الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها [4]

محمد عبد المنعم عرفة

2016 / 6 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقول الإمام أبو العزائم:

العقيدة:
قبل أن نبين الأصول التي يجب أن يعقد المسلم قلبه عليها، أشرح الطريقة التي يجب أن يلاحظها المعلم عند إلقاء درس العقيدة.
سبق لنا أن الإيمان مقدم على العلم، ووضح الحق بلا ريب بما قررناه في كتاب (معارج المقربين) في موضع العلم والإيمان، قال عبد الله بن عمر: كنا نتعلم الإيمان قبل القرآن، وأنتم تتعلمون القرآن قبل الإيمان.
ومعنى ذلك أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتعلمون التصديق قبل العلم، حتى إذا تعلم أحدهم القرآن بعد التصديق كان كما قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)، فإن الإيمان برهان حق على صفاء جوهر النفس، والتكذيب دليل على مرض النفس ونجاستها، لأن النفس الصافية الجوهر تقبل الحق بسرعة لأنه جلى لها، ولكنها كالمهملة قبل إخبارها بالحق، وعندما يخبرها الصادق عن الحق بالحق تقبل مصدقة.

الغرض من دراسة علم التوحيد
لما كان لابد من التصديق قبل العلم، لزم أن نبدأ بتعليم التصديق، حتى يكون العلم موجِباً لليقين الذي يجعل النفس تستحضر تلك المعاني - استحضارا بقدرها لا بقدر الجناب المقدس - ويجعلها تنجذب إلى الحق بكليتها وتسارع في مرضاته، وتفر من موجبات غضبه، حتى يبلغ بها العلم من استحضار تلك المعاني مبلغا يجعل المسلم حسن التوكل على الله، كامل الثقة بالله، عظيم الرغبة في الله، شديد الرهبة من الله، مطمئن القلب بالله، لا تلم بقلبه لمة شيطان فيهم بمخالفة الشرع، ولا يهجس بسره هاجس شك فيتأول كلام الله برأيه، ويجرؤ على فعل القبائح والمنكرات، بل قد يبلغ به اليقين مبلغا حتى يكون إذا ألقى عليه درس في التوحيد كأنه يرى تلك المعاني، لما تقتبسه نفسه من قبس الأنوار القدسية عند سماع صفات الحق سبحانه، وهذا هو الغرض من دراسة علم التوحيد، وليس الغرض منه تشكيك المسلم وتنمية قوة الإنكار والجدل، وتعليمه سوء الأدب مع الأئمة الهداة حتى يبلغ به الجهل مبلغا يجعله ينكر على العلماء.
وقد ظهر الفساد حتى صار بعض المعلمين يجلس في مجلسه يقرر درسا من التوحيد، وتدعوه نفسه إلى أن يظهر قدر علمه ومقدرته على إيراد الشبه وردها بالأقيسة، ويظن المسكين أنه أرضى ربه لما أظهر من أبواب الشبه وما أبدى من دقائق المباحث، وفى الحقيقة أنه أفسد عقول المتعلمين وأبدل اليقين بالشك، والتصديق بالريب، ونجس الآذان بما لا يفيد، وأطفأ نور القلوب بما يظنه خيرًا، فيجلس المعلم السنين الطوال يعلم الفقه والتوحيد والأصول، ولم يوفقه الله تعالى أن يقول في درسه: قال الله، ولا: قال رسول الله. حتى يتخيل بعض المتعلمين أن القرآن الشريف إنما يحفظه أهل العاهات ليكون وسيلة للرزق، وأن كتب السنة يحفظها العامة لتكون تمائم في بيوتهم، فصارت مناهج الكتاب والسنة خفية، وأصبحت القلوب إذا تلي كتاب الله عليها لا تفهم له معنى، بعد أن كانت تقشعر له الجلود، وتلين له القلوب والجلود، ويزداد بتلاوته الإيمان إذا قرىء، وإذا قريء وجلت القلوب.
كان ذلك الحال في السلف الصالح، لأن العالم أو المفتي إذا ذكر حكما من أحكام الله تعالى قال:قال الله تعالى كذا. وكذلك كان المفتي بعد أن يقرر الجواب يقول:قال الله تعالى. بل كان الكاتب إذا كتب رسالة وُدًّ يخللها بقال الله وقال رسول الله. والخطيب في الصلح أو في الزواج أو في الحث على الفضائل أو في بيان مكرمة يتخلل خطبته بقال الله وقال رسول الله، وصرنا في زمان يجلس المتعلم أمام المعلم فلا يسمع إلا الشكوك والريب والاعتراض والجدل، ويجلس في درس الفقه فلا يسمع إلا الخلاف، والتضعيف، ورأى فلان، واستحسن فلان، ونقل فلان.
مع أن السلف الصالح كانوا يقولون في درس الطب: قال الله، وقال رسول الله (ص وآله)، فكان الطبيب إذا نظر إلى ألطاف الله وأسرار الله كيف ركب الجسم وأودع لك الخواص في النباتات افتتح كل موضع من الطب بقال رسول الله (ص وآله): (المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء) وكان البَنّاء إذا ابتدأ يبنى افتتح فقال: قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) وقال:( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْر.....)، وبذكر أحاديث عن رسول الله (ص وآله)، وكان التاجر إذا دخل السوق قال: قال الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا).

طريقة تعليم العقيدة:
فطريقة تعليم العقيدة أن يبدأ المعلم بتعليم المتعلمين التصديق والتسليم لما يلقيه، لأنه أمر بديهي للعقول بعد الإيمان به وبيان دلائله، فإذا أنس منهم التصديق والتسليم نبه فكرهم - بعد حفظ الصفات التي يجب أن يعقد قلبه عليها - إلى ما يراه فيما حوله من الأنواع الكثيرة التي خلقت لأجله، وأنه ينتفع بجميعها ولولاها لكان من المستحيل أن يكون الإنسان موجودا، خصوصا الأشياء الضرورية كالهواء والماء والأرض التي يمشى عليها والشمس التي تضيء له وتعطيه الحرارة.
فإذا تنبه قلبه وحضر لبه يجب أن تنقله إلى مقام أرقى من هذا، فتبين له أن تلك الأشياء لابد أن يكون خلقها قادر حكيم، أراد أن يخلقها صالحة لنفعنا، حتى يتنبه إلى برهان العناية والإيجاد، فيطمئن قلبه، وينعقد على حب مولاه المتفضل عليه بالعناية والإيجاد، لأنه لو لم يكن الموجد للكائنات قادرا حكيما مريدا أن يخلقها صالحة لنا ونافعة، بل وضرورية لوجودنا وبقائنا الزمن المقدر لنا، لم تكن تلك الأنواع مرتبة هذا الترتيب، ومنظمة هذا النظام.
فإذا أنس قلبه بأن هذا الكون أحدثه قادر حكيم بإرادة وتدبير، وأنه سبحانه وتعالى جعله مسخرا لنا بني الإنسان، إذ ما من نوع من أنواع الكائنات إلا وهي لنفعنا وللذتنا ونعيمنا، ولتهذيب أخلاقنا وتزكية نفوسنا، فكان الكل مسخراً لنا حتى الوحش الضاري.
وبتلك الطريقة ترتقي بالمتعلم شيئا فشيئا، حتى يشتد تعظيمه وإجلاله لربه، وتقوى رغبته فيه سبحانه وتعالى، وحبه الحقيقي لمولاه سبحانه، والمسارعة في طاعة أمره، فلا يلقى درسا في معاني الصفات إلا ويشرق على القلب نور اليقين، حتى لو كشف الحجاب لم يزدد يقينا.
فعلم التوحيد في الحقيقة هو العلم الذي إذا اعتنى العلماء بدراسته على الوجه الذي كان عليه السلف، أصبح المسلم عزيزا عاملا للخير العام، لايخاف إلا الله، ولا يرغب إلا في الله، وتشتد تلك المراقبة حتى يتمثل عظيم نعمة الله، وجميل عناية الله به، فيستحي أن يرى نفسه مخالفاً لربه، أو ذليلا لغيره، أو محتاجا إلى غيره.
وما من صفة من الصفات الإلهية إلا ويمكن للعالم أن يشرح للمتعلم المقصود من العلم بها، فإن كانت صفة السمع بين له أن الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من القول، ولا من العمل، فراقبه في سرك وفى علنك، وهكذا في كل صفة من الصفات يعتني بتلك الحكم الجلية المرادة من دراسة هذا العلم، ليقوى الإيمان، وتقوى مراقبة العبد ربه ومحاسبته نفسه، وإنى - والحمد لله - قد جاهدت نفسي على أن أنهج هذا المنهج في إلقاء دروس التوحيد، وببركة الاقتداء بالسلف الصالح حصل الخير للمتعلمين.

علم التوحيد: رأس مال المؤمن، وحصنه الحصين، وذخيرته عند الشدة، ونجاته عند الفزع الأكبر، قال الله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وبقدر إشراق أنواره على القلب يكون ارتفاع المسلم إلى درجات القرب، ومنازل الحب، قال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).
وإنما تكون مقامات اليقين كلها بقدر ذوق أسرار التوحيد، وفهم غوامضه، والانتشال من أوحاله، وقد أصبحنا في زمان صارت دراسة علم التوحيد تسلب الخشية من القلوب وتُمرض النفوس، وتجعل المؤمن - بعد أن كان مسلما يخاف مقام ربه - تعتوره الشكوك والريب.
وبالإهمال في هذا الركن - الذي هو أصل الأصول - تهاون المسلمون بحدود الله، وأهملوا فيما أوجبه سبحانه على المسلمين لجنابه المقدس، ولنبيه (ص وآله)، ولأنفسهم ولأرحامهم، ولخاصة المسلمين وعامتهم، فكادت عروة الإخاء الإسلامي تنفصم، ذلك كله من الجهل بطريقة تعليم علم التوحيد، وإنى أتقرب إلى الله تعالى بتلك العقيدة التي هي أنوار تسليم السلف، وحصون حَيْطة الخلف، متوجها إلى الله سبحانه وتعالى أن يقبلها وينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، ويغفر لي عجلتي الفطرية، وأعوذ بوجهه الكريم من هوى يعمي، ورأى يحجب، وحظ يقطع عن حضرته العلية، وأسأله سبحانه الحفظ والوقاية والسلامة في الدين والدنيا والآخرة، إنه مجيب الدعاء.

العقيدة التي يجب أن يعقد المسلم قلبه عليها:
معلوم أن العقيدة هي عقد القلب على علم بمعلوم عقدا قويا مؤكدا، وفى ذلك الإشارة إلى أن المسلم يجب عليه أن يكون علمه بالتوحيد عن يقين وتمكين، لأن الموقن حقا بالتوحيد هو الذي يسمى مسلماً حقاً لقيامه بشعائر الإسلام عن وجْد وشهود.
والعقيدة الإسلامية هي تصديق القلب بحقيقة ما عليه الأمر في ذاته في نفس الأمر، وطريق ذلك خبر الصادق الأمين، بعد أن يكون المتلقي صحيح الجسم، كامل العقل، سريع الفهم، قوي الفكر، معافى من أمراض الحظ وعمى الهوى، وبذلك يكون مؤمناً حقاً قائماً بما أوجبه الشرع، عاملاً من عمال الله، خليفة من خلفاء ربنا سبحانه وتعالى.
وبدون تلك الشروط لا يبلغ المسلم تلك الكمالات إلا بقدر ما تجمل به من تلك الشروط، التي هي كالآلات والأدوات لكشف أسرار الدين وفك رموزه، فإن المعاني الإلهية من الكمالات الربانية والجمالات والجلالات لا يدركها العقل - من حيث أنه عقل - إلا بقدر ما يتضح له من الدلائل.

الآثار كنوز لم تفك رموزها:
أكثر الدلائل: معان قائمة بمبان مقيدة بأدوات وآلات وكيفيات، تتفاوت العقول في إدراك خواصها فضلا عن غوامض أسرارها، وكيف لا ؟ والإنسان منذ سيدنا آدم عليه السلام وهو يجول بعقله في ميدان الآثار، يرفع الخلف أسس السلف حتى عصرنا هذا، ولا تزال خواص الكائنات تنكشف شيئا فشيئا للعقول، وتظهر مكنوناتها مدهشة للمفكرين، محيرة للمتأملين، ولا عجب، فإن القادر البديع الحكيم خلق الكون كله وسخره للإنسان، قال تعالى: ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْه) وأمد الإنسان بالعقل، وجعل له السلطان على الآثار لتظهر حكمة التسخير.
ولو نظر الناظر إلى ما اكتشفه الإنسان من خواص النباتات والجمادات والمعادن لمعالجة المرضى، وما استخدمه - بما وهبه الله من قوة العقل - من البخار والكهرباء، وما اخترعه من أنواع الصناعات الغريبة والفنون العجيبة، التي كلها: إما لراحة الإنسان وخيره، أو لراحة فئة وشقاء آخرين، فالأول: كعلم الطب والعمارات والتربية وعلوم الحكمة العملية، والثاني: كفنون السياسات وتدبير الممالك واختراع الآلات الجهنمية لقهر بني الإنسان.
ومع هذا كله فلا تزال الآثار كنوزا لم تفك رموزها، وخزائن خيرات لم تفتح أبوابها، ورياض أفكار لم تفتق أكمامها، وهي بما فيها من الخواص معارج لمن سبقت لهم الحسنى، ومدارج لمن سبقت لهم السوأى.
فالإنسان منذ سيدنا آدم عليه السلام إلى عصرنا هذا - مع ما بلغه من الفنون والصناعات - عاجز عن الحيطة بخواص المادة مما أودعه المنعم المتفضل النافع المعطي الوهاب من فضله في الآثار، ووهب لبني الإنسان القوى التي تكشف الستار عنها للنفع العام.
هذا هو أفق العقل، فإذا انكشف للعقل هذا الأفق فصار مبينا، يوقن أن لهذه الآثار مبدعا حكيما بقدر ما أدرك من هذه الآثار لا بقدر ما يليق بالجناب العلي المقدس.
ولا يكون الإنسان مسلما كامل الإسلام إلا إذا شهد - بنور التسليم والإيمان لا بعيون العقل والإمكان - آيات القادر الحكيم مشرقة أنوارها في تلك المباني، دالة على كمال التنزيه والعلو والعظمة والتقديس والكبرياء لذات الواحد الأحد سبحانه وتعالى، تنزيها وتقديسا يليقان بجناب الكبير المتعال، الذي لا تدركه سبحانه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ولا تحوم حوالى عزته وجلاله أنوار عيون الروحانيين، ولا بصائر أولي العزم المكرمين (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ).

كيف يبلغ العقل والنفس درجة الإيمان الكامل ؟:
لا يمكن للعقول وإن كملت، ولا للنفوس وإن تزكت، أن تبلغ درجة الإيمان الكامل إلا بخير الصادق المصدوق (ص وآله)، والتسليم لحضرته المحمدية صلوات الله وسلامه عليه، وبشيء آخر لابد منه، وهو النور الذي يجعله الله تعالى في القلب فضلا وكرما، المعبر عنه بالعقل الموهوب.
فإن العبارات لاتفى بالكمالات الإلهية، بل ولا بالكمالات المحمدية، إلا بمشاهدة بنور الإيمان، وتسليم حق وفقه للبيان، ولو أن كل فرد من بني الإنسان وهبت له تلك المواهب لما اختلف اثنان في الحق، ولكن الحكمة الإلهية اقتضت أن تطالب الإنسان بمعرفة الله بقدر ما لو قصر عنه الإنسان لهلك، لأن أصغر إنسان مؤهل لأن يعرف الحق سبحانه معرفة تحصل بها النجاة من الهول، والسلامة من المقت والسخط، وتتفاوت بعد ذلك مقامات أهل الخصوصيات في هذا المجد العلى والخير الحقيقي، فمن الأفراد الخصوصيين من يهب له الله مواهب يبلغ بها مكاشفة المقربين، حتى لايقع بصره إلا على وجه الله العظيم، ولا يسير به وطر إلا إلى الجناب المقدس، ولا تلم به لمة إلا ملكوتية.
قلنا: وشيء آخر هو النور، فإن هذا الفضل العظيم الذي يجعله الله للعبد، به يكشف أسراراً هي الآن غيب وكانت شهودا قبل، وهي تجلي الرب سبحانه وتعالى يوم قوله سبحانه: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) وأخذه العهود على الإنسان بعد الاعتراف بالتوحيد، والإقرار لله سبحانه بالربوبية، فإن تلك الحضرة لا يشهدها العقل، وإنما تُشْهَدُ بعيون الإيمان وبنور التسليم الذي يجعله الله في قلب العبد.
ولا شك أن ما ظهر عن تلك الآثار من الآيات الجلية إنما هي إشارات لكمالات المبدع الحكيم القادر، ومراء تمثل للقلوب السليمة كالمثل الذي يضرب لتقريب الحقيقة وإيضاحها بقدر ما قال تعالى:(وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) وقوله سبحانه وتعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ).
فكل إنسان لم يجعل الله له النور تسترت عنه الآيات، وحجبت عنه البينات، وصار ضالا في فيافى الحظوظ والأهواء، وعاملا مُجِدّاً للفوز بحظه العاجل ولذته الفانية، لأنه لم تنكشف له آيات الحق الدالة على كمال قدرته، وعجائب حكمته، وجميل إيجاده وإمداده، وما أعده من الكمالات والنعيم الأبدي لمن اهتدى بهدي سيدنا ومولانا محمد (ص وآله) وعمل بسنته، فيكون الذي حرمه الله من هذا النور كالأنعام بل هو أضل سبيلا.
كل تلك المقدمات أرى أنها لابد منها، ولولا أن هذا المختصر لا يسع البيان - كل البيان - لاستوفيت الموضوع، وقد شرحت بعض أسرار من الآيات المنبلجة في الآثار فى كتاب: (معارج المقربين) وجملا من الكمالات والمقامات التي ينالها الإنسان بحسن الاقتداء برسول الله (ص وآله) في كتاب: (أصول الوصول لمعية الرسول) وأشرت إلى شيء من وجوه التفكر في السموات والأرض وما فيهن، ببيان يجعل القاريء يشهد من أسرار الآيات ما يجعله في مزيد من الإيمان، وكمال الإقبال على الله سبحانه وتعالى المنعم بكل تلك النعم في كتاب: (النور المبين لعلوم اليقين) فأكتفي هنا بما بينته.
ويحسن أن أقول: إن العقل لا يستقل بإدراك تلك الأسرار، ولا يمكنه أن يبلغ مبلغا بالإنسان يجعله (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)، بل ولا يقتدر أن يجعل الإنسان سعيدًا في مجتمع مدني سعادة معقولة يعم خيرُها أفراد بني الإنسان، فإن له منطقة خاصة به لا يتعداها، وإن كان هو الآلة لكل الخيرات فإنما يجول في مادة موجودة ليخترع ما يلائمه، أو يستنتج منها نتائج معنوية تدل عليها بطريق الالتزام مما قد يخطىء فيه أو يصيب، فلم يبق طريق يبلغ به الإنسان السعادة الحقيقية والخير الحقيقى في الدنيا والآخرة إلا خبر الصادق، الذي يقيم الحجة للعقل أنه صادق حقا فيسلم له ويستسلم، لديها يفوز بكل خير عاجل وآجل، ولا يمكن أن تتلقى العقيدة التي بها النجاة إلا من هذا الطريق، وقد شرحت جملا في كتاب: (أصول الوصول) ولكن لابد أن أبين ما الحاجة ماسة إليه، حتى لا يخلو هذا المختصر من أصل الأصول فأقول وبالله التوفيق:

العقيدة المأخوذة من كتاب الله تعالى وبيان رسوله (ص وآله): مأخذها كتاب الله تعالى، وبيان رسول الله (ص وآله)، وما قرره بعد ذلك أئمة الهدى رضوان الله عليهم، وقام بتدوينه أهل العلم المخلصون خدمة للأصل الأول من أصول الدين الذي هو رأس المال لكل مسلم، قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وقوله سبحانه وتعالى:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) وقوله جل شأنه:( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) وقوله تعالى:( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) وقال (ص وآله) (مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ باٌللهِ شيَئاًدَخَلَ اٌلجَنةَ) ( ) وقال (ص وآله): (مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ باٌللهِ شيَئا حَرَّمهُ اٌللهُ عَلَى اٌلنَّارِ).
وقد أجمع المسلمون جميعا عليها إلا ما اختلف فيه، والخلاف بينهم رضي الله عنهم فى أمور جزئية اقتضتها مقاماتهم من العلم بالله تعالى، وكلهم خائفون من الله سبحانه وتعالى، ومراتب الخوف متفاوتة، فالسلف الصالح رضوان الله عليهم خافوا وسلموا علم ما ورد مما يقف العقل دون إدراكه إلى الله تعالى، إجلالا لكلام الله تعالى الذي هو صفة من صفاته، والخلف خافوا فتأولوا ما ورد للوُسْعة في ذلك، إجلالا للجناب المقدس أن تتصوره العقول، و (إِنَّما الأعْماًل بالنيَّاتِ) وكلهم مؤمنون، بذلوا وسعهم في خدمة العلم وتقرير الحق والله واسع عليم، وإنى أحب الكل، وأسأل الله تعالى أن يتقبل أعمالهم بقبول حسن، وأن يغفر لى ولهم، وأحب أن كل مسلم يتعلم ويعمل، فإذا تعلم وعمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم، وهذه هي العقيدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العقل والبرهان والقلب والشهود
محمد عبد المنعم عرفة ( 2016 / 6 / 24 - 13:05 )
قول الإمام: لا يكون الإنسان مسلما كامل الإسلام إلا إذا شهد - بنور التسليم والإيمان لا بعيون العقل والإمكان - آيات القادر الحكيم مشرقة أنوارها في تلك المباني

هنا يتحدث الإمام عن ظهور أنوار الأسماء الإلهية في المباني الإنسانية، فترى فيها الحي والسميع والبصير والعليم والحكيم والحليم الخ.. وهذا ليس للعقل دور كبير فيه لأنه (شهود) قلبي أكثر منه برهان عقلي.. ومن لم يكن من أهل الولاية والإيمان لا يرى آيات الله في نفسه ولا في الآفاق

اخر الافلام

.. -لم يقل لنا المسيح إن العين بالعين-.. -أسقف سيدني- يسامح مها


.. رحيل أبو السباع .. 40 عاماً من إطعام زوار المسجد النبوي




.. بعد 40 عاماً من تقديم الطعام والشراب لزوار المسجد النبوي بال


.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..




.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام