الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعا عن اعلان دمشق

كامل عباس

2005 / 12 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


هل نريد ان نكون علمانيين ديمقراطيين أم علمانيين ديكتاتوريين ؟
دفاعا عن اعلان دمشق
قامت القيامة ولم تقعد بعد , من قبل علمانيين سوريين ( قوميين وشيوعيين ولبراليين ) بعد صدور اعلان دمشق , بعضهم سماه اعلان قندهار, وآخر اعلان الطالبانيين الجدد , و آخر الميثاق الطائفي, وآخر رأى فيه رشوة للاخوان المسلمين من قبل المعارضة , والأطرف من هؤلاء جميعا أن بعضهم وحتى يثبت طائفية الجماعة التي هندست الاعلان . راى أنها استدركت غلطتها باستثناء الطائفية العلوية من المشاركة في صياغته , فسارعت لدعوة شخصية علوية بعد صدوره , تناشده الانضمام الى الميثاق لينشلها من ورطتها , لن أتعرض هنا لأسباب ودوافع كل من هؤلاء ولا يهمني ذلك . بل ما اريده مساجلتهم موضوعيا حول علمانيتهم , فهل يريدونها ديمقراطية ام ديكتاتورية ؟ ولنبدأ من البداية .
العلمانية : اصطلاح سياسي شاع استعماله إبان الصراع في اوروبا بين الاقطاع والبورجوازية وما أدى اليه ذلك الصراع من ثورات ديمقراطية ارادت أن تجعل قيمة المرء بعمله وجهده لا بحسبه ونسبه , وان تفصل الدين عن الدولة لتحرم الاقطاعيين من سند السماء . وقد انتشر ذلك الاصطلاح وشاع سياسيا في كل اقطار الأرض بعد ذلك , ليصبح مدلوله عدم تدخل السماء بالقوانين الوضعية الأرضية , أي عدم خلط الدين بشؤون الحكم , ان العلمانيين هم شريحة واسعة في أي مجتمع تضم ملحدين ومتدينين , مؤمنين بالله او غير مؤمنين , رجال قانون ورجال دين , نسوق مثالا هنا عن رجل دين فاضل ومعروف في شرقنا هو المطران غريغوار حداد الذي كتب مقالا في جريدة النهار البيروتية نشر في 25/9/2005 , تحت عنوان – العلمانية تحتضن لا تهدد – رأى فيه ان العلمانية شاملة , فهناك علمانية شخصية وعلمانية وظيفية وعلمانية مجتمعية وعلمانية مؤسسية وعلمانية قانونية وعلمانية سياسية تؤكد استقلالية الممارسة السياسية عن الانتماء الديني كما قال فيه
- انا مؤمن بالله ولذلك انا علماني
- ومؤمن بالعلمانية دعما لايماني بالله
- النظام الطائفي هو احد التهديدات الفعلية للايمان , بينما النظام العلماني هو الحاضنة الايجابية لحرية الأديان والمعتقدات .
أما العلمية فهي تعني تفسير حركة المجتمع والطبيعة وفق قوانين علمية تتطور معرفتنا بتلك القوانين مع تطور أدواتنا العلمية . بمعنى اوضح , العلمية تعتبر ان العقل الذي يميز النوع البشري هو ثمرة ونتاج التطور وهو الذي خلق الله وليس العكس , وهذا ما اصطلح على تسميته ب (الفلسفة المادية ). يقابل هذه الفلسفة (الفلسفة المثالية ) التي ترى ان هناك من يقف وراء هذا النظام المتناسق في الكون والمجتمع هو لله خالق هذا الكون . والذي ارسل رسله لهداية خلقة فكانت الأديان على هذه الأ رض .
العلمية اذن تيار من تيارات العلمانية طغى على ما عداه فيها بدءا من القرن التاسع عشر وتحديدا بعد ظهور الفلسفة الماركسية حيث وضع المذهبان الرئيسيان في الفلسفة بمواجهة بعضهما في صراع طبقي لكي يفني احدهما الآخر, بدلا من أن يتعاونا كجناحي طائر من أجل خدمة الانسانية جمعاء ,بكل أسف أقول : تمترس كل منهما في خندقه وخوّن الآخر فكانت النتيجة وضع العصي في دواليب الحركة الاجتماعية , لم ير كثير من الماركسيين في الدين الا انه افيون الشعوب , مع ان الدينان الرئيسيان منحازين بشكل واضح للفقراء ضد الأغنياء مثل الماركسية, الإنجيل يقول :- ان دخول جمل في خرم ابرة اسهل من دخول غني ملكوت الله - والقرآن يقول : - ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين - وهذه تجربة الدول الاشتراكية بينت بالملموس وجود انتهازيين في المذهب المادي سخروه لمصالحهم الخاصة مثلهم مثل المنافقين الذين تاجروا بالدين وبمشاعر الفقراء وباعوهم صكوك الغفران .
أكثر من ذلك اقول : علينا في الوقت الحاضر أن نطور مفهومنا للديمقراطية بما يتتلاءم مع واقع عصرنا
بهذا المعنى يجب علينا ان نفتش عن الجانب الاجتماعي في أي حركة دينية سواء كانت اخوان مسلمين ام اخوان مسيحيين ام اخوان مرشديين ام اخوان علويين , فاذا كانت تنبذ العنف ومستعدة للعمل بشكل ديمقراطي وبرنامجها الاجتماعي ينسجم مع تطوير المجتمع ويخدم تنميته وجب علينا ان نمد يدنا لها . اما من يصادر حق هؤلاء في العمل السياسي ولا يقبل باي برنامج على اساس ديني فاقل ما يقال عنه انه ديكتاتوري يريد ان يفرض برنامجه ورأيه على المجتمع بالقوة مثل البعثيين والشيوعيين السابقين في الدول الاشتراكية . ان اجواء الديمقراطية وحدها هي التي تمهد لحكم العقل والعلمانية , والديكتاتورية تستدعي السماء لتستنجد بها عقول الضعفاء
على هذه الأرضية اريد ان أتطرق الى الاسلام والاخوان المسلمين في سوريا .
بغض النظر عن الجانب السماوي في الاسلام , فانه كان اكبر ثورة اجتماعية عرفتها البشرية حتى الآن . الاسلام احتضن الملامح القومية العربية وأخرجها الى الوجود في امة عربية واحدة وخلصها من بين ارجل امبراطوريتين معروفتين أنذاك بطغيانهما وتكبرهما- الروم والفرس . ولقد وقف الاسلام الأول الى جانب كل المستضعفين والمظلومين في العالم وخاصة في الشرق , و الآن يعود ليحل محل الشيوعية التي ساندتها تلك الشعوب الشرقية املا منها بتحطيم تجبر وطغيان الغرب , ولما انكسر حلمها في ذلك عادت الى حلمها القديم الاسلام .
الاسلام لم يحمل لواء المستضعفين ويناصرهم فقط , بل ولواء اللبرالية قبل ان تخلق في أوروبا . (( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ) .(( كل نفس بما كسبت رهينه )). والديمقراطية أيضا
( وأمرهم شورى فيما بينهم ) لابل ان الآية الكريمة التالية من سورة الحج (( ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة , ان الله على كل شيئ قدير )) فيها من الديمقراطية والاعتراف بالآخر مايفوق كل الأحزاب الثورية العربية المعاصرة . غني عن القول ان الصراع كالعادة انتقل الى داخل الاسلام وتمكنت الطبقات المستغلة من تجييره لصالحها فيما بعد وأفرغته من مضمونه الاجتماعي وحولته الى عبادات او الى جهاد بالطريقة التي تخدم تلك الطبقات وهو ما نشهده الآن على يد السلفيين والأصوليين الذين لا يفقهون من الاسلام شيئا ,
هذا يعني ان الاسلام بحق يهتم في شؤون الدنيا أكثر من بقية الأديان , وهنا بيت القصيد , لكن علمانيينا بكل أصنافهم لم يفهموا من العلمانية سوى فصل الدين عن الدولة . والطريقة التي جرى تحقيق ذلك في الغرب . نحن مقلدون وتابعون دائما ولله الحمد ,مرة لشيوعية السوفيات ومرة لديمقراطية الغرب , اما ان تكون لنا طريقنا الخاص فهو حرام علينا .
انا شخصيا رأيت اعمق فقرة في اعلان دمشق , الفقرة التي تحدث بها عن الاسلام . لأنها حاولت ان تشخص الواقع كما هو بدون كذب او لف او دوران لتنطلق منه وتدفعه الى الأمام بدلا من ان نكرر الماساة السابقة فيكون الدفع ديكتاتوريا ومن اعلى ومن دون مشورة المجتمع . والاعلان لم يقل ان الاسلام هم السنة فقط , بل قولوه كذلك معارضوه ليشوهوه في اعين الناس , ولو أن هؤلاء العلمانيين اعترضوا على تلك الفقرة التي لم تبرز المكونات الثقافية في تاريخنا كما ابرزت الاسلام ,ورأو ان معديها براغماتيين يحاولون كسب ود الاسلاميين , لكان من الواجب احترامهم , أما رجم علمانيين مثلهم بالطائفية فذلك مايجعلنا نشك بمصداقيتهم , والاعلان لم يقل أن الاخوان المسلمين هم التيار الاسلامي الوحيد ايضا , بل اراد ان يتوجه الى كل التيارات الاسلامية في سوريا ليدفعها نحو الوسطية والاعتدال والأخذ بمقولات الدين الاسلامي الحنيف الي تبتعد عن العنف ولا تحض على القتل والكراهية .
لكن الاخوان المسلمون هم الغائب الحاضر في سوريا بعد الذي جرى في منتدى الأتاسي
لا أريد أن أكرر ما قلته عنهم في نقدي لمشروعهم الحضاري . واعتراضي الشديد على الفقرة التالية التي وردت في الصفحة 12 من ذلك المشروع ((فالاسلام بالنسبة الى الفرد والى الجماعة بوصلة ذاتية (جوانية )تؤشر بايجابية باتجاه ما يعتقد الجميع أنه الحق والخير والجمال ويشعر كل من خرج عن اتجاه هذه البوصلة أنه مطالب نفسيا واجتاعيا بتقديم معاذيره من تأويل او تسويغ حتى لايقع في دائرة ( المنكر) الذاتي أو الاجتماعي او الشرعي )). ولا أجد بأن مراجعتهم لماضيهم وتحديدا العنف الذي مارسوه بالثمانينات كافيا , لكن اذا ماقارنتهم بالطرف اللآخر , حزب البعث قائد الدولة والمجتمع لبدا الفرق هائلا , البعثيون طوروا فلسفتهم الثورية وأعلنوا في مؤتمرهم الأخير ان رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشعب هما حكما اعضاء في القيادة القطرية لحزب البعث , وعمقوا جبهتهم الوطنية فضموا اليها القوميون السوريون . واصموا آذانهم عن كل دعوات المعارضة من اجل مؤتمر مصالحة وطنية .

على الضد منهم , لم يترك الاخوان مناسبة الا وأعلنوا فيها أنهم يريدون تطوير انفسهم والتعاون مع بقية القوى السياسية لاخراج البلد من محنته , وبالتالي مد اليد اليهم كما فعل الاعلان, ممارسة صحيحة وسليمة وفي اوانها
. قد يقول قائل كما قلت في مقالي سابقا بانهم يطرحون ذلك تكتيكا للوصول الى السلطة .
حسنا دعنا نتخيل أن انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة من قبل الهيئات الدولية جرت وفازت بها الجماعة وكانوا الأغلبية في البرلمان وشكلوا الدولة الجديدة . على ما اعتقد ذلك حقهم الطبيعي بشرط ان تستمر لعبة الديمقراطية والتداولية لتعمل بقية القوى بين المجتمع لتعديل موازين القوى , أما من يعتقد بانهم سينقلبون على الديمقراطية ويشكلون امارتهم الاسلامية ويلغون المسيرة الديمقراطية فهو واهم , فالظرف الدولي لم يعد يسمح بجبهة اخرى - قائدة الدولة والمجتمع - تعطل الدساتير وتحكم بالقوانين الاستثنائية ,وبالتالي لا معنى لمن يروج أن الاعلان سينقل سوريا من تحت الدلف الى تحت المزراب , من جبهة بقيادة حزب البعث الى جبهة بقيادة الاخوان المسلمين .
هذا هو السناريو الأسوأ , أما الممكن حدوثه فهو حضور تيار ديني اكثر اعتدالا من الاخوان في ظل تلك المسيرة الديمقراطية يعمل الى جانب القوى السياسية الأخرى التي لها موقع وتاريخ لايمكن تجاهله في سوريا .
من جهتي انا لاأطلب من الاخوان المسلمين في الظرف الحالي الا الاعتراف الصريح بالعلمانيين والكف عن تلك الزعبرة - مجتمع التدين والربانية . حتى يثبتوا انهم ديمقراطيون عليهم الاعتراف امام أعضائهم ومنا صريهم ان هنلك جهة اخرى علمانية بينهم من لا يؤمن بالله , علينا العمل معهم على الأرض ونترك لله تعالى حسابهم على عدم ايمانهم به وباليوم الآخر .
في حواراتي مع علمانيين متعددين لهم تجربة مريرة في الثمانينات مع الاخوان المسلمين يقولون اننا نمهد الطريق لديكتاتورية اسلامية تحرمهم من شرب البيرا او النزول الى المسابح بشكل مختلط . وأنا أقول لهم أن الجماعة وقادتها نبذوا العنف وقبلوا بالديمقراطية وهذا يعني التعايش المشترك كل حسب طريقته وقناعته في الحياة اما التعامل من خلال الدولة المستقبلية فيمكن تقديم نموذجا له على الشكل التالي
موضوع الأحوال الشخصية وتشكيل اسرة : يمكن ان ينص الدستور السوري الجديد على الزواج المدني البحت بين كل ذكر او انثى بلغوا سن الرشد سواء كانوا من نفس الدين ام لا ما داموا قد ارتضوا لأنفسهم ذلك . تلك مسؤولية الدولة , بعدها تأتي العادات والتقاليد والقناعة ليتم عقد قران في الكنيسة او الجامع حسب الأصول الدينية . وبنفس الطريقة يمكن ان يقيم الاخوان المسلمين جمعياتهم الأهلية فيما بينهم ليعيشوا حسب اصول دينهم بدون ضغط او اكراه من احد .
لماذا اثيرت كل تلك الزوابع من بعض المثقفين السوريين العلمانيين !! ألأن مهندسي الاعلان استثنوهم من شرف المساهمة في التأسيس ؟, وهي سمة تكاد تصبح مرضا عند ناشطين عديدين في الشأن العام السوري , ان اعلان دمشق جدير بالتحية وتقديم كل الدعم والمساندة له , كما قال المفكر والشاعر أدونيس , بعد ذلك يتم ابداء الملاحظات عليه من أجل تطويره كما فعل هو بالذات .
اعلان دمشق قدّم توافقات عامة من أجل معارضة مستقلة بمنتهى الجدية يمكن الانطلاق منها في التوجه نحو الداخل والخارج من أجل اخراج البلاد من ازمتها ودفعها لتنسجم مع محيطها العربي والعالمي .
اعلان دمشق جهد ليوازن بين تيار سياسي في سوريا يرى الأولوية في التغيير للخارج وتيار آخر يرى ان الخطر على الوطن من الخارج فقال للجهتين تعالوا لنناضل على ارضية الديمقراطية ونقوي بلدنا ضد الخارج الطامح بخيراتنا بدءا من مقاومة الاستبداد الداخلي الذي يستدعي الخارج .
ختاما أنا لاأخاف على اعلان دمشق من الاسلام والاخوان المسلمين بل رأيت في هذا الجانب محاولة جادة للانطلاق من واقعنا ويتحمل معدوه مسؤولية حقيقية بعيدا عن التعصب الطائفي . خوفي على ذلك الشكل الجنيني الجدي من التحالف في سوريا هو من الديمقراطية نفسها والتي يأخذ بها الاعلان . انا شخصيا لم ترق لي الطريقة التي تم بها اخراجه , وكنت افضل لو ان مسودة ذلك الاعلان طرحت بشفافية وعلنية بكل الوسائل المتاحة .قبل ان يصلوا الى تلك التوافقات ,

ترى هل غيّر المنضوون تحت لواء اعلان دمشق ما بأنفسهم حتى يغيروا ما بقومهم ؟
هل غيرت تلك الفصائل بنيتها التنظيمية وأصبحت علاقة الرفاق ببعضهم في كل فصيل ديمقراطية . حتى يجروا تحالفا ديمقراطيا فيما بينهم يتصدى للديمقراطية في المجتمع ؟
حول هذا الموضوع سيكون لنا وقفة اخرى وربما وقفات في المستقبل .
كامل ابراهيم عباس – اللاذقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة