الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أن تكون سوريّاً

مالك الحافظ
كاتب وباحث

2016 / 7 / 2
الارهاب, الحرب والسلام


في نوفمبر الماضي من العام الفائت حصلت هجمات باريس الانتحارية وحينها وجدت السلطات الامنية الفرنسية جواز سفر بقرب احدى جثث الارهابيين وقيل أن ذاك الجواز كان يحمل الهوية السورية؛ ذلك الخبر وبتلك الجزئية المحدودة انقلب الى حالة من التندر عند شريحة واسعة من السوريين؛ فلقد أصبح إلصاق التهم بمن قهرتهم كل اوجاع الارض سهلاً الى اي درجة ممكن ان تروق لمن يكيل لهم بذلك.
فذلك ان تكون سورياً فيمكن ان يوجد جواز سفرك في اي مكان يروق لحظك العاثر الى ان يجدوه في اعماق بحر قرر ان يحاصرك في طريق هروبك من الموت الى الموت بعد ان اقتنصك مهرب نهم استغلك حتى اخر قرش وتركك لمصير مواجهة هذا البحر اعزلاً بين فكي كماشة الغموض والمجهول.
لقد بلغ عدد السوريين المشردين في داخل وطنهم ما يزيد عن الثمانية ملايين ومازال يعاني جميع من بقي في البلد مهجراً كان ام منتظراً بصيص امل يحافظ على بقائه في ذلك المكان الذي نشأ فيه ونشأت معه ذكرياته بحلوها ومرها.
لكن ان تكون سورياً بهذه المقاييس فيعني ان تبقى حبيس الاخطار من تشريد الى نزوح الى قصف هاون وطيران متعدد الجنسيات والانواع؛ فمن نجا من القصف قد لا ينجو من النزوح والمبيت ربما في العراء ان لم يسعفه القدر بمركز ايواء ليقف هذا القدر قليلاً الى جانبه في ظل الوجع الذي لم يستطع هذا القدر ان يمنعه عنه وعن السوريين؛ فيما من استطاع تفادي معضلة النزوح والتهجير فقد لا يستطيع تفادي مفخخة او شظايا متفجرة بينما ينتظر طابور الحاجز العسكري لاي قوة عسكرية او فصيل يسيطر ويحكم قبضته على قطعة الارض التي شكلها من روحها وعاش فيها وعائلته وجيرانه في سنين خلت بما يحفظ ذكرياتهم التي كستها العتمة وبددها الضباب؛ ويتجاوز ذلك الحاجز بعد انتظاره لساعات عدة.
أن تكون سورياً يعني ان تتحمل كل تلك النوازل واكثر منها من ضنك العيش الى قهر المهانة والمذلة التي لم يستطع القدر كفها عنك.
واما من يواجه قدره ليرحل مهاجراً هارباً من اوجاعه او آوياً الى ملاذ اكثر امناً يبتعد فيه عن ضجيج الحرب والنار؛ فيلقى ما يلقاه ان كان من ذلك البحر المتعطش ليلتهم روحه قبل جسده ولكن ان استطاع تجاوز ذلك التحدي فإن التحدي الذي سيليه في بلدان الاندماج واللغة الغريبة ليس اقل وعورة.
أن تكون سورياً يعني ان تتحمل نظرات الشفقة الممزوجة بالحنق على ما قد يمكن ان ترمى به من تهمٍ جزافاً في دولة ما لم تكن في يوم من الايام أن تلجأ لها او حتى ان تمر بها برحلة او زيارة.
فإن ارتفع سعر الماء او الخدمات المعاشية فيا ايها السوري انت السبب وإن تخاصم اب وابنه وتلبدت السماء بالغيوم ولم تمطر فأيضاً لا احد غيرك يكون السبب؛ فكيف لو حلت من قدرك مصيبة اخرى عليك فيضرب الارهاب العابر للقارات بلد من هذه البلدان الممتدة على دائرة هذه الكرة الارضية والتي يصادف وجودك عليها فيا حسرة وياندامة على تلك الساعة التي استقبلوك بها.
نعم فإن كنت سورياً فقد اصبحت ماركة مسجلة للحسرة والبؤس والشقاء فلا ارض جديدة ممكن ان تستقبلك من غير "فيزا" سيصعب الحصول عليها لانك فقط سوري.
وان تكون سورياً يعني أن تتألم أضعاف ماتتألمه حين تصادف ابن بلدك يحاربك في اي شيء تسعى الى الحصول عليه ولا يكتفي بذلك بل يتعدى الى ما هو اكثر من ما يمكن ان تلقاه من الغريب عن سوريتك.
أن تكون سورياً يعني أن يتدخل بشؤونك كل دول العالم ترمي الحطب لنار الحرب في بلادم ولكنها تدعي السلام وتدعو الى حفظ كرامتك وانهاء معاناتك.
ولكن لكي تكون سورياً تسعى من اجل سوريتك ولا شيء غيرها فيجب ان ترى ان الوقت قد حان لترمي ما في القلوب من ضغائن وترى ببصيرتك بأنه ليس للسوري الا السوري وان نار الحرب لن تبني البلد.
فالحل لن يبدأ الا بك انت؛ فمسار السلام يبدأ من طاولة الحوار السوري التي تؤمن بها انت وتدعو اليها.

*مالك الحافظ - صحفي سوري مقيم في الاردن
Email: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة