الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لرفاق جورج حاوي ... لا تخذلوه

مسعود محمد

2016 / 6 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


قامة يمتد ظلها ليظل كل الوطن، كجورج حاوي لا يليق بها الموت الا بالشهادة، وهو من قال "معاذ الله ان ارضى بذل، معاذ الله ان أسجد لقيصر، أرفض ان أعيش بلا حلم، ولا حلمي تبدد او تبخر، أبقى ثائراً ما دمت حياً، وأن أسقط فعند الناس أعذر، سيأتي بعدي من يرفع سلاحاً، بوجه الظلم للأحرار يثأر، زرعنا والحصاد بدا قليلاً، سيُزرعُ بعدنا ليفيض البيدر". افضل ان اموت واقفاً على أن أعيش راكعاً، هذا كان لسان حال " أبا أنيس" القائد الشيوعي، رجل الجرأة والتغيير والسياسة. خاف قاتل جورج حاوي من جرأته وهو المقدام عندما ينكفىء الآخرين، فلم يتوان القاتل عن قتل رجل المقاومة الأول، التحديثي الذي ساهم في بناء حركة فكرية وثقافية وفنية من خلال قيادته لليسار اللبناني طوال سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات. قتل بدم بارد، وكأن التاريخ يعيد نفسه حين قتل رفاق جورج حاوي " حسين مروة، حسن حمدان، خليل نعوس، سهيل طويلة، ميشال واكد، ولبيب عبد الصمد "، وغيرهم من مقاومين كانوا يتجهون لقتال اسرائيل يوم عزت فيه الرجال، يومها إنطلق المقاومون الوطنيون على مساحة كل المناطق اللبنانية المحتلة ليواجهوا العدو بما تيسر من اسلحةٍ وابدعوا، وهزموا الاسرائيلي في بيروت والجبل والبقاع وخرج العدو مذلولاً وهو ينادي بمكبرات الصوت " يا أهالي بيروت لا أطلقوا النار نحن خارجون".
قاوم المقاومون الوطنيون وحدهم، طيلة عشر سنوات تعرضوا خلالها للطعن والغدر والطرد و الإغتيالات من “ذوي القربى”. كان الجميع ضدهم من الدولة بكامل اجهزتها إلى البيئة التي نثر افرادٌ منها الأرز على دبابات الإحتلال في الجنوب. ومع هذا، وصلت جمول إلى رأس العمالة انطوان لحد الذي اصابته المناضلة سهى بشارة بالمسدس الشخصي لأبي انيس. كما تم قبل ذلك تدمير إذاعة العملاء في بلدة مرجعيون، إلى غير ذلك من العمليات النوعية التي يضيق المجال لذكرها في ذكرى اغتيال قائد تلك المقاومة جورج حاوي.
رغم فارق الزمان الا ان القاتل واحد، خاف من حرية عقل رفاق حاوي، واراد الوطن مزرعة فقتلهم، وحين عاد وقتل نفس القاتل جورج حاوي بعد سنين طويلة، كان يريد الوطن مزرعة، وأيقن أن جورج سينفذ وصية رفيقه سمير قصير ويقود انتفاضة في الانتفاضة، فكانت أولى بوادر تلك الانتفاضة، نصر غالي أهداه جورج حاوي لليسار اللبناني بدخول اول نائب يساري الى البرلمان بتاريخ لبنان حيث انتخب النائب السابق الياس عطا الله نائباً عن طرابلس. انفجرت العبوة الموضوعة تحت المقعد الأمامي في سيارة جورج حاوي، ومعها تمزق الجسد والحلم، وتغطى وجهه بالدماء، وضاع الحلم. وعلى مسافة ليست بعيدة من الانفجار كان الشخص الذي ضغط على جهاز التفجير عن بعد قد شعر بامتنان لكفاءته في تنفيذ المهمة، فقد تم اغتيال رجل كان وجوده في الحياة معوقا لمن أرادوا إلغاء ألوان الربيع، أرادوا ان يصبغوا الوطن باللون الأسود كبدلاتهم وفكرهم، فقتل جورج حاوي ورفاقه الشهداء، ليجهض الانتصار ويمنع التغيير وتسقط الانتفاضة.
لم تكن صدفة أن يقتل جورج حاوي في ذات اللحظة التي انتهت فيها الانتخابات النيابية اللبنانية، والتي قادت إلى انتصار كبير للمعارضة، وبدأ المسرح اللبناني كله يستعد للجولة الأخيرة من تصفية الحسابات اللبنانية بمطالبة الرئيس لحود بالانسحاب من الرئاسة اللبنانية، حتى قبل انتهاء فترة التمديد التي قامت على أسنة الرماح السورية، وكان على رأس المطالبين باسقاط لحود الشهيد حاوي الذي دعا جمهور ثورة الأرز وقياداتها للتوجه الى قصر بعبدا لاسقاط الطاغية.
لقد جاءت الجريمة استجابة لحالة من الاختلال السياسي التي أخرجت سوريا من لبنان ووضعتها هي وحلفائها في قفص الاتهام بجرائم القتل.
لم يعد ممكنا التسامح مع حالة الخلل، فذلك الخروج المذل للجيش السوري ومشروعه من لبنان يشكل، مقدمة لعمليات أخرى لتصحيح حقيقة انه قد أصبح هناك في لبنان غالب ومغلوب وهناك انتصار لقوى تريد التغيير والديمقراطية، وكان هذا التغيير يشكل حافزاً ليمتد الربيع من بيروت الى دمشق، فربيع بيروت من ربيع دمشق، ويستحيل ألا يكون الوجه الأول لأية قضية فى لبنان غير مرتبط بالجار الأقوى، والذي قال رئيسه بوضوح إن مغادرة العسكر السوري لا تعني مغادرة سوريا للبنان.
كان جورج حاوي يعرف جيداً طبيعة الدكتاتوريات التي نتصارع معها، وكان يعرف ان من هو مثله ومثل سمير قصير وكمال جنبلاط، في ظل هذه الدكتاتوريات يكون مصيرهم القتل. عام 1977 كتب جورج حاوي لمجلة الطريق معددا أسباب اغتيال كمال جنبلاط حيث قال "في خضم معركة الصراع الحاسم من أجل الاصلاح الديمقراطي اصطدم مشروع كمال جنبلاط بالنظام الدكتاتوري العربي، فتم اغتياله لمنع التغيير، ان الصراع السياسي فوق لبنان يتخطى حدود هذا البلد الصغير ليتجسد نموذجا للصراع بين قوى الديمقراطية والاصلاح والانظمة البوليسية في الساحة العربية" كم أشبه الأمس باليوم منع التغيير يكون بالقتل ولعل ذلك يعيد الى الذاكرة مطاردة وسجن أرسطو العرب "ابن رشد"، وقتل جورج وسمير وبقية الشهداء،
وقبلهم كمال جنبلاط لمنع التغيير.
"الحرية" و"الديمقراطية" و"الوحدة الوطنية" كانت عناوين رئيسية في هموم جورج حاوي وهو كان يسعى لتكريسها في لبنان بقوة.
عشية انتخاب الياس عطا الله نائباً كان حاوي فرحاً للغاية لفوز عطا الله، مفتخراً بوصول اول شيوعي، مع انه ترك الحزب، الى البرلمان اللبناني، داعياً الى التصدي لكل محاولات التطييف، متمنياً على الذين شاركوه في الحوار التصدي للشرذمة والاحتقان مؤكداً رفضه العودة بالبلد الى الوراء، مذكراً بمبادراته السلمية التي قام بها فور انتهاء الحرب في لبنان والتي تجلت في انفتاحه على الشريك الآخر الذي كان على خصومة معه اثناء المعارك.
واذ كان حاوي استقال من الحزب بالمعنى التنظيمي للكلمة، فانه في المقابل رفض الانسحاب من الحياة السياسية، معترفاً بالاخطاء التي حصلت عندما كان في موقع القيادة، ومبادراً الى اجراء مراجعة نقدية ولم يعف نفسه من الاخطاء التي وقع فيها، اضافة الى انتقاده دور دمشق في لبنان من موقع حرصه الشديد على اقامة علاقات لبنانية - سورية متوازنة.
فحاوي الذي كان صلباً في مواقفه، تعرض الى انتقادات من قيادات يسارية ويمينية في وقت حاول فيه تسويق دعوته الى عقد مؤتمر وطني للحوار والمصالحة. الا انه لم يبدّل في وجهة سيره باتجاه خصوم الامس او يتخلى عن رفاقه القدامى والجدد في الحركة الوطنية اللبنانية والحزب الشيوعي.
باختصار، كان حاوي يرفض ان يرتاح او يتقاعد سياسياً، وظل يتحرك في كل الاتجاهات ليس بحثاً عن دور، انما لقناعته بأن تضافر الجهود سيؤدي عاجلاً أو آجلاً الى تعبيد الطريق لمصلحة الحوار كأساس لانقاذ البلد الذي تتهدده الحرب الاهلية.
لذلك كان حاوي ينظر الى البلد الواحد الموحد، على انه طائفته والملاذ الاخير له، ويقر احياناً بالاخطاء التي يرتكبها عن غير قصد، وهو ينشط دعماً للحوار ويتقبل الانتقاد بصرف النظر عن قساوته لأنه يتحرك عن قناعة من أجل تقريب وجهات النظر عله يوفّق في مسعاه من أجل الحوار الذي حمله على كتفيه وجال فيه على كل لبنان. وهنا كانت أهمية حاوي فهو كان الأقدر على كسر المحظورات والتابوهات، لذلك اغتيل مرتين، بالأولى عندما منع من دخول مجلس النواب من قبل السوري بالتعيين عقاباً له على انفتاحه على القوات اللبنانية، ومرة ثانية عندما دعم معركة الشمال الانتخابية وكان جزىء أصيل من الانتصار فألغي جسدياً.
عشية ذكرى اغتيال حاوي قلبت نتائج التصويت في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي اللبناني الطاولة على القيادة السابقة للحزب، وبات حنّا غريب أميناً عاماً للحزب بنيل لائحته 46 مقعداً مقابل 14 مقعداً للائحة الأمين العام السابق خالد حدادة، وتحمس الشيوعيون الموجودون خارج التنظيم ومنهم قيادات تاريخية للحزب للتغيير الحاصل وخاضوا نقاشات واسعة حول مؤازرة هذا التغيير من عدمه. السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي تغير بالتحديد في هذا المؤتمر هل هو الخط السياسي أم الأشخاص؟ منذ اللحظات الأولى لإنتخابه عبر حنى غريب بوضوح عن خطه السياسي وأعلن عن انتمائه لخط الممانعة عبر مناشدة بوتين بالمساعدة باسقاط الإمبريالية، وعبر تبرعه بأن يكون أول المعزين بمقتل مصطفى بدرالدين القيادي في حزب الله، وهذا اسقط كل لحظات التفاؤل بالتغيير الذي اقتصر على تغيير أشخاص وليس سياسة الحزب رغم أن هؤلاء الأشخاص " حبوبين أكثر" كما قال شيوعي قديم من خارج التنظيم. من هنا تأتي دعوتي الى كل رفاق الشهيد حاوي بذكرى غيابه الى العودة لمشروعه الذي كان يقتضي تأسيس حركة ديمقراطية واسعة يكون الشيوعيين جزىء منها ولا تكون مكونة فقط منهم، ويكون في صفوفها أكاديميين، ومثقفين، ومفكرين، ومجتمع مدني، ورجال سياسية، لقيادة دفة التغيير في البلد نحو مزيد من الديمقراطية والحريات والغاء الطائفية.
الانتخابات البلدية والحراك المدني قدما خميرة جيدة للبناء عليها رغم الشوائب التي شوهت بعض وجوه الحراك وذلك لافتقاده لقيادة واعية، وتميز قياداته بالمرض اليساري الطفولي، ونزعاتهم الفردانية بالقيادة. على عاتق رفاق حاوي تقع المسؤولية التاريخية بالرد على قاتله بالانخراط بالمزيد من العمل لتأسيس حالة ديمقراطية في البلد. جورج حاوي وكمال جنبلاط عملا معاً على اعلاء كلمة "الحرية" في سماء لبنان، وهذه كانت ميزة لبنان في محيطه، في كتابه هذه وصيتي قال الشهيد كمال جنبلاط "نحن نريد أن نكون مستقلّين". "نحن لا رغبة لدينا بالسجن السوري الكبير... هناك صراع بين الدكتاتورية والديمقراطية فهم ليسوا بأحرار ويريدون دائما الحؤول بيننا وبين الحرية". "ليس ثمة بين اللبنانيين من يفكر حاليا بأن يصير سوريا وليس في وسع امرئ أن يرضى بدخول ذلك السجن الكبير الذي يتكاثر فيه عملاء البوليس السرّي ليبلغوا وفقا لبعض التقارير الرقم الغريب الشاذ البالغ 49 ألفا".
يا رفاق جورج حاوي اخرجوا من قوقعتكم عودوا لساحات النضال، أخرجوا من أوهام الحزب الشيوعي، وسياساته المنتسبة الى " خط الممانعة" هذا ليس حزب "السنديانة الحمراء" الذي انتسبنا اليه، لا تسمحوا بقتل جورج للمرة الثالثة، لو كان حياً بيننا لكان مع ثورات الشعوب العربية من تونس الى سوريا، ولبقي مصراً على حرية لبنان وسيادته واستقلاله، لا تخذلوه عودوا الى ثوابته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو بنك الأهداف الإيرانية التي قد تستهدفها إسرائيل في ردها


.. السيول تجتاح مطار دبي الدولي




.. قائد القوات البرية الإيرانية: نحن في ذروة الاستعداد وقد فرضن


.. قبل قضية حبيبة الشماع.. تفاصيل تعرض إعلامية مصرية للاختطاف ع




.. -العربية- ترصد شهادات عائلات تحاول التأقلم في ظل النزوح القس