح حقيقي, نقول أن غدا لناظره قريب.
وفي الختام نقول أن من ينشد إصلاح حال العراق , لا بد أن يكون نزيها ومقتدرا يمتلك أدوات التغيير الذي ينبغي أن يكون مصحوبا ببرنامج إنقاذ وطني متفق عليه مجتمعيا وقابل للتنفيذ, وهذه مهمة لا تبدو يسيرة في الوقت الحاضر نتيجة الإنقسام والتشرذم بين صفوف الشعب المختلفة وتصاعد نشاط الجماعات الإرهابية المسلحة وتضارب مصالح الدول الأجنبية التي ترتبط بجهات عراقية مختلفة. ويتوهم من يعتقد أن الحل قد يكون على الطريقة المصرية , إذ لم تعد هناك في العراق قوات مسلحة موحدة ذات عقيدة عراقية خالصة, وقادة عسكريين بعيدين عن تجاذبات الكتل السياسية. وربما يتم إنقاذ العراق بوساطة دولية فاعلة ومؤثرة , بمشاركة القوى السياسية العراقية المتصدرة للسلطة ومعارضيها ممن لم تتلخط أيديهم بسفك دماء العراقيين أو هدر المال العام, ويترك للقضاء العادل والنزيه محاسبة كل من تسبب بإيذاء العراق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في الإمارات لليوم الثالث بسبب سوء الأحوال الجوية


.. -الرد على الرد-.. ماذا تجهز إسرائيل لطهران؟| #الظهيرة




.. بوتين..هل يراقب أم يساهم في صياغة مسارات التصعيد بين إسرائيل


.. سرايا القدس: رشقات صاروخية استهدفت المدن المحتلة ومستوطنات غ




.. أصوات من غزة| ظروف مأساوية يعيشها النازحون في العراء بقطاع غ