الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشادة فلاسفة الغرب السابقين ب: -حكمة النبي محمد-: -الحلقة المفقودة- في خطاب التسامح الغربيّ تجاه الإسلام والمسلمين اليوم.. دراسة لمواقف دو لاماترين، غوته، تولستوي، توماس كارليل وكارين أرمسترونج... أنموذجا

عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)

2016 / 6 / 23
الارهاب, الحرب والسلام


إشادة فلاسفة الغرب السابقين بـ: "حكمة النبي محمد": "الحلقة المفقودة" في خطاب التسامح الغربيّ تجاه الإسلام والمسلمين اليوم..
دراسة لمواقف دو لاماترين، غوته، تولستوي، توماس كارليل وكارين أرمسترونج... أنموذجا
عصام بن الشيخ

************************************
يقول الفيلسوف التونسي القدير فتحي المسكيني: "كلّ قادر على التحوّل إلى بطل، ما دامت الأمة في أزمة، مدافع عن الحجاب، وآخر ضدّ الرسوم السيئة للنبيّ، ووو..."، لن أحاول أن أكون بطلا في هذا المقام، لكنني سأحاول أن ألفت النظر، عمّن تحدّث عن الإسلام ونبي المسلمين بالثناء والإشادة، متسائلا، هل كانوا موضوعيين؟، أم أنّه قد كان لهم مقاصد خفيّة؟؟، أو مرام تآمريّة؟؟، ما دامت حكمتهم لم تقدهم إلى اعتناق الدين الإسلاميّ، فكان حالهم مثل حال "النوابت" كما يسمّيهم المسكيني، مع الفارق بين هؤلاء و أولئك بالطبع.
"التاريخ، مثل الخمر القديم، لكنّه في جرار جديدة" كما يقول تزيفتيان تودروف، و"التاريخ، مثل الخلّ القديم، لكنّه في زجاجات جديدة" كما أردف موثّقا الراحل إدوارد سعيد، فأقرّ كلاهما، مقولة المؤرّخ أرنولد توينبي الشهيرة (لقد درست التاريخ الإنسانّ، ووجدت أنّه أعاد نفسه أكثر من عشرين مرّة). وبين دافعية الإستشراق وأبعاده اللاهوتية والحضارية، ومشروع سعيد للإستغراب، سنتحدث اليوم شيئا ما - عكس ما هو رائج -، عن الإضاءات الموضوعية، أو الكتابات المنصفة، أو المجاملة - فليكن هذا الحكم الأوليّ-، لكلّ من أعجب أو دافع أو دعا إلى إتباع الإسلام والاعتراف بنبي المسلمين، حيث أنّ مثل هذه الكتابات لا تجد لها مكانا للظهور، في غمرة الهجمة الغربية لرعاة الإسلاموفوبيا، وفي مقدمتهم رسامو جريدة شارلي ايبدو - الراغبين في محاكاة سخرية الآيات الشيطانية لسلمان رشدي-، فتعمّدوا استفزاز مشاعر مليار ويزيد من المسلمين عبر العالم، والذين لا تسمح أخلاق نخبهم وفنّانينهم أو حتى بسطائهم، الردّ بالسخرية من المسيح أو أيّ نبيّ آخر، لأنّه ببساطة أحد أنبياء المسلمين الـ: 25 الذين ورد ذكرهم في القرآن، يأتي هذا الموقف العام، مع عزل ما حدث من أعمال متطرّفة في محاولة "زعم الدفاع" عن الإسلام أو نبي المسلمين، من قبل فئة قليلة من المتطرفين الغلاة، ليؤكّد سلميّة المجتمعات العربية والإسلامية، المعرّض أهلها للقتل والتهديد، والمنتهكة أراضيهم بالاحتلال والاغتصاب.
لطالما قابلتني كتب المستشرقين الذين تحدثوا عن الإسلام ورموزه، ولم تكن تحضى بالأولوية في التفكيك ضن أجندتي البحثية كما كانت كتابات فرونسوا بورغان أو غراهام فولر، أو أوليفيه روا. فالأخير يسلّط الضوء باستمرار على ظاهرة "التديّن بدون ثقافة" لتبرير سخريته من ممارسة الإسلاميين للعمل السياسيّ انطلاق مما يسميه (الجهل المقدّس)، في استشرافه للسقوط المؤكّد لتجارب الحركات الإسلامية التي فشلت في الاستمرار في السلطة، كما حدث عند حضر الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر سنة 1991، وحركة الإخوان المسلمين في مصر بعدها بريع قرن سنة 2013، ومحاولة ربطها بظاهرة التطرّف والعنف المسلح في نموذجي القاعدة وتنظيم الدولة داعش، لاستنطاق التاريخ، وتأكيد خلاصات مناهضي الانتشار الإسلاميّ في الغرب، خصوصا "الإسلام الأوربيّ" المزاحم، الذي لا يتوقف عن النماء المفرط، والانتشار المقلق، وبالتالي، الاستفزاز غير المقصود، لمبغضي المسلمين من النخب في الغرب.
وبعيدا عن التسييس، وبالعودة إلى صلب موضوع هذا المقال وإجابة على تساؤلات عنوانه، رأيتني أختطف الزمن اختطافا، لأفعّل - في وقفة تأمّل-، كباحث مشكّك، حاسة النظر العقليّ والفكريّ معا، لهذا التناقض الكبير في الفلسفات الغربية الموضوعية، التي ترفض تبني الأطروحات المغالية لممتهني علم اللاهوت اللاتيني، والمشاركين في التنظير للحروب الصليبية على المسلمين باسم "الحضارة"، فكان المنطلق بطرح تساؤلات في غاية الأهمية، حيال كلّ مستشرق جامل أو حاول أن يقدّم نفسه كمعترف بالإسلام ودوره الحضاريّ، فهل تحدث هؤلاء الفلاسفة عن النبي محمد، كحديثهم عن بوذا وكونفشيوس، أم أنّهم خصّوه بالإشادة لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وحامل آخر رسالة سماوية لتطهير الرسائل التي سبقتها من الضلالة والتحريف؟.
وبناء على ما سبق، بدأت أولا في تقسيم تلك الأسماء الهامة للنخب الغربية اللامعة، إلى ثلاث فئات رئيسية، متخذا نماذج مقصودة سيرد تحليل مواقفها للتدليل على كلّ صنف، كالآتي:
الفئة الأولى: المستشرقون الذين يثني المسلمون على موضوعيتهم: مستشرقون محترفون متخصصون أو موضوعيون متعاطفون، سواء كانوا من فئة المؤرخين مثل المؤرّخ الإنجليزي أرنولد توينبي، فيلسوف وباحث حضاري وسياسيّ مثل روجيه/رجاء غارودي، مهتم بالتصوف الإسلامي مثل آنا ماري شيمل، أو صاحب محاولة موضوعية للتأريخ مثل أعمال جيرمين تيون... وغيرهم، ممن ثبت اعترافهم بالإسلام كدين وحضارة، وثقافة وهوية.
الفئة الثانية: مستشرقون اهتموا برسول المسلمين، محمد النبي، اعترافا لخصاله ودفاعا عن شخصه، ودوره الإصلاحيّ والحضاريّ غير القابل للتشكيك، مثل كتابات: فون غوته، ليو تولستوي، ألفوسين دي لامارتين، توماس كارليل، كارين أرمستورنج، ... وغيرهم.
الفئة الثالثة: مؤرخون وباحثون يحملون فكرة استشراقية تميل إلى فضح المؤامرات الغربية التي حيكت على المسلمين عبر التاريخ وإلى عصرنا الحديث، مثل أعمال: أرشي أوغستاين، إيدوي بلينيل، ريتشارد سوذرن، عبد الأحد داود.. وغيرهم،
لماذا ذكرت هذه الأسماء تحديدا؟؟..
إنها بعض أشهر الكتب التي وصلت إلينا، فقام بترجمتها العرب (على قلّة ما يترجمون)، لأنّ اعترافات المفكرين والفلاسفة في الغرب بأيّ فضل للحضارة الإسلاميّة، عادة ما تلفّه السرّية ولا يتمّ إعلانه للأمم الغربية، لدعوتها إلى الكفر بفلسفات الغرب ومذاهبه، التي بدأت بالنصرانية المنحرفة، وانتهت بتدجين انتقائيّ متكرّر بين المذاهب والعقائد المثالية والواقعية، الأخلاقية والبراجماتية، التفاؤلية والتشاؤمية، التشكيكية والمؤسّسة... وغيرها. والتي تتقاطع حول فكرة العلمانية خيارا واعتناقا، لاستيعاب كلّ الطاقات المتواطئة في سبيل إطالة عمر الحضارة الغربية، التي تنبأ لها الفلاسفة بالانهيار قبل عدّة عقود، أمثال الفيلسوف الراحل اسوالد شبنغلر ــ على سبيل المثال لا الحصرــ.
سأحاول أن أبدأ من ليو تولستوي Léon Tolstoï (1828 - 1910)، الذي كتب مؤلفا بعنوان: "حكم النبي محمد"، حين كان عدد المسلمين 200 مليون فقط، ستلاحظ في كتاب تولستوي قوله أنّ محمدا قد اعترف بموسى والمسيح، وأنّ الإسلام انتشر بفضل التواضع والصدق الذي عرف عن محمد وأصحابه، والرقيّ والمدنيّة التي توصّلت إليها الحضارة الإسلامية زمن الظلامية الكنسيّة في الغرب، تحدّث تولستوي عن الإسلام مردّدا حكمه بأنّه (دين قويم)، فراسله الشيخ المصلح محمد عبده Mohamed Abduh(1849 - 1905)، الذي قال: "أيّها الحكيم الجليل موسيو تولستوي: لم نحظ بمعرفة شخصك، لكننا لم نحرم التعارف مع روحك، ..، هداك الله إلى معرفة سرّ الفطرة،.. ، ونظرت نظرة للدين،.. ، وصلت بها إلى حقيقة التوحيد،..، كانت آراؤك ضياء يهتدي بها الضالون،..، فاحمد الله على أن فارقتهم في عقائدهم وأعمالهم،..، إنّ نفوسنا لشيقة لما يتجدّد من آثار قلمك، ونسأل الله أن يمدّ في حياتك ويحفظ عليك قواك، ويفتح القلوب لفهم قولك، ويفتح النفوس للتأسّي بعملك، والسلام".
فلما انتقل تولستوي من دار الفناء إلى داء البقاء، رثاه شاعر وادي النيل محمد بك شوقي في قصيدة طويلة، يقول في مطلعها:
(طولستوي) تجري آية العلم دمعها - عليك ويبكي بائس وفقير
وشعب ضعيف الركن زال نصيره - وما كلّ يوم للضعيف نصير
ورثاه الشاعر حافظ بك إبراهيم في قصيده يقول فيها:
رثاك أمير الشعر في الشرق وانبرى - لمدحك من كتاب مصر كبير
ولسـت أبــالي حين أرثيـك بعـده - إذا قيـل عـنّي قد رثـــاه صـــغير
فقد كنت عونا للضعيف وإنني - ضعيف، وما لي في الحياة نصير
وليت أبالي حين أبكيــك للورى - حوتــك جنـان أو حــواك ســعير
رحل تولستوي، وترك تجربة فلسفية فريدة، في التنقيب عن شخص محمد - ما يزالون يسمّونه ماهوميت/ ماهومي Mahomet في الغرب-، ومع ذلك، لم يغيّر حديث تولستوي الكثير، وقد انشغل الاستعمار بإفراغ النفوس من الدين في البلاد العربية والإسلامية، من خلال التجهيل ومنع التعليم، وباختصار، يمكن القول، أنّ النخب كانت منشغلة بالتنظير للاحتلال، ولم تكن راغبة في جعل تولستوي وحديثه عن محمد، أولوية قد تعلي شأنه أمام بقية المستشرقين.
"غادر محمد مكّة هاربا مطاردا، ثم عاد إليها بعد سبع سنوات (622 – 09 ميلادية)، لا باعتباره منفيّا نال عفوا شاملا، بل عاد إلى مكّة سيّدا على نصف الجزيرة العربية"...، هكذا كتب المؤرّخ البريطاني أرنولد توينبي Arnold Toynbee (1889 – 1970) عن النبي محمد متحدثا عن صفاء سريرته من الفلسفات الهلنستية التي سبقته، وعن اتهام المسيحية واليهودية له بـ: "تعريب تراثيهما"، مبرزا العداء للعرب، والعربية، ثم الإسلام، بهذا الترتيب، وقد قال في مؤلفه الهامّ "مختصر دراسة التاريخ": "ولد محمد في نطاق البروليتاريا العربية الخارجية للإمبراطورية الرومانية، في عصر كانت فيه العلاقات بين الإمبراطورية وبلاد العرب قادمة على أزمة، في دوران القرنين السادس والسابع الميلاديين". وإذ نلمس موضعية الطرح التاريخي لتوينبي فلا يمكن أن نقول أنّ إشادته -أحيانا- بالنبي محمد، تقصد الاعتراف به، بل الاعتراف له بالقيادة التاريخية لأمة حضارية، استطاعت أن تتمدّد حضاريا، انطلاقا من الطرح العقديّ الراسخ للرسالة المحمدية. ويذكّرني حديث توينبي، بدراسة آنا ماري شيمل Annemarie Schimmel (1922 - 2003) للصوفية عند محي الدين ابن عربي، وتنقيبها عن "الجميل في المقدّس"، والأبعاد الصوفية للدعوة الإسلامية بعد النبي محمد.
نعرّج على كتابات ألفونس دو لامارتين Alphonse de Lamartine (1970 - 1869)، لم يغو الشعر والأدب الرومنسيّ هذا السياسيّ الفرنسيّ الشهير، عن إعمال عقله في دراسة حياة نبي المسلمين، وهو صاحب مؤلف: "حياة محمد/ La Vie de Mahomet"، بوصفه مؤرخا محترفا يعترف ببعده عن علم اللاهوت كتخصّص، لقد تحدث لامارتين بإعجاب وتقدير لعظمة النبي محمد، في هذا الكتاب الذي يعتبر في الواقع مقدمة لكتاب موسوم بـ: "تاريخ تركيا" كان المقصد من رصده هو فسح أرحب المجالات والسياقات والمناسبات للحوار بين الشرق والغرب، وقد اتهم لامارتين بالإلحاد والكفر في فرنسا لإشادة بالنبي محمد، لكنه لم يأبه لتلك الاتهامات، وفي مؤلفه الضخم، اعتراف بأنّ محمدا النبيّ لم يخش النصارى في تعميم الديانة الإسلامية في مدن المسيح، لتطهير تعاليمهم، في احترام وإجلال، ونجد لامارتين يقصّ روايات تصويبية عن خطأ ادّعاءات حول اضطهاد الخليفة عمر بن الخطاب للنصاري، ووقوفه عند رفضه الصلاة في كنيسة القيامة، بعد زيارته لقبر المسيح.
الحقيقة، يظهر للقارئ تماما، كيف أنّ تولستوي أو ماري شيمل، أقلّ إدراكا للتفاصيل التاريخية من توينبي ولا مارتين، وأكثر تركيزا على الأبعاد الصوفية للديانة المسيحية، لامارتين تفوّق على توينبي - لكن بموضوعية أقلّ من الاخير-، في إدراك الكثير من التفاصيل التي تخصّ حياة النبيّ محمد، بل وحياة خلفائه الراشدين، حتى يخيّل للقارئ أنّه يقرأ هشام جعيط أو محمد الشرفي، وقد ذكر الراحل محمد آركون أنّ هذا الصنف من الكتابات، يعرف بـ: "القراءة الملحمية، والسعيدة، للتاريخ الإسلاميّ".
نرحل إلى مؤلّف توماس كارليل Thomas Carlyle (1795 - 1871) الموسوم بـ: "محمد المثل الأعلى"، لقد قام هذا الناقد الساخر والمؤرّخ الاسكتلنديّ المحترف، بتقديم كتاب مرجعيّ عن النبي محمد، عدّد فيه خصاله ليؤكّد انبهاره بالصفات نفسها (أميّة محمد، صدقه وأمانته، إيثاره للصمت، رسوخ وصرامة عزيمته، لين جانبه، جمال وبهاء وجهه، شهامة فؤاده، زهده وتقشّفه، ذكاء عقله، عدالته، صرامته، تواضعه، وناريّته). أدّى تفصيل كارليل لهذه الصفات، إلى تحوّله للدفاع عن الإسلام، ضدّ ما يروّج عن النبي بأنّه كاذب، وتقاطع مع رأي غوته الشاعر الألماني الكبير، في "أنّه يعتبر نفسه مسلما إذا كان الإسلام يحمل كلّ هذه الصفات".
ما يميّز كتابات توماس كارليل حول النبيّ، تبنّيه لتعاليم الإسلام في طريقة تقديمه لحياة النبي محمد وبكلّ تجرّد، كأنّه يخوض عملا تقنيا من الرواية إلى المسرح أو السينما، في محاولة تصوير سيرة النبي المعظّم، فنجده يقول: (محمد لا يخطئ، لأنّه معصوم)، (هذا الدين شريف بروحانيته)، (دين يساوي بين الناس)... وغيره من الأحكام الهامة التي خرج بها من دراسة حياة النبي المعظّم، محمد صلى الله عليه وسلّم.
أما الشاعر الألماني فون غوته Johann Wolfgang Goethe (1749 - 1832)، فقد تشكّلت رؤيته للإسلام من نظرية "المشيئة الإلهية" وحتمية التامل في الطبيعة والتي جاء بها قبله الفيلسوف الراحل باروخ سبينوزا Baruch Spinoza (1632 - 1677)، فبدأت مطالعاته انطلاقا من إعجابه بالمعلقات في التراث الجاهليّ، ثم إعجابه الأكبر بالنصّ القرآني، الذي وصفه بـ: "أعجوبة العجائب" و "مفاجأة لغوية" - كما يتفق مع ها الرأي الشاعر العربيّ أدونيس-، فقد نطق به محمد الأميّ عبر الملاك جبريل، كما أنّ محمدا ليس بشاعر، وهو نقيّ من جميع الفلسفات التي سبقته، بدأ جوته دراسة القرآن سنة 1770، وتعتبر حادثة وصفه لترجمه "ميجيرلين" الألمانية للقرآن، بـ: "الترجمة الرديئة" لأنها تضمن دلالات مسيحية مضادة للإسلام، كما دخل غوته في نقاشات مع شعراء ألمان حول وجود رسالة محمدية بعد المسيح، في محاولة إقناعهم بحتمية الاعتراف بالإسلام، وتحدث غوتة عن "الدراما المحمدية" التي جسدتها معاناة النبيّ المعظّم، والتي أراد أن يتحدث عنها في شعره بشغف كبير، ليحدّث قرّاءه عن حتمية التصالح مع الحقيقة والكفّ عن الانقياد الأعمى للنظريات المسيحية". هذه اللغة الصريحة لغوته، وردت في مؤلف هام للكاتبة كاثرينا ممسين بعنوان: "جوته والإسلام: رؤيا قديمة لعالم معاصر"، نقلت فيه أحاسيس غوته، الذي حوّل طفولة النبي محمد إلى حوار مليء بالمشاعر الجياشة، التي تدفق بها قلب المرضعة حليمة السعديّة.
استضاف جوته في ألمانيا ضباطا مسلمين في منزله سنة 1813، جاؤوا مع الجيش الروسي المتحالف مع ألمانيا مطلع القرن 19، وصفهم غوته بـ: "الضيوف الأحبة، ذوي الهيبة الخاصة"، وتلقى غوته سهاما وأقواسا كهدايا من قبلهم، علقها على جدرانه إلى بقية حياته. كما جاء في هذا الكتاب ذكر لمشاركة غوته المسلمين صلاة الجمعة شهر (يناير 1814)، وقد ازداد شراء الألمان للنسخ المترجمة للقرآن، بفضل دعوات غوته لحتمية قراءة الإسلام، حيث خلص الباحثون إلى أنّ هذا الرجل المتبحّر في تاريخ الكنيسة الأوروبية، قد أعطى نموذجا راقيا للانفتاح على الإسلام والقرآن والعالم العربيّ، وأنّه لم يكن يعبّر عن مواقفه بطرق غير عقلانية، لكونه شاعرا رومنسيا، بل كان غوته أكثر واقعية في طرحه الجريء لمكانة الإسلام وسط النخب الألمانية والأوروبية.
تذكرنا ملامسة غوته لصلاة المسلمين في ألمانيا، بحادثة شهيرة واجهها المفكّر الإسلاميّ الفرنسيّ الراحل رجاء غارودي Roger Garaudy (1913 - 2012)، الذي نجا من الموت المؤكّد، على إثر امتناع جنود جزائريين عن إطلاق النار على المتظاهرين العزّل داخل السجن، غارودي الذي أسلم وبقي محترما الديانة المسيحية دين والده، أعطى مثالا في التسامح الديني. كما لا يمكننا أن نتجاوز الانتقال الكبير للمفكر المصريّ الراحل عبد الوهاب المسيري Abdelwahab M. Elmessiri (1938 - 2008)، من الماركسية إلى تبني الفكر الإسلاميّ، والذي انتهى فيها إلى نفس خلاصات غارودي، حول الأطروحات الإسلامية، لحلّ المعضلات التي تعق الإنسانية.
مؤلف أخير، للباحثة البريطانية كارين أرمسترونج Karen Armstrong (المولودة سنة 1944)، بعنوان: "محمد نبي لزماننا"، كشفت فيه المغالطات الغربية في التشكيك بعبادة المسلمين للنبي محمد نفسه، واعتبارهم "محمدانيين يعبدون الوثن محمد"، إذ تقدّم أرمسترونج السيرة المحمدية بطريقة ملحميّة أيضا، وتلتمس العذر للنبي لما حدث له من انشقاقات في أوساط الصحابة، معتبرة أنّها صورة عمّا حصل للمسيح مع حواريّيه، وانتهت أرمسترونج في كتابها إلى حتمية تصالح الغرب مع الإسلام، لأنّ النبيّ محمدا بنى دولته على مبدأ التسامح، معتمدا مبدأ قرآنيا: "لا إكراه في الدين".
يقدّم الباحث الرومانيّ آرشي أوغسطين Archie Augenstein كتابه بعنوان "الحرب عل الإسلام"، الذي قال فيه أنّه عاد بعد الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق، إلى قراءة نصّ القرآن الكريم، منطلقا من تساؤل منطقيّ: هل ستحيّد العلمانية الإسلام كما حدث مع المسيحية؟، وأقرّ أوغسطين بأنّ الغرب يحيد عن العقلانية بالابتعاد عن تدارس مضامين القرآن الكريم، الواضح، والصريح، لما يتضمنه - عكس المسيحية -، من أحكام يمكنها أن تفسّر ظواهر العصر، وقال أوغسطين أن الدمار والاغتصاب والقتل قد لحق بالمسلمين اليوم، في رحلة واشنطن والغرب لإجبارهم على التخلي عن قيمهم الدينية، واعتماد العلمانية كنهج حياتيّ بديل، مفروض بقوة السلاح، مع سياسة "فرّق تسد"، التي بثّها الغرب بين الفرقاء في أفغانستان والعراق وفلسطين. أما الفرنسيّ إيدوي بلينيل Edwy Plenel صاحب كتاب "من أجل المسلمين"، فهو يناهض ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تسببت في "صناعة خوف غير عقلانيّ" من المسلمين، بوصف وسائل الإعلام الفرنسية لهم بأنها "مشكلة المسلمين في فرنسا"، وتذكّر مواقف بلينيل بمواقف البريطاني جورج غالاوي George Galloway الذي بذل جهودا كبيرة للدفاع عن المسلمين في المملكة المتحدة ودول القارة الأوروبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما هو هدفك من كتابة هذا المقال ?
ملحد ( 2016 / 6 / 23 - 22:09 )
ما هو هدفك من كتابة هذا المقال?


2 - محمد صلى الله عليه وسلم أكبر من مادحيه
عبد الله اغونان ( 2016 / 6 / 24 - 17:03 )

هذا المقال مهم ويشكر عليه الكاتب

لكن نبينا محمد أكبر من هذه الشهادات بالنسبة لنا

لكن أهميتها نافعة جدا بالنسبة للغربيين اذ تبين لهم عظمة هذا النبي الكريم


3 - داعش وبالاً على المسلمين ونورا يهتدي به الآخرون
رمضان عيسى ( 2016 / 6 / 24 - 17:14 )
الاسلام كالقمر له جانب مضيء وجانب معتم ولا يمكن أن ينفصلا . فسيرة النبي محمد وفقره ويتمه وصدقه وصبره في بداية الدعوة لا ينفي عنفه وجبروته وقسوته في التنكيل بالآخر وترسيخ أفعال ونصوص وشرائع تدعو المسلمين لعدم مغادرتها
والسؤال الآن : هل داعش ردة فعل عصبية ضد ما فعلته المسيحية والرأسمالية والاستعمار عبر التاريخ بالمسلمين وبلاد المسلمين ؟
أم هي ردة فعل ضد الفِرقْ والمذاهب الدينية الاسلامية الأخرى وخاصة ضد الشيعة ؟ أم داعش هي ردة فعل وحشية ضد الحضارة ومظاهرها ، ودعوة للعودة بالحياة الى الصحراوية بدون حضارة بما فيها من حروب وسبي وعبودية للنساء واشعال النوازع الجنسية بكامل تفرعاتها ؟
لقد أجابت - داعش - على كل هذه التساؤلات ولو بشكل جزئي ، ولكنها في المحصلة النهائية كانت وبالا ومصيبة على العرب والمسلمين ، فهي منهم وإليهم . ، وكانت النور الذي كشف الجانب التطبيقي المعتم للاسلام والذي لا يمكن تجزأته . .

اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة