الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصة القصيرة - لقاءٌ مصيري غير متوقع -

تامر سلامة

2016 / 6 / 18
الادب والفن



قصة قصيرة بعنوان " لقاءٌ مصيريٌ غير متوقع "

مرت سنوات ، ثائر أصبح مترجماً ، و ميرا أصبحت طبيبة أسنانٍ كما حلمت طوال حياتها ، بعض أحلامهما تحققت ، بعد أن قُتِل حلمها القديم ، سافرا بعيداً ، عادا إلى وطنهما الأم ، إلى أرض المعجزات و الجليد ، أرض تشيكوفسكي و أمجاد الإنتصارات ، لأرض بوشكين و جاجارين و رامانوف و تشيخوف ، عادا لأرض الثورة الحمراء ، ليكملا حياتهما دون حُبٍ ، رافضين الإرتباط بالغير ، فهو إعتبر أن مجرد الزواج من غيرها لهو تمثيلٌ صارخْ للخيانة ، و هي كانت وفية جداً لحبها الأول ، قررت أن تستنفذ حياتها و تبذلها في مساعدة الناس و علاجهم ، لكنهما لم ينسيا بعضهما للحظة يتيمةٍ حتى ، فكانا يلتقيان في الأحلام ، فكان إرتباطهما الروحي أصدق و أقوى من أن تحطمه أغلال الرجعية و معتقدات و عادات مجتمعهما العفِنة ...

في أحد أيام الشتاء الباردة ، في مدينة موسكو الروسية ، خرج ثائر مغادراً مكتبه لمنزله ، أشعل سيجارته و قرر أن يعود للمنزل سيراً على الأقدام ، فقد راق له الجو ذاك المساء ، و هنا كان للصدفة و القدر ، تدخلاً عجيباً لم يكن يتوقعه بتاتاً ، كان يسير واضعاً السماعات في أذنيه يستمع الموسيقى كعادته التي إكتسبها منذ الصغر ، سارحاً في ذكرياته و أفكاره التعيسة ..
فجأة و دون قصدٍ منه ، إرتطم كتفه بكتف فتاة ٍ كانت تسير في الظلمة ، تحت مصباح شارعٍ وحيد يتقطع نوره دون ثبات ، ينظر للفتاة ، يعتذر لها بحرجٍ شديد ، فيتلعثم لسانه فيتحدث بالعربية دون قصدٍ منه بسبب ما أصابه من إحراج ، يساعدها على رفع ما وقع منها من أوراق ، تلتفت له الفتاة منتبهةً لكلماته العربية التي تسللت مكرهة من بين شفتي ثائر ، و دار حديث بينهما ..

ثائر : أعتذر ، حقاً أعتذر ، لم أتعمد فعل ذلك ، يا لحماقتي و عدم تركيزي ..
الفتاة : هل أنت عربي ؟ سمعتك تتلفظ ببعض الكلمات العربية و بطلاقة واضحةٍ جداً !
ثائر : نعم ، في الحقيقة أنا نصف فلسطيني و نصف روسي ، و عشت في فلسطين قرابة ال٢٠ عاماً ، لكن ، كيف علمتي أنني تحدثت بالعربية ، هل أنتِ مترجمة ، أم أنكِ عربيةٌ أيضاً ؟
الفتاة : انا مثلك ، نصف فلسطينية و نصف روسية ، جئت من فلسطين قبل شهرين فقط بعد أن إنتهيت من دراستي الجامعية ، أنا طبيبة أسنان في الحقيقة و لست مترجمة ..

يتجمد ثائر في مكانه للحظات ، يستمع إليها تتحدث ، يا إلهي ! إن الصوت مألوفٌ جداً ، و هاتين العينين الزرقاوين ،إنه يعرفهما جيداً ، لطالما كتب فيهما الشعر و هام عشقاً بإبتساماتها تلك ، هل هي ميرا ! هل هي حبيبته المسلوبة !! ملايين الأفكار تفجرت في رأسه ك بركانٍ قديمٍ مكبوت ..

الفتاة : لماذا تحدق فيَّ هكذا ! فيما أنت سارح يا هذا ؟ هل تسمعني ؟!
ثائر : أناا .. فقط سرحت قليلاً ، هل أبدو مألوفاً لكِ ؟ سأخلع قبعتي لربما تعرفتي عليّ ..
الفتاة : يا إلهي ! غير ممكن !!

تضع الفتاة يديها على فمها ، و قد إنسدلت دمعة من عينها على خدها الأيسر ، فقدت القدرة على النطق ، إنه ثائر ! نعم إنه ثائر ! ذاك العاشق الذي ضحى بكل شيء في سبيل عشقها و فرقهما والدها و عائلتها التافة ، و التي عانت لأجله الويلات من أهلها الحاقدين عليهما .

حدقا في بعضهما البعض لثواني ، لم يتخيلا إمكانية المصادفة ، هي تبكي بصمتٍ و حرقة قلبٍ أصابه الألم و تعب البعد و الإشتياق ، و هو يكاد يلتقط أنفاسه، التي أصبحت لا تكفي قلبه الذي بات يدق أسرع من جناحي طائرٍ خائف ، و جسده يرتجف من هول المفاجأة ..

ثائر : "مارتيشكا " ! حبيبتي .. هذه أنتي بلا شك ! كنتُ واثقاً ، أجل كنت واثقاً بصدقك و حبك و إخلاصك ، يدري الله كم كنت واثقاً فيكي ي ميرا ..
ميرا : ثائر ! يا عشقي الأول و الأخير ، يا مجنوني ، كم تغيرت ! كنتُ عند وعدي فلن أتزوج و لن أرضى برجلٍ سواك ..
ثائر : كم إشتقت لكِ ، آهٍ لو تعلمين وحشة الحياة و ظلمها و ظلامها بدونك ، سلبتني الروح و الحب و السعادة بغيابك حبيبتي ..
ميرا : أنا أيضاً ثائر ، كم كانت أيامنا قاسية ..

لم ينتظرا أكثر ، فلهيب الشوق قد إشتعل منذ النظرة الأولى ، منذ تيقنا أنهما هُما بحق ، تعانقا عناقاً ، يحطم عظام قفصيهما الصدري ، دون خجل أو خوف أو حتى شعورٍ بسيطٍ بالقلق ، كم حلُما سوياً بهذه اللحظة ، و كم حُرِما من بعضهما البعض .
٤ سنوات ، كم كانت مظلمة لكليهما ، كم كانت قاسية عليهما ، لكن الحب الحقيقي ، لهو إرتباطٌ روحيٌ خالد ، باقٍ ما دام نبض قلبيهما باقي ، فحين فرقتهما عادات متخلفة في غربتهما ، جمعتهما أرض الوطن دون سابق تخطيطٍ أو إنذار ..
ضحكا عالياً ، صرخا بكلمات الحُب بأعلى أصواتهما دون مبالاة ، و رقصا تحت ضوء مصباح الشارع القديم فوق الثلج ، و ضحكات سعادتهما الجنونية تخرق آذانهما كموسيقى يرقصان عليها دون تعب ، تتساقط عليهما حبات الثلج الناعمة القطنية ، مضفيةً مزيداً من الرومنسية الروسية على المشهد ، يعودان للعناق الجنوني ، ثم يعيدان ذكريات قبلتهما الأولى التي كانت منذ ٥ سنوات و لكن بإحساس أقوى و دون خوف من أحد ..

صدفة صغيرة ، غير متوقعةٍ أو محسوبة ، حولت حياة شخصين كرها الحُبَّ بعد تجربتهما المريرة ، لعاشقين مجدداً ، أعادت لهما النبض و الحياة و الذاكرة ، وحيدين في وطنهما ، تاركين خلفهما العادات البالية و الرجعية في بلاد الشرق القديمة ، نسيا والديهما ، فكل ما يهم الآن هو أنهما معاً ، و لن يفرقهما سوى الموت .
تزوج ثائر و ميرا ، قاما بتغيير أسميهما كي لا ُيعثر عليهما أحد من أقربائهما ، قررا الإختفاء عن الجميع ، و الإكتفاء ببعضهما البعض ، قررا دفن كل ما تعلق بالماضي خلف ظهرهما ، و البدء بحياةٍ جديدة ، مليئة بالعشق و الحرية بعيدة كل البعد عن التخلف و الحقد و الرجعية ...

بقلم : تامر سلامة
أبو جيفارا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصدمة علي وجوه الجميع.. حضور فني لافت في جنازة الفنان صلاح


.. السقا وحلمى ومنى زكي أول الحضور لجنازة الفنان الراحل صلاح ال




.. من مسقط رأس الفنان الراحل صلاح السعدني .. هنا كان بيجي مخصوص


.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..




.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما