الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل إلى السيد كمال الحيدري [1] الإمامة وصلتها بتجلي الأسماء والصفات

محمد عبد المنعم عرفة

2016 / 6 / 17
الادب والفن


أخص ما يتميز به السيد كمال الحيدري (التجرد للحق) فلا تكبّله مساوئ مذهب ولا تقيده أي حبال أو أغلال ألقت بها أمواج التاريخ إلينا.. وأكثر ما يعجبني فيه: تحرره من قبضة ما يمكن أن أسميه "صنم الروايات".. وفضيلته أكثر من يعلم مغزى تلك الصنمية وكيف أنها تشل العقل المسلم الشيعي - ربما بشكل أكثر من العقل السني - بشكل غير طبيعي.

أتوجه في البداية بالشكر والتقدير لسماحة السيد على جهوده المشكورة والمؤثرة في تحريك مسيرة النهضة الفكرية لهذه الأمة، وتخليصها من الفيروسات الخطيرة والسلاسل والأغلال التي تكبل العقل المسلم.. هذا الزبد الذي يذهبه الله جفاء بأمثال هؤلاء الصفوة والقلة القليلة من العلماء المخلَصين لله، لا يرون أنفسهم ولا وجود لهم مع الله تعالى، (كان الله ولا شئ معه وهو الآن على ما عليه كان) يدركون أنهم مظاهر لأسمائه وصفاته، فتتجلى فيهم أنواره وتظهر للناس ليطمس بها ظلمات الباطل.. يخرجون عن السياق عن الموروثات يثورون على الأوضاع القائمة، ويكسرون تلك الأصنام بفأس جدهم إبراهيم عليه السلام، لأنهم يحبون الحق ولا يعرفون غيره.. والحق هو الله.. وبقدر ما تتلاشى لديهم (الأنا) على قدر ما تكون سعادتهم وتوالي الفتوحات عليهم، وهدايا سيدنا رسول الله ص إليهم.

وعلى قدر حبي العميق لهذا الرجل المتجرد لله ورسوله وفرحي به: أحب أن أتوجه إليه بهذه الرسائل (*) آملاً أن تدعم مسيرته الإصلاحية وأن تكون له فاتحة خير ورشد وفرح بفضل الله وبرحمته.

* لماذا "تجلي الأسماء والصفات" ؟ لأن الدنيا خلقت أساساً لأجل هذا التجلي لغيب الأسماء والصفات، وهذا "الظهور" في عالم الشهادة.. هذا هو الأصل والأساس الذي يجب أن تبنى عليه جميع الأبحاث والفلسفات والتعليلات.. ولعل سبب تفوق الشيخ "محي الدين بن عربي" علمياً وفلسفياً هو ارتكازه على هذا المرتكز وتأسيس أبحاثه على هذا الأصل وهذه القاعدة الأولية. وقد سمعت السيد الحيدري يقول - نقلاً عن أحد مشايخه - أن "الملا صدرا" أسس فلسفته بناء على كتاب "الفتوحات المكية" لابن عربي، ولا شك أن العلم المؤيد بالكشف هو العلم الحقيقي (واتقوا الله ويعلمكم الله).

الله تعالى أخبرنا في القرآن أنه لا يريد الناس مؤمنين كلهم، بل يريد منهم المؤمن والكافر والمنافق وكل الألوان والأشكال، يريدهم مختلفين كما في قوله تعالى: (ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) فالله خلقهم لكي يكونوا مختلفين.. لماذا ؟ لأن الله خلق البشرية لكي يظهر فيها، لأنه لما عرض الامانة على السموات والأرض والجبال (فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان) ما هي الأمانة ؟ أنها أنوار الأسماء الإلهية.. من الذي يقدر على حملها ؟! لا يستطيع أحد ذلك إلا الإنسان (خلق الله آدم على صورة الرحمن) أي تجلى عليك بالأسماء كلها، السميع والبصير والعليم والحي والقيوم والعفو والغفور والودود والكريم الخ، أنت مظهر لها. لكن السموات، سيظهر فيها باسمين اثنين العلي والرافع، الأرض سيظهر فيها باسم الباسط والخافض، العرش ظهر فيه باسمين اثنين (رب العرش الكريم) (رب العرش العظيم) وأما الإنسان هو الذي ظهر الله فيه بالأسماء كلها، وقال رسول الله ص: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، من تحلى بواحدة منها دخل الجنة، فقال أبو بكر: أفي واحدة منها يا رسول الله ؟ قال بل فيك كلها يا أبا بكر).

فالله تعالى خلق الإنسان ليظهرفيه أسمائه، وأسماؤه تنقسم إلى:
1- أسماء جمال (70 اسم، الودود والعفو والغفور والكريم والحليم الخ) ومظهرها المؤمنون والصالحون.
2- أسماء جلال (19 اسم، المنتقم والمتكبر وشديد البطش والجبار) هذه لا تصلح للمسلم أن يظهر بها ومظهرها الكفار، فلابد أن يكون هناك كفار لكي تظهر هذه أسماء الجلال.
3- أسماء كمال (10 أسماء) ونظهرها الأنبياء والرسل والأئمة الورثة لحضرة النبي ص والأولياء الكُمل.
فلابد أن يكون هناك:
1- مؤمنون
2- وكفار
4- أنبياء ورسل وأئمة ورثة.
لابد من هذا الإختلاف لأن ظهوره يتطلب هذا، أن يظهر في هذا بأسماء وفي هذا بأسماء وفي ذاك بأسماء، فيجب أن نتأدب مع الله ونفهم هذه المسألة جيداً لأنها مهمة جداً وستحل مشاكل كثيرة.

* مظلمة أهل البيت:
أهل بيت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين هم مظاهر أسماء الكمال والجمال، ولهم القدح والمعلى في هذا، لذلك كان لابد من وقوع بلاء وظلم عليهم لكي تظهر أنوار تلك الأسماء (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) (أأطبق عليهم الأخشبين ؟ قال كلا فإني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله) وسب رجل سفيه سيدنا الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين، فجعل يلين قلبه ويحسن إليه ونزع شملة من على كتفيه وغطى كتفيه بها.. هنا تحقق مقتضى الإسم وظهرت أنواره بهؤلاء السادة.. وأما من جهِل هذا: فإنه ينحو المنحى الآخر المعروف، الذي يثير نارية النفس السبعية ويصد عن سبيل الله أكثر مما يدعو إليها ويجملها للناس.
لما وقع بطش الرومان بالسيد المسيح وأتباعه ظهرت فلسفة الفداء والصلب والكفارة تقول أن خطية آدم وبنيه هي التي تسببت في صلب المسيح ووقوع هذه المصائب الكبرى وسقوط الإنسان الخ تلك السوداوية في التفكير (لأن الإنسان لا يمكن أن يصل إلى حكمة ظهور الأسماء بعقله، فيخترع أموراً غير صحيحة) فجاء رسول الله ص وأخبرنا أن الأمر بالعكس! (والله لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم) الله يريد ظهور اسم الغفور ولذلك خلقنا هكذا، فلا تكن سوداوياً وتنشئ فلسفات مضادة للدين ثم تلصقها بالدين! (ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون).

فمظلمة أهل البيت، هذا مراد الله تعالى، لأن ظهوره معلق على ذلك، ومراده منك أن تكون صورة مجملة من أهل البيت كذلك، بأن تعفو وتصفح لا أن تسب وتلعن (ما كان رسول الله بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذئ)! وليست الرجولة والفحولة في الأخذ بالثأر واللطم والبكاء الخ، وإنما المحك هو "أن تملك نفسك كما ملكها أهل البيت"، لا أن تملكك وتكون عبداً لها وتخالف أخلاق أهل البيت وتخالف حكمة الله تعالى من خلقك وإيجادك ثم تظن أنك بهذا قد انتصرت لهم، بل هو موافقة النفس لا أكثر.

علم التصوف (ويزكيهم) مهم جداً لتزكية النفس وحل مشاكل العالم كله لا أمتنا فقط، والتراث الشيعي ملئ بذم التصوف على أساس أنه ظهر خارج نطاق الإمامية، وبالتالي فهو يوازي مدرسة أهل البيت ويصد عن سبيل الله! إن اعتقاد أن فضل الله تعالى محدود في أناس دون أناس، أو أن عطائه محظور على زمن دون آخر (كالقول بحظر فضل الله ورحمته سنة 11 للهجرة كما يقول السنة، أو 360 للهجرة كما يقول الشيعة الإمامية ) مشكلة كبيرة يجب أن نتخلص منها بأي ثمن.

* لكي نفهم أي شئ على حقيقته، يجب أولاً أن نعرف حكمة خلق العالم، ومن المؤكد أنه ليس لأجل الصلاة والحج والعبادات، لأن الملائكة كانت ولا زالت تقوم بها، فلماذا خلْق الإنسان و إخراجه من الجنة وتكليفه في الدنيا ؟
أجمع أهل الكشف وأرباب علم الحقيقة (مثل محي الدين بن عربي وأبو حامد الغزالي وجلال الدين الرومي وأضرابهم) أن خلق الله تعالى هذا العالم وأوجده ليظهر فيه، ويرى الصوفية أن الله (غيب مطلق)، خلق هذا العالم لكي (يتجلى) فيه بصفاته وأسمائه الحسنى في الإنسان وفي الأحداث، يظهر بأسمائه وصفاته في الأنفس والآفاق (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، ومفهوم الظهور هو المعبر عنه في هذه الآية وفي القرآن بشكل عام بلفظة (آية أو آيات) ومشتقاتها، وهذا أمر كبير وعظيم بدليل أنه أحد مقاصد البعثة وعلومها الخمسة (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) وَيُعَلِّمُكُمْ مَالَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) وجعل علم (تلاوة الآيات) في المقدمة وفي الصدارة، لأنه علم يدل على الله وظهوره في خلقه، في الأنفس والآفاق.

1- أما ظهوره في الآفاق فهو على قسمين:
الأول: أن يظهر في الأكوان :
يظهر في السماء باسم الرافع، وفي الأرض باسم الباسط، وفي الزهور باسم الجميل، وفي الطبيعة وفصل الربيع باسم الجميل والمحيي الخ الأسماء، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) إلى قوله: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
والثاني وهو الأهم : أن يظهر في الأحداث :
بأن يظهر اسم (الحق) ليقهر الباطل، ويسود (العدل) ويحل محل الظلم حتماً ولو بعد إمهال بلا إهمال، الخ الأسماءء الحسنى، لابد وأن تقع مقتضياتها وتظهر في عالمنا هذا، لأن هذه هي علة إيجاده أساساً.. يحدث هذا في حلقات متكررة يعيد فيها التاريخ نفسه لأن الحكمة واحدة وهي ظهوره في الآفاق، قال تعالى بعد انتهاء قصة طالوت وقتل داود لجالوت وانتصار الفئة القليلة على الفئة الكثيرة: (تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ) وظهور الإمام المهدي هو الحلقة الأخيرة من حلقات الظهور المتكررة عبر التاريخ، واقرأ قوله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) إلى قوله: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ..) وصولاً إلى قوله (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ. لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ومن خلال تدبر هذه الآيات تعلم أنه وإن كانت النبوة ختمت إلا أن الرسالة لم تختم (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) يجتبي فعل مضارع مستمر للحاضر والمستقبل، فالله تعالى يرسل الرسل وورثتهم من بعدهم، ونحن مكلفون بالجهاد معهم (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ) ثم تأتي البشرى بأن حكم الكفار والمفسدين (كيان المسيح الدجال) للعالم أمر مؤقت وزائل لا محالة (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ) ولكن لن يحصل هذا بالتواكل، ولن يكون إلا بالصبر والمصابرة والمرابطة مع ورثة الرسل بعدما آمنتم بهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

2- وأما ظهور صفات الله تعالى في الأنفس فينقسم إلى قسمين كذلك، وهما:
1- الصفات الخَلْقية: كالحياة والسمع والبصر والكلام والإرادة والقدرة والعلم، وهذه هبة ومنحة إلهية يشترك فيها كل الناس مؤمنهم وكافرهم، ولذلك وقف رسول الله ص لجنازة يهودي حتى توارت، فقيل يا رسول الله: جنازة يهودي! فقال: (أليست نفساً) ؟. فرسول الله ص والأنبياء وكمل الأولياء يشهدون المعاني لا المباني، فهذه النفس - أيا كان صاحبها - فيها أنوار الأسماء والصفات ظاهرة فيها.
2- الصفات الخُلُقية: كالحِلم والأناة والعفو والمغفرة والمسامحة والصبر والحب والإيثار والكرم والشجاعة والفتوة والنجدة الخ، وهي التي نحن مطالبون بالتخلق بها حتى نكون صورة من سيدنا رسول الله ص وأهل بيته، فهي محل التكليف والإمتحان، وبالتخلق بها يحصل معنى العبادة كما قال تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً..) الآيات، هؤلاء الذين يمتلأون بالحب والسلام والخير والإستقامة والصدق: هم عباد الرحمن، الذين تخلقوا بأخلاقه حتى صاروا صورة حقّيّة منه سبحانه، فهو غيب مطلق باطن، لكنه (الظاهر) بهؤلاء الصفوة الذين لأجلهم خلق كل شئ وسخر لهم كل شئ، وخلقهم لأجله هو، ولذلك كان إمامهم وسيدهم رسول الله الذي يمثل الصورة الكاملة والمظهر الأكمل المراد من قبل الحق تبارك وتعالى، ولولاه ما خلق الله آدم وبنيه: (ولولا محمد ما خلقتك)، بل ما خلق الله الدنيا (ولولاك يا محمد ما خلقت الدنيا) (لولاك ما خلقتُ الأفلاك).
ظهور الأسماء والصفات في الإنسان، كلٌ بحسب درجته ونصيبه منها، وأكمل بني الإنسان نصيباً منها هم الأنبياء والرسل، فهم مظاهر الأسماء وآيات الله في الأرض، ولذلك وصف الله من يقتلون الأنبياء والآمرين بالعدل والقسط من الناس: بأنهم يكفرون بآيات الله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) وتأمل قوله تعالى (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) أي أن ولادة عيسى دون أب لا تبرر تأليهه وإلا فما هو إلا مظهر للصفات كآدم، مع اختلاف أدوات الخلق (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) مايجعلك تذكر ربك وتراه في صفوة خلقه، ولذلك سمى القرآن سيدنا محمد ص ذكراً في قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا. رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) واقرأ هذه الآية مع قوله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) لأن سيدنا رسول الله ص هو المظهر الأكمل لله تعالى.
وإذا تمت نعمة الله بظهور المظهر الأكمل لله: فإنه لا يغيب مرة أخرى، وهو سر قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) يحفظ الله به الأمة الخاتمة المرحومة (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) يتنقل من صورة آدمية إلى صورة عبر الورثة المحمديين في مختلف الأزمنة، وآخرهم الإمام المُهدى "أحمد" الذي هو مظهر الذات الأحدية وليس مظهر الأسماء والصفات، وهذا هو تأويل مجئ وإتيان الرب في بعض آيات القرآن كما في قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُون) إذا ظهر الإمام المهدي وطلعت شمس الرسالة من مغربها أي مع آخر رسول: أغلق باب التوبة ولم ينفع نفساً إيمانها بعد ظهوره، وهم كل من يعارضون ظهوره ويكذبون به قبل مجيئه، ولذلك قال في الآية التالية: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) ولم يكن من قبيل الصدفة أن يرد الخطاب القرآني على منكري المهدي "المنتظر" بقوله: (قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُون) لأنه كتاب هداية، ومعد مسبقاً ليتماشى مع الأحداث بنفس المصطلحات التي في علم الله من قبل ظهورها.

ويقول الإمام أبو العزائم في (أصول الوصول): (بمعرفة معاني الأسماء والصفات وشهودها ينفي الظن والوسواس فيها، وترك التشبيه والتمثيل بها، والطمأنينة إلى اليقين بالمعرفة بمشاهدتها هو مقام الموقنين.
واعتقاد أنها صفات الله تعالى يتجلى بها وبما شاء من غيرها بلا حد ولا عدد، يظهر بصفة أي صفة كيف شاء غير موقوف على صفة، ولا محكوم عليه بصورة بلا إظهار غيرها، بل هو كيف ظهر وبأى وصف تجلى مع نفي الكيفية والمثلية لفقد الجنس والجوهرية: هو مقام المقربين من الشهداء، وهؤلاء هم الصديقون وخصوص الموقنين. فمن عدل به عن وجهة هؤلاء ولم يواجه شهادتهم عدل إلى التسليم والتصديق فيوقف عنده، فكان أمنه واستراحته.
وليس بعد هؤلاء مقام يمدح ولا وصف يذكر، فمن فتش ذلك بعقله، وفسره برأيه، دخل عليه التشبيه أو خرج إلى النفي والإبطال). اهـ

خلق الله الإنسان ليظهر فيه وليتخلق بأخلاقه، وليس لأجل العبادة بمعنى الصوم والصلاة، لأنه ليس بحاجة إليها، الله تعالى لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية، وفي الحديث القدسي: (ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا) لو أمسيتم ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم لن تنفعوا الله بشئ (يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا) ففضل الله عميم واسع لن تنفعه الطاعة ولن تضره المعصية، ولكن العبد هو الذي ينتفع بالطاعة بوقوع الثواب له ويتضرر بالمعصية بوقوع العذاب عليه.. وأما الرب فيريدك (صورة منه) حين تتجمل بجماله، فهو حليم ويريدك حليما، هو كريم ويريدك كريما، هو عفو يريدك أن تعفو عن الناس.
يقول الإمام أبو العزائم أن الله تعالى خلق الإنسان لكي يظهر فيه بأسمائه وصفاته، بحيث يكون الإنسان بمثابة مرآة يتجلى فيها جماله وجلاله وكماله العلي سبحانه وتعالى، فالإنسان يحيا بالحي ويسمع بالسميع ويبصر بالبصير الخ، ثم يزيد على هذا أولياء الله المقربين أن تظهر فيهم صفات العفو الغفور الرحيم الودود الكريم الحليم الشكور الخ، قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) قال ابن عباس إلا ليعرفوني، أي بأسمائي وصفاتي، وليتخلقوا بأخلاقي، تقول العرب (طريق معبد) أي مذلل مستوي، والعبد يكون مذللا مستوياً بألا يكون فيه علواً في كبر ولا دناءة في شهوة، بل يكون على أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وحين نذكر رسول الله لا نتذكر العبادات وإنما نتذكر الأخلاق على البديهة.. فلكي تكون عبداً لله فلابد أن تظهر عليك صفات الله وتتحلى بها، أن تكون مرآة له تظهر فيها أنواره وجماله.

فقوله تعالى: (وكان الكافر على ربه ظهيرا) أي أن الكافر ظهر بأخلاقه البشرية، ظهر بالطمع وظهر بالكذب والغش والعجب والرياء والأنانية والكبر، هذه كلها ليست صفات الحق، وأما حين تظهر عليه صفات الحق ويتخلق بأخلاق الله، كالحليم والكريم والعفو والغفور والودود: فحينئذ يكون عبداً لله، هذا هو المراد الحق من قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وليس المراد العبادة الشعائرية، المراد هو القلب السليم الذي هو محل الأخلاق الفاضلة، عندما يكون قلبك مستوياً وناعماً كالحرير ومرآتك ليس فيها صدأ ولا قذر بل نظيفة نقية : فهنا سوف تظهر فيها أنوار الله وتظهر فيها الأسماء والصفات، فتجد نفسك تحب الحلم، لأن مرآتك لما نظفت: تجلى عليها الحليم، تجلى عليها الكريم، تجلى عليها العفو الغفور الوهاب المعطي وكل الأسماء.. كلما ظهرت فيك الأسماء ونظفت مرآتك: كلما كنت قريباً من الله، لأن الله ليس له مكان ستذهب لتزوره فيه! الله منزه عن المكان منزه عن الزمان، وإنما القرب من الله تعالى قرب صفات، ذلك لأن الله تعالى غيب مطلق لا يظهر إلا في خلقه، وأكمل مخلوق له هو الإنسان لأنه ظهرت به الأسماء والصفات كلها (وعلم آدم الأسماء كلها) فشهدت الملائكة أنوار الأسماء ظاهرة في حضرة آدم لأول مرة يشهدون صورة الحق (خلق الله آدم على صورته)، لأن كل ملك لا يعرف إلا اسماً واحداً وليسوا كآدم، وهذا هو سر تكريم الإنسان وسر الأمر للملائكة بالسجود لهذه الحضرة التي بها ظهرت الأسماء كلها.. وهذا هو تأويل قوله تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا) وظلمه وجهله: أن ينسب إلى نفسه (التي في حكم العدم) ما ليس له مما جمله الله به من أسمائه وصفاته.

وكانت هذه هي معصية آدم عليه السلام.. فالأكل من الشجرة لم يكن أكلاً مادياً، ولا الشجرة كانت مادية، كشجرة تين أو كرْم الخ مما يردده المفسرون من أهل الظاهر، وإنما كانت أمر عظيم جليل، كانت شجرة الأسماء والصفات الإلهية، من الحياة والعلم والسمع والبصر والإرادة والقدرة والكلام والحكمة الخ.
يقول الإمام أبو العزائم في كتاب (الطهور المدار على قلوب الأبرار): (وقد بينت لك أن الله غرس الإنسان بيده في جنة عدنه، فالإنسان شجرة ربه، وهو السدرة التي رأسها مغروس في العرش وأطرافها مدلاة على الجنة، وتلك الشجرة التي هى صورة الحق لها ثمر هو جمالها الذي يجب أن يُحفظ لزارعها سبحانه، فإذا تجاوز الإنسان حد العبودية وتناول ما هو خاص بربه، عصى وغوى لحكمة بينت لك بعضها، فرُدَّ إلى الأرض ليرتقى إلى مقامات القرب وليتجمل بجمال الخلافة، فيكون مرآة لظهور معانى صفات ربه، وحقيقة هي مظهر لظهور صفات نفسه وهي العبودية.
واسمع وسلم إن لم تذق، فإن من حرم التسليم والذوق حرم الخير كله.. أودع الله أمانته في آدم فنسى آدم ونسب لنفسه ما ليس له فكان ما كان من ظهور سوءته ومن شدة وجله، والله غالب على أمره، قال سبحانه : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) وإن ما أكل آدم: ما فيه ما أمانه باريه. منحنا الله الذوق، وجملنا بالشوق، وحفظنا من الإنكار، إنه مجيب الدعاء) اهـ
فالأكل من الشجرة كان بأن نسي آدم ونسب لنفسه ما ليس لها، فأثبت لها وجوداً مع الله مستقلاً بذاته، وهو من ذنوب السابقين المقربين، وهو في عُرف أهل الله من الشرك الخفي ومن العظائم، ولذلك يقول الصوفية: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب، وفي الحديث (كان الله ولا شئ معه وهو الآن على ما عليه كان).

هناك نصوص غريبة ترد في الكتاب والسنة لا يفهم مغزاها علماء الظاهر، نصوص في التشبيه!
كقول الله تعالى (ألم يعلموا أن الله يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) جعل نفسه مكان الفقير الذي يأخذ الصدقات!
وقوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً) : جعل نفسه كأنه يقترض من عباده.
وقول حضرة النبي ص: (خلق الله آدم على صورته)
والحديث القدسي الجليل الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده..) ؟
لماذا يعطينا الله ورسوله هذه "الإشارات" أو قل هذه اللمحات الخاطفة السريعة والومضات النورانية هنا وهناك ؟ لأمر عظيم جلل.. لكي ننتبه ونفهم أن الله تعالى ظاهر في هذه الصورة الآدمية التي تحمل أنوار الأسماء والصفات.

* أما مسألة المهدي فيجب علينا أن نفهمها ليس من خلال تحليل سيكولوجية الشعوب المظلومة فقط كما هو منهج العلمانيين، أو من الأحاديث النبوية فقط كما هو منهج السلفيين، ولكن من خلال القرآن الكريم وأصول الدين وكلياته الكبرى وذلك حتى نصدر الأحكام من منطلق العلم والعلماء بحق حين يفهمون العقائد والأحكام من خلال الكليات والأصول لا من خلال الجزئيات والفروع، بل من خلال نظرية ورؤية متكاملة، فهناك حلقات مفقودة من الدين لم يستحضرها من يتحدثون عنه، وهناك حكم أخرى لظهوره أولى وأهم غير حكمة تحقيق العدل ورفع الظلم، بحيث تكون الأخيرة ظلاً لها، وبيان ذلك:
أن تحقيق العدل ورفع الظلم هو من ظهور الأسماء والصفات في الآفاق/الأحداث، ولكن الأهم هو ظهوره في الأنفس، وسوف يكون الظهور الأكمل النهائي في شخص الإمام المهدي، هذا الذي انشغلت به البشرية في كافة الأديان وأوصى الله كافة الأنبياء باتباعه إن ظهر فيهم، وربما قال البعض أنه من غير اللائق أن نقول الظهور الأكمل في نفس واحدة، ولكن القرآن أخبرنا أن لله نفساً كما قال تعالى: (ويحذركم الله نفسه) وكما قال له عيسى عليه السلام: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) والمؤمن يلتزم التسليم للقرآن ولكلام الله تعالى ويطرح ماسواه ولو كان متوارثاً كابراً عن كابر.. والأمم لا تتغير إلا بأفراد قلائل يخرجون عن السياق والأوضاع القائمة ويعيدون بناء الأفكار ةطرق التفكير على الوجه الصحيح..

إذا علمنا أن حكمة الخلق هي الظهور في الأنفس والآفاق، تهيأ لنا أن نفهم بالضرورة أن الظهور الكامل لا يمكن أن يكون دفعة واحدة، فكل شئ – حسب السنن الإلهية - كان تدريجياً منذ بدء الخليقة، وظهور الله في مخلوقاته – الذي هو علة الخلق – يسير حسب سنة التدرج أيضاً ولا زال يعمل ولن يزال يعمل، وكل الرسل كانوا تمهيداً للظهور الكبير في البعثة المحمدية، والبعثة المحمدية نفسها ليست إلا تمهيد للظهور الأكبر وهو ظهور سلطان حضرة الولاية الأحمدية، لذاتها أولاً، ثم لإظهار الحق والعدل ونشر الإسلام على الأرض كلها، وهو الحدث الأكبر والأعظم منذ بدء الخليقة وإلى قيام الساعة.. وبالمناسبة: الإمام اسمه (المُهْدَى) بضم الميم والألف اللينة، أي هدية الله للعالمين، وليس المَهدي، ولكن جرت الألسنة بالتسهيل.

فعقيدة المخلص المنتظر عقيدة مشتركة بين كل الأديان، لماذا ؟ لأنه مظهر الذات الأحدية، وكل الأنبياء يعلمون هذا، كلهم يعرفونه، وأهل الأديان السابقة كذلك يعرفونه من خلال التبشير باسمه في كتبهم، بل أغرب من هذا يخبرنا القرآن أنه كان يشرّع لهم الشرائع قبل ظهوره وله أتباع منهم قبل ظهوره! قال تعالى مادحاً (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) يأمرهم وينهاهم ويحلل ويحرم وهو لم يولد بعد وقبل أن يأتي. فالأمر أكبر وأوسع من إقامة عدل ورفع ظلم في آخر الزمان، المسألة مسألة مجئ المظهر الأكمل لله تعالى، ولهذا أوصت الكتب السابقة والرسل جميعاً باتباع هذا السيد الآتي في آخر الزمان والذي اسمه "أحمد" الذي به ستظهر حضرة الولاية الأحمدية ويظهر الإسلام على الأرض كلها.

النبوة ختمت لكن الرسالة ممتدة:
الأنبياء يعودون بعد انتقال حضرة النبي كي يكونوا ورثة له في مقام الولاية، حتي يتشرفوا بأن ينالوا قسطهم من الاشتراك في دعوته، بعد أن ختمت النبوة به (وخاتم النبيين)، لأن النبوة ختمت به والرسالة مازالت ممتدة وباقية في الأمة، والدليل من القران:
أولا : (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس) يصطفي بالفعل المضارع الذي يفيد الحاضر والمستقبل من الملائكة رسلا ومن الناس رسلاً.
ثانيا : (واعلموا أن فيكم رسول الله) فيكم بكاف الخطاب فيكم أنتم يامن تخاطبون بهذا القران إلي يوم القيامة.
ثالثاً: قال تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ..)
فيكم: أي في زمانكم، ومنكم: واحدا منكم، بكاف الخطاب للحاضر أي لكل من يسمع هذا القران في أي زمان يعني رسول الله باق في الأمة في الأئمة الورثة لحضرته من أهل بيته علي رأس كل قرن من الزمان، لا يخلو منه عصر من العصور.
ويتلو ويزكي ويعلم: بصيغة المضارع الذي يفيد الحاضر والمستقبل، فرسول الله باق في الأمة يتلو الايات ويزكي النفوس ويعلم الكتاب تفسيراً وتاويلاً وعلماً لدنياً.
والحكمة: هي وضع كل موجود في موضعه الصحيح الذي يريده الله ورسوله.
ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون: أي علم الغيب والتنبؤ به وهو علم الجفر.

الوراثة المحمدية والإمامة والتجديد على رأس كل قرن أصل من أصول الدين:
فلكي نفهم مسألة الإمام المهدي: يجب أولاً أن نعرف أنها نتيجة لمقدمة قبلها، وهي (الوراثة المحمدية) والأئمة المجددين الذين يرسلهم الله تعالى على رأس كل قرن، حفظاً للدين وتربية للأمة ورحمة عامة إلى يوم الدين، والهداية تبع للرحمة، ورحمة الله تعالى ليست خاصة بعصر دون عصر أو قوم دون آخرين، وقوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) يدل على أن وجوده دائم في العالمين، لأن الرحمة العامة لا تتحقق بالتعليم دون التربية والتزكية.
ولا بكون ذلك في زمن دون آخر، لأن الرحمة عامة خاتمة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وختم النبوة وعموم الرحمة يلزم منه وجود الورثة حتماً، لأن ختم النبوة يعني ختام الشرائع واكتمال الدين، والتشريع ليس هو الهدف الوحيد من إرسال الورثة المحمديين الذين يحققون مقاصد البعثة المحمدية كلٌ في وقته بحسب مقتضيات عصره، من التعليم والتربية والتزكية (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكمْ رَسولاً مِّنكمْ يَتْلو عَلَيْكمْ آيَاتِنَا وَيزَكِّيكمْ ويعلمكم..)، ولعل اللبس نتج عن فهم خاطئ لمراد الله من العبادة ومراده من الخلق، إذ يظن علماء الظاهر أن مراد الله من خلق الجن والإنس هو العبادة الشعائرية من صوم وصلاة بحسب ظاهر الآية (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، ومادامت الشريعة قد اكتملت وتم تشريع كافة العبادات: إذن فلا حاجة للرسل فقد نصحوا وبلغوا وشكراً لهم على أي حال! سنصلي ونركع ونسجد، ونسرق وننهب ويظلم بعضنا بعضاً بلا حدود! لأننا لا نجد المربي الذي ينقذنا من قبضة النفس السبعية وسطوة النفس الإبليسية وشهوة النفس الحيوانية.. هل يستقيم هذا ؟ طبعاً لا، لذلك كانت حكمة الله البالغة باستمرار الرسالة من خلال إرسال ورثة النبي ص المجددين على رأس كل قرن إمام (مِّنكمْ يَتْلو عَلَيْكمْ آيَاتِنَا وَيزَكِّيكمْ ويعلمكم) يربيكم ويزكي نفوسكم ويريكم آيات وجمالات الله في كونه، وجلاله وكماله.. والخطاب القرآني ليس موجهاً للصحابة وحدهم قطعاً وإنما موجه للأمة كلها إلى يوم القيامة، لأن رحمة الله عامة.
ولذلك -وبنفس المنطق- فأئمة أهل البيت الورثة المجددين ليسوا اثنى عشر فقط محصورين في القرون الأربعة الأولى كما يقول إخواننا الإمامية، وليس كل الإثنى عشر مجددين، وإنما الإمام المجدد منهم اثنان : الإمام جعفر الصادق والإمام علي الرضا فقط، وليسوا محصورين في القرون الأربعة الأولى دون بقية الزمان، لأن هذا خلاف صفة الرحمة العامة، كما أن المهدي ليس مخلداً وفي الغيبة الكبرى كما يعتقدون أو كمن يعتقد في الخضر، لأن هذا أيضاً مخالف لسنن الله تعالى التي خلت في عباده (ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا).. كيف جرت سنة الله في حفظ دينه وكتابه إذن ؟
من خلال أئمة أهل البيت الورثة على رأس كل قرن، فهؤلاء هم الإمتداد الطبيعي لوجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأمة، لأنه رحمة عامة لا تغيب إلى يوم القيامة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

ولا أجد – في هذا المقام – أجمل ولا أحسن من كلام الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم لبيان هذه الحقيقة، سئل الإمام:
سماحة مولانا الإمام المجدد حُجَّةَ الإسلام والمسلمين فى هذا الزمان السيد محمد ماضى أبو العزائم- قدَّس الله سرَّكم, ونفعنا الله بكم, وجعلكم وليًّا مرشدًا لطلاب العلم النافع – سمعنا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) فنرجوا من سماحتكم التكرم ببيان سر إظهار المجددين فى كل زمان، وما علاقتهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟، وما هى مآخذهم للسنة فى كل زمان؟.
فأجاب سماحته قائلاً:

سر إظهار المجددين فى كل زمان
يا بنى: معلوم أن أول الإرادة آخر العمل، وأول مراد الله تعالى هو حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وآله وسلم، وسبق فى علمه أنه حبيبه ومصطفاه، وأنه الإنسان الكلى الممد لجميع العوالم، وخلق جميع الخلائق له صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد فى الحديث بسند الإمام محمد بن سهل فى تفسيره للقرآن، يقول الله تعالى: (إنى خلقت محمدًا لذاتى، وخلقت آدم لمحمد، وخلقت كل شئ لبنى آدم..) إلى آخر الحديث.
أبرز الله الكون متطورًا أطوارًا ليعده لإشراق شمس حبيبه ومصطفاه، فكان صلى الله عليه وآله وسلم فاتحًا خاتمًا كما قال سيدنا علىِّ : (اللهم صَلِّ على محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والناصر الحق بالحق وآله).
أشرقت شمسه صلى الله عليه وآله وسلم (بالنور العام الدائم الذى لا يغيب)، لأن شمسه صلى الله عليه وآله وسلم لا تأفل، كما قال السيد عبد القادر الجيلانى رحمه الله:
أفلت شموس الأولين وشمسنا * أبدًا على فلك العـلا لا تَغْرُبِ
فجعله الله تعالى فاتحة الإيجاد، وخاتمة للرسل فلا نبى بعده، فاقتضت حكمته ورحمته وإحسانه، أن يحفظه لأمته فى أمته، فلا يزال صلى الله عليه وآله وسلم فى أمته بدليل قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) (الحجرات: 7). وبدليل قوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النساء: 83). وقال سيدنا على بن أبى طالب : (اللهم لا تخل الأرض من قائم لك بحجة، إما ظاهرا مشهورًا وإما باطنًا مغمورًا، لئلاَّ تبطل حجج الله وبيناته).
فلا يخلو زمان من الأزمنة، بل ولا يمضى قرن ويتجدد آخر، إلا ويبعث الله لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها، وهم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولولا ذلك لخفيت معالم دين الله، واندثرت آثار أئمة الهدى.
وإنما الورثة أشبه بالمرائى، فإن المرآة الأولى التى واجهت الحقيقة المحمدية، ورسمت فيها صورته صلى الله عليه وآله وسلم، لا فرق بينها وبين آخر مرآة رسمت فيها تلك الصورة، ولكن التفاوت بين الظرف والظرف لا المظروف، وبين الإناء والإناء، لا ما فيهما. والصورة لم تتغير فهى هى، وتكون المرآة بحسب زمانها، فخير مرآة تكون فى خير زمان وكلها خير، ومن أنكر هذا فقد أنكر قوله: (وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب:40).
صور تجلت وهى هى لا غيرها * زيت الزجاجة عن مثال هويتى
فأنا أنا المسموع والمنظـور بل * أنا ظاهـر نزه تذق أحديـتى
وأنا المشـاهد والمشـاهد أولاً * بل آخرًا لاحت شموس حقيقتى
وقد حصل لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم انتقاله إلى الرفيق الأعلى دهشة حيرت العقول، لاعتقادهم أن خاتم الرسل لا ينتقل، حتى مَنَّ الله على الأمة بنور العلم اليقين من الصديق رضي الله عنه فتلا آية: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (الأحزاب: 40).
هذا هو سر تجدد الورثة فى كل قرن أو قرون، وما ورد من الآيات والأحاديث فى هذا الشأن فمعلوم، وما يعترى بعض المنكرين لهذا السر، فهو من طريق قوله تعالى: (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (ق: 15)، والمجـدد المرآة لا النور، والإناء لا ما فيه، فإنه الإنسان - من حيث هو إنسان - مؤهل أن ينال من الله الخير والفضل العظيم الذى ناله الأطهار من أوليائه، والأخيار من الصديقين.
وما من زمان إلا وتتجدد فيه أحداث لم تكن على عهد السلف، وتظهر فيه شؤون تقتضيها سعة العمران، ولما كانت تلك الأحداث والشؤون لابد وأن ينظر إليها بعين الشريعة ليثبت حكمها من حيث الحلال والحرام، والندب والكراهة، والوجوب والمنع، كان لابد لكل زمان من أفراد يصطفيهم الله لنفسه فيفقههم فى دينه، ويلهمهم الصواب فى القول والعمل، ويقيمهم مقام رسله صلوات الله وسلامه عليهم، فتنطوى النبوة فى صدورهم، إلا إنه لا يوحى إليهم.
ولذلك نظائر فى الأمور المحسوسة: فإنا لو عرضنا أمراض هذا العصر على ابن سينا وابن بختيشوع وغيرهما من كبار الأطباء لجهل هذا المرض ولما علم له دواء، فكما أن الله سبحانه يحدث فى كل زمان أطباء للأشباح لطفًا بالخلق، ورحمة بهم، فهو سبحانه أرحم الراحمين بعباده فيجرد لهم رجالاً يستنبطون الحكم على كل حدث حدث، أو شأن تجدد، وهم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سر قـوله صلى الله عليه وآله وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء) . ومعلوم أن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، وإنما ورثوا نورًا وهدى، والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ما هى مآخذ المجددين للسنة؟
عقيدة كل مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، وهذا الأصل يقتضى أن يكون كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم جامعين لبيان الأحكام المتعلقة بالشؤون التى تحدث فى كل زمان ومكان، بحسب ما يعترى المجتمع الإسلامى من الأحوال التى تحدث من غير أن يسبق لها نظير.
ومعلوم أن تلك الحوادث - بحسب أهميتها - تشغل قلوب المجتمع، فقد تقوى تأثيراتها حتى يألفها المجتمع ويتلقاها الأبناء عن الآباء معتقدينها دينًا، ومثال ذلك ما حدث فى الدولة العباسية من البدع كالقول بخلق القرآن، وتغيير المنهج الذى كان عليه من قبلهم فى تلقى عقائد التوحيد، حتى حصروها فى مواضيع، وجعلوا طريق تحصيلها العقل، وجعلوا لذلك أسسًا حكموا أن من لم يحصلها غير مؤمن، وهى من شر البدع.
وما حصل بعد ذلك من البدع المضلة من تفرقة المجتمع وتعدد الخليفة، ثم عظم الأمر، حتى صار الحكم بالهوى وهجر القرآن والسنة، وتساهل المسلمون حتى غيروا أحكام الشريعة الغراء بقوانين ونظمات، فأصبحت السنة بدعة منكرة، والبدع المضلة سننًا مقبولة، فانحلت عقدة التعصب للدين، وتمزقت دعائمه، وأصبح المسلمون كما يعلم من شهد الماضى والحاضر، شهد الماضى بدراسة أخباره، وشهد الحاضر بالمعاينة. كل تلك الحوادث والشؤون، لا يخلو منها مجتمع فى كل زمان.
ومقتضى أن رسول الله خاتم الرسل يثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يمت بصفته رسول الله، بل ينبغى أن يعتقد حق الاعتقاد أن النبوة والرسالة باقيتان ما بقى الحدثان (الليل والنهار) قال سبحانه وتعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).
كذلك تفضل الله تعالى على عباده الذين بشرنا بأنهم خير أمة أخرجت للناس أن يجدد لهم أمر دينهم كلما خفيت محاجه أو سُتِرت حُجَجَه، ولا يكون ذلك إلا بواحد من المسلمين يتفضل الله عليه بفقه دينه وعلم الحكمة فى أحكامه، وسر أحكامه، ويمنحه لسان البيان، ويلقى عليه محبة منه سبحانه.
وفضل الله تعالى لا يخفى على ذى بصيرة، وإن كانت شمس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خفيت على الخفافيش من الناس، فالقائم هذا لا يضره إنكار أهل الجهالة عليه، ولا يضيره منهم عدم الإقبال، فإن أعداء الحق فى كل زمان ومكان أكثر من أحبابه.
ومآخذ المجددين للسنة فى كل زمان من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهدى أئمة الهدى من السلف الصالح، وإنما اللبس حصل لأهل الجهالة لأن أحكام الزمان الذى هم فيه مغايرة لأحكام ما قبله.
والأئمة المجددون ليس لهم رأى ولا هوى ولا حظ إلا فيما يرضى الله تعالى ويرضى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بقدر النور الموهوب لهم من الله تعالى.
وهنا أنبهك أيها الأخ الراغب فى نيل الحسنيين، أن تكون محافظًا على الموازين فيما سبق الحكم فيه مما هو فى الكتاب والسنة، فإذا تكلم المجددون فيما حدث بعد ذلك مما لم يسبق له نظير من الحوادث فعليك أن تقبل، معتقدًا أن عبارة المجددين فوق شهودك، لأنهم يقتبسون من مشكاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو مما وقر فى قلوبهم من نور الإلهام، أو من الأخذ بالعزائم بعد طمأنينة القلب، وصفاء جوهر النفس، وكمال الإخلاص لله، وليس بإمام من خالف صريح الكتاب والسنة، أو خالف عمل أهل الإجماع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. اهـ

ويقول السيد محمد علاء الدين أبو العزائم:
لما كان رسول الله (ص وآله) خاتم الأنبياء حفظه الله في أمته بورثته من العارفين بالله الذين أظهرهم الله تعالى ليجددوا للناس أمر دينهم وليقيموا حجج الله وبيناته، ولما كان (ص وآله) هو الشمس التي أمدت الناس بنورها قبل ظهوره، بدليل قوله تعال: (وَإِذْ أَخَذَ اللّه مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ) إلى قوله تعالى: (قَالواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدواْ وَأَنَاْ مَعَكم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) وهو (ص وآله) الشمس التي أشرقت بأنجمها المضيئة في الكون بعد رفعه إلى الرفيق الأعلى هم الورثة والعارفون بالله، فجعل الله لكل زمان أئمة إلى الخير وخصوصا في آخر الزمان بدليل ما ورد في موطأ الإمام مالك قوله (ص وآله): (واشوقاه لإخوانى الذين لما يأتوا بعد)
فوجود هؤلاء الورثة من كمال عناية الله بأحبابه، من قاصديه وطلابه، أن يقيم لهم في كل عصر دليلا عليه، وسبيلا موصلا إليه، هو رجل من جنسهم حتى يألفوه، ومن عشيرتهم حتى يعرفوه، ظاهره صورة بشرية، على أخلاق ربانية، فيبلغهم محاب الله ومراضيه، ومواطن سخطه ونواهيه، ويذكرهم بما شهدوه، من أوصاف الجناب الذي قصدوه، فيصير الغائب الموصوف، مشهود للقلوب معروف.
ومن حجبته الكثائف الظلمانية، في بيداء الصفات الإبليسية فقال: أنا خير منه، أو قال: إنما أنت بشر مثلنا، فقد باء بالحرمان، وتوالي المخاوف بعد الأمان، فالرجل المُقام لبيان المقام، هو محل الابتلاء والامتحان، ومعرفته ومتابعته هي المعيار، وهي الفارق بين أهل الجنة وأهل النار، قال تعالى: (إِنَّمَا أَنتَ منذِرٌ وَلِكلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (الرعد: 7)، فلما سئل عنها النبى (ص وآله) قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) وقال تعالى: (ثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) (فاطر: 32)، وقال تعالى: (يَوْمَ نَدْعو كلَّ أنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (الإسراء: 71)
يقول الإمام أبو العزائم :
مَنْ غَيْرِنَا فِي عَصْرِنَا لاَ تـكْشَفَـنْ * إِلاَّ لَـنَا وَبِـنَا بِسِرِّ الْوَالِى
هِيَ خَمْرَةٌ مِنْ (هَلْ أَتَى) دَارَتْ عَلَى * أَهْـلِ الْمَكانَةِ مِنْه لِلأَنْجَالِ
هِي مَنْ يَمِـيِن محَـمــَّدٍ لِخوَيْدِمٍ * وَأَنَا أنَاوِلهَا نَعَـمْ لِرِجَـالِي

ويقول الدكتور أحمد بحيري: ولذلك فالزكاة الآن ليست زكاة، لو كنا نخرج الزكاة على الصورة التي شرعها الله لما كان هناك فقراء ولا محتاجين ولا شباب ضائع، إن حياتنا كلها صدقات، لأن مصرف الزكاة يصرف لبيت المال، والنبي ص أو وارثة القائم هو الذي يتصرف وليس أنا من يتصرف، وإنما بيت مال المسلمين هو الذي يفحص أحوال المسلمين والمجتمع الإسلامي، زكاة المليار ونصف مسلم المبعثرة شذر مذر شرع الله أن تصب في مصب واحد هو الرجل الفرد في زمانه سواء كان رسول الله أو ورثته من بعده، فيقيم مشاريع عملاقة ويوظف ويزوج الشباب، ينفق على التسليح والبحث العلمي، يقيم سوقاً إسلامية مشتركة وحلفاً عسكرياً إسلامياً عالمياً.. الخ ما هنالك، إذن نحن سائرون على خلاف منهج الإسلام والأمر فوضى.. ما نسميه زكاة ليس إلا علاقة مباشرة بينك وبين المتصدق عليه (وسواء أنفقها على الدخان أو المخدرات أو كان لصاً من لصوص الجمعيات الخيرية، أو كان محتاجاً حقاً): إذن فهي صدقة ليست زكاة.. وأما الزكاة تذهب لحضرة النبي ص (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم).
فإن قال قائل: أين حضرة النبي ص ؟
قلنا: جعل الله على رأس كل مائة سنة وارث لحضرة النبي ص، حينما تتعامل معه فكأنك تتعامل مع سيدنا رسول الله، وحينما تكون في معيته تكون في معية سيدنا رسول الله ص، وإن كنت خارجاً عن معية هذا الإمام فأنت خارج عن معية حضرة النبي ص.. ولذلك إن اختبرت أحوالنا ستجد أننا خارج المعية المحمدية: (محمد رسول الله والذين معه) من هم ؟
(أشداء على الكفار) هل نحن أشداء على الكفار ؟ نحن نزيد دخل اليهود ونشتري بضائعهم لكي يضربوا إخواننا في فلسطين والعراق وكل مكان! أين الشدة على الكفار ؟ أنت ضعيف مع الكافر بل تقويه على أخيك المسلم!
(أذلة على المؤمنين) : هل أنت ذليل على المؤمنين ؟ أنت لديك كبر في رأسك على أخيك المسلم المسكين يكفي العالم كله.
نحن مسلمون اسما فقط، ونردد: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهو لم يشهد الله ولا رسوله، ولن يشهد شيئاً ولن يرى شيئاً، لأنه محجوب بنفسه، محجوب بدنياه، محجوب بهواه، محجوب بمتعه وشهواته، محجوب بحظوظه، محجوب بأي شئ إلا الله! وإن ترقى قليلاً سيكون محجوباً بالجنة والنار، يريد أن يفر من النار إلى الجنة، فيجعل ربه مطية (كوبري) يعبر عليه لينال مراده أيضاً!! وقد عاتب الله هذين الصنفين (أهل الدنيا وأهل الآخرة) عاتبهم في القرآن فقال (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)، أي أنني خلقتكم من العدم وسخرت لكم الكون وأنزلت أسمائي وصفاتي التي تعيشون بها (الحي والسميع والبصير والعليم والحكيم) هل تعيشون إلا بها ؟ من أنت! هل تعيش إلا بأسمائي وصفاتي التي تتمتع وتتنعم بها وتقترف المعاصي بها ؟! بدلا من أن تستعملها كما أمرتك، تستعملها كما أردت أنت! أوامرك فوق اوامري، وشرعك فوق شرعي، وحكمك فوق حكمي، جعلت نفسك إلهاً عليّ ولست عبداً لي.

خاتم الأئمة الوراث المحمديين الذي سيكون من نسله الإمام المهدي
قال رسول الله (صلي الله عليه واله وسلم): (لو لم يبق من عمر الدنيا إلا يوماً واحداً لأطال الله ذلك اليوم حتي يبعث الله رجلاً من أهل بيتي، إسمه يواطئ اسمي، واسم أبيه يواطئ اسم أبي، واسم أمه يواطئ اسم أمي، شبيهي في الخلقه والخلق وهو، لا يخطئ سنتي أبداً، يملأ الأرض عدلاً ونوراً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً) وبعض الروايات لا تذكر "اسم أمي" ولكن هناك روايات صحاح تقول "يواطئ اسم أمي" أي السيدة آمنة أم سيدنا النبي صلي الله عليه واله وسلم.
ويعتقد الكثير أن هذا الحديث ينطبق علي صاحب الولاية الكبرى الأحمدية وهذا خطأ، وإنما انطبق هذا الحديث علي جد صاحب الولاية الكبرى الأحمدية، وهو خاتم الورثة المحمديين الذين بدايتهم سيدنا الإمام علي، وفي وسطها بداية من سيدنا الامام الحسن ريحانة جده وفردها سيدنا الامام الحسين الصورة الكاملة لجده وأبو االأئمة، ومروراً بالسادة الائمة جعفر الصادق الامام المجدد في زمانه، والامام المجدد في زمانه علي الرضا ونهايتهم السيد محمد بن "عبد الله" بن "آمنة"، والسيد "عبد الله" ينتسب إلي سيدنا الحسين والسيدة "آمنة" تنتسب إلي سيدنا الحسن.. فهو حسني حسيني النسب ينتسب إلي سيدنا النبي صلي الله عليه وسلم.
وقد ظهر هذا في مصر، وهو السيد محمد بن عبد الله بن آمنة، (شبيهي في الخلقة والخلق وهو، لا يخطئ سنتي أبداً، يملأ الأرض عدلاً ونوراً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً) وهذا الحديث انطبق علي المجدد السيد محمد ماضي أبي العزائم. وبعض الناس تطلق علي نفسها الامام المجدد وهذا خطأ كبير لان الامام المجدد اسمه محمد واسم أبيه عبد الله (من ذرية الامام الحسين) واسم أمه آمنة (من ذرية الامام الحسن).
ولقب "ماضي أبي العزائم" أخذه كنيةً من حضرة النبي صلي الله عليه وسلم في رؤيا منامية وهو ابن عشر سنوات، فجاءه سيدنا رسول الله صلي الله عليه والهوسلم ومعه سيدناالامام علي وأعطي حضرة النبي سيفا للإمام أبي العزائم (السيد محمد بن السيد عبد الله بن السيدة آمنة)، وقال له : يا بني! اقتل هذا الشيطان.. والشيطان في صورة عبد اسود غليظ الخلقه ينام علي الأرض علي وجهه، فضربه الإمام ضربة واحدة، ففصل رأسه عن جسده، فكبّر سيدنا النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وكبر سيدنا الإمام علي عليه الصلاة والسلام، وكبر الإمام السيد محمد بن عبد الله بن آمنة، فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأفاض عليه هذا اللقب: أنت يا بُنَيّ محمد الماضي أبو العزائم، وسماه بهذه الكنية فهذه كنيته.
يبقي شئ في الحديث لم يتحقق مع الإمام السيد محمد ماضي أبو العزائم (يملأ الأرض عدلا ونورا بعد أن ملئت ظلما وجورا) فالإمام السيد محمد ماضي أبي العزائم انتقل إلي الرفيق الاعلي سنة 1937 كما اخبر الحديث فهل هناك خطأ ما ؟ لا ليس هناك خطا ما.. فسوف يأتي رجل من ذرية هذا الإمام وارثاً له، هو الذي يملأ الأرض عدلاً ونوراً، وأعمال الذرية تلحق بالآباء والأجداد قال تعالي (ألحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء).

ويقول السيد محمد علاء أبو العزائم : معرفة هؤلاء الورثة سبب لفهم كلام الله تعالى وكلام رسوله، وتعلم ما لا يعلمه الإنسان بالدراية وطول الدرس قال تعالى: (وَيزَكِّيكمْ وَيعَلِّمكم) ولم يقل تتعلمون منه، فلم يحصل للمتعلم جهداً، لأنه تعليم ذات لذات، بلا أسباب ولا أدوات، يقول الإمام أبو العزائم:
خـذوا منْ عِبَارَاتِي بِقَدْرِ مَبَانِيهَـا * وَخَلّوا لأهْلِ الـذَّوْقِ سِرَّ مَعَانِيهَا
فَفِيـهَا مِنَ الأَسْرَارِ مَا لَيْسَ يكْشَفَنْ * وَقَـدْ خفِيَتْ أَسْـرَارهَا وَمَبَادِيهَا
يَــذوق عِبَارَاتِي مـرَاد لحِضْرَتِي * وَيَشْهَد أَسْرَارِي فَتًى قَدْ فَنَى فِيهَا
وَلَيْسَ لِسَانِي نَاطِقًا بِـعِبَارَتِي * وَلَكِنَّهَا نـورٌ يـفَـاض بِبَارِيهَــــا

______________________________________________
(*) هذه الرسائل تعبر عن فهم الكاتب لعلوم الإمام محمد ماضي أبو العزائم التي ينتمي إليها ويعد أحد أبنائها، وتلقاها الدكتور أحمد بحيري أبرز رجال الدعوة العزمية حالياً.. للتواصل 00201000617901








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في