الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة بعنوان - السجين و الذئب -

تامر سلامة

2016 / 7 / 2
الادب والفن


القصة القصيرة : "السجين و الذئب" .

في مساء يوم شتاءٍ روسيٍ قارص البرودة ، كانت تجلس إمراة عجوز فقيرة ، تكتب رسالة لإبنها السجين في سجن الساليكان الروسي ، فكتبت برسالة ملئتها الدموع و الأحزان المتشبعة بالخوف من الموت الذي باتت تشعر بدقاته القاسية على بوابة خروجها من الحياة ، فكتبت:

" إبني ڤالودا ،إشتقت لك يا ولدي ، هل سيبقى الفراق رهاناً أبدياً بيننا ؟ إني أشعر بإقتراب لحظة الموت الخسيسة ، إنتها تقترب ، لقد جهزت ملابسي التي سأدفن فيها ، وصيتي لك يا ولدي أن تدفنني بملابسي المخبئة في صندوقي الأحمر الموضوع تحت السرير ، و جل ما أتمناه الآن ، هو أن أستطيع رؤية وجهك يا ولدي ، ولو للمرة الأخيرة في حياتي قبل أن أموت ، و لكن الخالق سيستكثر حتى هذا الأمنية البسيطة علي إمرأةٍ بسيطةٍ فقيرةٍ مثلي . "

أرسلتها بالبريد السريع و عنونتها لسجن الساليكان للزنزانة الإنفرادية الحاملة رقم "١٩٤" ، للسجين المحكوم بالمؤبد "ڤالودا كازوڤيتش" ، ثم عادت لمنزلها تتلمس سريرها البارد تحت ضوء شمعةٍ يتيمة تكاد أن تنطفىء من شدة الريح التي لا تكاد تفرط بلحظة كي تنقض على بيتها المتهالك .

وصلت الرسالة ، إستلمها السجين و قرأها ، فتفجرت ملايين الأفكار الشيطانية في رأسه ، يا لها من مأساة ، هل ستموت والدته التي لا يملك سواها في حياته ، أمه الأرملة الطيبة ، التي قدمت الغالي و النفيس و أفنت سنوات شبابها في تربيته بعد أن توفي والده في الحرب و ترك حملاً لا تستحمله الجبال على عاتق أمه ..
فكر بكل الطرق الممكنة ، و الغير الممكنة ، يبحث في كل زاوية و منفس ليستطيع أن يهرب أملاً في لقاء أمه قبل أن يختطفها القدر دون عودة أو رجعة ، راقب الحراس و تحركاتهم بدقة متقنة ، راقب حركة باقي السجناء ، قرر الهروب في فترة الغذاء ، حيث يخرجون السجناء من زنازينهم لتناول الطعام في الكافيتريا ثم إن شاؤوا تجولوا في ساحة السجن ذات السياج المرتفع و تكون الحراسة أقل من المعتاد بسبب تناول الحراس لطعامهم .

الساعة الآن الثانية بعد الظهر ، دق جرس الغذاء و فُتحت الزنزانة ، تحرك بكل أريحية كي لا يثير أي إنتباه له ، فهو متوتر جداً ، يفكر بكل خطوةٍ يخطوها تجاه الساحة المفتوحة ، راقب الحراس ، و إنتظر اللحظة المناسبة ، وجد الحارس الوحيد الذي لم يذهب لتناول الغذاء و بقي مناوباً لحراسة تلك البوابة الخلفية الصغيرة تحت برج المراقبة ، بقي يقارب بحذر و بيده شوكة طعامٍ أخفاها في كُمّه ، حين إقترب منه ما يكفي هجم عليه على غفلة و طعنه بها خمس طعنات سريعة في رقبته واضعاً يده على فم الحارس لإخراسه ، حتى فارق الحياة ، فتح البوابة و هرب بأقصى سرعته نحو الغابة المجاورة للسجن ..

بعد ساعات من الجري المستمر ، و بعد أن بدأ الليل يخيم على الغابة المترامية الأطراف ، و فجأة ، سمع صوت حركةٍ قريبة منه بين الأشجار ، و إذ بذئبٍ رماديٍ شرس ، يخرج من بين الأشجار المظلمة مكشراً عن أنيابه الحادة ، و إقترب بحذرٍ نحو السجين يتجهز لمهاجمته ،أخرج السجين سكينه المسروق من الحارس الذي قتله ، ثم نظر للذئب في لحظة طغى عليها الجنون مغيباً للعقل ، محدثاً الذئب في تحدٍ غير إعتيادي لأشرس مخلوقات الغابة الليلية قائلاً " أيها الرمادي ، هيا إما أن تهاجمني أو تتركني أمضي في سبيل حريتي ، فأمي المريضة التي ليس لي سواها قد تموت في أي لحظة الآن و يجب أن ألتقيها مهما حصل ، أرجوك لا أريد أذيتك ، فأنا و أنت متشابهين ، فقد عنفتني الحياة كما عنفتك ، و حاصرتني في الزاوية كحيوانٍ شرس مكروه ، فنحن متساويين ، فإما تتركني أذهب الآن ، أو تهاجمني ، الأمر يعود لك يا صديقي الرمادي ، و لكنني أحذرك فأنا متعطش الدماء مثلك ، فلن أتركك تشكل عائقاً بيني و بين أمي العزيزة ، فقرر الآن ماذا ستختار ، الحياة أو الموت " .

حدق الذئب مطولاً في السجين ، كأنه قد فهم توسله و تهديده ، و فجأة صدح صوت نباحٍ كلب حراسة من بعيد مجلجلاً في الغابة متبوعاً بخطواتٍ عسكرية سريعة ، حينها أيقن السجين أن حراس سجنه قد إكتشفوا أمر هروبه ، و خرجوا في دوريات بحثٍ و إستطلاع مستعينين بالكلاب البوليسية المدربة ، فنظر السجين الذئب نظرة تحدٍ و صرخ فيه " هيا ! إما أن تهاجمني و أموت أو تموت أنت ، أو نهرب معاً من بطش الحراس و الكلاب الذين لن يتركوا أحداً منا في شأنه ، فأنا سيعيدونني لزنزانتي و أنت سيقتلونك لانك ستشكل خطراً عليهم ! هيا تحرك أيها الرمادي الغبي !!! "

في هذه اللحظة ، كانت الأم العجوز جالسة تأوي لفراشها النحيل ، تتلمس صورة إبنها بلمساتٍ مرتجفة ، و فجأة شعرت بضعفٍ شديد ينتابها ، و سقطت الصورة من يدها كما تتساقط أوراق شجرةٍ عجوزٍ في خريفٍ بارد ، و صعدت روحها للسماء تتخلل الغيوم خالعةً ما بقي لها من آثارٍ دنيوية "

بدأت خطوات الحراس تقترب شيئاً فشيئاً ، و علا صوت النباح ، و تردد صوتٌ من بعيد " لقد إقتربنا من الإمساك به " ، فالنقيب يوراسلاف جوسيف ، مسؤول فرقة الإستطلاع كان شديد الحرص على الإمساك بالسجين الهارب ، فقد كانت أوامره التي تلقاها من مأمور السجن تقضي بأن يمسك بالسجين أو يسجن عشر أيامٍ كعقاب له على هرب السجين في فترته ، و كان من المفترض أن تنتهي خدمته و يعود لمقابلة زوجته التي أخبرته أن إبنه يحتضر من الحمى الشوكية ، فلم يكن له أي أمل سوى بالقبض على الهارب ليحصل على إذن الخروج و العودة للمنزل .
حدق الذئب بالسجين و زمجر ، فتجهز السجين للانقضاض عليه ، فما كان من الذئب إلا أن أسرع في الفرار ثم إختفى بين الشجيرات الداكنة ، إنطلق السجين بكل ما أوتي من سرعة يشق الغابة دون وعي ، فكل همه هو أن لا يقبض عليه و أن يرى أمه و يودعها و هو لا يعلم بأنها قد توفت قبل ساعات ، يجري كالمجنون بين الأشجار يصطدم بأغصانها دون مبالاة ، و صوت الكلاب يتبعه ، و فجأة إرتطم بجدارٍ إسمنتي ، وسقط ، نظر للسماء ثم نهض ، " يا إلهي ! إنه جدار للسجن مجدداً ، بحق السماء ! أي جنونٍ هذا ! " ...
إستدار و غير إتجاهه عكس الجدار و إنطلق مسرعاً ، فجأة صدح صوت برصاصة ، فشعر بألمٍ في صدره ، كانت تلك الرصاصة خارجة من بندقية يورسلاف ، أصابته إصابةً مباشرة في صدره فسقط على الأرض ، يلعن السماء و الحياة ، يلعن الحظ العاثر الذي قدره له الخالق دون رحمة ، إقترب منه الحراس ليجدوه يتلوى من الألم ، فقبضوا عليه ليعيدوه للسجن مجدداً .
فرح يورسلاف بذلك ، و عاد لزوجته و إبنه ، ليجد إبنه و قد قضى عليه المرض ، يا لها من مأساة تراجيدية ، و لعبةٍ مؤلمة قام بها القدر تلك الليلة ، أجبرته على الإستقالة من عملت و البقاء في المنزل.
في عيادة السجن ، حيث كان يتلقى ڤالودا علاجه ، إقترب منه الطبيب و أخبره بوفاة والدته ليلة أمس حين كان هارباً ، فتلقى الصدمة كصاعقة قسمت ظهره ، فكم هو القدر قاسٍ علينا جميعاً و يصب هولاته علينا دون رحمة .
في اليوم التالي ، وجدوا السجين راقداً في سريره في العيادة غارقاً في الدماء ، فقد إستطاع سرقة مشرطاً طبياً و قام بقطع أوردته خلال الليل ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا