الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكاهة والهزل في الادب

منير ابراهيم تايه

2016 / 4 / 20
الادب والفن


أدب الفكاهة من الآداب الشيّقة والممتعة فهي نزهة النفس وربيع القلب ومرتع السمع ومجلب الراحة ومعدن السرور ولا يمكن أن نتصور العالم من دون فكاهة أو نتصور الحياة عابسة مقطبة الجبين مكفهرة المظهر. أن الحياة بغير ضحك عبء ثقيل لا يحتمل وكما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): (روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلّت عميت).
والفكاهة انتشرت علي مر العصور والتاريخ الأدبي لكل شعوب الأرض،وعرف العرب الفكاهة، كما عرفتها الأمم الأخرى، وتأثروا بما لدى تلك الأمم من حياة اجتماعية وثقافية، فالفكاهة حاضرة في كل لغة وحضارة إذ أن الإنسان ليس حيوانا ناطقا فقط بل ضاحكا أيضا. والفكاهة لا تهدف فقط إلى إضحاك المستمع بل ان لها في حالات كثيرة رسالة نقدية إصلاحية تصريحا أو تلميحا رغم انه لم يصلنا شيء يذكر في هذا المضمار من عصر الجاهلية. اذ يبدو أن هذا الموضوع لم‏ يحظ بالاهتمام الذي‏ يستحقه في‏ الدراسات الأدبية العربية
‏ ان من خصائص ادب الفكاهة الخفة والظرافة ويشترط في الفكاهي ان يكون صاحب ذكاء يجعله يبحث عن الحيلة ويتدبر الخطط وينسج خيوطها .. ويمتاز بنظرة الثاقب وبموهبته الاصلية التي تضفي عليه خفة ولطفا فتأتي فكاهته لبقه غير مصطنعه تفيض بالعذوبة ...
ولأن الفكاهة تعتبر من الأمور المحفوفة بالحرج، لم يكن من اليسير الخوض في أدب الفكاهة فهو وإن كان موجودا إلا أنه أقرب إلى الانزواء عن المتناول الثقافي العام، ذلك أن جزءا من تراثنا يشجب الضحك ويعتبره منافيا للوفاء. رغم أن لكل أمة من الأمم، ولكل طبقة من طبقات المجتمع، مهما بلغت مكانتها، قسطها من النوادر والمرح والسخرية، يمثله أشخاص يبرزون في أدب الأمة ويخلّدهم تراثها..‏
وقد ظهرت في التراث العربي كثير من الشخصيات الفكاهية، اشتهر منها أشعب وأبودلامة وأبو العِبَر بسخريتهم ونوادرهم التي صاغوها بحكمة أو قصة أو شعر. وتناول كثير من الأدباء العرب الفكاهة، وهناك فريق من الكتاب، أفردوا الفكاهة بكتب خاصة، منهم: الجاحظ في كتابه: البخلاء وأبو الطيب محمد بن إسحاق الوشاء، في كتابه: الموشى أو الظَّرف والظُّرفاء. وأبو منصور الثعالبي في كتابه: لطائف اللطف. وأبو الفرج عبدالرحمن بن علي ابن الجوزي في كتابيه: أخبار الحمقى والمغفلين، وأخبار الظُّراف والمتماجنين، والخطيب البغدادي في كتابه: التطفيل وحكايات الطفيليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم،‏ إن هؤلاء ورغم مااتصفوا به من الجدية والصرامة في كتاباتهم الأخرى إلا أن شغفهم بكشف عيوب المجتمع ولا سيما طبقة الفقهاء والقضاة والمتزهدين والبخلاء، دفعتهم للخوض في هذا المجال مستخدمين الفكاهة التي امتزجت بالسخرية وبطريقة تطلبت الكثير من الذكاء والمهارة والمكر في التلميح إلى ما يرغبون تعريته.
و إذا كان بعض الخلفاء وأصحاب السلطان قد أعجبوا بالنوادر وأجزلوا العطاء لمن تناولها فإن البعض الآخر منهم استنكر وهاج رافضا بلاغة أدبهم... تلك البلاغة التي قال ابن المقفع بأن الجاهل يحسب إن سمعها بأنه يحسن مثلها والتي كما تورد بعض الأبحاث كانت سببا في قتل هذا الأديب لينتهي بشكل أليم دون أن يدري بأن بلاغته التي أوردها في كتاب "كليلة ودمنة" كانت سببا في فهم المغفلين الذين حسبوا أنفسهم ضمن قصصه التي تدور على لسان الحيوانات.‏
‏والفكاهة لون هزلي أدبي موجه، يقوم على النقض المضحك أو التجريح الهازئ، معتمدا على أساليب ووسائط فنية مختلفة كما ان الضحك المنبعث من الفكاهة ضحك سار ومبهج، اما السخرية فمؤلمة موجعة، كئيبة ولو انبعث منها أو معها الضحك فإنما هو ضحك كالبكاء، كما أن السخرية غير الهجاء رغم الصلة بينهما، وكثيرا ما يستخدم الهجاء أدوات السخرية
أنواع الفكاهة
تأخذ الفكاهة الكلامية عدة أشكال، فقد تكون هذه الفكاهة لطيفة ورقيقة أو قد تكون فظّة ولاذعة:
1- الظرف: يختلف هذا النوع عن معظم الفكاهة في كونه يعتمد على خلفية ذهنية ورصيد من الخبرة في الحياة اليومية أكثر من اعتماده على أوجه التضارب التي تنشأ بطبيعة الحال في كثير من المواقف، ومعظم الفكاهة تجلب الابتسامة ولكن الظّرف ما يجعل الناس ينخرطون في ضحك فجائي
2- التهكّم: يظهِر التهكم الضعف الإنساني ويجعل منه موقفا مضحكا ويحاول التهكم عادة أن يعالج الحماقة بأن يجعل الناس يضحكون عليها
3- السخرية: وهي أكثر قسوة من التهكم إذ إنها غالبا ما تأخذ شكل خطاب لاذع
4- الفكاهة التهكمية: وتحمل عكس ما يبدو منها ظاهريا. فقد تبدأ هذه السخرية مديحا أو حديثا عاديا، ولكنها تخفي وراء ذلك نقدا لاذعا. ويتم التعبير عن التورية التهكمية عادة بوساطة نبرة صوتية معيّنة، كما أنها غالبا ما تكون تعبيرا عن واقع الأمر بصورة تخفف من وطأة تأثيره
5- المحاكاة التهكمية والساخرة: وهي تغيير كلمات الشخصية و اخذها على غير معناها لخلق نتائج كوميدية
6- المحاكاة: وهي تقليد لعادات شخص آخر أو حركاته أو حديثه من أجل خلق أثر كوميدي
واخيرا سأختم كما بدأ "ابن الجوزي" حين قال آثرت أن أجمع أخبار الحمقى والمغفلين لأسباب ثلاثة، الأول: إذا العاقل سمعها عرف قدر ما وهب إليه مما حرموا منه فحثه ذلك على الشكر، والثاني يحث المتيقظ على اتقاء أسباب الغفلة. أما إذا كانت الغفلة مجبولة في الطباع فلا تقبل التغيير، والثالث! أن يرّوح الإنسان قلبه بالنظر في سير هؤلاء المبخوسين حظوظا.. فإن النفس ترتاح إلى بعض المباح من اللهو...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه