الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مطاع صفدي: في حاجة العرب إلى ثقافة التنوير

محمد بوجنال

2016 / 6 / 7
مواضيع وابحاث سياسية




يرى الراحل مطاع صفدي أن ما يميز الثقافة العربية كونها ثقافة الانفصال عن الواقع، ثقافة إنشائية أكثر منها ثقافة قضايا فكرية. لذا، فهي تستدعي دوما أجوبة الآخر لحل قضاياها المجتمعية والفكرية أو قل أنها لم تكن ثقافة الذات المنتجة؛ وبمعنى آخر، فالذات العربية، في نظر مفكرنا،لم تتمكن من التعرف على ذاتها من خلال إنتاجها بقدر ما أنها حددتها من خلال إنتاج الآخر. وبالنتيجة: كلما غاب النقد الذاتي كلما تميزت الثقافة العربية بالخرافية والسطحية ومعاداة التنوير والحداثة ليصبح التغيير مجرد انتقالات بين صيغ إنشائية ولفظية تفرضها التحولات الشكلية السياسية. تباعا لذلك، يستمر العقل العربي في كونه مساحة للوعي الثقافي العقيم والجامد اللهم حصول حركات استثنائية ينتج عنها تدمير ما هو أفضل. إنها ثقافة حدد محتواها مكر الشعور واللاشعور على السواء على مستوى مجمل سلوك الجماهير العربية. ومن هنا يرى مطاع صفدي أن الثقافة المتنورة لا توجد في التكرار بقدر ما أنها تكون دوما ثقافة إنتاج الذات؛ وفي هذه الحالة ستكون لها قدرة التأسيس الإيجابي للحراك أو الثورة. لكن هذا، في نظر مطاع صفدي، هو ما لا تحبذه الثقافة المسيطرة أو قل عرقلتها العقل من معرفة ذاته والآخر في نفس الآن ليستمر الحفاظ على الثنائية العقيمة: شرق/غرب والتي لم تؤدي سوى إلى أحد الموقفين: التقليديين: إما التماهي والانمحاء في ثقافة الآخر،وإما رفضه وبالتالي الذوبان في التراث الذي هو أساسا خارج الزمن الراهن. هذا الوضع ينتج الثقافة العاجزة عن خلق شروط تأسيس العقل المتنور القادر على التخلص من المكرر والمستعار على السواء. هذا العجز، في نظر مطاع صفدي، لا يرجع فقط إلى الظروف السيئة والقهر الذي تعانيه الجماهير، بل وكذلك إلى الفعل الذاتي العاجز عن الإقرار بسلبياته وعقمه المتمثل في التمزق بين الانمحاء في الثقافة الماضية أو الغربية دون التمكن من تحديد القفزة النوعية خارج الطرفين وبالتالي ولوج مرحلة التنوير الذي هو مرحلة التجديد والتغيير.
بناء على ما سبق يطرح الراحل مطاع صفدي السؤال:" ماذا يعني التغيير بدون التنوير؟ ". لقد تشكلت الثقافة العربية باعتبارها المجال الذي يحمل الحقيقة المطلقة؛ إنها الأيديولوجيا السائدة على مستويي النظرية والممارسة اليومية؛ ثقافة منفصلة عن الواقع أو قل أنها مجرد أحكام مسبقة يتم إلصاقها مكرا بالواقع. لذا، فالثقافة لا تحمل أسئلة الواقع بقدر ما أنها تحمل الأحكام المطلقة المتمثلة في الصيغة التالية: إما الصواب أوالخطأ ( ثنائية: إما/أو ). وبذلك، فالثقافة العربية، في نظر مطاع صفدي، هي إنشاء جمل ضد إنشاء جمل أو ألفاظ ضد ألفاظ الذي معناه إلغاء وتغييب الواقع العربي وبالتالي القيام بتجهيله ودفن حقيقته. إنها الثقافة التي ترفض التنوير لترسيخ الخرافات والمعتقدات في اللاشعور الجمعي العربي والعمل على نشرها على مستوى التداول اليومي.
والبديل، في نظر مطاع صفدي، أن شرط تحقيق الثقافة العربية التغيير يكمن في التأسيس والتكوين لإرادة أخرى للتغيير وفق قواعد التنوير؛ إنه التحدي المركزي الذي تواجهه الثقافة العربية ؛ تحدي تقوده فئات مستنيرة. فبناء ثقافة التغيير يقتضي، كما يقول مطاع صفدي، بناء برنامج عمل تلتقي حوله رواد التنوير وهي الفئات الطليعية التي لا يشترط في عملها المشترك الارتباط بأحزابها وانتماءاتها الجاهزة؛ فتشبتها بحريتها هو ما يمكنها كثقافة من اكتشاف ذاتها وواقعها وذات وواقع الآخر وبالتالي صناعة تركيب جدلي متنور بين مصير هذين التاريخين: الداخلي والخارجي لأن لكل مجتمع نهجه في تنوير ذاته. إلا أن الثقافة العربية لم تهتم بأهمية التنوير إذ ما يهمها هو اليومي المكرر والمستعار وبشكل لفظي. فالتنوير وضع غريب عنها علما بأن التنوير،في نظر مفكرنا، لم يكن نتاجا للسياسة، بل هو الذي يحددها ويوجهها والمؤهل لتصحيح أنشطتها.لذا، فنحن أمام أولوية التنوير أو ما يسميه " بالتكون المختلف "؛ فلا تغيير دون تنوير ما، وإلا انقلب التغيير إلى تحول أعمى يحكمه التخلف المتراكم في اللاشعور الجمعي للجماهير " الراكدة خارج التحقيب الحضاري ".
ولا بد من الإشارة، يقول مطاع صفدي،إلى أن هناك متنورون يفتقرون إلى صفة التنوير؛ إنها الثقافة التي لا تمارس ولا تفكر بقدر ما أنها تقوم بأدوار هي في حقيقة الأمر تضليلا ثقافيا يتخذ شكل وطرح الطوباويات من فكر وأهداف معتبرة ذلك هو لغة التنوير. والتنوير نقيض الطوباوية التي نادى بها القوميون والعلمانيون واليساريون ولإسلاميون اليوم؛ فالأهداف كانت تفتقر إلى النقلة النوعية والطاقات الكفأة لتحقيقها ، فتساقطت بذلك الشعارات الواحدة تلو الأخرى؛ فالشعارات كبيرة، والخيبات،بالمثل، كبيرة وكثيرة برأي صفدي. ومن هنا مناداة أستاذنا الراحل، بضرورة الجمع بين التغيير والعقلانية إذ ليس هناك ما يمنع من ذلك وإلا لن يعتبر تنويرا؛ وهذا معناه أن التغيير يصبح ويصير إنتاجا مجتمعيا؛ وعكس ذلك،وهو ما تتبناه الثقافة اللاعقلانية، عندما يتم إقصاء الفعالية المجتمعية. هكذا، فكوارث المجتمع العربي تكمن في الثقافة الحريصة على تغييبه عن الاهتمام بقضاياه وشؤونه المصيرية حيث وصل الوضع المتردي والمأزوم ، يقول صفدي، إلى درجة انقلب فيها الجسد ضد ذاته،أو قل درجة انتقامه من " لحمه وعظمه " المتمثل في الإعدامات والاقتتال والمذابح وغيرها كثير. بهذا الانتقام من الذات، تكون الجماهير العربية قد خسرت نقلتها باتجاه اكتساب ثقافة التنوير. ومعلوم أن هذه الأخيرة، يقول مطاع صفدي، ليست تصورا مثاليا يفرض على المجتمع بواسطة أشكال سياسوية زائفة كالاختطافات أو القمع أو غيره، بل هي احتراما للذات البشرية واعترافا بحقوقها الطبيعية والمكتسبة وبالتالي دليلا قويا على مكانة السلطة المدنية وفق قاعدة المشاركة والمسئولية أو قل المتابعة، وبمسئولية، لأنشطة أجهزة الحكم والدولة. هكذا، فالثقافة التنويرية، كما يرى الراحل مطاع صفدي، لم يعد عملها مقتصرا على العلاقة اللفظية بين الإنسان واللاهوت، بقدر ما أن اهتمامها يصبح منصبا على تحرير الإنسان والعقل العربي. لقد ردد الراحل كثيرا فكرة أن الثقافة العربية ما زالت لم تتمكن من ردم الهوة بينها وبين عصر التنوير ليستمر ضياعها في الإغراق والانتشاء بوهم الثنائيات:الذات/الآخر ،الشرق/الغرب ،الأصالة/المعاصرة وبالتالي بقيت، في كل صيغها تلك، منفصلة عن الواقع ،رافضة مبدأ التنوير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الهدم قبل البناء
محمد البدري ( 2016 / 6 / 7 - 21:24 )
ورغم كل ما قاله السيد صفدي، وهو صحيح في مجمله، فان اول خطوات الخروج من مأزق المنطقة وتورطها مع العرب هو كشف زيف واكاذيب ما يسمي القرآن الكريم. فهو كنص مسيطر علي عقول اهل المنطقة رغم ان غالبيتهم ليسوا عربا.


2 - رد
الكاتب ( 2016 / 6 / 8 - 00:27 )
شكرا لعزيزنا محمد على المرور

اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيل في شمال قطاع غزة هو الأعنف منذ إعلان خفض القوا


.. طفل فلسطيني برفح يعبر عن سعادته بعد تناوله -ساندويتش شاورما-




.. السيناتور ساندرز: نحن متواطئون فيما يحدث في غزة والحرب ليست


.. البنتاغون: لدينا بعض المخاوف بشأن مختلف مسارات الخطط الإسرائ




.. تظاهرة مؤيدة لفلسطين في بروكلين للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل