الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبحث في بؤس الفلسقة لماركس(1): ثلاثة مدارس في الاقتصاد, والمدرسة الرابعة.

علي عامر

2016 / 7 / 2
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في كتابه بؤس الفلسفة, في الفصل الثاني المعنون (ميتافيزيقيا الاقتصاد السياسي), في الباب الأول المعنون (المنهج), يعرض ماركس ثلاثة مدارس ينقسم عليها الاقتصاديون البرجوازيون.

أولاً: المدرسة الجبرية.

وهم كما يقول ماركس: "الذين لا يبالون نظرياً بمساوئ الانتاج البرجوازي, بقدر ما لا يبالي البرجوازيون أنفسهم في الممارسة بآلام البروليتايين الذين يكسبونهم الثروة."

لماذا وصف ماركس هذه المدرسة بالمدرسة الجبرية؟

لأنهم لا ينظرون إلّا إلى الجانب الايجابي التقدمي في الانتاج البرجوازي, دون أنْ يلقوا بالاً لجانبه السلبي, وهم بذلك سيدركوا نمط الانتاج البرجوازي من حيث كونه خيراً كاملاً, لا يحوي على نقيضه, وخالي وصافي ونقي من التناقضات الداخلية, وبالتالي فهم ينفون إمكانية نفي هذا النمط, وهم بذلك يرفعونه لمقام الخلود والديمومة الأبدية, وهم يصفون نمط الانتاج البرجوازي بأنّه نمط الانتاج الطبيعي, ومن حيث هو طبيعي, فهو متوافق ومنسجم مع قوانين الطبيعة والكون, لنجد هنا مظهراً آخراً من مظاهر إدراك النمط البرجوازي كنمط خالي من التناقضات, بالاضافة لكونه نمط أبدي وخالد, فهو منسجم داخلياً, من حيث خلوه من العيوب والتناقضات الداخلية -حيث لا تبالي هذه المدرسة بمساوئ الانتاج البرجوازي من ناحية نظرية, ولا بآلام ومعاناة البروليتاريا من ناحية عملية-, ومنسجم خارجياً, من حيث انسجامه مع قوانين الطبيعة الخالدة.

لماذا لا يبالي أصحاب هذه المدرسة بمساوئ الانتاج البرجوازي من ناحية نظرية؟
لأنهم لا يبالون بآلام البروليتاريا من ناحية عملية, فالثانية توجد كأساس للأولى, لذا فنظرية الاقتصاد البرجوازي, تعبّر فقط عن مصالح الطبقة البرجوازية, بغض النظر عن أي أمر آخر.

من ناحية الترتيب التاريخي, فإن هذه المدرسة تظهر أولاً, وتعبّر عن بواكير ظهور النمط البرجوازي, حيث لم تظهر بعد آثاره السلبية, أو لم يظهر بعد نقيضه الذي سينمو داخله وبسبب منه (طبقة البروليتاريا العظيمة), فما زال النمط البرجوازي فتيّاً طازجاً, ويحوي بداخله على كم لا بأس به من الزخم المستقلبي والآمال والطموح والايمان.

تنقسم هذه المدرسة على ذاتها إلى شقين, الجبرية الكلاسيكية, والجبرية الرومانسية.

1- الجبرية الكلاسيكية (آدم سميث وريكاردو), وأهم ملامحها:

تعبر عن البرجوازية الفتية في طور النمو.

- ينحصر عملها في مصارعة بقايا الاقطاع, وتطهير العلاقات الاقتصادية من شوائب الاقطاع, حسب تعبير ماركس, وهذا الاهتمام الحصري يبدو منطقياً جداً, اذا تذكرنا أنّ هذه المدرسة ظهرت كتعبير عن بواكير الثورة البرجوازية, في تلك المرحلة بالذات التي سبقت القضاء الكامل على أشكال الاقطاع القديم, وسبقت أيضاً الظهور العلني والصريح لطبقة البروليتاريا كطبقة مستقلة ولها ذات و مصالح وأهداف خاصة ومستقلة.
- اهتمت بزيادة القوى الانتاجية, وتعزيز زخم العصر البرجوازي الجديد, باعطاء دفعة جديدة للصناعة والتجارة.
- واعتبرت آلام البروليتاريا, آلاماً عابرة عارضة, واعتبرت أنّ البؤس ليس إلّا آلاماً طبيعية ترافق و تصاحب كل ميلاد جديد. (في هذا تأكيد على نظرتهم الأحادية الطرف لايجابيات النمط البرجوازي بمعزل عن سيئاته, وفيه أيضاً تأكيد على نظرتهم للنمط البرجوازي كنمط طبيعي منسجم مع القوانين الخالدة للطبيعة).
- رسالتهم انحصرت في ايضاح سبل اكتساب الثروة, وصياغة العلاقات الانتاجية في مقولات, وقوانين, وابراز تفوق هذه القوانين الجديدة على قوانين النظام الاقطاعي البائد.

2- الجبرية الرومانسية:

وهي الجبرية الكلاسيكية حين تشيخ.
فمع تطور النمط البرجوازي, وتطور تقسيم العمل, وتطور آليات ووسائل الانتاج الحديثة, ظهرت البروليتاريا الى العلن, كطبقة مستقلة, متعارضة مع مصالح البرجوازيين.
- حيث ولد البؤس بوفرة, كما تولد الثروة بوفرة.
- تحولت اللامبالاة الساذجة والجاهلة عند الكلاسيكيين, إلى لامبالاة واعية ومتقصدة, ومتعالية ومتكبرة عند الرومانسيين, تنظر للبروليتاريا بإزدراء وتحقير.

ثانياً: المدرسة الانسانية.

- تبقي هذه المدرسة على الواقع الفعلي كما هو, بكا ما فيه من بشاعة وظلم وقهر, ولكنها تجري تعديلاً على النوايا والقلوب.
فبعد أن ظهرت عيوب النمط البرجوازي, وظهر البؤس واضحاً على جبين البروليتاريا, وبدلاً من أن تنظر هذه المدرسة إلى الواقع السيء كمشكلة حقيقية بحاجة لحل حقيقي, نظرت للواقع كأمر مسلم به, غير قابل للتغيير, ولكنها أضفت مسحة انسانية على قلوب البرجوازية السوداء.
- فقد هزت مظاهر البؤس والفقر والتشرد وجدان وضمير البرجوازيين, وسعياً للتخفيف الروحي عن ضميرهم, (وهذا هو الهدف الحقيقي, توفير راحة اكبر للبرجوازيين), نظرت بعين العطف الى البؤس والفقر, وسعت الى الحد الأدنى من التخفيف من المفارقات الواقعية, والفجوات الهائلة التي ضربت صميم المجتمع, وشعرت بالأسف الصادق اتجاه البروليتاريا الضحية.
دعت العمال الى القناعة والرضا (أسلوب استخدمته حماس والاخوان والسيسي ومعظم الانتاج السينمائي المصري الذي يزين حياة البؤس بالطيبة والبساطة, وتدعو الفقير الجائع إلى الصبر والرضا).
- دعت العمال إلى أن يعملوا بدأب, وبجهد عالي, بغية تحسين دخلهم وبالتالي التخفيف من حدة البؤس, متناسية أنّ الطبقة العاملة كلما زادت ساعات عملها, إنما تتخلى عن جزء منها, بنفيه خارج العملية الانتاجية, وخارج التاريخ, تنفيه الى التشرد والتسول.
- دعت العمال الى تنظيم وتحديد النسل.
- دعت البرجوازيين إلى أن يخففوا من حدة أطماعهم.

يقول ماركس: "تقوم كل نظرية هذه المدرسة, على تمييزات لا تنتهي, بين النظرية والممارسة, بين المبادئ والنتائج, بين الفكرة والتطبيق, بين المضمون والشكل, بين الماهية والواقع, بين الحق والواقعية, بين الجانب الطيب والجانب السيء."


ثالثاً: المدرسة الخيرية.

هي المدرسة الانسانية وقد بلغت حد الكمال.

وهذه المدرسة, يسود فيها الخير على العلم, فتمتاز بغباء يشبه غباء رجال الدين, وبالتالي فإنّ هذه المدرسة من شأنها الظهور في مراحل تعفن البرجوازية, فترتد البرجوازية على قيمها التقدمية والديمقراطية, وتتهرب من مناهجها ومنجزاتها العلمية, فالعلم الذي كان خادماً للبرجوازية في تقدمها, سيقف ضدها في شيخوختها وموتها, لذا ستتخلى البرجوازية عن العلم, لصالح القلب, وستدعو بكل غباء, إلى المحافظة على النمط البرجوازي, دون جانبه السيء, أي دون عمّال, وهي تدعو إلى تحوّل الجميع الى برجوازيون, متناسية أنها بذلك إنما تدعو إلى وقف الحياة والانتاج والتاريخ والتطور, تدعو الانسانية إلى العيش في صومعة من الرفاهية والوفرة البرجوازية, دون أن تحاول الاجابة على سؤال بديهي يفرض نفسه عنوة: إذا كان الكل برجوازي, فمن الذي سينتج؟
إن طرح هذه المدرسة الذي يحاول أن يتنكر لشرور البرجوازية, إنما يكشف عن برجوازية عميقة وأصيلة عند أصحابها, بل يكشف كونهم أكثر برجوازية من الآخرين, فهم وحين وصلت البرجوازية إلى قمتها, مازالوا لا يدركون, بل وينكروا حقيقة دور البروليتاريا الأساسي في التاريخ وفي توفير ثروة البرجوازيين الطماعين الكسالى, فهم نظروا للبروليتاريا كحالة من البؤس فقط, مجردينهم من دورهم الحقيقي والفعال والأساسي, نظروا للعمال كعالة على المجتمع بحاجة إلى حل, والأجدر بهم أن ينظروا إلى البرجوازية الكسولة كعالة على التاريخ بحاجة لدفن.
- حين تدعوا هذه المدرسة إلى تحول الجميع إلى برجوازيين, فهي تقول ضمنياً أنه لا داعي لوجود العمال والكادحين, وبالتالي تنكر دورهم الجوهري.

المدرسة الرابعة:

يقول ماركس:
"كما أن الاقتصاديين هم الممثلون العلميون للطبقة البرجوازية, فإن الاشتراكيين والشيوعيين, هم منظروا الطبقة البروليتارية"

وفي المقال القادم, سأعرض للمدرسة الاشتراكية (المدرسة الرابعة) مميزاً بين الاتجاه الطوباوي والاتجاه العلمي فيها, موضحاً كيف يساهم تطور الانتاج الموضوعي, والتطور الذاتي للطبقة العاملة وتنظيمها, في نمو الاشتراكية العلمية على حساب الاشتراكية الطوباوية.

علي عامر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي