الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احتماﻻت ما بعد خروج بريطانيا من اﻹتحاد اﻷوروبي

نعيم الأشهب

2016 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



جاءت نتيجة الاستفتاء في بريطانيا، على عضويتها في الاتحاد اﻷوروبي، باكورة أحداث متوقعة، نضجت وتنضج تحت تاثير العاملين اﻷساسيين التاليين ، اﻷول - اﻵثار التراكمية للأزمة المالية - اﻹقتصادية التي اندلعت عام 2008 وتداعيات استمرارها ، صعودا وهبوطا ، دون أفق ظاهر للخروج منها، ومن مفاعيلها في الميدانين الاجتماعي والسياسي ؛ والثاني - المتغيرات الدولية العاصفة ، منذ انهيار النظام الدولي ثنائي القطبية، هذه المتغيرات التي تتحدى نظام القطب الواحد - الوﻻيات المتحدة.
ولعله ﻻفت للنظر، قبل التعرض لبعض هذه اﻹحتماﻻت، حالة التآكل في نفوذ الحزبين الرئيسيين في بريطانيا اللذين يتناوبان السلطة : المحافظون والعمال، اللذان تلاقيا في الدعوة للبقاء في الاتحاد ، لكن اﻷكثرية جاءت ضد إرادتهما ؛ ويمكن قول الشيء ذاته فيما يتعلق بمعركة الرئاسة اﻷميركية، فترامب ، الذي فرض نفسه مرشحا للحزب الجمهوري ، جاء من خارجه ؛ وكذلك ساندرز، الذي بقي حتى اللحظة اﻷخيرة المنافس اﻷقوي لهيلري كلينتون، جاء بدوره من خارج الحزب الديمقراطي، واستقطب جمهوره من الشباب الذي يمتنع عادة عن المشاركة في مثل هذه اﻻنتخابات.
أما الاحتمالات ، فلعل أحدها هو تداعي عملية الدومينو. وفي هذا المجال هناك أكثر من دولة أوروبية يمكن أن تتبع بريطانيا ، بخاصة تلك التي تفاقمت معاناة الطبقات الدنيا فيها من آثار سياسة التقشف وإلقاء أعباء أزمة العام 2008، على كاهل هذه الطبقات . وهنا ، تتردد أسماء بلدان مثل اسبانيا والبرتغال واليونان وإيطاليا وحتى فرنسا. في الوقت ذاته ، عاد الحديث عن عمليات انفصال داخل بعض الدول ، كأسكتلندا وإيرلندا الشمالية عن بريطانيا، واللتين صوتتا لصالح البقاء داخل الاتحاد اﻷوروبي وتريدان البقاء فيه ، والباسك عن إسبانيا ، وهكذا.
وأخذًا في الحسبان أن بريطانيا ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية هي الحليف الدائم واﻷقرب للوﻻيات المتحدة في القارة اﻷوروبية ، بل في العالم كله، وتمثل نوعا من الجسر بين أوروبا والوﻻيات المتحدة، فإن خروجها من الاتحاد اﻷوروبي يشكل نكسة للنفوذ اﻷميركي في أوروبا، كما أنه يضعف احتماﻻت توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الوﻻيات المتحدة والاتحاد اﻷوروبي، هذه المعاهدة التي تتزايد اﻷصوات اﻷوروبية التي تعترض عليها وتنتقدها،باعتبارها تفتح أسواق أوروبا أمام المنتجات الزراعية اﻷميركية المعدّلة جينيا ، والتي يتحفظ اﻷوروبيون عليه ، وتلحق أضرارا كبيرة بالمزارعين اﻷوروبيين؛ وكان آخر من انتقد هذه الاتفاقية وعبّر عن معارضته لها رئيس وزراء فرنسا ، فانس، يوم 26 من حزيران. وتوقيت تصريحه بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد اﻷوروبي ليس بلا معنى . وبالتالي، فخروج بريطانيا من اﻹتحاد اﻷوروبي يشكل نكسة لهذا المشروع اﻷميركي .
أما بالنسبة ﻹسرائيل ، فقد جاء أحد عناوين صحيفة هآرتس يوم 26 حزيران كالتالي:"بخروج بريطانيا من الاتحاد اﻷوروبي تخسر إسرائيل عنصرا رئيسيا"، وتضيف "لقد ساعدت بريطانيا في تعديل وتوازن قرارات الاتحاد اﻷوروبي حول عملية السلام" أي الفلسطينية-اﻹسرائيلية. والحقيقة، أن بريطانيا، ﻻ تعبر فقط عن نفسها في هذا الشأن ، بل عن الوﻻيات المتحدة . وقد مثلت قوة لجم داخل الاتحاد اﻷوروبي لمنع اتخاذ مواقف أوروبية أكثر جدية تجاه هذا النزاع ، وضد ممارسات اﻻحتلال اﻹسرائيلي العنصرية واﻹرهابية ضد الشعب الفلسطيني.
وإذا كانت هناك احتماﻻت أخرى، وهي عديدة لخروج بريطانيا من الاتحاد اﻷوروبي ، فلعل أهمها هو تأثير هذا الخروج على تماسك المحور الامبريالي الذي تشكل عقب سقوط الاتحاد السوفييتي ، من الوﻻيات المتحدة والاتحاد اﻷوروبي واليابان، بقيادة اﻷولى ، حيث مثلّت بريطانيا فيه ، دور الجسر بين الوﻻيات المتحدة وأوروبا وأحد العوامل في توجه أوروبا غربا في المجال اقتصادي. وقد أخذ هذا المحور على عاتقه مهمة الاحتفاظ بهيمنته على بقية دول العالم وتشديدها، سواء بوسائل العنف ، أو بالحصار والعقوبات الاقتصادية. وهذا ما يفسر اﻻحتفاظ بحلف الناتو، بعد انهيار المعسكر الشرقي ، الذي كان المبرر المعلن لقيامه ، بل السعي لتعزيزه وتوسيع مداه خارج القارة اﻷوروربية ، التي يفترض حصر نشاطه فيها، بموجب ميثاقه. وإذا كانت أوروبا قد سلّمت قيادتها، مجددا، للوﻻيات المتحدة ، في إطار هذا المحور، فلأن اﻷخيرة هي القوة العسكرية الرئيسية فيه التي ﻻ غنى عنها في عملية إخضاع شعوب العالم لهذا المحور. فهي تنفق لوحدها أكثر من 40% من اﻹنفاق العسكري للعالم كله ، ولها قرابة 800 قاعدة عسكرية منتشرة في أكثر من سبعين بلدا . وقد بدت وحدة موقف هذا المحور الامبريالي في اﻷعمال العسكرية التي مارستها أطرافه ، وبخاصة الوﻻيات المتحدة ، في الشرق اﻷوسط، ، وفي فرض العقوبات الاقتصادية على بعض الدول مثل إيران وسورية وروسيا وغيرها.
لكن فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا ، على وجه الخصوص ، ألحق أضرارا متفاوتة ببعض الدول اﻷوروبية ، وبخاصة ألمانيا ، زعيمة الاتحاد اﻷوروبي وقاطرته الاقتصادية ، في ضوء ما تشكل بينها وبين روسيا ، وبخاصة بعد سقوط اﻻتحاد السوفييتي ، من علاقات اقتصادية متنوعة، بدءا باستيراد الغاز والنفط الروسيين، مرورا بتصدير المنتجات الصناعية والزراعية اﻷلمانية الى روسيا ، وانتهاءً بتوظيف الاستثمارات اﻷلمانية في روسيا. ومع ذلك ، فواشنطن لم تكتف بالعقوبات اﻻقتصادية ، بل أرفقتها بنشاط عسكري متفاقم على الحدود الروسية ، سواء بالمناورات اﻻستفزازية في بولونيا ودول البلطيق ، أو بنشر قواعد الدرع الصاروخي في رومانيا وبولندا حتى الآن، أو بنشر المزيد من قوات الناتو قرب الحدود الروسية. ومعلوم أنه لدى اندﻻع اﻷزمة اﻷوكرانية التي افتعلتها واشنطن ، تحرّكت كل من ألمانيا وفرنسا للوساطة في ايجاد تسويتها في مهدها، لقطع الطريق على تداعيات تصعيدها على العلاقات الاقتصادية مع روسيا ؛ وحينها تمّ اتفاق اﻷطراف المعنية على أسس التسوية بضمانة ألمانيا وفرنسا وروسيا. لكن واشنطن نسفت كل إمكانيات التسوية ، بتسليحها وتحريضها للعصابات الفاشية وبقايا النازيين الذين تعاونوا مع اﻻحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية ، حيث قاموا بانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب ، وما تلا ذلك من تداعيات خطيرة.
ويبدو أن الكيل اﻷلماني أخذ يطفح من هذا النهج اﻷميركي . ففي 18-6-2016 نشرت صحيفة تلغراف البريطانية مقاﻻ للصحفي "جوستين هاغلر"( Justin Huggler) تحت العنوان التالي: " وزير الخارجية اﻷلماني يتهم الناتو بالتحريض على الحرب ضد روسيا"، ومما جاء في المقال الذي هو تلخيص لمقابلة طويلة نشرت ، ﻻحقا، في 26 حزيران :" وزير الخارجية اﻷلماني يخرج عن حلفاء الناتو ويتهم التحالف بالدعوة للحرب ضد روسيا"؛ ويتابع المقال:" فرانك وولتر شتاينر" (Frank Walter Ste) - أي وزيرالخارجية اﻷلماني - تحدث ضد مناورات الناتو الجارية في بولونيا والبلطيق، واصفا إياها ب التهديد بالحرب " ، وأضاف المقال ، نقلا عن أقوال الوزير اﻷلماني :" كل من يعتقد بأن استعراضا رمزيا لدبابة على الحدود الشرقية للتحالف يمكن له أن يأتي باﻷمن فهو مخطئ"، وأضاف الوزير: " سنكون عقلاء حقا بأن ﻻ نقدم الغطاء لتجديد مواجهة قديمة" .
وكان وزير الخارجية اﻷلماني يتكلم عقب بدء الناتو، في وقت سابق من حزيران ، أكبر مناورة حربية في أوروبا الشرقية منذ انتهاء الحرب الباردة. هذا، وكان وزير الدفاع اﻷلماني قد انتقد ، بدوره ، هذه النشاطات الحربية للناتو ، التي تدفع بها واشنطن . وهذا الموقف اﻷلماني المتحدي والناقد ، علنا، للسياسة اﻷميركية ، والذي هو اﻷول من نوعه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، ربما كان بداية توجه أوروبا ، بقيادة ألمانيا، شرقا نحو الوحدة الاقتصادية اﻷورآسية ، بعد التخلص من بريطانيا ، التي ترمز الى توجه أوروبا نحو الغرب ، نحو الوﻻيات المتحدة.
إن إصابة هذا المحور اﻹمبريالي بشرخ سيعني الكثير في الحياة الدولية ؛ فسيسهل عملية تشكل نظام دولي جديد - متعدد اﻷقطاب ، وسيضعف قبضة القوى اﻹمبريالية تجاه الشعوب اﻷخرى، بعد تفكيك وحدة هذه القبضة اﻹمبريالية ، ويعيد احتدام الصراعات والنزاعات بين الدول اﻹمبريالية على الغنائم، وينال من حلف الناتو العدواني ، وبالتالي يسهل نضال الشعوب في درء التدخل اﻻمبريالي في شؤونها وعرقلة انطلاقها على درب الحرية والتطور المستقل. ومع ذلك ، من السابق ﻷوانه التنبؤ بكامل أبعاد خروج بريطانيا من الاتحاد اﻷوروبي ، حيث ما زلنا في مرحلة التهكنات ليس إلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل