الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المتدهور وليد -الفقه- المتحجر

يامنة كريمي
كاتبة وباحثة

(Yamna Karimi)

2016 / 6 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المجتمع المتدهور وليد "الفقه" المتحجر

يامنة كريمي
باحثة في الديانات وقضايا المرأة

تحكم قاعدة (ما تمشي غير فين ما مشاك الله) عقلية معظم الطبقة الشعبية المغربية وتحدد أفعالهم وتصرفاتهم مما تولد عنه شعب متأسلم يغرق في التناقضات. فمن جهة تجد بين مسجد ومسجد مسجدا، وسجادات وخيام الصلاة تنصب في الشارع العام والكل مملوء على آخره وقت الصلاة والجميع يركع ويسجد. ومن الجهة الأخرى تجد أن بلد هؤلاء الركع السجود -المغرب للأسف- يحتل المراتب الأخيرة دوليا على مستوى التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية... ويتربع على قمة الهرم في الرشوة والمحسوبية والزبونية وعدم احترام حقوق الإنسان. ولا نقصد التعميم، ولكن المجال لا يسمح بتوضيح بعض الاستثناءات الطفيفة في مجال حقوق الإنسان والتنمية والتي بدورها حادت عن الطريق بسبب عقليات القائمين عليها.
وحسب المعطيات المتوفرة والمعيش اليومي يرجع السبب في تشوه المجتمع المغرب إلى فهم اتكالي لطبيعة الثقافة الإسلامية التي تتربى عليها الطبقة الشعبية. تلك الثقافة التي تقوم في جزء كبير منها على تفسيرات وتأويلات الأغلبية للقرآن والتي تكون في غالب الأحيان خاطئة وخارجة عن جوهر ومقاصد النص القرآني. إضافة إلى أخذ معظم المجتهدين بالأحاديث التي لا صلة لها بالقرآن وتهميش التاريخ وسياقات الأحداث ومبادئ المنطق والعقل في استقراء النصوص القرآنية. وعلى الرغم من أن المغرب رسميا، مذهبه سني مالكي وعقيدته أشعرية تؤمن في أن: (أفعال العباد خيرها وشرها من خلق الله؛ والإنسان يكتسبها بالقدرة التي خلقها الله فيه (الكسب).) فالفكر الجبري هو السائد في المغرب.
وإن كان هذا البحث سيشكل إجابة جديدة عن سؤال قديم-حديث، قد تضاربت المواقف بصدده هو معرفة إن كان الإنسان مسيرا أو مخيرا في إتيان افعاله وما يترتب عنها، فإن ذلك لن يجرنا للخوض في خصوصيات الفرق الإسلامية وصراعاتها، وإنما سنستعين فقط ببعض مبادئها وأفكارها بما يخدم الموضوع والذي سيطرح الإشكاليات التالية:
- تحديد خطورة ظاهرة السلبية لدى المغاربة ومعرفة أسبابها.
- شبهة الجبرية في تأويل النصوص القرآنية التي استشهدوا بها.
- تنزيه القضاء الإلهي عن الظلم الذي ألصقه به الجبريون والوسطيون.
- البرهنة على حرية ومسؤولية الفرد في إتيان أفعاله ومزايا ذلك.
أولا، خطورة ظاهرة السلبية لدى المغاربة وشبهة الفكر الجبري
أ) خطورة ظاهرة السلبية لدى المغاربة ومرجعياته
تعودت الطبقة الشعبية ترديد عبارات من قبيل، (المكتوب ما منو هروب) (الحوانت ملاصقة والارزاق مفارقة) (ها دشي ما كتب الله) (ملي يبغي الله غندير كذا وكذا...).
الدلالة الواحدة والوحيدة لما سبق هي أن الإنسان لا يملك حق الاختيار في إتيان افعاله ويفتقر لأي حرية أو قدرة لتحديد مصيره الفكري والاجتماعي والمالي والأخلاقي ...بدعوى أن ذلك قضاء وقدر. وهذا ما عرف بالفكر الجبري. والجبر لغة، هو الإكراه والإرغام والقهر، واصطلاحاً، هو إكراه وإرغام من قبل الله سبحانه لعباده على فعل الأشياء حسنة كانت أم قبيحة من دون أية إرادة للرفض من قبلهم. وهذا المعنى هو الذي يغلب على الخطاب اليومي للمغاربة الذي قال بصدده الشهرستاني وهو يعدد آراء صاحبها الجهم بن صفوان: (... ومنها قوله في القدرة الحادثة: إن الإنسان ليس يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة وإنما هو مجبور في أفعاله، لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار، وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات، وينسب إليه الأفعال مجازا، كما ينسب إلى الجمادات، كما يقال: أثمرت الشجرة وجرى الماء... إلى غير ذلك، والثواب والعقاب جبر كما أن الأفعال جبر، وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضا جبر). وقد ألحق هذا الفكر بمجموعة من المجتمعات الإسلامية منها المغرب آفات سوسيو-اقتصادية خطيرة، تتمثل في التفريط في كل القيم الإنسانية البناءة مثل الاجتهاد والتفاني في العمل والصدق والأمانة والعدل والحق والمساواة...، فشاع الركون للكسل والنفور من الكسب الحلال إلى جانب ترسخ مظاهر الكذب والنفاق والنصب والاحتيال والتزوير وتبذير المال العام والمطالبة بالحق دون القيام بالواجب. وفي متاهة الفساد الاقتصادي والاجتماعي والخلقي هذه ضاع الحس الوطني والإنساني والمبادرة الحرة والمغامرة من أجل المساهمة في بناء وتنمية صرحهما. والمشكل لا يقف عند هذا الحد وإنما يمتد إلى اعتبار مجموعة من النصوص القرآنية كمرجعيات لهذا الفكر مما يسيء للخلق والخالق. وكمثال عن تلك النصوص ما يلي:
1) (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) الأنعام 102؛
2) (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ). التكوير 29؛
وحتى مع تقديم أدلة قرآنية فإن الجبرية قد تم تكفيرها ونعتها بأقدح النعوت بدعوى أن فكرها كان يتماهي مع السلطة الأموية ويبرر ظلمها واستبدادها. لكن خطورة الأمر لا تنحصر في تكريس ظلم الشعوب الإسلامية آنذاك وإنما تتجاوزه إلى حد الإساءة لله وكتبه ورسله. فالقول بأن الإنسان مسير وليس له أي حق أو قدرة في اختيار ما يقدم عليه من أفعال والتي سيحاسب عليها، ينفي عن الله صفة العدل. كما أن قول الجبرية ذلك، ينفي مهمة الرسل والرسالات لأنه إذا انطلقنا من كون الإنسان مجبر على ما يقوم به من أفعال، فما الحاجة إلى كتب سماوية تتضمن العقائد والشرائع والأحكام ورسل للتبليغ والشرح والتبيان وإلى علم واجتهاد يجعل كلام الله رحمة للعالمين وصالح لكل زمان ومكان ؟؟
ب) شبهة الجبرية في تأويل النصوص القرآنية
لقد أثبتت الدراسة أن النصوص القرآنية التي استشهدت بها الجبرية لدعم موقفها، عرفت تقصيرا في الشرح وانحرافا في استخلاص الدلالات كما سيتضح من خلال تحليل بعض النماذج وهي:
) (1اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) الأنعام 102.
في قوله تعالى: (لله خالق كل شيء) نقول آمنا كما آمنوا. أما عبارة (وهو على كل شيء وكيل)، فالوكيل حسب موقعها من الجملة وحسب سياقها القرآني لا تعني النائب كما شاع عن عبارة وكيل وإنما هي هنا بمعنى الاتكال على الله. والاتكال على الله وعليه وحده أمر واجب لكنه لا ينفي عن الإنسان حقه في اختيار أفعاله وتحمل مسؤولية اختياره، وكأمثلة على ذلك (أعقلها وتوكل) أي قم بما عليك القيام به واترك الباقي على الله. (فإذا عزمت فتوكل)، فالعزم هو قمة الاختيار أما التوكل على الله فهو السعي لنيل رضاه وعونه وتوفيقه. وعليه فإن حرية الاختيار والتوكل على الله هما أمران متلازمان لدى كل مؤمنة ومؤمن.
) (2وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ). التكوير 29.
ليتضح المعنى لا بد من جعل العبارة في علاقتها مع ما يسبقها ويلحقها من كلام : {إنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} * {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} * {وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ}. فمعنى (ِإنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) هو أن الله يذكر عباده بأوامره ونواهيه وعاقبة كل من المؤمن والكافر وذلك ليتوضح الامر أكثر لمن كانت له الرغبة والاستعداد في الاستقامة وسلوك سبيل الله(لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) ثم يقول تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ). إن تقديم مشيئة الله عن مشيئة الراغبين في الاستقامة يأتي بمعنى أن مشيئة الله هي أمره لعباده باتباع ما أحله والابتعاد عما حرمه. اما مشيئة (َمن شَاءَ...أَن يَسْتَقِيمَ)، فمعناها الطاعة والشكر والامتنان أو العبادة، باعتبار أن العبادة هي الامتثال لأوامر الله ونواهيه والسير على خطاه وهذا ليست له أي علاقة بقوة الله وقدرته وضعف الإنسان أمام خالقه.
ومنه فإن قول الجبرية بأن الإنسان مجبر على إتيان أفعاله أمر خاطئ والنصوص القرآنية التي استدلت بها بعيدة كل البعد عن الجبر، وإنما المشكل يكمن في كون تفسيرها واجتهادها اقتصر على ظاهر النصوص القرآنية والتقليد الأعمى للسلف، مع إهمال الشرح الدقيق للمفاهيم وتحديد السياقات واستعمال المنطق والعقل في استقراء تلك النصوص واستنتاج آياتها ودلالاتها. إضافة إلى عدم الوعي بأن القرآن يفسر بعضه بعضا وأن المتشابهات التي يظهر أنها تخالف مقاصد الإسلام تعرض على المحكمات فيزول عنها طابع اللبس والتناقض وتتضح موافقتها للمقاصد وللعدل الإلهي، وهذا موضوع النقطة الموالية.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا