الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل إلى الشيخ حسن فرحان المالكي [1]

محمد عبد المنعم عرفة

2016 / 6 / 28
الادب والفن


الشيخ حسن رجل ممدود بنور النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والدليل على هذا كتاباته حول الإسلام، فهو يرى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث بالعدل والحرية والمساواة، وليس فقط بالتوحيد، فهو يفهم الإسلام فهماً نورانياً مختلفاً عن الفهم السلبي السلفي (أن تجتنب عبادة الأصنام والأوثان، ومنها -عياذاً بالله، قطع الله ألسنتهم- رسول الله وأهل بيته، وألا تعلق حلقة أو تميمة، وألا وألا.. الخ)، ثم لا تجد بعد كل هذا الهدم أي بناء !! فهل جاء الإسلام بمشروع هدم فقط ؟! طيب هدمنا الجاهلية، فأين الإسلام ؟! أين برنامجه في بناء الإنسان المسلم والمجتمع المسلم ؟! عند السلفية: لا يوجد.. لأنهم لا يعترفون بمقصد (التزكية) أحد مقاصد البعثة الخمسة (ويزكيهم) كما أراده النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكما علمه الإمام علي عليه السلام، وكما تلقاه المسلمون عنه، من أنه لابد من (شيخ مربي) مسند متصل الإسناد إلى حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستضئ به السالك في سيره إلى الله حتى يصل، وبدون الشيخ لا يصل إلى مقصده (ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا).

هذا الفهم السديد للإسلام يدل على أن الشيخ حسن - أكرمه الله وأسعده وجمله بحابه ومراضيه - رجل منير القلب زكي النفس، له حظ طيب من نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم الساري في عباد الله المؤمنين.

ولنا أن نتسائل: هل محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإتصال الروحي بجنابه الكريم والإقتباس من أنواره وأسراره أمسى شركاً ؟!
ما سبب غلو السلفية في توصيف الشرك ؟ التأثر بالإتجاه الأموي
لماذا جعل الله تعالى الإتجاه الأموي هو المسيطر على الفكر الإسلامي حتى الآن ؟ ولا يقع في ملكه إلا ما أراد كوناً..
ما هي الحكمة من خلق الكافرين والمكذبين ؟
ما سر قوله (ولا يزالون مختلفين) ؟
ما سبب تلك المفارقة العجيبة من أن أسوأ الناس خلقاً هم أبناء هذه الصحوة المزعومة!
وإذا كانت هذه الصحوة مزورة وافتراء على الإسلام فأين الراية التي يحب الله أن تُرفع ؟
يقول السنة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفى سنة 11 هـ وانتهى معه موكب الرسالات منذ عهد آدم، كأنه كان مسرحية وانتهت وأسدل عليها الستار..
ويقول الشيعة نفس الكلام ولكنهم يؤخرون إسدال الستار قليلاً حتى عام 359 هـ بغياب محمد بن الحسن العسكري غيبته الكبرى..
فهل تم إسدال الستار فعلاً ؟
وهل مهمة أعظم نبي في التاريخ البشري قاطبة اقتصرت على 23 سنة من عمر البشرية ؟!
وإذا كان الصحابة وجدوا المعين والمعلم والمربي، فهل كانوا مكلفين ونحن غير مكلفين بهذا الدين مثلاً ؟!
هل يمكن أن نحتج بهذا على الله يوم القيامة وتكون لنا الحجة عليه ؟ (أستغفر الله)
طبعاً لا.. الحقيقة التي لا غبار عليها والتي لا يصدقها إلا شجعان العقول والقلوب - كالشيخ حسن - أن الستار لم يُسْدَل، ولله الحجة البالغة علينا لا العكس.
ما القصة منذ البداية ؟!

[1] حكمة إيجاد الدنيا وخلق الإنسان
لكي نفهم أي شئ على حقيقته، يجب أولاً أن نعرف حكمة خلق العالم، ومن المؤكد أنه ليس لأجل الصلاة والحج والعبادات، لأن الملائكة كانت ولا زالت تقوم بها، فلماذا خلْق الإنسان و إخراجه من الجنة وتكليفه في الدنيا ؟
أجمع أهل الكشف وأرباب علم الحقيقة (مثل محي الدين بن عربي وأبو حامد الغزالي وجلال الدين الرومي وأضرابهم) أن خلق الله تعالى هذا العالم وأوجده ليظهر فيه، ويرى الصوفية أن الله (غيب مطلق)، خلق هذا العالم لكي (يتجلى) فيه بصفاته وأسمائه الحسنى في الإنسان وفي الأحداث، يظهر بأسمائه وصفاته في الأنفس والآفاق (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، ومفهوم الظهور هو المعبر عنه في هذه الآية وفي القرآن بشكل عام بلفظة (آية أو آيات) ومشتقاتها، وهذا أمر كبير وعظيم بدليل أنه أحد مقاصد البعثة وعلومها الخمسة (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) وَيُعَلِّمُكُمْ مَالَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) وجعل علم (تلاوة الآيات) في المقدمة وفي الصدارة، لأنه علم يدل على الله وظهوره في خلقه، في الأنفس والآفاق.

1- أما ظهوره في الآفاق فهو على قسمين:
الأول: أن يظهر في الأكوان :
يظهر في السماء باسم الرافع، وفي الأرض باسم الباسط، وفي الزهور باسم الجميل، وفي الطبيعة وفصل الربيع باسم الجميل والمحيي الخ الأسماء، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) إلى قوله: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
والثاني وهو الأهم : أن يظهر في الأحداث :
بأن يظهر اسم (الحق) ليقهر الباطل، ويسود (العدل) ويحل محل الظلم حتماً ولو بعد إمهال بلا إهمال، الخ الأسماءء الحسنى، لابد وأن تقع مقتضياتها وتظهر في عالمنا هذا، لأن هذه هي علة إيجاده أساساً.. يحدث هذا في حلقات متكررة يعيد فيها التاريخ نفسه لأن الحكمة واحدة وهي ظهوره في الآفاق، قال تعالى بعد انتهاء قصة طالوت وقتل داود لجالوت وانتصار الفئة القليلة على الفئة الكثيرة: (تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ) وظهور الإمام المهدي هو الحلقة الأخيرة من حلقات الظهور المتكررة عبر التاريخ، واقرأ قوله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) إلى قوله: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ..) وصولاً إلى قوله (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ. لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ومن خلال تدبر هذه الآيات تعلم أنه وإن كانت النبوة ختمت إلا أن الرسالة لم تختم (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) يجتبي فعل مضارع مستمر للحاضر والمستقبل، فالله تعالى يرسل الرسل وورثتهم من بعدهم، ونحن مكلفون بالجهاد معهم (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ) ثم تأتي البشرى بأن حكم الكفار والمفسدين (كيان المسيح الدجال) للعالم أمر مؤقت وزائل لا محالة (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ) ولكن لن يحصل هذا بالتواكل، ولن يكون إلا بالصبر والمصابرة والمرابطة مع ورثة الرسل بعدما آمنتم بهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

2- وأما ظهور صفات الله تعالى في الأنفس فينقسم إلى قسمين كذلك، وهما:
1- الصفات الخَلْقية: كالحياة والسمع والبصر والكلام والإرادة والقدرة والعلم، وهذه هبة ومنحة إلهية يشترك فيها كل الناس مؤمنهم وكافرهم، ولذلك وقف رسول الله ص لجنازة يهودي حتى توارت، فقيل يا رسول الله: جنازة يهودي! فقال: (أليست نفساً) ؟. فرسول الله ص والأنبياء وكمل الأولياء يشهدون المعاني لا المباني، فهذه النفس - أيا كان صاحبها - فيها أنوار الأسماء والصفات ظاهرة فيها.
2- الصفات الخُلُقية: كالحِلم والأناة والعفو والمغفرة والمسامحة والصبر والحب والإيثار والكرم والشجاعة والفتوة والنجدة الخ، وهي التي نحن مطالبون بالتخلق بها حتى نكون صورة من سيدنا رسول الله ص وأهل بيته، فهي محل التكليف والإمتحان، وبالتخلق بها يحصل معنى العبادة كما قال تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً..) الآيات، هؤلاء الذين يمتلأون بالحب والسلام والخير والإستقامة والصدق: هم عباد الرحمن، الذين تخلقوا بأخلاقه حتى صاروا صورة حقّيّة منه سبحانه، فهو غيب مطلق باطن، لكنه (الظاهر) بهؤلاء الصفوة الذين لأجلهم خلق كل شئ وسخر لهم كل شئ، وخلقهم لأجله هو، ولذلك كان إمامهم وسيدهم رسول الله الذي يمثل الصورة الكاملة والمظهر الأكمل المراد من قبل الحق تبارك وتعالى، ولولاه ما خلق الله آدم وبنيه: (ولولا محمد ما خلقتك)، بل ما خلق الله الدنيا (ولولاك يا محمد ما خلقت الدنيا) (لولاك ما خلقتُ الأفلاك) (1).
ظهور الأسماء والصفات في الإنسان، كلٌ بحسب درجته ونصيبه منها، وأكمل بني الإنسان نصيباً منها هم الأنبياء والرسل، فهم مظاهر الأسماء وآيات الله في الأرض، ولذلك وصف الله من يقتلون الأنبياء والآمرين بالعدل والقسط من الناس: بأنهم يكفرون بآيات الله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) وتأمل قوله تعالى (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) أي أن ولادة عيسى دون أب لا تبرر تأليهه وإلا فما هو إلا مظهر للصفات كآدم، مع اختلاف أدوات الخلق (ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) مايجعلك تذكر ربك وتراه في صفوة خلقه، ولذلك سمى القرآن سيدنا محمد ص ذكراً في قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا. رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) واقرأ هذه الآية مع قوله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) لأن سيدنا رسول الله ص هو المظهر الأكمل لله تعالى.
وإذا تمت نعمة الله بظهور المظهر الأكمل لله: فإنه لا يغيب مرة أخرى، وهو سر قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) يحفظ الله به الأمة الخاتمة المرحومة (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) يتنقل من صورة آدمية إلى صورة عبر الورثة المحمديين في مختلف الأزمنة، وآخرهم الإمام المُهدى "أحمد" الذي هو مظهر الذات الأحدية وليس مظهر الأسماء والصفات، وهذا هو تأويل مجئ وإتيان الرب في بعض آيات القرآن كما في قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُون) إذا ظهر الإمام المهدي وطلعت شمس الرسالة من مغربها أي مع آخر رسول: أغلق باب التوبة ولم ينفع نفساً إيمانها بعد ظهوره، وهم كل من يعارضون ظهوره ويكذبون به قبل مجيئه، ولذلك قال في الآية التالية: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) ولم يكن من قبيل الصدفة أن يرد الخطاب القرآني على منكري المهدي "المنتظر" بقوله: (قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُون) لأنه كتاب هداية، ومعد مسبقاً ليتماشى مع الأحداث بنفس المصطلحات التي في علم الله من قبل ظهورها (2).

ويقول الإمام أبو العزائم في (أصول الوصول): (القول في تسليم أخبار الصفات، والسكوت عن تفسيرها كما قال أصحاب الحديث، إلا أن بمعرفة معاني الأسماء والصفات وشهودها ينفي الظن والوسواس فيها، وترك التشبيه والتمثيل بها، والطمأنينة إلى اليقين بالمعرفة بمشاهدتها هو مقام الموقنين.
واعتقاد أنها صفات الله تعالى يتجلى بها وبما شاء من غيرها بلا حد ولا عدد، يظهر بصفة أي صفة كيف شاء غير موقوف على صفة، ولا محكوم عليه بصورة بلا إظهار غيرها، بل هو كيف ظهر وبأى وصف تجلى مع نفي الكيفية والمثلية لفقد الجنس والجوهرية: هو مقام المقربين من الشهداء، وهؤلاء هم الصديقون وخصوص الموقنين.
فمن عدل به عن وجهة هؤلاء ولم يواجه شهادتهم عدل إلى التسليم والتصديق فيوقف عنده، فكان أمنه واستراحته.
وليس بعد هؤلاء مقام يمدح ولا وصف يذكر، فمن فتش ذلك بعقله، وفسره برأيه، دخل عليه التشبيه أو خرج إلى النفي والإبطال). اهـ

خلق الله الإنسان ليظهر فيه وليتخلق بأخلاقه، وليس لأجل العبادة بمعنى الصوم والصلاة، لأنه ليس بحاجة إليها، الله تعالى لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية، وفي الحديث القدسي: (ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا) لو أمسيتم ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم لن تنفعوا الله بشئ (يا عبادي إِنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا) ففضل الله عميم واسع لن تنفعه الطاعة ولن تضره المعصية، ولكن العبد هو الذي ينتفع بالطاعة بوقوع الثواب له ويتضرر بالمعصية بوقوع العذاب عليه.. وأما الرب فيريدك (صورة منه) حين تتجمل بجماله، فهو حليم ويريدك حليما، هو كريم ويريدك كريما، هو عفو يريدك أن تعفو عن الناس.
يقول الإمام أبو العزائم أن الله تعالى خلق الإنسان لكي يظهر فيه بأسمائه وصفاته، بحيث يكون الإنسان بمثابة مرآة يتجلى فيها جماله وجلاله وكماله العلي سبحانه وتعالى، فالإنسان يحيا بالحي ويسمع بالسميع ويبصر بالبصير الخ، ثم يزيد على هذا أولياء الله المقربين أن تظهر فيهم صفات العفو الغفور الرحيم الودود الكريم الحليم الشكور الخ، قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) قال ابن عباس إلا ليعرفوني، أي بأسمائي وصفاتي، وليتخلقوا بأخلاقي، تقول العرب (طريق معبد) أي مذلل مستوي، والعبد يكون مذللا مستوياً بألا يكون فيه علواً في كبر ولا دناءة في شهوة (3)، بل يكون على أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وحين نذكر رسول الله لا نتذكر العبادات وإنما نتذكر الأخلاق على البديهة.. فلكي تكون عبداً لله فلابد أن تظهر عليك صفات الله وتتحلى بها، أن تكون مرآة له تظهر فيها أنواره وجماله.

فقوله تعالى: (وكان الكافر على ربه ظهيرا) أي أن الكافر ظهر بأخلاقه البشرية، ظهر بالطمع وظهر بالكذب والغش والعجب والرياء والأنانية والكبر، هذه كلها ليست صفات الحق، وأما حين تظهر عليه صفات الحق ويتخلق بأخلاق الله، كالحليم والكريم والعفو والغفور والودود: فحينئذ يكون عبداً لله، هذا هو المراد الحق من قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وليس المراد العبادة الشعائرية، المراد هو القلب السليم الذي هو محل الأخلاق الفاضلة، عندما يكون قلبك مستوياً وناعماً كالحرير ومرآتك ليس فيها صدأ ولا قذر بل نظيفة نقية : فهنا سوف تظهر فيها أنوار الله وتظهر فيها الأسماء والصفات، فتجد نفسك تحب الحلم، لأن مرآتك لما نظفت: تجلى عليها الحليم، تجلى عليها الكريم، تجلى عليها العفو الغفور الوهاب المعطي وكل الأسماء.. كلما ظهرت فيك الأسماء ونظفت مرآتك: كلما كنت قريباً من الله، لأن الله ليس له مكان ستذهب لتزوره فيه! الله منزه عن المكان منزه عن الزمان، وإنما القرب من الله تعالى قرب صفات، ذلك لأن الله تعالى غيب مطلق لا يظهر إلا في خلقه، وأكمل مخلوق له هو الإنسان لأنه ظهرت به الأسماء والصفات كلها (وعلم آدم الأسماء كلها) فشهدت الملائكة أنوار الأسماء ظاهرة في حضرة آدم لأول مرة يشهدون صورة الحق (خلق الله آدم على صورته)، لأن كل ملك لا يعرف إلا اسماً واحداً وليسوا كآدم، وهذا هو سر تكريم الإنسان وسر الأمر للملائكة بالسجود لهذه الحضرة التي بها ظهرت الأسماء كلها.. وهذا هو تأويل قوله تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا) وظلمه وجهله: أن ينسب إلى نفسه (التي في حكم العدم) ما ليس له مما جمله الله به من أسمائه وصفاته.



[2] شجرة آدم وحواء
وكانت هذه هي معصية آدم عليه السلام.. فالأكل من الشجرة لم يكن أكلاً مادياً، ولا الشجرة كانت مادية، كشجرة تين أو كرْم الخ مما يردده المفسرون من أهل الظاهر (4)، وإنما كانت أمر عظيم جليل، كانت شجرة الأسماء والصفات الإلهية، من الحياة والعلم والسمع والبصر والإرادة والقدرة والكلام والحكمة الخ.
يقول الإمام أبو العزائم في كتاب (الطهور المدار على قلوب الأبرار): (وقد بينت لك أن الله غرس الإنسان بيده في جنة عدنه، فالإنسان شجرة ربه، وهو السدرة التي رأسها مغروس في العرش وأطرافها مدلاة على الجنة، وتلك الشجرة التي هى صورة الحق لها ثمر هو جمالها الذي يجب أن يُحفظ لزارعها سبحانه، فإذا تجاوز الإنسان حد العبودية وتناول ما هو خاص بربه، عصى وغوى لحكمة بينت لك بعضها، فرُدَّ إلى الأرض ليرتقى إلى مقامات القرب وليتجمل بجمال الخلافة، فيكون مرآة لظهور معانى صفات ربه، وحقيقة هي مظهر لظهور صفات نفسه وهي العبودية.
واسمع وسلم إن لم تذق، فإن من حرم التسليم والذوق حرم الخير كله.. أودع الله أمانته في آدم فنسى آدم ونسب لنفسه ما ليس له فكان ما كان من ظهور سوءته ومن شدة وجله، والله غالب على أمره، قال سبحانه : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) وإن ما أكل آدم: ما فيه ما أمانه باريه. منحنا الله الذوق، وجملنا بالشوق، وحفظنا من الإنكار، إنه مجيب الدعاء) اهـ
فالأكل من الشجرة كان بأن نسي آدم ونسب لنفسه ما ليس لها، فأثبت لها وجوداً مع الله مستقلاً بذاته، وهو من ذنوب السابقين المقربين، وهو في عُرف أهل الله من الشرك الخفي ومن العظائم، ولذلك يقول الصوفية: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب، وفي الحديث (كان الله ولا شئ معه وهو الآن على ما عليه كان).

هناك نصوص غريبة ترد في الكتاب والسنة لا يفهم مغزاها علماء الظاهر، نصوص في التشبيه!
كقول الله تعالى (ألم يعلموا أن الله يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) جعل نفسه مكان الفقير الذي يأخذ الصدقات!
وقوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً) : جعل نفسه كأنه يقترض من عباده.
وقول حضرة النبي ص: (خلق الله آدم على صورته)
والحديث القدسي الجليل الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟..)
لماذا يعطينا الله ورسوله هذه "الإشارات" أو قل هذه اللمحات الخاطفة السريعة والومضات النورانية هنا وهناك ؟
لأمر عظيم جلل.. لكي ننتبه ونفهم أن الله تعالى ظاهر في هذه الصورة الآدمية التي تحمل أنوار الأسماء والصفات.

ولو فهم الناس هذا لذاقوا ثمرات كلها أحلى من الآخر:
الأمر الأول: سيعلم الناس فضل الرسل والأنبياء عليهم، لعظم حظهم ونصيبهم من النور الظاهر فيهم، وسينتهى الدين المستحدث الذي يفرق بين الله ورسله ويراه شيئاً وهم شئ آخر (الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) دين قبائل بني اسرائيل البدائية التي لم تعرف معنى التنزيه فضلاً عن نور التشبيه والتجلي، هو هو دين صحراء نجد الذي ابتدعه العميل البريطاني محمد بن عبد الوهاب، الذي تلقاه عن ابن تيمية، وابن تيمية تلقى مسألة التفرقة (أي التفرقة بين حياة النبي ص ووفاته في مسألة التوسل)، تلقاها عن يهود السامرة، كما قال العلامة أبو بكر الحصني في "دفع شُبَه من شبه وتمرد")
الأمر الثاني: سوف يرتقي الناس كثيراً جداً في تعاملهم - بما يفوق التصور - عما هم عليه الآن. أخوك الإنسان يا أخي صورة مقدسة عظيمة الشأن، فتعامل معها بمنتهى الرقي والحذر، ولا تحتقر أحداً فتهلك نفسك بنفسك، إياك ثم إياك، وتقول سأُرْضي الله بأن أصلي وأصوم، بل رضاه في تعاملك مع خلقه، وسائل لترقية أخلاقك وتهذيبها، وأخلاقك الحسنة في التعامل مع خلق الله ستجعلك أقرب الناس مجلساً من رسول الله ص وليس الصلاة ولا الصيام، كما ورد في الحديث: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)، هذا هو ديننا.. ليست العبادات هي الهدف، ومع ذلك فالله غائب عنا فيها، غائب عنا في صلاتنا في صومنا في حجنا في معاملاتنا في سلوكنا في أخلاقنا، حتى وقعنا في العجب ونسينا قوله تعالى (والله خلقكم وما تعملون) ووقعنا في الشرك الخفي والأخفى، ولذلك نقع في المعاصي، لأن سبب المعاصي: الوقوع في العجب أو الشرك، قال رسول الله ص (لولا أن ابن آدم يعجب بعمله لعُصم من الذنب) يقول العبد فعلت وفعلت، وحتى وإن لم يقل: يكون العمل معجبا به بينه وبين نفسه ويراه في الداخل، وفي الحقيقة أن الله تعالى لا يريد العمل وإنما يريد الصفات والأخلاق الإلهية أن تظهر على عبده.
الأمر الثالث: سوف يكف السلفيون والملحدون عن بحثهم عن الله في السموات والمجرات، ويعلموا أن من أسمائه (الظاهر) وأنه ما خلق الدنيا إلا لكي يظهر، وأنت يامن تبحث عنه: ما أنت إلا مظهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا