الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأول من أيار وفخر الصناعة الوطنية

قاسم علي فنجان

2016 / 5 / 2
الحركة العمالية والنقابية


عندما كان علماء الاجتماع يعقدون مقارنة بين العامل الصناعي والعامل القروي، وجدوا أن العامل في القرية أكثر ميلا إلى التدٌين وأكثر محافظة على التقاليد والعادات التي يعيش عليها, أما العمال الصناعيون فهم ميالون إلى التجديد والتحديث لأن أسلوب وإيقاع الحياة مختلف عن القرية, اليوم في عراق ما بعد 2003 تلاشت هذه الفروق, وبتنا نعيش في بيئة تكاد تكون قروية بالكامل -من حيث الرؤية لكل مجالات الحياة– أو هكذا صنعت القوى التي جيء بها, والتي حكمت العراق بأسوأ ما يمكن أن يتحمله إنسان على هذا الكوكب, وها هو يوم الأول من أيار يمر ويحتفل العالم به بأشكال مختلفة حتى يبدو كأنه أصبح طقسا في بعض البلدان, لما لهذه المناسبة من أهمية في تذكير العالم أن الصراع طبقي وليس صراع أديان أو حضارات أو أرادات الخ...
ولأن أيار قام به عمال صناعة, فلقد صار لزاما أن نشارك ونتحدث بشكل مقتضب عن واقع الطبقة العاملة في العراق، وما آلت أليه في بنيتها الفكرية والاجتماعية أو هكذا استطعنا أن نقرأ الواقع, ولنجعل الأمر يبدو كقصة, فهكذا ينكفئ النظر من الحاضر إلى الماضي.
في السابق كانت هناك مصانع عملاقة, تحوي الآف العمال, يعملون وينتجون ويتحدثون عن ساعات العمل والحافز والربح والإنتاج والعلاوة والإجازات, كانت الثمانيات الثلاث موجودة في لغتهم (8 ساعات عمل, 8 ساعات نوم,8 ساعات ترفيه) أو هكذا يصار تقسيم اليوم, كان العمال وبحسهم "الوطني" يفتخرون بصناعتهم, والهمة في زيادتها, مع أنها كانت رؤية البرجوازية الوطنية, لكننا بتنا نتحسر عليها, لأنهم أصبحوا ينتجون "الله" فقط في أحاديثهم, بعد أن ماتت معاملهم وآلات المصانع توقفت أو بالأصح أوقفت.
بعد ضجيج المصانع, والإنتاج الكبير, وطموح العمال بتشكيل نقابات أو اتحادات, -رغم المحاولات البائسة بتغيير هويتهم وتحويلهم إلى "موظفين"-, ومحاولتهم دخول المعترك السياسي, جاء التغيير الذي حدث عام 2003, الذي كان وبالا ومأساة على العراق بشكل عام وعلى الطبقة العاملة بشكل خاص, ارتسمت بوضوح اكبر وبصورة ملموسة أكثر المعالم والخيوط الكبرى التي ينبغي أو يجب على العمال أن يسيروا أو يوضعوا بها, ليسوا كقادة للنضال الطبقي, بل كمجموعة متشظية ومشتتة, غابت أو غيبت عنها هويتها, لقد استطاعوا أن يفككوا ويزيلوا كلمة سر الطبقة العاملة, التي كانت النضال من أجل حياة كريمة وعادلة, واختاروا لها كلمة سر جديدة هي, الدين, القومية, الطائفية, والعشائرية. فأصبح عامل اليوم يتحدث عن "الله" أكثر من حديثه عن نفسه واحتياجاته, عينه وأذنه تتجه صوب المراكز الدينية لسماع الفتاوى التي تصدر من هناك, ليس له علاقة بنقابة أو رابطة أو اتحاد عمالي, يدافع عن دينه أو طائفته أو قوميته أو عشيرته, عامل اليوم يفتخر بقاتل طائفي هنا, أو بطل قومي شوفيني هناك, أو شيخ عشيرة ذكوري لا يفهم من الحياة شيئا سوى مفردة "الركوب", عامل اليوم لا يؤمن بالفن أو يسمع موسيقى لأنها حرام ككل شيء أخر, بل يسمع دعاء أو لطميه أو ذكر, وفي أفضل الأحوال يسمع ما يطلقون عليه (صفكه), عامل اليوم أصبح يركض ويتخندق خلف رجال الدين, ظناً منه أنهم سيجلبون له حقوقه.
من كل هذه الصفات التي صنعتها القوى المسيطرة الجديدة وغيرها, تبلورت شخصية للعمال جديدة, فتجسدت عندهم روح الاستسلام والخضوع واللابالية, مكسور ومحبط هو, أخذ منه الزمن كل مأخذ, يزفر دائما, لأنه مضطهد, يبحث عن روح عالم لا قلب له, ولا يجد متنفسا ألا بممارسة الطقوس والشعائر الدينية, وبسماع الأدعية واللطمية والذكر, لأنها تناغي أحاسيسه الحزينة والكئيبة, ولأنه يشعر ويعتقد أن مستقبله مجهول, فالموت يلف المكان كله, كما الآلات التي كان يعمل عليها, والفساد والنهب قد طالا حياته, وهو يعلم أن شكل الحكم الذي أقيم لا يهدف ألا الخراب -وهو يفعل ذلك-, شكل حكم بغيض ومقيت جدا بأفراده ودستوره ورعاته الداخليين والخارجيين, شكل حكم صُنعت لهم منطقة أو بقعة عُزلت, يعيشون فيها, لا خطر يداهمهم أو قلق أو توتر ينتابهم, فهم يمسكون الجماهير -العمال بالأخص- ويسيطرون عليها بالدين والقومية والعشيرة, فالأمان والحياة الرغيدة لهم, والبطالة والخوف والموت والحرائق حصة هذه الجماهير.
لكن هل نستطيع أن نصلح هذا الوعي الزائف الذي يحمله العمال اليوم, ونقول لهم يجب أن تكونوا سادة وعيكم, الذي هو الأكمل والأمثل, ونوقظهم من حلم بل من كابوس يعيشون فيه -والقوى القائمة دائما تغذي هذا الحلم, بالدين مرة والقومية والعشيرة والطائفة بأخرى, أن نرجع لهم كلمة السر الحقيقية, التي هي أنهم قادة المجتمع, وبيدهم جر النضال إلى مواقعه الصحيحة, وأن يعلموا أن الضياع الذي يعيشون به لن يزول بالدعاء أو اللطم, بل باسترداد الوعي الحقيقي, وهو أنهم منتمين إلى طبقة, وليس لدين أو طائفة أو قومية. وأن عليهم أن يزيلوا هذه المفردات من قاموس حياتهم, لأنها قد تملكتهم وأصبحت هي التي تملك حياتهم وتتحكم بهم.
لقد كانوا يفتخرون بمنتجاتهم وهم يستذكرونها, ألبان أبو غريب, إطارات الديوانية, سمنت الكوفة, مصابيح نوار, معمل البطاريات, حديد وبتروكيمياويات وورق البصرة, نسيج الكوت, أحذية باتا, بيرة شهرزاد, قصب العمارة, الكترونيات ديالى, الخ.... من قائمة تطول لصناعات كانت هنا في يوم ما. تغير هذا الفخر وأصبح من الماضي, بدئوا يحالون على التقاعد أو يعطوا أجازة طويلة بدون راتب لكي يذهبوا ويشاركوا بمعارك طائفية وقومية, يفتخرون بها, لأن الموت والتهجير والفساد والحروب أصبحت اليوم هن منتجات-نا الوطنية ولا غير ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كالامار: في غزة سقط عدد هائل من الضحايا وقتل أكبر عدد من الص


.. حديث السوشال | فتاة تطلب أغلى كعكة للتصوير.. ورد فعل غير متو




.. الإسرائيليون يتعاملون مع الشهيد -زاهدي- أنه أحد أركان غرفة ا


.. لماذا يلوّح اتحاد الشغل في تونس بالإضراب العام في جبنيانة وا




.. الشركات الأميركية العاملة في الصين تشكو عرقلة المنافسة