الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليسارعصري في لبنان بعيداعن الشعبوية وحلف الأقليات

فؤاد سلامة

2016 / 6 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


عند مراجعة تاريخ اﻷحزاب اليسارية التقليدية يلفت النظر التناقض الواضح بين أفكار اليسار وقيمه اﻷخلاقية التي تعلي من شأن اﻹنسان وحريته وكرامته، ورفض كافة أشكال الإستغلال والتمييز، وتأييد مبادئ العدالة وحرية الشعوب من جهة، وموقف اﻷحزاب اليسارية التقليدية المخزي بدفاعه عن الدكتاتوريات "الوطنية" والأوليغارشيات الحاكمة-المالكة في مواجهة الشعوب الثائرة المطالبة بحقها في العيش الحر الكريم والعدالة في توزيع الثروات الوطنية. هذا الموقف المعادي لحرية الشعوب عند أحزاب اليسار التقليدية يتغذى من اﻷيديولوجيا الشمولية، التي تعتبر الفرد رقما في خدمة "القضايا" الكبرى التي غالبا ما تتلخص بصراع الطبقات ومحاربة اﻹستعمار واﻷمبريالية بشكل إنشائي عمومي غير متصل بواقع غياب البرجوازيات الحقيقية وتبعية اﻷنظمة الوطنية لقوى السوق الخارجية. وهكذا يصبح شعار العدالة اﻹجتماعية أي المساواة في الفقر مبررا للقبول بمصادرة الحريات لمصلحة الخطاب القومي المعادي للأمبريالية وخطاب فلسطين كقضية قومية مجردة لا كحقيقة شعب يطمح لحياة حرة كريمة ومستقلة فوق أرضه وأرض أجداده.

بالأمس استطاع اليسار اللبناني، المستقل والحزبي، خوض معركة انتخابات بلدية في بعض المناطق يمكن اعتبارها ناجحة في الشكل وإن لم يكن في النتائج. وما كان لهذا النجاح النسبي أن يتحقق لولا سياسة تكتيل قوى الإعتراض المدني من اليسار واليمين والمستقلين في مواجهة تحالف السلطة والمال الذي يسعى لمصادرة إرادة الناس بإيهامهم بأن المعركة الإنتخابية هي لأهداف كبرى تتجاوز مصالحهم الحياتية وعيشهم الكريم. وما كان لليسار والمستقلين أن يحوزوا على نسبة تزيد عن ثلاثين بالمائة من الأصوات لولا تكتل المستقلين والديمقراطيين في مواجهة "محادل" السلطة والمال. في هذا التكتل لا يمثل اليساريون الحزبيون إلا نسبة ضئيلة وهامشية. النجاح إذن مرتبط بالإبتعاد عن الفوقية والهيمنة والتخلي عن الديماغوجية الشعاراتية بتبني برامج مدنية تنموية والتصدي للهدر والفساد. وهو لا يمكن أن يتحقق من دون تجنب كافة أشكال الإنتهازية والغوغائية التي لا تؤدي لغير تحجيم الحراكات المدنية وإضعافها بانفضاض القوى المستقة والليبرالية عنها.

لا يستطيع اليسار أن يتمدد شعبيا ونخبويا بعقلية وأساليب بيروقراطية وبالإرتباط بقوى طائفية معينة، ولا يستطيع مماشاة العصر بأيديولوجيا شمولية بائدة . كل ما يكسبه في العمل المدني يخسره في الصورة النمطية ليسار مؤيد للإستبداد ومرتكز على حلف الأقليات السيء الصيت. إذا لم تكن الأحزاب الشيوعية قادرة على القطع مع التاريخ المخزي للستالينية وإفرازاتها الدكتاتورية، فمن الأفضل للقوى الديمقراطية أن تأخذ مسافة من الأجهزة الحزبية التي تحاول ركوب موجات الإعتراض الشعبي في مسعى للهيمنة والإستثمار الفئوي. أن يبقى اليسار الشيوعي جزءا متواضعا من الحراكات المدنية هو أفضل بكثير من تصدرها الذي لا يؤدي لغيرالتفتيت والشرذمة. سياسيا ينبغي التوصل لقواسم مبدئية مشتركة بين قوى اليسار واليمين الليبرالي في لبنان تبدأ من إعتبار الإغتيال السياسي جريمة كبرى لا يجوز التورية عليها بأي شكل من الأشكال، واعتبار الإغتيالات التي حصلت بمثابة لحظة وطنية مفصلية مؤسسة لاستقلال لبنان الحديث مثلها مثل لحظة خروج العدو الإسرائيلي من لبنان تحت ضربات المقاومة الوطنية.

كما ينبغي الإنطلاق من فكرة أن التحالف المصلحي البرنامجي للطبقات الوسطى والشعبية لا الصراع الطبقي بمفهومه الشعبوي كصراع بين أغنياء وفقراء، وإصلاح النظام الطائفي القائم لا إسقاطه، هما الأسلوب الأمثل لتطوير الحراكات المدنية وإيصال ممثليها إلى البرلمان بهدف إصلاح نظام التحاصص الطائفي الذي يشل البلد وينتج دولة فاشلة. مطلوب من القوى الديمقراطية العمل على تطوير أشكال تنظيمية فعالة بهدف حشد قوى الإصلاح الديمقراطي، يمينا ويسارا، خلف أهداف واقعية، على رأسها استنهاض الجمهورية، واحترام دستورها وقوانينها، وتقوية مؤسساتها المدنية، واحتكار الدولة للقوة العسكرية، وتعزيز وتوسيع اللامركزية، والإصلاح القضائي بترسيخ استقلال القضاء عن السياسة، وبالأخص تشديد آليات الرقابة والمحاسبة المالية، وفي الأساس تداول السلطة عبر قانون انتخابي ديمقراطي عصري يسمح بالإنتخاب في مكان الإقامة، قانون قادر على ضخ دماء جديدة في المؤسسة التشريعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من دبي.. إطلاق مكتبة للتأثيرات الصوتية تساعد المصابين باضطرا


.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة




.. عبدالملك الحوثي يشعل البحر الأحمر والمحيط الهندي وواشنطن تقد


.. أعضاء الحملة الانتخابية لبايدن يؤكدون تمسكهم باستخدام تطبيق




.. صواريخ بوتين النووية تعبر الحدود .. فهل تقترب الحرب الأخيرة؟