الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيس بن الملوح... امام العاشقين

منير ابراهيم تايه

2016 / 7 / 1
الادب والفن


أصل كلمة حب في اللغة العربية ـ ترجعه بعض المصادر ـ لأول شخص أستخدم الكلمة وهو (قيس بن الملوح)، فقصة عشقه الصادقة لمفتونته (ليلى العامرية) وقريضه الرائع فيها قد أثر حتى في الأدب الفارسي والتركي ووصل كذلك للأدب الهندي. كان أول عاشقٍ يستخدم هذه الكلمة، وقيل أنه أول من اخترعها، وذهبت في لغة العرب دالة على وصف ما لا يوصف من خوالج النفس، ولم يدركوا كلمة بعدها على هذا القدر من الجمال
أما ليلى فإنها بعد أن سمعت الكلمة ظلت ترددها حتى أغمي عليها، ويروى أن اسمها امتزج بهذه الكلمة وبليل المحبين الذي يطول فتتأجج فيه شهوة العشاق ويتفجر جنونهم، وقيل إنه ليل لا نهاية له فذهبت ليلى مثالا للحب، حتى أكثر مما ذهب بقي..
لقد سرت قصة الحب السرمدي هذه بين الناس حتى غدت أسطورة يرويها التاريخ فيستأنس بها البشر، وارتبط مكان الهوى بتلك الأسطورة التاريخية حتى أمسى الشخصية الثالثة في رواية قيس وليلى، فمن هو قيس ؟ ومن هي ليلى ؟ وأين توجد آثارهما ؟ ولماذا افترقا؟ وهل التقيا بعد الفراق ؟ وهل انحصر قول الشعر على قيس دون ليلى ؟ أم كانت هي الأخرى شاعرة؟ ومن سبق الآخر إلى القبر ؟
من هو قيس؟
عن الحب والهيام وحتى عن الموت يأخذنا هذا المقال في بعض المحطات من حياة مجنون ليلى، فهذا الشاعر المجنون العاشق المُحب المغرم لحد الجنون هو قيس بن الملوح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر وهو مجنون ليلى ، عشق كل منهما صاحبه ، شاعر غزل من المتيمين من أهل نجد ومن أجمل فتيان قومه، وأظرفهم وأرواهم لأشعار العرب وأحسنهم افاضة فى الحديث. وكان مديد القامة جعيد الشعر أبيض اللون . أحب ابنة عمه ليلى، أصابته لوثة جنون لشدة عشقه وتعلقه بها فلقب بالمجنون ، قال الأصمعي: (لم يكن محموما ولكن كان فيه لوثة كلوثة أبي حية) ويقول ابن قتيبة : (وهو من أشعر الناس وتلوث شعره بكثير من الأساطير والانتحالات والمقولات فصار كل من يقول شعرا في ليلى ينسبه للمجنون، يُسميه العرب... (الناطق الرسمي باسم الحب)،فما أجمله من مجنون ...
يقول في قصيدة بأنه أحب ليلى مذ كان في سن السابعة، وكان حينذاك بإمكانه أن يكتب شعرا، لكنه لم يكن يُفصح بذلك للناس كي لا يكذّبوه، فيتجنب كشف حبه الباكر وعشقه لليلى منذ صغره، فيستطرد
عشقتك يا ليلى وأنت صغيرة***وأنا أبن سبع مابلغت الثمانيا
فمن هي ليلى ؟
هي ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيهة بن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر، عاشا صغيرين في ديار بني عامر بالقرب من جبل التوباد في بلدة الغيل في الأفلاج يرعيان غنم أهلهما ، ليلى بنت مهدى بن سعد بن مهدى بن ربيعة وكنيتها أم مالك ابنة عم الشاعر وحبيبته واحدى أفضل نساء عصرها أدبا وأملحهن شكلا قال فى وصفها قيس:
بيضاء خالصة البياض كأنها ... قمر توسط جنح ليل مبرد
مؤسومة بالحنين ذات حواسد ... ان الجمال مظنة للحسد
وترى مدامعها ترقرق مقلة ... سوداء ترغب عن سواد الاثمد
خود اذا كثر الكلام تعودت ... بحمى الحياء وان تكلم تقصد
وقد عاش هذان العاشقان في خلافة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان، عشق كل منهما صاحبه وفي تلك الحياة الرومانسية الخاصة احتفظت ذاكرتهما بمواقف باسمة شهد عليها المكان والتاريخ لكنهما في الوقت ذاته لم يتجاوزا الخطوط الحمراء التي حرمها الشرع والعرف فظلا تحت وطأة العشق العذري..
نسج الرواة أخبارا كثيرة حول علاقة قيس وليلى ومغامراته الطريفة والمأساوية، وبعض هذه الأخبار يظهر فيها الاختلاف وانعكست على شعره ونسبته إليه، إذ يجد النقاد صعوبة في التفريق بين قصائد غزلية وتنسب لغير شاعر، ويعتقد أن بعض الشعراء المغمورين العذولين الذي عاصروه، هم من أنشد شعرا ونسبوه إليه كي ينتشر شعرهم ويتداوله الناس، إلا أنه لم يكن بالمستوى والشفافية التي يقرضها (قيس) من أعماقه..
ولما سمع أبيها بأشعاره و(أشعار غيره) التي يتداولها العرب بحق أبنته، حرّمَ عليه رؤيتها أو الاقتراب من مضاربه كي يضع حدا لكل (اللغط) حول مصدر الأشعار،
ثم أستعجل تزويجها ليرتاح من (عار) لم يكن ليعلم بأنه سيكون من أرقى ما قالته العرب في الحب، فعاش قيس بقية حياتة مطرودا من مضارب بني عامر وحيدا يسكن الصحراء مجنونا هائما في حبه لها
وروي أنه حين اصطحبه والده إلى الكعبة بنصيحة من الناس لعل الله يشفيه من حب ليلى ، فطلب منه والده أن يتعلق بأستار الكعبة ويدعو الله الفرج، وقف قيس في نهدة صارخا في البيت وأهله: "اللهم زدني لليلى (حبا) وبها كلفا ولا تنسني ذكرها أبدا ولا تشغلني عنه" فبوغت أبوه، والتفتت إليه الجموع مستغربة مستنفرة، فمثل هكذا دعاء لم يعهدوه ولم يسمعوا بمثله في ظل البيت الحرام، فاستكبره جمهور رأى فيه بوحا لا يليق واستهتارا لا يسكت عنه، فشخصوا حول قيسٍ وتناهبوه، وهو يردد الدعاء ذاته لا يغير فيه حرف، وصار أبوه يذود عنه مسترحما معتذرا متعذرا بجنون ألمّ بولده لفرط العشق، لكن الجموع ما كانوت لتستمعو لأبيه حتى أوشكوا عليه، وفيما هو محمول يخرجونه من الحرم، دمه يسيل فيغسل الطريق، كان يردد بصوت لا يكاد يسمع، يخاطب فيه ربه "ها أنت سمعت... ها أنت رأيت".
ولما رجع قيس إلى قومه، شاع ما فعله في البيت، فوصل الخبر إلى ليلى، وشاقها أن تجتمع به، فأرسلت تدعوه، فطار إليها يريد أن يصدق وعندما دخل عليها لتؤكد له ما قالته العرب بأنه أول من ذكر كلمة (الحب) عند الكعبة ؟؟
أما عن قصة وفاته
يقول الرواة أن شيخا من بني مُرّة هو آخر من التقى بقيس بعد انعزاله في الصحراء وبعده عن الناس، فيقول ذلك الشيخ بأنه ذهب يبحث عنه واوصوه: اذا رأيته فإدن منه ولا تجعله يشعر أنك تهابه فانك أن فعلت فسيتهددك ويتوعدك أو يرميك بحجر، ولو فعل ذلك فاجلس صارفا بصرك عنه فإذا سكن فأنشده شعرا غزليا من شعر (قيس بن ذريح) حبيب لبنى لأنه معجب به وبشعره.
يقول الشيخ: أمضيت يومي من الصباح الباكر باحثا عن ذلك العاشق الهائم حتى وجدته عصر ذلك اليوم جالسا يخط على الرمل بأصبعه، وحين دنوت منه نفر مني نفور الوحش من الأنس، فأعرضت عنه حتى سكن، وعنده أنشدت شعرا لقيس بن ذريح كنت أحفظه:
ألا يا غراب البين ويحك نبنـــي بعلمك في لبنى وأنت خبير
فان أنت لم تخبر بشيء علمته فلا طرت الا والجناح كسير

يقول حين أنشدت ذلك الشعر اقترب قيس مني وقال وهو يحاول كتم بكاءه
لقد أحسن والله ذلك الشاعر، لكني قلت شعرا أحسن منه، ثم أنشد:

كأن القلب ليلة قيل يفدى بليلى العامرية أو يراح
قطاة غرها شرك فباتت تجاذبه وقد علق الجناح
يقول الشيخ: بادرته بقصيده أخرى لقيس بن ذريح:
واني لمفني دمع عيني بالبكــــا حذارا لما قد كان أو هو كائن
وما كنت أخشى أن تكون منيتي بكفيك إلا أن من حان حائن
ثم يقول ذلك الشيخ: أن قيس ما أن سمع هذه القصيدة حتى شهق شهقة ظننت أن روحه فاضت بسببها وبكى بحرقه وقد رأيت دموعه بلت الرمل الذي بين يديه فقال وهو يغالب بكائه: والله لقد أحسن ولكني أيضا قلت شعرا أحسن منه، فأنشد:

وأدنيتني حتى اذا ماسبيتنـي بقول يحل العصم سهل الأباطح
تناءيت عني حين لالي حيلة وخلفت ما خلفت بين الجوانــح

وبعد أن أنهى قصيدته مرت غزالة تعدو فنهض قيس يجري خلفها حتى توارى عن ناظره، وفي اليوم التالي عدت إلى نفس المكان على أمل أن ألتقية فوجدت امرأة تعودت أن تضع الطعام له بنفس المكان يوميا، وانقضى ذلك اليوم دون أن يأتي (قيس)، ثم مضت ثلاثة أيام لم أره فيها فأخذ أهله يبحثون عنه وأنا معهم دون جدوى، وفي اليوم الرابع وبعد سير طويل في الصحراء وجد في وادي كثير الحجارة وهو ميت وقد نقش بأصابعه على الرمل بيتي شعر في ذكر ليلى:

وسد أحجار المهامة والقفر ومات جريح القلب مندمل الصدر
فيا ليت هذا الحب يعشق مرة فيعلم ما يلقى المحب من الهجر
ويقال بأنه بعد انتشار خبر وفاة قيس بين أحياء العرب، لم تبق فتاة إلا وخرجت حاسرة الرأس صارخة عليه تندبه، وأجتمع الفتيان يبكون عليه أحر بكاء وشاركهم في ذلك كافة قبيلة حبيبته (ليلى العامرية) حيث حضروا معزين
وكان أبو ليلى أشد القوم جزعا وبكاء عليه وهو يقول: ما علمنا أن الأمر يبلغ كل هذا، لكني كنت عربيا أخاف من العار وقبح الأحدوثة..
ويبدو أن قيس كان سعيدا بإشاعة جنونه، الذي رسخه عبر بيت يقول فيه:
يسمونني المجنون حين يرونني
نعم بي من ليلى الغداة جنون!
وهو بيت رغم أن الشاعر يعترف فيه بجنونه، إلا أنه بيت ينفي عنه هذا الجنون، فالمجنون لا يعرف ولا يعترف بذلك، لكنه استسلم للفكرة، ربما لأنها تشير إلى مدى تعلقه بليلى ومدى الظلم الذي لحقه ممن حولها وحوله من البشر.. وقبلهما وبعدهما لحق بمعظم العشاق على مدى التاريخ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر