الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لو كان له جنّته!

أكرم شلغين

2016 / 4 / 23
الادب والفن


بعيد الظهيرة جاء السيد "فرحان"، الأربعيني، ليزورني وكانت تلك زيارته الأولى لي حيث استوقفني قبلها يأيام قليلة حين التقينا في الشارع وعبّر عن رغبته بالكلام المطول معي وفي بيتي أو بيته. لم يقبع أكثر من دقائق قليلة في كرسيه متشكراً لكلماتي في استقباله ومجيباً لترحابي به حيث وبعدها راح فرحان يحكي: "يا أستاذ أعرف أنك كبير القلب ولن تسيء فهمي ولن تحكي عني بالاسم أمام أحد..! فأكدت له أنني لن أذكر شيئاً يعتبره خاصاً به...فعلق: "لا مشكلة لدي في ذكر ما أقوله اليوم لك ولكن طلبي هو أن يبقى اسمي مكتوماً ولا ينسب له هذا الكلام..." فوعدته أن اسمه لن يذكر ما حييت ان تكلمت يوماَ عما يخص ما يريد الكلام عنه. أضاف وأعرف أن كلامي لن يكلفني شيئاُ...فأكدت له أنني سأمتثل ورحت انصت باهتمام لما سيقوله.
"حكايتي،" بدأ يسرد، "بها فصول كثيرة، منها الفرح ومنها الحزين ولا أعرف بأي سأبدأ....!" "سأحكي لك مقدماً عن الجنة التي أحلم بها.." لم أعرف بدقة إن كان يريد أن يخبرني عن وضع مادي صعب يعاني منه أم عن شيء آخر..! راح يتابع "سأبدأ معك بالكلام قليلاً عن البيت الذي ربيت وكبرت فيه..لم يكن والدي بذلك المتدّين الذي يترك كل شيء ليقيم الصلاة ولم أره ولو مرة واحدة يصلي..! أذكر نتفاً من أحاديثه التي كنت أستمع إليها وأفكر بها بألم وغمّ يخيّمان على روحي فيخنقاني. كان يقول والدي: اتفقت مع الرب بصيغ تفاهم متعددة ولا أريد أن أخرق أو أخل بقواعدها..! كان يحكي أنه كان الأسرع في شبابه إلى الصلاة والخشوع وكان يصوم رمضان بكامله... بل وكان يحرم نفسه من مخصصاته وكل ما يصله من نقود قدر المستطاع ليضحّي في عيد الأضحى وكان يرفض أن يترك شيئا مما يضحي به لنفسه، بل كان يوزع ذلك على من يسمون بالفقراء وقد كان، في الحقيقة، أشد فقراً منهم. كان يحلم بأن يتحسن وضعه، وقد ذهب مرة لأداء مناسك العمرة ولكنه، عندما عاد، كان قد بدأ يشك في كل شيء...! قال ذهبت بلهفة المشتاق إلى ما اعتقدت أنني سأقضي به ساعات روحانية ولكنني لم أرَ ما فكرت به...! وبعدها راح يكرر تساؤلاته عما إذا كان من الصواب الذهاب إلى المسجد يوم الجمعة والاستماع إلى الخطيب وهو يلعن ويكفّر كل الناس...! ثم بدأ يحكي علانية أن منظر الأعين الشاخصة في رؤوس الخراف التي كان يضحي بها في عيد الأضحى تطارده ليلا نهاراً...توقف فرحان لثوان قليلة ثم تنهد وتابع: "ذات صباح باكر لم يكن معه ما يكفي من النقود لشراء ما يسد رمق العائلة من الطعام فقرر أن يذهب للسوق الأبعد في البلدة حيث يعثر هنالك على ما هو أرخص..لم يشأ أن يذهب بواسطة نقل لأنه لم يرد أن يدفع ما هو بأمس الحاجة إليه لشراء ما ينقص العائلة ـ التي كان ينقصها أكثر مما تتصور، فقرر الذهاب سيراً على الأقدام وفي طريقه وجد نفسه يمشي وحيداً والهواء نقي والناس نيام فاعتقد أنها لحظة مناسبة لمخاطبة ربه...رفع رأسه نحو السماء وقال: ربي ارزقني بسوية عبادك...! ربي وأنت الأدرى بحالي...ربي... ! وبينما كان ينظر للسماء معتقداً أنها اللحظات الأنسب ليخاطب ربّه الذي يعلم خفايا الأمور وما في مكونات الصدور من أسرار.. وهو يعرف الفقير والغني ويعرف الصادق من الكاذب والمحتاج والبطران...وهو على هذه الحال من التوسّل للرب انزاحت فدمه وسقط على الأرض وتمزق بنطاله...نهض ململماَ نفسه.. وقف ونظر للأعلى من جديد وقال: ربي، أهذا رزقك لي بسوية عبادك!؟ " وكانت تلك هي شعر ة معاوية بينه وبين الله من بعدها لم يكترث لشيء له علاقة بما أوصى به الرب والدين.. ولم يحج ولم يعتمر ولم يذهب لمسجد بل قرر أن يتخلى عن ربّ ليس فقط لا يساعده بل يسقطه ارضاً حينما يطلب مساعدته...!" تابع فرحان: "حاول البعض أن يفهموه أن كل ما يعاني منه هو اختبار له في الأرض...ولكنه كان قاطعاً في قراره قائلاً لمن حاول إقناعه ولماذا يريد الله أن يهتبر فقط الفقير والصادق..؟" هنا قاطعته وسألت" أهذا ما تريد ان تبوح لي به أخي فرحان؟ أأنت خائف على والدك الذي توفي منذ عقود!؟ قال: "لا...بل كانت هذه مقدمة لأشرح لك أنني لم أعش في كنف والد يتذكر الله بنفس الطريقة التي يدعيها بقية البشر...فلم يدفعني أحد للتدين وما هو... والمكان الوحيد الذي تعرفت به على الدين كان في دروس مادة التربية الدينية في المدرسة وبعدها لم أشأ أن أستمع لأحد يريد ن يتحدث أمامي في الدين ولا أريد أن أسمع...ولكنني أفكّر في الجنة التي كان الناس يقولون لوالدي أنه سيلقى بها كل ما يفتقده هنا...وأحتفظ بصورة عن الجنة منذ أيام المدرسة كما كان يصورها لنا ذلك المدرس الذي أتى من العاصمة خصيصاً لبلدتنا ليعلم الدين في المدرسة...كان يتكلم لنا عن الجنة ويصفها بتلذذ وتلهف..كان يحكي عن أنهار من الخمر وعن أعداد كبيرة من "الحوريات" و"غلمان مرد" يطوفون حولنا...بالمختصر: لم عرف عن الجنة أكثر من أنها مكان مليء بكل ما هو حولك على الأرض ويمنعونك عنه بحجة أو بأخرى...فكانت الصورة أقرب إلى ما يمكن أن نصفه بخمّارة كبيرة من نوع راق للشرب والجنة هي الأقرب وصفاً إلى ما فيه إباحة جنسية مشرعنة من الخالق، بالمختصر ليست الجنة إلا مكان للتلذذ بالجنس دون كلل أو ملل...ودون الخوف من أن تخذلني قواي كبشري هناك في الجنة..." توقف قليلاً ثم تابع: "هكذا صورة الجنة في رأسي...وقد سمعت عنها كذلك فقد حدثني مرة مدرس مصري عن الجنة ووصف كيف أنني بها أستطيع مجامعة الحوريات بقوة أربعين حصان ...أجامع بقوة ورشاقة وخفة...أجامع وأجامع وأجامع وأجامع ولا أنتشي وأصهل كالحصان إلى ن يربت على كتفي أحدهم من الخلف فألتفت لأجد أحد الملائكة مبتسماً لي وقائلا بنصح وحرص: مهلا مهلا فهناك تسع وثلاثون حورية أجمل منها ينتظرنك..!" تابع فرحان: "كنت أصغي إلى ذلك المدرس المصري وهو يتكلم لي عن الجنة الموعودة ولا اعرف إن كان يريد أن يختصر الزمن والمسافات فيفجر نفسه بمكان ما ليقتل من يصادف في الأرض ليصبح متفرغاً للحوريات في الجنة...أم أنه يريد شيئاً آخر...!" لاحظ محدثي انني بدأت أشعر أنني أضيع في سرده فتماسك نفسه وقال: لن أطيل عليك يا أستاذ...فقط أفكر لو أنني أستفيق فجأة فأجد نفسي سابحاً في نهر...ليس أي نهر...بل هو نهر حرارة مائه معتدلة...أسبح بخفة وبسرعة فائقة وأتمتع بصحة جيدة وهمة عالية، أفتح فمي وأغب من مياه النهر الذي أسبح فيه فتجدني أغب خمر جنة يسري في عروقي سلساً ممتعاً أنتشي ولا أنتشي...وعلى ضفتي النهر أجد الخضار والفواكه أنظر إليها فتفهم بقدرة قادر أنني أريدها فتراها تسبح فوق صفحة المياه مترنمة مترنحة متبختلة في حركاتها لتصل فمي وأقضم منها ما أريد...أنظر إلى ضفتي النهر فأرى الجمال والأخضر وأرى ظل الشجر الكثيف على ضفتي النهر وقد تشابكت أغصانه في الأعالي ليظلل بفيّه ذلك الجزء من الجنة...ثم لو أنني أشعر بالملل من اللون الأخضر وخمر النهر وفواكه ضفتيه أرى العناية الإلهية ـ التي تعرف ما في مكنونات صدري ـ تحيطني فأجد نفسي أسبح في بحر أزرق فوقه السماء الزرقاء ووسطها تسطع الشمس...هي شمس ليست كتلك التي تحرقنا صيفاً بل هي شمس حنونة دافئة أسبح وأسبح وأفتح فمي لأغب من مياه البحر فأجد أنها خمر أثقل بقليل من خمر النهر [وهنا انتقل من الكلام الذاتي إلى المجرد المخاطب ] تشرب وتشرب ولكنك لا تشعر بحرقة ولا تسكر تشتهي الموالح فتنظر إلى الحصى والرمال التي على الشاطر لتراها وقد تحولت لأطايب موالح الأرض ـ ما تعرفها منه وما لا تعرفه ـ فتأكل وتطقطق وتشرب وتنتشي ولا تنشي فتسكر ولا تسكر...ما أحلى جنتك...والآن أفكر بمعلم الجنة الآخر غير الخمر...هناك الحوريات والغلمان...فأما الغلمان لعلهم يذهبون باتجاه آخر فأنا لا حاجة لي بهم وأما الحوريات فهذا ما أريد..إنهن بالعشرات ولا يغارن من بعض متفرغات لي لا أتعب ولا يتعبن مني أو معي...وتراني أعمل مثل آلة ألمانية وبين الحين والآخر أصهل وألوح برأسي مترنحاً مفتوناً أصرخ من الفرح وهن يصرخن معي من اللذة الممزوجة بألم خفيف...هل سأرتبهن متحاذيات بالقرب من بعضهن البعض وبسرعة فائقة وبقوة الاربعين حصان ـ التي حدثني عنها المدرس المصري ـ ابدأ عملي أم أنني أضعهن في زوايا أطوف في ثناياها متبختراً متباهياً وأصرخ كالحصان وهن يتأوهن لرؤيتي أم ماذا..!؟ استوقفته لأعلمه أنني لا أعرف ماذا ير يد..."أخي فرحان..!" ولكنه لم ينتبه بل كان غارقاً في جنته وحورياتها حيث قال: "أستاذ! المرأة جميلة بدلالها وغنجها فكيف ستكون ردة فعلي أمام نساء ـ بالجملة ـ هن الأجمل شكلاً من كل من رأتهن عيني من قبل يتسابقن لإرضائي...!؟ السؤال الذي يحيرني هل سأعدل بينهن بالجنس قبل القضايا الأخرى..!؟ أستاذ هل سأدلل واحدة منهن أكثر من الأخريات..!؟ أستاذ هل ستكون علاقتي بهن جسدية فقط أم أن القلب والعواطف جزء من العلاقة..!؟ هل أستطيع تشتيت عواطفي بينهن أم أنني سأتخلى عن البعض لصالح البعض الآخر؟؟ تقتلني هذه الأسئلة يا أستاذ..!! لا أعرف يا استاذ هل سأكون هكذا في الجنة...لا أعرف ولكنني أتمنى لو أنني أجد جنة الله حولي أو أنني أشيدها على الأرض...فأهرب من كل شيء وتنحصر اهتماماتي في الأكل والجنس إلى ما لانهاية!"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا


.. الفنان أيمن عزب : مشكلتنا مع دخلات مهنة الصحافة ونحارب مجه




.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة