الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من غاندي أو مانديلا عراقي؟ الانتخابات وعملية البحث عن رمز توافق وطني:ِ

سعد سلوم

2005 / 12 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تعد الانتخابات وسيلة سياسية لتداول السلطة عن طريق التصويت وهي توفر للمواطنين اختيار قادتهم السياسيين والبت في برامج وسياسات تهم البلاد بآسرها وعلى الرغم من إن قيامها ونجاحها يعد مؤشرا مهما على نجاح عملية التحول الديمقراطي إلا انه لا يمكن النظر اليها بمعزل عن تقييم الفضاء الاجتماعي الذي تنطلق فيه. وانه لمن الباعث على الامل ان الانتخابات التي ستجري في شهرنا هذا قد تضمنت تجاوز كثير من العقبات التي واجهت الانتخابات السابقة والمتمثلة بعدم مشاركة مواطني بعض المدن في المساهمة في العملية الانتخابية بسبب تردي الأوضاع الامنية فضلا عن مقاطعة جهات وتيارات سياسية لها، الا انها تواجه أيضا بتحديات كثيرة منها ما يتعلق بضعف استيعاب مفهوم الديمقراطية ،ليس لدى المواطن العادي بل وعلى مستوى التيارات السياسية المتنافسة. ونجد ان معظم البرامج التي تطرحها التيارات والأحزاب السياسية متشابهة إلى حد التطابق مما يضفي على الغالب الأعم منها طابعا عموميا ومجردا ،مما يحرم المواطن من رسم سياسات فعلية وواضحة،واستراتيجيات تنفيذية قابلة للتصديق تبتعد عن حمى اللعب على عاطفة الناخب المغلوب على امره، فضلا عن ان معظم القوائم الانتخابية تشير إلى اسماء رموزها ورؤسائها مما حرم الناخب أيضا من معرفة بقية الاسماء التي ستمثله في حالة التصويت عليها. فضلا عن الظاهرة الخطيرة لحرب الملصقات التي دفعت بأنصار بعض القوائم الانتخابية إلى تمزيق ملصقات القوائم المتنافسة مما يعد مؤشرا خطيرا على المستقبل الذي تدفع اليه مثل هذه السلوكيات وقد فاقم من هذا الخطر امكانية ان تقع مدن بكاملها تحت تأثير بعض التيارات او الاحزاب السياسية والميليشيات التابعة لها مما يحرم الناخب من ممارسة حقه بحرية ويؤدي إلى إعدام حرية الارادة لديه وعزله عن ممارسة حقه الطبيعي وتهميشه والغاءه. وان نجاح العملية الانتخابية لتحقيق العملية الاوسع للتحول الديمقراطي في العراق يقتضي معالجة هذه السلوكيات المتجذرة في وعينا الجمعي حيث يحمل مشهد الديمقراطي الوليد ميراثا من ثقيلا من عدم الاستقرار السياسي والانحطاط الاجتماعي وتراجع القيم المدنية لذا فهو يواجه تحديا هائلا وشاقا أمام استئناف الحياة السياسية والعملية الديمقراطية،منذ التاسع من نيسان 2003 وقد فاقم من زخم هذا التحدي امام القوى السياسية الفراغ السياسي بعد سقوط النظام المباد والمتمثل بغياب سلطة دولة موحدة بدونها يختفي الشرط المسبق لقيام المدنية والحضارة ووسط تحد ماثل في انتشار وباء الإرهاب(التحدي المرحلي الخطير في عصرنا) ذلك أن الحياة السياسية العراقية في مرحلة ما قبل التغيير كانت تعاني من جو من الإخفاق العام في بناء نظام سياسي مدني مستقر ودائم يقوم على مبدأ سيادة القانون ويتضمن تداولا سلميا للسلطة وقد تميز النظام الدستوري العراقي بعهديه الملكي والجمهوري بظاهرة هيمنة إحدى هيئات السلطة على غيرها من بقية السلطات بمعنى تجاوز مبدأ الفصل بين السلطات كما في هيمنة الملك في ظل دستور 1925 الملكي وهيمنة مجلس قيادة الثورة في ظل دستور 1970 الجمهوري إلى ان انتهى الأمر بالأخير إلى تركيز السلطة المطلق في يد الدكتاتور وفي إطار هذه المرحلة السياسية التي مرت بها الدولة الوليدة نشطت ثقافة المؤامرة وسط حاضنة اجتماعية تشجع على العنف والعنف المضاد وتراكمت خيبات الأمل في الأنظمة المتواصلة التي جاءت إلى مقصورة السلطة بعربة الانقلابات العسكرية مقرونة بدساتير مؤقتة افتتحت الستار عن مسرحية الفصل الحزين الواحد من جدل الدائم والمؤقت في العقل السياسي العراقي.
لكن ما دامت الفكرة الجوهرية للديمقراطية تتلخص في حكم الشعب وممارسته الرقابة على الحكومة فقد تطلبت عملية التحول الديمقراطي ترميم بيئة اجتماعية تضمن تواصل العملية السياسية بآليات ديمقراطية تستبعد حمى التراجع ألنكوصي نحو ميراثنا العتيد من عدم الاستقرار السياسي المشحون بالعنف والاضطهاد لذا نشدد على ضرورة تقديم خريطة طريق لعملية التحول الديمقراطي في مرحلتنا المتأزمة عبر العديد من المقاربات الأساسية المهمة لتكامل نجاح العملية الانتخابية:
1- تهيئة الفضاء الاجتماعي لاستيعاب عملية التحول الديمقراطي عبر معالجة جذور العنف المستشري بعد تفجر السلطة المركزية وانتشار شظايا ممارساتها العنفية في جسد المجتمع العراقي لا سيما وان بيئتنا الاجتماعية المعقدة تشكل حاضنة ملائمة لنمو العنف وجذورها ترتد إلى أسس اجتماعية واقتصادية ومن ثم فان مدخل التنمية الناجحة يشكل بوابة ضرورية للولوج إلى عمق التحول الديمقراطي المطلوب.
2-تأسيس دولة الاستقرار السياسي التي لطالما حلم بها العراقيون بوضع اطر واضحة ومحددة في سياق الشرعية تقوم على الاقتسام العادل للثروة والسلطة وضمان حقوق الإنسان العراقي وعدم تهميش الاخر، وترسيخ الهوية الوطنية المشتركة الدالة علي الثراء المعرفي والتنوع المفيد وتسويدها علي الهويات الفرعية ، أي التعاطي مع المواطنين كشركاء متكافئين في الوطن يسندهم الاحساس بمبدأ سيادة القانون على الجميع وبما يضمن التساوي في الحقوق والواجبات.
3-تأسيس مجتمع مدني يتضمن مؤسسات مدنية تتمتع فيها الهويات الفرعية بحقوقها الثقافية وحرياتها تعزيزا لمبدأ (المواطنة) ونبذ التوجهات الفئوية والجهوية المبنية على الاحساس المنفرد بالهوية الفرعية أو التوجهات المصلحية أو التطلعات الانقسامية
4-ضرورة تجاوز العقبة المزعجة والمتمثلة بارتباط الأنظمة والأحزاب في مشهدنا السياسي بأشخاص مؤسسيها وزعمائها ارتباطا يكاد يكون مؤبدا اذ لنجاح عملية التحول المنشودة لابد من تجاوز الطابع الشخصي للعملية السياسية نحو تأسيس مؤسسات ديمقراطية دائمة تحصن عملية التحول الديمقراطي من الطابع الفردي والمتسلط.ويفترض ان هذه العملية بحاجة إلى تصور مشترك مبني على التوافق والإجماع وليس الإقصاء والتهميش ويعد هذا مدخلا ضروريا لترميم العلاقة بين السلطة والقوى الاجتماعية والسياسية المختلفة وقد نكون بحق بحاجة إلى رمز توافق وطني مشترك يجمع بين وزن غاندي الأخلاقي وشفافية مانديلا السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا