الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل إلى السيد كمال الحيدري [2] استفت قلبك

محمد عبد المنعم عرفة

2016 / 6 / 18
الادب والفن


خلق الله تعالى الإنسان ليظهر فيه وليكون مرآة له وصورة تظهر فيها أنوار أسمائه.. ومن ظهرت فيه الأسماء دخل جنة الدنيا العاجلة (طبتم فادخلوها خالدين) أي استويتم فادخلوا جنة الدنيا، وهي جنة معرفة الله، أو جنة الرضا، أو جنة المحبة، أو جنة العلم، كل هذه جِنان، كلما اتصفت بصفات الحق كلما دخلت جنات الحق، والحق جناته كثيرة.. وهي جنة عاجلة وجنة آجلة (هم فيها خالدون) أي طيلة حياتهم في الدنيا والآخرة ولم يقل خالدون في الآخرة، فمن تخلق بأخلاق الله دخل الجنة، ومن عاش هنا في الجنة عاش هناك في الجنة، ومن عاش هنا في النار عاش هناك في النار، نفس المعيشة هي هي (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) ماهو هنا فهو هناك، الصورة واحدة، الإنسان يبعث على ما مات عليه، والإنسان يموت على ما كان عليه، ما كان في نفسك تموت عليه، وما مت عليه ستبعث عليه، لا أحد يتغير أحد ولا يتبدل، الموت لا يغير النفوس ولا غيره إلا العلم والإتباع والرياضات الروحية والتزكية والتربية على يد مربي على يد خبير قرآني يأخذك من الظلمات إلى النور، من الجهل إلى العلم، من البعد إلى القرب، فنحن لم نأت هنا إلى الدنيا عبثاً وإنما لأجل امتحان.. ما هو هذا الإمتحان ؟ شئ بسيط وهو: إظهار ما هو كامن مكمون في أسرارك التي لم يطلع عليها إنسان.. ما الذي يترجم ويُظْهِر ما هو مكنون في أسرارك ؟ إنه النية.. النية هي التي تبين ماهو في سر كل إنسان منا، ولذلك خلق الله الدنيا وقام بعمل هذا البرنامج كله لكي يخرج المكنون داخل النفوس، ولكي يظهر كل واحد منا على حقيقته، الحق: حق والباطل: باطل، النظيف: نظيف والقذر: قذر.. يظهر في صفاتك في معاملاتك، في سلوكك، في مودتك للناس، في حبك، في أنانيتك، في كل ما يطرأ عليك من تغيرات ومن أفعال ومن سلوك ومن أخلاق ستظهر عليك حتماً، فإما ناجح وإما راسب (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة).

وقد سبق القول بأن الأمانة التي حملها الإنسان هي أنوار الأسماء الإلهية، وهي الشجرة التي أكل منها آدم وحواء، وليست شجرة كرم أو تين كما في روايات تفاسير السنة والشيعة. وهذا أعتقد أن مسلمة أهل الكتاب نقلوه إلى تراثنا من الأناجيل التي أن المسيح عليه السلام صادف شجرة في طريقه فلعنها وكانت إما شجرة تين أو شجرة كرم، على روايتين، مع أن التوراة ليس فيها هذا السخف، وإنما ورد في سِفر التكوين أنها شجرة المعرفة. والحقيقة أنها شجرة الأسماء والصفات الإلهية (خلق الله آدم على صورته) (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) لهذه الصورة التي تحمل أنوار الأسماء في حين أن الملائكة لا يعرف كل منهم إلا اسم واحد، فسجدوا لتلك الحقيقة النورانية الجامعة المسماة بآدم.

معظم الروايات المنقولة عن أهل البيت لم تصدر عنهم
وهنا ملحوظة غاية في الأهمية: الروايات السخيفة التي تعمل على تسطيح الحقائق الإلهية وربما تصور الإسلام أقل روحانية من المسيحية (فهم عندهم شجرة المعرفة ونحن عندنا شجرة العنب! ولا حول ولا قوة إلا بالله) هذه الروايات - وأتحدث عنها بشكل عام - لو صدرت عن أهل البيت بحق لكانت تفيد علماً حقيقياً يفيد جوهر النفس وينيره ويزكيه ويرقي الإنسان في مدارج المعرفة بربه بعد معرفته بنفسه.. وهذا ما أفاده تفسير الإمام أبي العزائم حين قال: (وإن ما أكل آدم ما فيه من امانة باريه) الخ كلامه المذكور في المقال السابق. وذلك لأنه إمام مجدد وارث لحضرة النبي ص، وأما الروايات التي تقول أن الشجرة كانت شجرة مادية، وتفسر كل شئ تفسيراً ظاهرياً مادياً: فهذه صدرت عن قلب مادي غير مؤيد بالكشف وغير ممدود على الأقل من أهل البيت عليهم الصلاة وأزكى السلام.. وعليه: فإن هذه الروايات لا يعتمد عليها في تلقي الدين وفهم مراد الله تعالى وتزكية النفس ومعرفة الله وكيفية اتباع رسوله ص وورثته.

ولابد أن تجد تفاوتاً وصراعاً بين نور العقل وبين كثير من تلك الروايات، وأسئلة كثيرة ليست لها إجابات..
وعلى سبيل المثال: اعتبار أهل البيت في خبر كان، وأنهم في غيبة عن مواقعهم المفترض أن يتبوأوها (والغائب في حكم العدم لا تعليم ولا تربية ولا قيادة ولا أي شئ على الإطلاق/ فهو في حكم العدم)، وهذا الإعتقاد بالغيبة يرده كتاب الله تعالى وسنة رسوله ص - للأدلة المذكورة في المقال السابق - ويرده العقل بالإضطرار، ولا نذهب بعيداً، فسماحة السيد هو أدرى الناس بـ (برهان اللطف) وأنه يستحيل على الله تعالى أن يترك خلقه هملاً (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) وغيرها من الآيات.. فأين هذا مع قولهم بالغيبة الكبرى كل هذا الزمن دون أئمة ورثة يجددون ما اندرس من معالم الدين؟!!

وربما يقول قائل:
* وهل يمكن أن يظهر الأئمة الورثة من "أهل السنة" في تلك القرون الخوالي ؟
- يظهرون من الصوفية بالطبع ولم لا !! أليس الصوفية هم المعنيون بالله وحده ؟ تاركين لأهل الدنيا - عالمهم وجاهلهم - الجمل بما حمل ؟!! ما الغريب في هذا ؟!! نعم منهم يظهر العلماء الورثة المحمديون والأئمة المجددون الذين بهم يبقى أهل البيت حاضرون في هذه الأمة حتى تقوم الساعة، ومن عرف أهل البيت بالنور لا بالحقب الزمنية: لم يستغرب هذا ولم يستبعده.
ثم أنت نسبي (نشأت في بيئة معينة نسبية، وعلمك نسبي ونظرك جزئي وعلمك جزئي) والله مطلق! الله كلي، فلا تحكم عليه بما ترى أنت يا عبد، لأن الله له شؤون أخرى خارجة عن نطاق تصورك وتفكيرك ربما لا تخطر لك على بال وربما مات علماء كبار وعارفون وشهداء ومصلحون وهم لم يهتدوا إليها ولم تخطر لهم على بال كذلك.. وكل له مقام معلوم وهم درجات عند الله.
* وماذا عن الروايات ؟
- لا تفيد علماً.. كبر عليها أربعاً
* فعلام أتكئ ؟!
- قول النبي ص: (استفت قلبك ولو أفتاك الناس وأفتوك) وأما رضوخك للروايات مع عدم اطمئنان قلبك، فهذا جرم سوف يحاسبك الله عليه، لأن النبي ص لم يوص بالروايات في حديث الثقلين، وإنما هذه الهستريا وحمى الروايات إنما هو بدعة.
* وماذا عن اعتقاد الإثنى عشرية بأن أهل البيت حكر عليهم طيلة هذه القرون وأن الآخرين ليس لهم نصيب من أهل البيت إلا أن يؤمنوا بالإثنى عشر ؟
- كل طائفة أو أهل مذهب أو أصحاب دين: يجزمون ويقطعون، ولكن المعيار يتمثل في (اليقين القلبي) وووجود برْده عند الإجابة على كل الأسئلة المثارة واقتناع القلب والعقل بها.. هنا يقطع المرء بأنه على الحق الخالص، وهذا لا يكون إلا مع الإمام الوارث (وهو الإمام أبو العزائم في عصرنا هذا) وأصحابه.. وأما من عداهم فهو يملك جزءاً من الحقيقة يقاتل عليها، وليس مكلفاً بأن يكون رأساً وإنما أن يكون عبداً متبعاً لرسول الله وعترته أهل بيته ((عملياً))، (وهنا المحك ومحل الإختبار) وليس برواية الروايات عن أموات يعتقدون أن أهل البيت أموات كذلك... فأين الله يا أخي! أين مظاهره، أين أنواره وتجلياته في حياتنا ؟!

يقول السيد محمد علاء أبو العزائم: أتفق مع السلفية في زعمهم أننا في جاهلية، ولكني أقول هذا لكي أصلح أحوال الأمة، واما هم فيقولونها لكي يكفرون ويقتلون المسلمين. اهـ وهذا صحيح.. نحن في جاهلية وضلال بعيد جداً لا يُتصور، وكم من التعقيد والبلبلة! مع أن الحق واضح لأهل الصدق والوضوح والفطرة، لا يحتاج إلى كثير كلام أو شرح.. فالله له مظاهر لا تأفل ولا تغيب، والإنسان - كما يقول السيد علاء أبو العزائم - أول طريقه نور وأوسطه نور آخره نور، ولكنه يأبى إلا أن يغمض عينيه ويعيش في الظلمة.

النصارى فلسفوا مأساة بطش الرومان بالمسيحيين الأوائل كالتالي: أن الخطيئة توجهت إلى الله، فلابد من وقوع العقاب، لأجل القداسة التي لا تُمس، فلم يكن هناك إلا خيارين: إما التنكيل بالبشرية كلها أو أن يحمل خطاياها ويفديها ابنه الوحيد بأن يذبح على الصليب!! هكذا فلسفوا الأمسألة وكان المعصية وقعت قسراً بغير إرادة الله وبغير إذنه! وكأن الله تعالى تضره المعصية، وكأنه وكأنه.. هذا الكلام الفارغ سببه أنهم لا يعرفون الله مثلما عرفنا به رسوله الكريم المعلم الأكبر ص، وليست لديهم الرؤية الكلية التي لدينا.. فمعرفة الله عزيزة جداً وأندر من الكبريت الأحمر(1)، ولكن الله أكرمنا بفيوضات وعلوم كبرى من خلال هذا النبي الرحمة المهداة، فالحمد لله على نعمته الكبرى، لكن الواجب هو شكر هذه النعمة وفهمها وعدم الكفر بها وإنكارها والقول بزوالها سنة 11 هـ أو سنة 360 هـ أو أي سنة كبيسة مشئومة، وهذا لم يحدث أصلاً لأنه مخالف للحقائق الأولية عند أهل الله وخاصته، لولا وطأة الموروثات والروايات.

وهنا أمر مهم: أن هذه المسألة أمر خفي غير ظاهر، هل يستطيع إنسان أن يجزم أن الله قطع نوره حقاً في سنة كذا وكذا ؟ لأننا اتفقنا أن الغيبة والعدم لهما نفس الحكم، فالنور انقطع بهذا - وحاش لله - لنكن واقعيين وصرحاء في التعبير دون لف ودوران، فالمؤمن مباشر صادق مستقيم.. لا يجزم أحد بهذا من خلال الروايات أو التواتر المعنوي المزعوم، لأن هناك تواتر معنوي آخر عند الصوفية يقول بأن النور مستمر لم ينقطع، ويبقى أن الصوفية أهل حقائق وكشف وليسوا أهل روايات.
ومن أراد أو اختار شيئاً فإن الله ييسره له، فمن أراد الإنتصار لنفسه ومذهبه على حساب قلبه وعقله: فإن الله يمكر به، ومن اختار الحق واهتدى زاده الله هدى.

عودة المسيح
الناس تعتقد اعتقاداً عقلانياً أن السيد المسيح الذي رفع منذ أكثر من ألفي سنة سيعود وهو يبلغ من العمر ألفي سنة ! وعلي حسب ما يظهر: هذا لا يحدث.
فالأرواح لم تدخل في الأجسام والأشباح، لأن الجسم محدود فكيف يستوعب الروح وهي نفخه الله نفخه نورانية إلهية التي بها الأسماء والصفات الالهية التي ميزت بني آدم، قال تعالي (فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين) فسجود الملائكة لأبينا ادم (عليه السلام) لم يكن لآدم كشخص ولكن لنفخة الروح فيه، فإذا سويته: لم يقل فقعوا له ساجدين مباشرة ولكن قال (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) فالنفخة هي التي لها السجود.

ولذلك نقول إن الأرواح موجودة في عالم الأرواح في "الصُوْر"، وكل روح تعرف الهيكل المنوطة به التي تباشره، فعندما تباشر الروح هذا الجسم علي الأرض يتولد في هذا الجسم صورة من الروح تدير هذا الجسم وهذا الهيكل اسمها النفس، والنفس هي التي تفعل كل شئ، والروح تمد النفس، ولذلك النفس هي التي تزهق عند الموت أو الوفاة (كل نفس ذائقة الموت) قال النفس ولم يقل الروح، لأن الروح لا تموت لأنها ليست موجودة في الهيكل ولا الهيكل يحدّها.. نفرض أن الله يريد أن يُرجِعَ شخصاً مرة أخري، كفرعون مثلا.. كان موجوداً أيام سيدنا موسي في الرسالة، ورجع فرعون فهو موجود الآن، وكل زمن فيه فرعون.. والمسالة أن روح فرعون تباشر هيكل مناسب لهذه الروح علي الأرض، فتتولد في هذا الهيكل نفس فرعونية، ولو أراد الله أن يرجع سيدنا نوح مثلاً: يأتي بهيكل من أهل بيت سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولي كبير، فيكون صاحب السفينة في الرسالة هو صاحب السفينة في الولاية، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (اهل بيتي فيكم كسفينة نوح)، وروح سيدنا نوح في "الصُوْر" تباشر هذا الهيكل أو هذا الجسم فتتولد في هذا الجسم نفس سيدنا نوح (عليه السلام)، وسيدنا إبراهيم كذلك وسيدنا موسي كذلك وسيدنا هارون وسيدنا عيسي كذلك وسيدنا الياس كذلك، وسيدنا النبي حاله خاصة.. لأن الحضرة الأحمدية هي الأساس الذي يدير هذا الهيكل ولها أسرار لا أستطيع أن اكشف عنها.

سيدنا نوح كان منذ عشرين ألف سنة، وعندما يرجع هل سيرجع وعمره عشرون ألف سنة ؟!! ماذا سيفعل في مقام الولاية ولي عمره عشرون ألف سنة! لا يقدر أن يقوم بأي عمل ولا أن يبلغ دعوة، وإنما: روحه تباشر هيكلاً (أي جسماً) من أهل بيت سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تتولد فيه ولاية سيدنا نوح ويكون هو صاحب السفينة، ولذلك قال ربنا (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين علي أن نبدل أمثالكم) فيجعل الله الأرواح وهي في عالمها تباشر الشخص وهو في بطن امه كما بين حضرالنبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن احدكم ليجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ومثلها علقة ومثلها مضغة، ثم يُنفخ فيه الروح) فتباشر الروح المرء، فيتولد فيه نفس، وتظل فيه حتي ينتهي أجله، فعندها تزهق النفس (كل نفس ذائقة الموت)، وفي الآية الثانية (وإذا شئنا بدلنا أمثالكم تبديلا) يبدل الله أمثالنا كثيراً وينشئنا نشآت عديدة لانعلم عنها شيئاً، و (تبديلاً) هنا مفعول مطلق، أي يمكن أن يبدلك مرةً أو اثنين أو ثلاثة إلي ما شاء الله في كل عصر، يأتى منك عدة نُسَخ، فتكون مع الأنبياء في البداية ومع الأولياء في النهاية.

و"إيليا": هو "إلياس" المذكور في قوله تعالى: (وإن إلياس لمن المرسلين)، وهو "إلياسين" (سلام علي إلياسين)، وإلياس موجود في الإنجيل باسم "إيليا"، وفي الإنجيل يقول السيد المسيح: ثم "إيليا" ثم النبي (أحمد). قال تعالى: (وتركنا عليه في الآخرين) أي أمة سيدنا محمد صلي الله عليه وآله وسلم، قال الدكتور أحمد بحيري: ووظيفته أن يعرّف الناس المدد الذي يأتيه من سيدنا الإمام المهدي والسادة الائمة الذين عاصرهم يمدوه بالمعلومات والأسرار، ويوضح للناس الحقائق، لان المسألة مشوشة جداً، لا يعرف أحد شيئا عن الحقيقة، فكلهم يتكلمون وكل واحد يدلي بدلوه، ولكنه سيوضح معاني الأشياء ويتبين أن لها معانٍ أخري غير ما يفهمه الناس.. فنحن نُبَسّط المسألة لكي يفهم الجميع ويهتدوا إلي الحق، لأنه لا يوجد طريق آخر غير هذا الطريق فقط.

كما بدأنا أول خلق نعيده:
لن يظهر الإسلام على الأرض كلها إلا برسول الله في الحضرة الأحمدية، قال تعالى: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) والسيد المسيح بَشّرَ برسول يأتي من بعده اسمه احمد، فهل كانت بشارته وهو في مقام النبوة؟ لا.. بل سيتنبأ به وهو في مقام الولاية، لأنه لو قالها وهو في مقام النبوة لقال ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه محمد.. لأن سيدنا محمد جاء في النبوة بعد سيدنا عيسي عليه السلام في النبوة، لكن السيد المسيح يبشر بأحمد، فلماذا البشارة هنا بأحمد ؟ قال تعالي بعد ذلك (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم) وهم أعداء الإسلام، ولكن الله لم يتركهم فقال (والله متم نوره) بصاحب البشارة ألا وهو أحمد.

ونتساءل لماذا لم يقل ربنا: "مكمل نوره" ؟ لأن النور كَمُل مع صاحب الرسالة وهو سيدنا محمد صلي الله عليه وآله وسلم، وكمال الدين أي أن الدين بشرائعه وجميع أصوله وجميع تخصصاته قد كمل لا يحتاج إلي إضافة، ولكن التمام هو نشر الإسلام علي الأرض كلها. فهناك فرق بين الكمال والتمام، الكمال: كمال الدين في شرائعه ونصوصه وفي أحاديثه ومواقفه وفي متطلباته لكل زمان، وأما التمام: أن ينتشر علي الأرض كلها فلا يكون علي الأرض إلا دين الإسلام (لا إله إلا الله سيدنا ومولانا محمد رسول الله) وهذا الذي بينه ربنا تعالي بعد هذه الآيات فقال (هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق) لماذا ؟ (ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون) إذن أحمد صاحب هذا البشارة هو رسول الله الذي سوف يأتي في مقام الولاية ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون.

وحتي هذه اللحظة لم يظهر الإسلام علي الدين كله، واليوم ما زال عدد المسلمين في الأرض مليار ونصف تقريباً، وعدد غير المسلمين في الأرض حوالي 6 مليار وهم أقوى في التكنولوجيا وفي العلم وفي السلاح وفي كل مناحي الحياة، ولذلك فالمليار ونصف الآن منتظرين رسول الله أحمد الذي سوف يظهر الإسلام على الدين كله، فكما أن الأنبياء السابقين عادوا في مقام الولاية، فإن رسول الله سيدنا محمد سيعود في مقام الولاية ويكون اسمه احمد. وهذا ورد في القران فقال تعالي (إن الذي فرض عليك القران لرادك الي معاد) لرادك إلي معاد: أي عود. اهـ

والحضرة الأحمدية تعود في نهاية دور الولاية المحمدية التي بدأت بالامام علي وتختم بالامام أبي العزائم.. ثم تبدأ الولاية الأحمدية في الظهور.. فبدايتها الأنوار ونهايتها الأنوار، لأن الله سبحانه وتعالي خاطب حبيبه سيدنا النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقال له: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا) والسراج المنير هو (سيدنا أحمد)، فالنور الأول يرجع آخراً.. لماذا؟ لأنه لا يوجد ظهور للإسلام علي الدين كله إلا بالحضرة الأحمدية، فهي البداية وهي النهاية.

ولذلك خاطب ربنا سبحانه وتعالي الذين آمنوا بصاحب هذه الرسالة الأحمدية وقال (يا ايها الذين امنوا هل أدلكم علي تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)
لماذا يقول الخطاب (يا أيها الذين آمنوا.. تؤمنون بالله ورسوله) وهم آمنوا بالله ورسوله سيدنا محمد كخاتم النبيين ؟
ربُنا يريد منهم أن يؤمنوا برسوله سيدنا أحمد، فقال (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) وبعدها قال (هو الذي أرسل رسوله (سيدنا أحمد) بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله) لأنه يريدهم أن يؤمنوا بصاحب هذه الرسالة الأحمدية لأننا بصدد هذه الرسالة لإظهار الإسلام علي الدين كله.

والإيمان بالرسالة الأحمدية له نظام جديد: (وتجاهدون في سبيل الله) لم يقل وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتحجوا البيت لمن استطاع إلي ذلك سبيلا.. الخ التي اتت في قواعد الإيمان بالرسالة المحمدية، فهذه الرسالة المحمدية تحضير للرسالة الأحمدية، وهو المجاهدة بالنفس والمال في سبيل الله (ليظهره علي الدين كله) مع رسول الله أحمد الذي سوف يأتي في آخر الزمان، وهو هو سيدنا محمد الذي خاطبه ربنا وقال (إن الذي فرض عليك القران لرادك الي معاد) أي تعود مرة أخري. و"أحمد" هو الذي بشر به الإنجيل حيث يقول (وأتمني أن أحمل حذائه فوق رأسي)، وفي موضع أخر يقول (أتمني أن أكون مسمارا في نعله).
(يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار ومساكن طيبة في جنات عدن وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين) قالو يارب جنات عدن في الاخرة، وماذا تعطينا في الدنيا ؟ قال (وأخري تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين) الذين آمنوا بصاحب هذا الفتح وهذه البشارة (سيدنا أحمد).

والأنبياء جميعاً قد أخذ الله عليهم العهد والميثاق في الحضرة الأزلية لرسول الله فقال تعالي: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أخذ الله هذا الميثاق في هذه الحضرة الأزلية ميثاقاً علي جميع النبيين لحضرة سيدنا رسول الله (ص) وهو في حضرة الولاية الكبرى الأحمدية، التي هي قبضة أنوار الذات الإلهية المتعالية (لما آتيتكم من كتاب وحكمة): معني ذلك أنه بإقرار النبيين الميثاق لرسول الله والإيمان به ونصرته لتبشير أقوامهم به ودعوتهم إلي الإيمان به ومعرفته - كما بين في قوله تعالي عن اليهود أنهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم - بإيمان النبيين برسول الله في هذه الحضرة الأزلية : كانو أهلا لأن يكونوا أنبياء عن الله لأقوامهم، وأهلا أن ينزل عليهم الكتاب والحكمة. (لتؤمنُن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم علي ذلكم إصري) أي عهدي وميثاقي (قالوا أقررنا)، ولولا إقرارهم هذا ما دعاهم إلي شهود أنواره في حضرة الولاية الكبرى الأحمدية.. وكل نبي من هذا الشهود الروحاني الصرْف أخذ مقامه في النبوة علي قدر الوُسْعة الروحية له، فمنهم من أخذ الخلة (سيدنا إبراهيم)، ومنهم من أخذ المكالمة مع الله والشدة في الدعوة مثل سيدنا موسي، ومنهم من أخذ المعرفة (سيدنا شيث)، ومنهم من أخذ علم الأسماء الالهية (سيدنا آدم)، ومنهم من أخذ العلوم والدروس (سيدنا إدريس)، ومنهم من أخذ الشجاعة والحجة (سيدنا نوح)، ومنهم من أخذ لسان صدق (سيدنا إسماعيل)، ومنهم من أخذ الرضا (سيدنا إسحاق)، ومنهم من أخذ مقام الصبر (سيدنا أيوب)، ومنهم من أخذ مقام العصمة والحصور (سيدنا يحي) ومنهم من أخذ الخطابة والحجة في البيان (سيدنا شعيب)، ومنهم من أخذ مقام الحب (سيدنا دانيال)، ومنهم من أخذ الوقار (سيدنا إلياس)، ومنهم من أخذ مقام الزهد والجذبة الشرقية (سيدنا عيسي)، وغيرهم من الأنبياء كثير.. ويكفي رسول الله شرفاً قول الله تعالي (فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) أن يكون الله شاهدٌ مع النبيين لأنوار حبيبه ومصطفاه سيدنا رسول الله ص.. والحقيقة أن الله يشهد أنوار ذاته مفصله في مرآة ذاته وهو حبيبه ومصطفاه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

إذن الإيمان بالإمام المهدي صاجب الولاية الكبرى الأحمدية: أمر قرآني بل ركن الأركان وأصل الأصول، ولو لم يعلم علماء الظاهر هذا، لأنه من علوم المقربين التي هذا أوان ظهورها، وليس مجرد اعتقاد هامشي كعلامة من علامات وأشراط الساعة أن هناك رجل سيظهر في آخر الزمان يصلح الله به واقعاً لا نعيشه، بل نعيشه ويجب أن نتطلع لفضل الله ورحمته ونعلم أن هناك فتح إسلامي أعظم قادم، وكل هذا التطهير والثورات والتوترات السياسية في المنطقة، بل الحرب العالمية الثالثة التي على الأبواب لكسر شوكة المتكبرين، ليست إلا تمهيداً للظهور.. لأن "المظهر الأكمل" مؤيد من قبل السماء، والكون كله يتهياً لاستقباله، ولكن بما يناسب طبيعة عصره.

_____________________________________________
(1) يقول الإمام أبو العزائم: (معلوم أن الأمم الغابرة عاشت قرونا طويلة في مهاوى الجهالة وتيه الضلالة، لم يبعث الله منهم رسولا، ولم يقم منهم عالما مفكرا، ومكثوا في تلك الجهالة العمياء حتى عبدوا الأصنام، وكانت عبادة الأصنام خيرًا مما كان عليه قومهم، ثم ارتقت الأفكار فاتخذوا النجوم آلهة, ثم ارتقت الأفكار فاتخذوا الشمس إلها حتى رأوا أن الملك الحاكم عليهم هو الإله ولذلك ترى أن في تاريخ الفراعنة ما يدل على أن الآلهة حكموا مصر ثماني عشر ألف سنة وأن الإله أوزوريس " أبو الآلهة " علمهم الزراعة، وأجرى لهم النيل وأن الإله " أوزيس " علمتهم غراسة الكرم، وأن الإله " آمون راع " " ابن الإله " بين سبل العدل بينهم حتى اتخذوا الملوك آلهة بعد. ومن هذا الزمن ظهر التثليت في بني الإنسان، وقد وجد في آثار الهند الثالوث المقدس رمز إلى التثليت وهو ثلاثة رؤوس على جسم واحد. مكث الإنسان يتخبط لأنه ديني فلا يظهر بين الإنسان رجل يفكر باحثا وتلوح له ظلمة هي أقل مما هم فيه من الظلمات إلا قلدوه.
و ليس تاريخ الأمم الغابرة ببعيد. كل هذه البلايا أساسها اعتناق دين باطل فمحا الله تلك الظلمات والضلالات عمن اقتدوا بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وكان كل نبي إذا مات انتسخت شريعته وضعف أتباعه عن تأييد سنته وانتشار دينه، حتى بعث الله خاتم النبيين بالحق بشيرا، ونذيرا. وسراجا منيرا..)
(.. لما كان الإنسان حيوانا دينيا، كان يعبد ما ينفعه من المادة أو ما حكم عليه بالوهم مما شعر بتأثيره فقد عبد الأنهار، وعبد الأحجار، وعبد البقر، ولما اتسعت دائرة الوهم عبد الصور، حتى قوى العقل فعبد الأفلاك، ثم عبد الملائكة، ثم عبد الإنسان ولو أن العقل له السلطان على الغيب المصون لما ضل الإنسان هذا الضلال وجال العقل جولته فيما حوله فقهر المادة واستخدمها حتى كان السلطان الأكبر عليها وعلم خواصها، وفوائدها، وتحليلها، وتركيبها فعلم أنه فوقها قدرا وأنها دونه منزلة ولكن (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) هذا هو العقل الإنسانى لم يصل إلا إلى علم خواص المادة بما أودعه الله فيه كما انتفع كل نوع من الحيوانات بما أودعه الله فيه بقدر رتبته فالإنسان بقدر ضروراته انتفع . هذا أفق العقل وليس له أن ينفذ من أقطار السموات والأرض ليطلع على الغيب المصون إلا بسلطان، لذلك أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
(وأراد الله تعالى أن يبقى نوره عليا ودينه جليا، ولكن لا يزال على الأرض أمم أشرقت عليهم تلك الأنوار فعميت عنها عيون عقولهم التي هي أقل من عيون البهائم، ونشأ بينهم رجال مفكرون يبغضون ما جاء به رسول الله (ص وآله) من الحق تقليدا لآبائهم، لأنه لا تقبله عقولهم فمالوا بحسب الظلمة الطبيعية فيهم، والعصبية التي اكتسبوها بمعاشرتهم لآبائهم وهموا أن يرجعوا بالإنسان إلى ما كان عليه من الظلمات قبل البيان فقرؤا كتب اليونان، والفراعنة، والفينيقين، والفرس، والهنود، والصينيين وتلك الأمم لم يبعث الله فيهم رسولاً ولا منهم وكانوا يتخبطون خبط العشواء في البحث عن الحق الذي هو مقصد الإنسان، ومن أين لتلك العقول أن تصل إلى الحق من غير الحق جل جلاله ؟! إن الله تعالى أغنانا بالقرآن الجليل، الذي سجدت له عقول فطاحل البلغاء، وانقادت لنوره أهل العقول السليمة واستبانت لنا به حقيقة الإنسان وحكمة إيجاده وإمداده).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي