الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخوخة النشطة: رؤية أنثروبولوجية 2/1

حسني إبراهيم عبد العظيم

2016 / 6 / 25
حقوق الانسان


الشيخوخــة النشــطة: رؤية أنثروبولوجية 2/1

- مقدمة:

يمثل طول العمر واحداً من أعظم انتصارات البشرية في العصر الحديث، كما أنه واحدا من أعظم تحدياتها في ذات الوقت، والحق أن ثمة تغيرا طرأ على النظرة للمسنين في الوقت الراهن، حيث غدا المسنون يمثلون موردا ثمينا - تم تجاهله لفترات طويلة – يمكن أن يقدم إسهاما عظيما في إطار نسيج مجتمعاتنا المعاصرة. (WHO 2002:6)

من أجل ذلك تزايد الاهتمام بالمسنين، ورعايتهم من النواحي الاجتماعية والصحية والفكرية، وتجلى ذلك الاهتمام في بروز مفهوم جديد للتعامل مع المسنين، وهو مفهوم الشيخوخة النشطة active ageing والذي يحظي باهتمام واضح من جانب المؤسسات الدولية كمنظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي، وينال اهتماما مماثلا من جانب الباحثين في مجالات الصحة العامة، وعلم الاجتماع الطبي، والأنثروبولوجيا الطبية.

والواقع أن الشيخوخة تمثل مرحلة طبيعية من مراحـل الحياة. ويرى الباحثون أن الطـريقة التي يكبر بها الأفراد، وتلك التي يعايشون بها مرحلة الكبر، وأيضا قدراتهم الصحية والعضوية في تلك المرحلة لا تعتمد فقط على التركيب الجيني الوراثي، وإنما تعتمد وبشكل أكثر أهمية على ما فعله الأفراد أثناء تلك الحياة، وعلى نمط الأحداث التي واجهوها في مسار حياتهم، وتعتمد كــذلك على السـؤال: كيف وأين عاشـوا حياتهم؟ (WHO 1998:3)

والحق أن الاهتمام بالكبر أو الشـيخوخة كمرحـلة عـمريــة مهمة في حياة الإنسان قد بدأ متأخرا من جانب الباحثين في المجـالات العلمية المختلفة بالمقارنة بالمراحل العمرية الأخرى خاصة مرحلتي الطفولة والمراهقة، اللتان نالتا قسطا وافرا من الاهتمام. (بشــير معمرية وعبد الحميد خزار76:2009)

وعلى الرغم من أن للأنثروبولوجيا تاريخا طويلا في الاهتمام بمتغير العمر من خلال اعتماد الأنثروبولوجيين على الإخباريين المسنين، إلا أنها لم تهتم بنفس القدر بقضايا الشيخوخة والمسنين، فالانشغال العلمي الأنثروبولوجي بالمسنين يعد – باستثناءات معدودة – ظاهرة حديثة نسبيا. (Mengesha 2002:3)

بيد أن ثمة عوامل متنوعة ـ اجتماعية وديموجرافية وإنسانية وحقوقية - قد أدت إلى اهتمام مكثف بقضايا الكِبر والمسنين خلال العقود الأخيرة في مختلف أنحاء العالم، فالتغيرات الديموجرافية والاجتماعية التي شهدتها تلك العقود – خاصة تلك المتعلقة بطول العمر والتحسن الملموس في برامج الرعاية الصحية – قد خلقت واقعا جديدا ومتميزا بالنسبة للرجال والنساء على حد سواء. (Perrig-Chiello 2006:9)

ففي كل أنحاء العالم يتزايد السكان في الفئة العمرية التي تبدأ بستين عاما فأكبر بوتيرة أسرع من الفئات العمرية الأخرى. فخلال الفترة من عام 1970 حتى 2025 يتوقع أن يتزايد كبار السن بمقدار 694 مليون نسمة، أي بنسبة 22.3%، ويتوقع أن يصل عدد السكان الذين تتجاوز أعمارهم 60 عاما إلى 1.2 مليار نسمة في عام 2025، وبحلول عام 2050 يتوقع أن يكون هناك 2 مليار نسمة تتجاوز أعمارهم 80 عاما، يعيش 80% منهم في الدول النامية. ففي تلك الدول كان عدد من تتجاوز أعمارهم ستين عاما في عام 2002 حوالي 400 مليون نسمة، وسوف يتضاعف ذلك العدد ليصل إلى حوالي 840 مليونا في العام 2025، يمثلون 70% من إجمالي عدد المسنين في العالم. (WHO 2002:12)

ولقد أدى انخفاض معدلات المواليد وتزايد معدلات العمر المتوقع خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إلى ارتفاع واضح في نسبة المسنين في القارة الأوربية، ويتوقع أن تتزايد تلك النسبة خلال العقود التالية. فنسبة السكان الذين تجاوزوا سن الستين والثمانين في دول الاتحاد الأوربي سوف تتزايد من 22.4% (من تجاوز سن الستين) و 4.3% (من تجاوز سن الثمانين) في عام 2004 إلى 32.4% و7.5% على التوالي في عام 2030. (Doblhammer and Ziegler 2006: 267)

والحقيقة أنه مع النمو المتزايد لأعداد المسنين في المجتمعات المعاصرة، أضحى من الضرورة إيجاد الوسائل الملائمة للحفاظ على صحتهم، وتحسين قدراتهم العضوية، من أجل مساعدتهم على التوافق بشكل جيد مع مجتمعاتهم، والوصول في نهاية المطاف إلى تحسين نوعية الحياة الخاصة بهم. (WHO 1998:1)

- في تعريف الشيخوخة النشطة:

تمثل الشيخوخة المرحلة الأخيرة في حياة الإنسان، وقد اختلف الباحثون في تحديد بداية تلك المرحلة، حيث تعددت المقاييس والمؤشرات التي يُعتمد عليها في تحديد بداية مرحلة الشيخوخة، فهناك المؤشر الزمني Chronological ، وهو المؤشر الأكثر حضورا في معظم الدراسات، وثمة تعريف زمني مقبول لدى معظم دول العالم، وهو أن الشخص المسن هو الذي يتجاوز عمره الستين عاما. (Mansy 2009: 502)

ويرى بعض الباحثين أن هناك مرحلتين زمنيتين متميزتين للشيخوخة، الأولى يطلقون عليها الشيخوخة المبكرة وهي تمتد من سن 60 – 70 عاما، والثانية هي مرحلة الهرم التي تبدأ من سن السبعين إلى نهاية الحياة، ويرى البعض أن المعيار الزمني وحده ليس كافيا لتحديد مرحلة الشيخوخة، ولذلك يلجأ كثير من الباحثين لمعيار آخر وهو العمر الوظيفي والذي يعطي مؤشرا للعمر بالنسبة للقدرة الأدائية. (عبد اللطيف خليفة 1997: 12-13)

ولقد قدم الباحثون في مجال علم النفس وعلم الاجتماع الطبي خلال ثمانينات القرن الماضي عدة مفاهيم توصّف مرحـلة الشـيخوخـة، وتحدد السـمات التي ينبغي أن تتحقق في تلك المرحلة، فقدم كل من "روو" Rowe و"كان" Khan مفهوم الشـيخوخة الناجحة successful aging ليوضح أن التدهور في الوظائف العضوية والعمليات النفسية، ليس بالضرورة جزءا لازما لاينفصم من مرحلة الشيخوخة، وقدم بعد ذلك "بينفانت" Benifant وزملاؤه مفهوم الشيخوخة الصحية healthy aging الذي يركـــــز على غياب المعاناة والمرض، والتمتع بصحـة جيدة. Kaplan 1989:703) (Guralnick and

وترى منظمة الصحة العالمية WHO أنه يمكن تحقيق مستوى جيد من الرعاية للمسنين إذا تبنت الحكومات، والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني سياسات وبرامج الشيخوخة النشطة active ageing، التي تعمل على تعزيز الصحة والمشاركة والأمن لكبار السن، ويجب أن يتم ذلك بأسرع وقت ممكن. (WHO 2002:6)

ولقد تبنت المنظمة مفهوم الشيخوخة النشطة في نهاية عام 1990، وذلك بديلا لمصطلح الشيخوخة الصحية healthy ageing ومن ثم قدمت تعريفا للشيخوخة النشطة مفاده أنها عملية تعظيم الفرص لتعزيز الصحة والمشاركة والأمن، من أجل تحسين نوعية الحياة لكبار السن. وتطبق الشيخوخة النشطة على الأفراد والجماعات السكانية على السواء، إن هذا المفهوم يسمح للمسنين أن يدركوا قدراتهم العضوية والنفسية والاجتماعية، ومن ثم يشاركوا في النشاط الاجتماعي وفقا لاحتياجاتهم، ورغباتهم وإمكانياتهم، وهو ما يمنحهم الحماية والأمن والرعاية من الجميع. (WHO 2002:12)

وثمة تعريف آخر ورد في تقرير مشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأوربي في عام 2013، مؤداه أن الشيخوخة النشطة تشير ألى تلك الحالة التي يستمر فيها كبار السن في المشاركة في سوق العمل الرسمي، وينشغلون في الأنشطة التطوعية المثمرة، ويعيشون حياة صحية، مستقلة وآمنة. (UN / EU 2013:4)

ويرى شاكرابارتي وزملاؤه (Chakrabarti et al. 2015: 260) أن الشيخوخة النشطة هي منهج يتعلق بالتعامل مع المسنين يهدف إلى تحقيق نوعية حياة راقية للأفراد عندما يتقدمون في العمر، والتأكيد على أن المسنين ليسوا مجرد مستقبلين سلبيين للمساعدة من المجتمع، وإنما يمكن أن يساهموا بفاعلية في مختلف أنشطته.

يشير المصطلح (نشطة) active في التعريفات السابقة إلى المشاركة المستمرة في الشئون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والروحية والمدنية، وليس مجرد القدرة العضوية، أو المشاركة في قوة العمل. إن المسنين الذين تقاعدوا عن العمل، أو المرضى، أو العجزة يمكن أن يظلوا مساهمين إيجابيين لأسرهم وأصدقائهم، ومجتمعاتهم المحلية، وأمتهم أيضا. والواقع أن مفهوم الشيخوخة النشطة يهدف إلى توسيع فكرة الحياة الصحية، ونوعية الحياة لكل البشر عندما يتقدمون في السن، بما في ذلك الضعفاء والمعاقين والمحتاجين للرعاية. (WHO 2002:12)

إن المشاركة القوية من جانب المسنين في مختلف شئون المجتمع تمثل دعامة قوية للشيخوخة النشطة، وتتضمن المشاركة الدخول في برامج التنمية الاقتصادية، والعمل الرسمي وغير الرسمي، والعمل التطوعي، وذلك وفقا لاحتياجاتهم الفردية، وتفضيلاتهم الشخصية وقدراتهم البدنية، وتختلف كل صور تلك المشاركة بطبيعة الحال من مجتمع لمجتمع وفقا لمجمل ظروفه الاجتماعية والاقتصادية. (WHO 2006:25)

وقد وضعت منظمة الصحة العالمية خطة متكاملة لتحقيق الشيخوخة النشطة تقوم على ثلاث دعائم أساسية، مشاركة المسنين في عملية التنمية في مجتمعاتهم، تعزيز الصحة والسلامة للمسنين، وخلق وتأكيد وتفعيل بيئة اجتماعية ملائمة لهم. (WHO 2006:12)

ويرتكز مدخل الشــيخوخة النشــطة على تبني مبادئ حقوق الإنسان فيما يتعلق بالمسنين، وكذلك على مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بالاستقلال، والمشـاركة، والكرامة، والرعاية وتحقيق الذات، إنه يتعارض بصورة جوهرية مع المدخل المرتكز على الحاجات "needs-based approach" الذي يفترض أن كبار السن هم كائنات سلبية، ويؤكد على المنهج المرتكز على الحقوق rights- based approach حيث يشدد على حقوق الأفراد في المساواة في الفرص في كل مناحي الحياة عندما يبلغون الكبر، إنه يدعم مسئوليتهم في المشاركة في العملية السياسية وكل جوانب الحياة الاجتماعية. (WHO 2002:13)

ونخلص في هذا السياق إلى أن مفهوم الشيخوخة النشطة يمثل مدخلا علميا وإنسانيا وأخلاقيا للتعامل مع كبار السن، ويرتكز هذا المدخل على فكرة أساسية وهي أن مرحلة الشيخوخة ليست عبئا اقتصاديا واجتماعيا على المجتمع، بل على العكس من ذلك تماما فهي مرحلة العطاء النشط والخبرة التي تمثل موردا إنسانيا ثمينا.

ومن خلال ما سبق يمكن تعريف الشيخوخة النشطة من وجهة نظر الدراسة الحالية بأنها: (تمتع المسنين برعاية صحية وإنسانية لائقة، وتفعيل بيئة طبيعية واجتماعية ملائمة لهم، وتنمية وعي المسنين بقدراتهم العضوية والفكرية والاجتماعية، ومشاركتهم الملموسة والفعالة في مختلف شئون المجتمع الذي ينتمون إليه أو يعيشون فيه، وتتضمن تلك المشاركة الإسهام في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وممارسـة العمل الرسمي وغير الرسمي، والعمل التطوعي، والمشاركة السياسية، والمشاركة في الأنشطة الثقافية والروحية والمدينة، وتحقيق الأمن والحماية والسلامة من الأذي، وتمتعهم بالاستقلال والكرامة وتحقيق الذات، وكل ذلك في إطار مراعاة احتياجاتهم الفردية، وتفضيلاتهم الشخصية وقدراتهم البدنية).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حديثي الولاده
د.قاسم الجلبي ( 2016 / 6 / 25 - 09:35 )
بينت الآحصائيات الآخيره ان الآطفال اللذين ولدوا حديثا قد يعمر ثلث هؤلاء الى سن ال100 من عمرهم , بفضل الرعايه الصحيه الآوليه في الدول المتقدمه ,, بالاضافه الى بيئه نظيفه , من هذا سيتحقق مبدىء الشيخوخه النشيطه , حديثي الولاده في بلداننا تحتاج الى دعم مادي كبير من اجل تطعيمهم ضد العديد من الفايروسات لتحصينهم من هذه الآمراض مع تغديه جيده وعنايه اكثر بالآم ,من اجل ان يصل اطفالنا الى شيخوخه نشطه تخدم وتساهم بخلق مجتمعا نشطا لكبار السن وان يمروا بمرحله الشيخوخه بهدوء وسلام, تحيه للكاتب عل مقالته هذه بفتح موضعا جديدا قد يساهم في نضج وفهم معلومات اضافيه اخرى حول الشيخوخه النشطه, مع التقدير


2 - شكرا د. قاسم على إضافتكم
حسني إبراهيم عبد العظيم ( 2016 / 7 / 2 - 23:12 )
شكرا لكم د. قاسم الجلبي على مروركم الكريم ، وشكرا لكم على الإضافة التي تفضلتم بها، فالجيل القادم بالفعل سيكون الأكثر إعمارا، وبالتالي ينبغي التخطيط جيدا لضمان شيخوخة أفضل لهم تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. اعتقال طلاب مؤيدين لفلسطين تظاهروا في جامعة جنوب كاليفورنيا


.. -الأونروا- بالتعاون مع -اليونسيف- تعلن إيصال مساعدات إلى مخي




.. عنف خلال اعتقال الشرطة الأميركية لطلاب الجامعة في تكساس


.. تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني




.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة