الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب الخليج ( الملّف السري ).... الحلقة الثانية عشر

سعدون الركابي

2016 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


حرب الخليج ( الملف السري)
تأليف:
- بيير سالينجر
- إريك لاورينت
ترجمة :
سعدون الركابي
الناشر: دار كيوان للطباعة و النشر
دمشق
الطبعة الأولى
2005

الحلقة الثانية عشر

الفصل الرابع

" كشعبٍ, نحنُ أيضآ لنا الحقُ في الرخاءِ. لقد فقدنا الكثيرَ من الفُرصِ بسببِ الحربِ. و من المفروضِ على الآخرين أن يُثمِّنوا صحيحآ الدورَ الذي لعبهُ العراق لحمايتهم....".
في هذهِ اللحظةِ, يُشيرُ صدّام حُسين نحو مُترجمهُ: " و هذا العراقي, تمامآ مِثلُ جميعِ إخوانهِ, يُراقبُ بمرارةٍ شديدةٍ هذهِ الحالةِ. نحن لسنا مُعتدين, و لكن لن نقبلَ العدوان. لقد أرسلنا الوفودَ و الرسائلَ المكتوبةَ و حاولنا كُلَّ شيءٍ للحلِّ. كما طلبنا من خادمِ الحرمين الشريفين, أن يدعو لمشاوراتٍ رُباعيةٍ و على مُستوىً عالٍ. بينما هو إقترحَ إجتمعاعآ عاديآ, لوزراءِ النفطِ فقط!! و وافقنا على ذلك. و كما تعرفون عُقِدَ الإجتماعُ في جدَّة, و وصلنا فيهِ الى إتفاقٍ. و رغم إنَّهُ لا يُلبِّي رغباتَنا نحنُ, إلا إننا وقَّعنا عليهِ. بعدَ يومين فقط من هذا الإجتماع, صرَّحَ وزيرُ النفطِ الكويتي تصريحآ مُخالفآ للإتفاقِ المُوَّقعِ. و بعد ذلك, تحدَّثتُ حولَ هذهِ المُشكلةِ بمناسبةِ قمةِ بغداد. قُلتُ وقتَها للملوكِ و الرؤساءِ العرب, بأنَّ البعضَ من أشِقائِنا يُنفِّذونَ حربآ إقتصاديةً ضدنا! و بأنَّهُ ليس من الضروري إستخدامِ الأسلحةِ في أيةِ حربٍ كي تُسمّى حربآ, بل إنَّها في نظرنا حربٌ من نوعٍ آخر. و إذا ما ضعُفت إمكانيةُ جيشنا, فلرُبَّما قد تُهاجمنا إيران, و تستطيعُ تحقيقَ أهدافِها في الأخير. و إذا ما ضعُفت دفاعاتنا, فلرُبَّما يُشجَّع ذلك إسرائيل لضربِنا. قُلتُ كُلَّ هذهِ الأمورِ أمامَ الملوكِ و الرؤساءِ العرب, دونَ ذِكرِ الكويت و الآماراتِ بالإسمِ, ذلك إنَّهم كانوا ضيوفنا ( هنا صدّام حُسين يكذِب تماماُ – المُترجِم ). و لقد سبَقَ و أن أرسلتُ لهم رُسُلآ لتذكيرِهم, بأنَّ الحربَ التي خُضناها, ساهمت أيضآ في الدفاعِ عنهم. و في المُحصِّلةِ, فإنَّ العونَ الذي قدَّموهُ لنا لا يجب إعتبارهُ دينآ علينا. لقد تحمَّلتُ أكثرَ مِمّا قد تتحمَّلهُ الولاياتِ المتحدةُ من غازٍ يعتدي على مصالِحها. لقد شرحتُ هذا الموضوعَ أمامَ الكثيرِ من الدولِ العربيةِ. و أوضحتُ الحالةَ عِدَّةَ مراتٍ الى أخي فهد, من خلالِ المبعوثين الخاصين أو من خلالِ الهاتفِ. تكلَّمتُ مع أخي الملك حُسين و مع الشيخ زايد, بعد إنتهاءِ مُشاوراتِ القِمّةِ, عند إصطحابي لهُ في المطار و عندَ توديعهِ في المطارِ, قال لي: " إنتظرني سأعود ". و لكن بعدما وصل بلادهُ, بدأت تتعاقبُ التصريحاتُ ذاتِ الفألِ السيئ. لم ينطق هو بها, بل نطقَ وزيرهُ المسؤول عن البترول.
بعدَ إتفاقِ جِدَّة, إستلمتُ معلوماتٍ تُشيرُ الى إنَّهُ قد فُهِمَ بأنَّهم سيحترمون الإتفاقَ لمُدةِ شهرين فقط. و إنَّهُ بعد ذلك سيُغيِّرونَ الخُطةَ. قولي لي: لو كان الرئيس الأمريكي مكاني, فماذا كان سيفعل؟ كان من الصعبِ عليَّ طرحُ كُلِّ هذهِ الأمور علنآ أمامَ الناسِ. و لكنَّ يجب أن تقولَ للشعبِ العراقي الذي يواجهُ مصاعبآ إقتصاديةً خطيرةً, مَن هو المُذنب ". أمامَ هذهِ الكلماتِ القاسيةِ, فضَّلت السفيرةُ أن تُغيِّرَ الموضوعَ كُلَّهُ: " أمضيتُ أربعةَ أيامٍ رائعةٍ في مصر ".
صدّام حُسين: " الشعبُ المصري, شعبٌ مُنفتحٌ و هو شعبٌ عريقٌ جدآ. كان من المفروض على الدولِ التي تمتلكُ بُحيراتٍ من البترولِ, أن تُساعدَ الشعبَ المصري, و لكنها ذاتُ سلوكٍ يتخطّى أيَّ تصوُّرٍ. إنَّهُ من المُحزنِ أن نعترفَ, بأنَّ الكثيرَ من هذهِ الدولِ هي مُحتقرةٌ من قبلِ العربِ بسببِ بُخلِها الشديد ".
السفيرةُ الأمريكيةُ: " سيادةُ الرئيس, سيكونُ من المُفيدِ جدآ لنا إذا ما تمكنتُم من إعطائِنا تقييمآ لمساعدةِ الأخوةِ العربِ لكم, كمُجملٍ لجهودهم في حَلِّ هذهِ الأزمةِ ".
الرئيس صدّام: " في هذا الخصوصِ, نحنُ متفقون مع الرئيسِ مُبارك, بأن يلتقي أميرُ الكويت مع رئيسِ مجلسِ قيادةِ ثورتِنا, في العربيةِ السعوديةِ. كما قام السعوديون بإتصالاتٍ معنا و بمساعدةِ الرئيسِ مُبارك. و لقد إتصلَ بيَ الرئيسُ – مُبارك - قبلَ وقتٍ قصير, و أبلغني بأنَّ الأقتراحَ الذي قدَّمهُ للكويتيين قد تَمَّ قبولهُ ".
تتنفَّسُ السفيرةُ الصعداء أخيرآ و تُجيبُ: " تهانينا ".
الرئيس: " سيُعقدُ إجتماعآ تمهيديآ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ, بعدها سيُنقلُ المجتمعون الى بغداد لإكمالِ المُباحثاتِ التفصيليةِ التي ستتُّمُ مباشرةً بين العراقِ والكويت. نرجو أن نصلَ الى نتيجةٍ, و أن تكون أهدافُنا المُستقبلية و المصالحُ العليا أقوى من الجشعِ الكويتي ".
السفيرة: " هل يمكنني أن أسالكم, متى تعتقدون أنَّهُ سيصلُ الشيخُ سعد الى بغداد "؟
الرئيس: " أعتقدُ إنّهُ سيأتي يوم السبت أو الأثنين*. لقد قلتُ لأخي مُبارك؛ بأنَّ الأتفاقَ يجبُ أن يتمَ في بغداد يومي السبت أو الأحد. تعرفين رُبَّما, بأنَّ زياراتِ الأخِ مُبارك كانت دائمآ ذاتُ فألٍ حسنٍ ".
السفيرةُ: " أنَّهُ لخبرٍ مُفرحٍ, تهانينآ ".
صدّام حُسين, يستمرُ في كشفِ أوراقِ اللعبةِ: " أخي الرئيسُ مُبارك, أعادَ الى ذاكرتي بأنَّهم خائفون جداً**. و أشارَ الى إنَّ قواتي تتواجدُ شمالَ خطِّ الجامعةِ العربيةِ*** بمسافةِ 20 كيلو متر فقط. أجبتهُ, بأنَّهُ بغضِّ النظرِ عمّا تُمثِّلهُ هذهِ القطعاتِ, و سواءُ أ كانت شُرطةً عاديةً أم خفرَ حدودٍ أم جيشآ, و مهما كان تعدادَها و مهمتَها, فبإمكانهِ إبلاغِ الكويتيين تعهُّدُنا, بأنَّنا سوف لن نتَّخِذَ قرارآ إلا بعد أن نلتقي. و عِندئِذٍ, إذا ما تأكدنا بأنَّ هُناكَ أملٌ, سيختفي الخطرُ. لكن إذا لم نكُن قادرين أن نجدَ حلّآ, فمن الطبيعي إذن, إنَّ العراقَ سوفَ لن يقبلَ الخسارةَ, حتى و إن كان يجب أن تعلو الحِكمةُ على أيِّ إعتبارٍ ".
طارق عزيز, مُهلِّلآ: " هاكم, إنَّها أخبارٌ طيِّبةٌ. لديكِ معلوماتٍ لم يحصُل عليها أحدٌ آخر ". و هُنا يبدو إنَّ اللقاءَ في طريقهِ الى الإنتهاءِ. و لم يبقَ في ذاكِرةِ أبريل كلاسبيه, إلا هذهِ الخاتمةِ المُختصرةِ المُتفائلةِ. و نسيت السردَ الطويلَ من التهديداتِ و التحذيراتِ التي أتحفها بها قائدُ العراق الأوحد, منذُ دخولِها مكتبهِ و حتى النهايةِ. و لقد أكَّدت السفيرةُ الأمريكيةُ ثانيةً, الى صدّام حُسين و هي تنسحبُ من مكتبهِ, بأنَّ رسالتهُ ستصلُ الى مَن أُرسلت إليهِ: " لقد خطّطتُ بأن اذهبَ الى الولاياتِ المُتحدةِ يومَ الأثنين 30 تموز. و أرجو أن ألتقي الرئيسَ بوش في الإسبوعِ المُقبلِ ".
في 26 تموز, كان هُناكَ أكثرُ من ثلاثين ألف عسكري عراقي يقفون على خَطِّ الحدودِ العراقية الكويتيةِ. في 27 تموز, أرسلت الـ سي آي أي, صورآ إلتقطتها أقمارُ التجسُسِ الصناعيةِ, و التي تكشفُ تجمُّعاتٍ من البشرِ و المُعداتِ تتكاثرُ شيئآ فشيئآ. فتقومُ واشنطن بتحذيرِ كُلٍّ من الكويت و مصر و السعودية. بينما يرفضُ القادةُ العربِ – في أجوبتِهم المُوجَّهةِ الى الرسميين الأمريكيين - نظريةَ الغزو. و يتحدَّثونَ عن خديعةٍ عراقيةٍ من أجلِ الحصولِ على حقلٍ بتروليٍ مُتنازعٍ عليهِ بين العراق و الكويت. وزارةُ الخارجية الأمريكيةِ و مجلسُ الأمنِ القومي في البيتِ االأبيض, إقتنعوا بهذا التفسير.
في 28 تموز, كانت التقاريرُ التي تتوالى من السي آي أي, أكثرُ دقةً و أشدُّ تحذيراً. إذ تُشيرُ الى إنَّ صدّام حُسين كان قد أقامَ العديدَ من مراكزِ التموينِ لقطعاتهِ العسكريةِ على الحدود. و لقد تمَّ رصدُ عددٍ كبيرٍ من الشاحناتِ التى تنقلُ مراكزَ التموينِ السوقيةِ. إذ إقتنعَ وليام وبستر مديرُ الوكالةِ, و الذي كان مُندهشآ جدآ لصورةِ هذه العملياتِ, بأنَّ هناك شيئآ غيرُ طبيعيٍ. إذ لو كان الأمرُ مُجرَّدَ عمليةِ تخويفٍ فقط, لَما كان هناك حاجةٌ لكلِ هذهِ الإجراءاتِ السوقيةِ. في مقرِّ السي آي أي, كانت تتواصلُ المعلوماتُ الجديدةُ ساعةً بساعةٍ. و كان معظمُها يصلُ من أقمارِ التجسُسِ الصناعيةِ, التابعةِ لوكالةِ الأمنِ القومي. و هذهِ الوكالةُ التي تمتلكُ العُدّةَ و العدد و المُخصصات, أكثرُ بكثيرٍ ممّا تمتلكهُ وكالةُ المثخابراتِ ( السي آي أي ). فهي مركزُ المعلوماتِ الأهمُ, و أكثرُ دِقَّةٍ في العالمِ كُلِّهِ. مقرُّها في فورت ميد, ليس بعيدآ عن واشنطن, في وسطِ غابةٍ. و هي مُقسَّمةٌ الى قسمين, كما الدماغ البشري؛ " نسيجٌ أيمن ", يُسمّى " كاريلون ", و " نسيجٌ أيسر ", يحملُ إسمَ الشيفرةِ السري " لوادستون ". هذهِ الإداراتُ الضخمةُ, قادرةٌ على تحليلِ ما بين 150-200 مليون كلمة في الثانية, أي بما يُعادل 2500 مُجلَّد, تضُمُّ 200 صفحة لكُلِّ مُجلَّدٍ. من مراكزِ الإتصالاتِ الموجودةِ في العالمِ كُلِّهِ, و من الأقمارِ الصناعيةِ التجسُّسيةِ, تستطيعُ وكالةُ الأمنِ القومي, إلتقاطَ أكثر المُحادثاتِ سرِّيةٍ. كذلك, تستطيعُ هذهِ المراكزُ إلتقاطَ أيَّ تحرُّكٍ للقطعاتِ, مهما كان تافِهآ, و في أيِّةِ نُقطةٍ من العالمِ كُلِّهِ. المُحلِّلونَ و الرياضيونَ و المُتخصِّصونَ في فكِّ الرموزِ في هذهِ الوكالةِ, كُلُّهم قد تخرجّوا من أحسنِ الجامعاتِ الأمريكيةِ. إذ يمكنهم جمعَ أيِّ تفصيلٍ لأيِّ حديثٍ يتُمُّ داخلَ غرفةٍ ما, في أيِّ مكانٍ من الكُرةِ الأرضيةِ. و ذلك بِمُساعدةِ الألكتروناتِ التي تقومُ بقياسِ ذبذباتِ الشبابيكِ, مُستعملينَ في ذلك, حُزيماتٍ غيرِ مرئيةٍ!!
في 28 تموز, إلتقى ياسر عرفات مع صدّام حُسين في بغداد. الرئيسُ العراقي, طلبَ منهُ أن يذهبَ الى الكويت: "تحدَّث مع الأميرِ, و قُل لهُ, إذا ما وافق أن يعطيني العشرة مليار دولار التي أطلبهُ بها, ذلك إنَّهُ إستعملَ آبارَ البترولِ في الروميلةِ الواقعةِ على الحدودِ, سوف أُخفِّفُ عددَ القطعاتِ ". لم يُحدِّدُ صدّام لعرفات, بأنَّ لديهِ نيَّةً لغزوِ الكويت. في 29 تموز, وصلَ قائِدُ مُنظمةِ التحريرِ الفلسطينيةِ الى مدينةِ الكويت. إنتظرَ الرجلُ ساعاتٍ طوالآ, حتى إستقبلهُ الأمير. إبتدأ عرفات, بِعرضِ الإقتراحِ العراقي, فقاطعهُ الأميرُ جابر بِبرودٍ: " لا أُريدُ أن أتحدثَ في هذا الموضوع, في غضونِ 48 ساعةٍ, سأذهبُ الى جدة للقاءِ القمةِ مع العراق ( لم يقُل: للقاءِ القمةِ مع صدّام – المُترجِم ). من الأفضل أن نتكلَّمَ حولَ مُشكلةِ هجرةِ اليهودِ السوفيتِ إلى إسرائيل ".( و كأنَّما كان الأميرُ يسخرُ من الضيفِ و قضيتهِ الفلسطينيةِ – المُؤلفان ). ( كما إنّهُ قد إعتبرَ إنَّ هجرةَ اليهودِ, هي لإسرائيل و ليس لفلسطين, كما إعتادَ الخطابُ الرسميُّ العربي! - المُترجِم ).
لهجةُ الأميرِ, كانت حادةً و غيرُ لائقةٍ و مُهينةً جداً!! و لكن, و بالرغمِ من الإذلالِ الملموسِ الذي تعرَّضَ لهُ عرفات مِن قِبلِ الأمير, فإنَّهُ لم يتمكّن من قولِ شيءٍ. فالكويتُ هي أحدُ أهمُّ مُموِّلي مُنظمةِ التحريرِ الفلسطينيةِ بالأموالِ. في نهايةِ اللقاءِ حاولَ ياسر عرفات, العودةَ ثانيةً, الى إقتراحِ صدّام, فقاطعهُ الأميرُ بحزمٍ: " قلتُ لكَ بوضوحٍ, لا أرغبُ أن أتحدَّثَ في هذا الأمر". إلتقى عرفات بعد ذلك, بوليِّ العهدِ, الشيخ سعد. كان لقائُهما أكثرَ هدوءآ مِمّا سبق.
عرفات: " يجب عليكم أن تدفعوا العشرةَ مليار دولار", إبتدأَ عرفات حديثهُ: " العراقيون خطِرون. تعرف أنتَ بِأنَّني كويتيُ الأصلِ, إذ عِشتُ هُنا سنينآ طويلةً. إبحثوا عن حلٍّ لهذهِ المشكلةِ ".
" سنذهبُ إلى جدة ", يُجيبهُ الشيخُ سعد.
عرفات: " و لكن ليسَ بِأيدٍ فارغةٍ, إقترحوا حلّآ ".
الشيخُ سعد, و بِإشارةٍ غيرِ وضاحةٍ: " القرارُ النهائي - مع الأسف - ليسَ في يدي ". مُحدِّثُ رئيسِ منظمةِ التحرير, يبدو قلِقآ بعمقٍ لسيرِ الأحداثِ, الذي إتَّخذَ مُنعطفآ شديدَ الخطورةِ.
" هل تستطيعونَ الصمودَ أمامَ مُواجهةٍ عسكريةٍ معَ العراقيين "؟ يُقاطعهُ عرفات.
يُجيبُ سعد: " لا, لا, لسنا أقوياءآ مِثلَ العراق. ليس لدينا أيَّةُ نيةٍ أن نُحارب معهم ".
في 30 تموز, كانت السي آي أي, قادرةً على تقيِّيمِ القواتِ العراقيةِ المُتمركزةِ بالقُربِ من الكويت: 100 ألف فرد, بينهم خِيرةُ قطعاتِ الحرسِ الجمهوري, 300 دبابة و قطعة مدفعية ثقيلة. في واشنطن, لا زالت تَعُمُّ حالةُ هدوءٍ و إطمئنانٍ. و التي ستُقطعُ في اليومِ التالي. في 31 تموز, يدخلُ جون كيلي الى الكونغرس, في مُحيطِ بنايةِ رابيورد, لتقديمِ شهادتهِ أمامَ المجلسِ المُختصِ بشؤونِ الشرقِ الأوسطِ. بعدَ أن إنتهى مَن عرضهِ, إستعدَّ هادِئآ, للإجابةِ على الأسئلةِ التي ستُطرحُ عليهِ فإبتدأ مُمثِّلُ لي هاميلتون السؤال: " رأيتُ في الصحافةِ تصريحآ مُبطَّناً لوزيرِ الدفاعِ ريتشارد شيني. أشارَ فيهِ, بِما معناهُ, بِأنَّ الولاياتَ المُتحِدةَ قد تعهَّدت بالذهابِ الى الكويتِ, لضمانِ حمايتِها في حالةِ تعرُّضِها لِلإعتداءِ. هل هُوَ هذا مضمونُ التصريحِ, هل بإمكانِ السيدِ كيلي توضيحَ ذلك " ؟
فيُجبُ كيلي: " لم أقرأ المقالَ المذكورَ, و لكن عندي ثقةً تامةً, بإنَّ موقفَ الإدارةِ الأمريكيةِ لم يتغيَّر فيما يخصُّ هذا الموضوع. فليس لدينا أيَّةُ مُعاهدةِ دفاعِ مُشتركٍ معَ دولِ الخليج. هذا الأمرُ واضحٌ. و معَ ذلكَ, فنحنُ ندعمُ إستقلالَ و أمنَ الدولِ الصديقةِ في المنطقةِ. و مُنذُ إدارةِ ترومان, و نحنُ نحتفظُ بِقوةٍ بحرِيَّةٍ رمزيَّةٍ في هذهِ المنطقةِ. ذلكَ, إنَّ الإستقرارَ هوَ لِمصلحتِنا. نحنُ نُوجِّهُ نداءاُ صادِقآ, لِحلِّ سلميٍّ لكُلِّ الخلافاتِ. و نعتقدُ, بِأنّهُ يجبُ إحترامَ سيادةِ كُلِّ دولِ الخليج ".
- سؤال:
" إذا ما إنتهكَ العراق مثلاً, الحدودَ مع الكويت, و بِغضِّ النظرِ عن السببِ, هل ستستَّعملُ الولاياتُ المتحدةُ القوةَ العسكريةَ ضدَّهُ "؟
جون كيلي: "إَنّهُ سؤالٌ إفتراضيٌّ, لا أريدُ التَطرُّقَ إليهِ. يكفي أن أقولَ, بِأنَّنا سنكونُ قلقينَ بشكلٍ لا شكَّ فيهِ. و لكنَّني لا أستطيعُ أن أُغامرَ في مجالِ التعبيراتِ من نوعِ, إذا ما ".
- " من الصوابِ إذن, في مثلِ هذهِ الحالةِ القولُ؛ إنَّنا لا نملكُ أيةَ مُعاهدةٍ تجبرُنا أن نجلُبَ قواتٍ أمريكيةً الى المنطقةِ ".
جون كيلي: " بالضبط, هذا ما أقصدهُ ".
حديثُ جون كيلي هذا, أُذيعَ من محطةِ ال بي بي سي. و فُهِمَ في بغداد بوضوحٍ تام. في هذهِ اللحظاتِ المصيريةِ, و بينما تتأَرجحُ الأحداثُ بينَ الحربِ و السلام, يبعثُ كيلي إشارةً واضحةً لصدّام حُسين, و مفادها؛ بأنَّ الولاياتِ المُتحدةَ, سوف لن تتدَّخلَ في الأزمة!؟
لم يحدث في تأريخِ الدبلوماسيةِ الأمريكيةِ الحديث, إلا مَثَلٌ واحدٌ بنفسِ الخطورةِ, فيما يتعلَّقُ بهذهِ الخطوةِ الخاطئةِ. كان ذلك مُتمثِّلآ بتصريحِ وزيرِ الخارجية الأمريكيةِ في سنة 1950, " ديان إكسون ". و الذي صرَّحَ وقتَها, و أمامَ الكونغرس: " بأنَّ كوريا الجنوبيةَ لا تُشَكِّلَ جِزءاً من مُحيطِ الدفاعِ عن الولاياتِ المُتحدةِ "! بُعَيدَ وقتٍ قصيرٍ من هذا التصريح, قامت كوريا الشماليةُ بغزوِ كوريا الجنوبية!****
في نفسِ اليوم, 31 تموز, غادرَ بغداد, ثلاثةُ رسميين عراقيين, مُتّجِهينَ الى مدينةِ جَدَّة السعوديةِ, و ذلكَ للقاءِ وفدٍ كويتيٍ, لغرضِ مُتابعةِ المُباحثاتِ بين البلدين. هذا اللقاءُ, كان يُشَكِّلُ الخيطَ الأخيرَ الذي يربطُ العالمَ بالسلامِ, و الذي كان في طريقهِ لِيُقطع. قبلَ بِدءِ اللقاءِ بثلاثِ ساعاتٍ, أعلنَ الأميرُ جابر, بِأنَّهُ سوفَ لن يُسافر الى جَدَّة. و إنَّهُ سيكونُ مُمَثَّلاً بالشيخِ ولي العهد!! هذا الخبرُ, كان إهانةً قاتِلةً لصدّام. و الذي قرَّرَ بدورهِ, عدمَ الذهابِ إلى جَدَّة, و إرسالِ عِزَّة إبراهيم, الشخصُ الثاني في قيادةِ حزبِ البعث, مكانهِ.

--------------------------------------------------------
*28-30 تموز – المؤلفان.
** يقصدُ الكويتيين – المؤلفان.
*** يقصدُ الحدودَ العراقية الكويتية – المؤلفان.
**** قامت كوريا الشماليةُ بِإحتلالِ معظمِ أراضي كوريا الجنوبية, فأنشأت الولايات المُتّحدة حِلفآ دوليآ رمزيآ – تمامآ كما فعلت مع العراق – و شنَّت هجومآ كبيرآ على كوريا الشمالية. و أجبرتها على الإنسحاب الى داخل أراضيها. الفرق بين كوريا الشمالية آنذاك و العراق في حرب الخليج, إنَّ الصين و من خلفها الإتحاد السوفيتي كانت تدعم كوريا الشمالية, بينما وقف العراق وحيدآ تمامآ و منبوذآ من العالمِ كُلِّهِ – المُترجِم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا