الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الثورة الثقافية- مطلب عربي

محمد بوجنال

2016 / 5 / 23
مواضيع وابحاث سياسية




العالم العربي ،الذي منه المغرب، محاصر بقوى رأسمالية وأخرى إقليمية ومحلية بفعل واعتماد الثقافة كأيديولوجيا وآليات وأدوات طالما دافعت عنها الشعوب العربية، وما زالت، معتبرة إياها وعن جهل، من مقدساتها. وقد تم التأسيس لثقافة السيطرة تلك في ما يمكن تسميته "بالمجرد" أو "المطلق"؛ أىبلغة أكثر دقة، في ما يسمى " الترنسندنتال". ودلالة هذا الأخير، كتوضيح، يعني الدائرة المتعالية على التاريخ والمجتمعات، دائرة تقتضي منهما الخضوع لها. إنها الهيمنة المطلقة على مختلف الفضاءات والمستويات بهذه الدلالة تتحدد وتفهم معاني التراتبية المجتمعية العربية. فالأعلى والمستفيد أكثر فأكثر هم من فضلهم الله بالإرادة، والطبيعة بالبيولوجيا؛ أما غيرهم، فالدائرة المتعالية تلك (أو الترنسندنتالية أو المطلقة ) تعتبرهم في أدنى المستويات التي أرادتها لهم الإرادة الإلهية والتكوينة البيولوجية الطبيعية. إنه الوضع المقبول والمبرر دينيا من لذن مكونات الشعوب العربية ما دامت مرجعيته مرجعية مطلقة ( إلهية وطبيعية ). وقد اعتمدت الدول الكبرى وأشكال الدولة السلبية العربية الثقافة في نشر وتدعيم وتفضيل الشعوب العربية الوضع ذاك؛ وبلغة أخرى، فالفضاء العربي فضاء لا وجود فيه للفراغ. ومن هنا ، إذا كان أرسطو قديما يقول أن الطبيعة تخشى الفراغ، فنحن نقول ، بصدد عالمنا العربي، أن أشكال الدولة السلبية العربية، ومن ورائها الدول الكبرى،، تخشى فراغ ذلك الفراغ. فهم يعرفون، وباليقين، استحالة فراغ الفضاء: فإما ملؤه بمكونات ثقافتها المطلقة، وإما ملؤها بثقافة أخرى تحل محلها؛ وفي هذا تهديد لمصالحها الاقتصادية، وهيمنتها السياسية، وسمو مكانتها الاجتماعية ،والتشكيك في مرجعياتها الثقافية. لذا، فالمنطق يفرض عليها، لحماية مختلف مصالحها، استعمار الفضاء باعتماد مختلف المؤسسات التي أسندت لها مهام بناء الفضاء ذاك بالأشكال التي تحافظ على سلبية الشعوب العربية وتمسكها بمبدأ الخضوع للذات السامية ملوكا ورؤساء وأمراء دويلات باعتبارها حاملة قدسية الذات الإلهية. إنها، كما ترى، قوى الخير والنمو والتنمية؛ أما غيرها فهي قوى الشر والظلم التي بفعلها يحصل الجفاف والكوارث وسوء الأخلاق وأشكال الانحراف. هكذا، فبفعل ثقافة الدائرة الترنسندنتالية (المطلقة )، يوجد العالم العربي في زمن ثابت وأزلي زكته وتزكيه الثقافة تلك باعتبارها الخير والطريق المستقيم.
بالدلالة السابقة يفهم ، على سبيل المثال لا الحصر النظام التعليمي والقيم الأخلاقية. فمرجعية مكونات ومناهج وبرامج ومضمون النظام التعليمي توجد في الدائرة الترنسندنتالية (=المطلقة ) حيث كون المقدمات محددة مسبقا في مقدمتين مطلقتين: المعرفة هبة الذات الإلهية لمن أحبت؛ وثانيها المعرفة إفراز لملكة الذكاء التي هي هبة الطبيعة.بلغة أخرى، فالمرجعية محددة مسبقا وبشكل مطلق بالمقدمات تلك، وأن الناتج لا يمكن أن يتناقض معها. لذا، فنظامنا التعليمي في عالمنا العربي مبني على مقدمات إطلاقية مرجعيتها الدائرة الترنسندنتالية (=المطلقة)؛ وبطبيعة الحال ، وباللزوم المنطقي، فالنتائج لن تخرج عن ثقافة تلك الدائرة. لذا، يستحيل تطوير التعليم إلا إذا دمرت تلك الدائرة وحلت محلها أخرى أكثر إنسانية وعدالة اجتماعية؛ أما المثال الثاني، الأخلاق، فوضعه لا يختلف عن وضع التعليم؛ لقد فككها نيتشه جيدا معتبرا إياها بأنها ثقافة العبودية التي تتحمل مسئولية ترويض الإنسان العربي منذ طفولته حيث نمت فيه ثقافة الخضوع والاستسلام وقتل الإبداع وطرح السؤال.
هذا الوضع السابق الذكر حيث الهيمنة والسيطرة للدائرة الترنسندنتالية (=المطلقة)، لن يكون سوى الوضع الذي يرفض ما يسمى "بالثورة الثقافية". هذا وضع طبيعي ما دامت المقدمات والأوليات والمصالح تختلف. فأمام "الثورة الثقافية"، توجد وبشكل استباقي،ودوما،"الثقافة المضادة" التي تتوفر على مجمل شروط وعوامل استمرار الهيمنة والسيطرة. ولا يفوتنا إلى أن نشير، بهذا الصدد، أن تأثيرها واضح على جزء كبير من ثقافة ما يسمى باليسار العربي؛ إذ أننا نجده يساريا على المستوى الشكلي ويمينيا على مستوى التكوين والممارسة؛ بل نجد منهم من أصبح أكثر تخلفا من مكونات وسط ويسار اليمين
بناء على ما سبق، فالوضع العربي اليوم، هو وضع يأخذ صيغة السجن الموسع حيث كلما وأينما اتجهت، فأنت داخل السجن ولا تتكلم سوى لغة السجن. وعليه، فالتحرر والتحرير من ثقافة الدائرة الترنسندنتالية (=المطلقة والمتعالية والمجردة) لن يحصل إلا بالبحث عن آليات ومنهج آخر لتدمير تلك الدائرة وإحلال أخرى محلها تكون نقيضة لها. لكن ذلك يحتاج إلى قوى طليعية تؤمن بذلك. وهذا يقتضي التأسيس لما يسمى "بالثورة الثقافية" باعتبارها المستوى الذي يمكن الشعوب العربية من التخلص من ثقافة الهيمنة والسيطرة. إنها مهمة اليسار بمختلف مكوناته سواء منها الحزبية أو الجمعوية أو المستقلة. إن إلحاق الهزيمة بالثقافة المطلقة يقتضي أولا تصفية الحساب مع كل الأخطاء السابقة والاستفادة منها. فاليسار ليس هو الخشبي، ولا الانتهازي،ولا الديماغوجي، ولا المكتفي بالقشور، ولا البزناس. اليساري هو المثقف المؤمن بقيمة الإنسان والدفاع عنه لكن من خلال التأسيس لإطار ما كالقول بالجبهة أو الطليعة أو الكتلة. إنه الإطار الذي يعني الحوار والبناء وتقبل النقد وتسطير البرنامج الأنجع وتحديد آليات تنفيذه. فلا "ثورة ثقافية" بدون تقييم التجارب محليا وإقليميا وعالميا وكذا تحديد وتوفير شروط تحقيق تدمير الثقافة المطلقة (=الترنسندنتالية) وإحلال " الثورة الثقافية" محلها. إن تحرير الشعوب العربية يقتضي، وبالضرورة، تكوين وتثقيف الشعوب العربية إذ هي أساس وآلية التغيير كلما حظيت بنصيبها من التكوين والتثقيف. إنه الوضع الذي لا بد من التأسيس له، كما قلنا، في شكل جبهة أو طليعة أو كتلة. ومن هنا أهمية وأولوية " الثورة الثقافية" التي هي إعادة التأهيل للفضاء العربي ليصبح عبارة عن ثقافة مسئولة تحترم الإنسان والحيوان والنبات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران