الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد أغلوطة:”المجتمع ما بعد الصناعي”

حاتم بشر

2016 / 7 / 6
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


حاتم بشر

في أواخر ستينات القرن المنصرم، مضت المصنفات البرجوازية في الترويج المحموم لنظرية (المجتمع ما بعد الصناعي). والظاهر، أن “روح” هذه النظرية الهائمة، قد عثرت لها أخيرا على “جسد”، فعادت إلى الحياة، وهي تتكلم العربية الآن!
1)المجتمع ما بعد الصناعي، هو أولا، وقبل كل شيء، مجتمع خدمات، لا يعمل فيه في نطاق الإنتاج المادي أكثر من نصف تعداد السكان. وتذهب هذه النظرية إلى أن الشركات والإتحادات الصناعية تخسر دورها القيادي، وفعالية العمل تكف عن كونها مسألة حيوية، وأن أهمية السوق تقل بشكل مضطرد، وأن الإقتصاد-في نهاية المطاف-يكتسب طابعا منسجما، ومعدلات نموه تتزايد، والرخاء الشامل يتحقق، ومتوسط دخل الفرد يتصاعد، وتنتقل السلطة الى ايدي العلماء، وتصبح الجامعات هي المؤسسات المركزية، وتصبح الإشتراكية والإنسانية اهم معايير القيمة في المجتمع.
2) إن جوهر بطلان هذه النظرية السينتمنتالية يكمن في كونها تنطوي على خطأ ميتافيزيقي في أساسها،(وسيلحظ الجميع مع الوقت أن كل خطأ إنما ينبع من عدم اعتماد الدياليكتيك المادي، عن تعمد أو عن جهالة). هذا الخطأ هو عزل/فصل “التكنيك” عن “نمط الإنتاج”. إنها تنطلق من “التكنيك” معزولا عن نمط الإنتاج. ناسية تلك الحقيقة الساطعة: ألا وهي أن التغير في التناسب بين “الانتاج المادي”و”مجال الخدمات”؛ بمعنى نمو عدد العاملين في مجال الخدمات، لا يعني أبدا الإنتقال الى مجتمع من طراز جديد. لماذا؟ لأن طراز المجتمع الجديد انما يتحدد بناء على نمط الانتاج.
وبعد ذلك، وعلى غرار كل نظرة ميتافيزيقية، يجتث الأيديولوجيون البرجوازيون الأجانب، وتلامذتهم العرب، مجال الخدمات، ويتأملونه “خارج” سياقه الضروري، فيضخمونه، ويبالغون في دوره.
خطأ آخر غاية في السذاجة تنزلق إليه هذه النظرية- انها تنطلق من تصنيف خاطيء للقطاعات. فإن الإحصاءات البرجوازية تنسب التجارة والنقل والمواصلات بأكملها الى قطاع الخدمات، على حين أنها تعتبر امتدادا لعملية الإنتاج. وتدارك هذا الخطأ يتيح امكانية اكتشاف ان الإنتاج المادي لا يزال يلعب بعامة دوره القيادي، مع مراعاة الإتجاه الى تقليل نسبة العاملين في مجال الإنتاج.
يقع المابعد صناعيون القدامى، والجدد، في الخطأ عينه، هو أنه يضعون، وضعا ميتافيزيقيا، كلا من الإنتاج الصناعي والخدمات على طرفي نقيض، وهذا باطل لأن كلا المجالين ليس مرتبطان فحسب، بل مرتبطان معا أوثق الإرتباط، اذ تعتمد الخدمات على منجزات الإنتاج المادي، ومن ناحية التقييم الاجتماعي-الاقتصادي يتحدد مجال الخدمات، طبقا للعلائق القائمة في مجال الإنتاج.
ويغض المابعد صناعيون القدامى والجدد الطرف عن مسألة هامة، الا وهي ان جانبا معتبرا من نمو مجال الخدمات يرتبط في المجتمع الرأسمالي بالعسكرو ونمو جهاز البوليس والإستهلاك الطفيلي.
ان الهدف الأساسي لهذه الأغلوطة كان، عند المابعد صناعيين القدامى، يرمى الى اخفاء السلطة المطلقة للطغمة المالية، وتزويق وضع الكادحين استنادا الى اتساع مجال الخدمات، وصرف الانتباه عن النضال الثوري.


مراجع:
1- Das Kapital
by Karl Marx, translated by Samuel Moore and Edward Aveling.
2- Political economy : capitalism
by G. A. Kozlov, Jane Sayer








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المجتمع -الاستهلاكي-
سعيد زارا ( 2016 / 7 / 7 - 23:53 )

الرفيق حاتم بشر المحترم

الخدمات تقدمت على الانتاج البضاعي ليس فقط في عدد العاملين و لكن في الانتاج نفسه حيث الصدارة لها في الانتاج الاجمالي للراسماليات الكلاسيكية, فهي تعدت 80 بالمائة من الانتاج الاجمالي في امريكا.

شكرا


2 - اهلا بك
حاتم بشر ( 2016 / 7 / 9 - 06:05 )
تغير التناسب بين الانتاج المادي ومجال الخدمات لا يعني ابدا الانتقال الى مجتمع من طراز جديد. عفوا الرفيق المحترم زارا، ولكن تعليقك يشي بأنك لم تزل تنظر إلى الخدمات على أنها نقيض الإنتاج. المقال عزيزي ينطلق من ضد هذا. ينطلق من وحدتهما لا من تناقضهما. فأولا: لا يوجد شيء اسمه خدمات الا وهو يتقوم على انجازات الانتاج المادي. وثانيا: وهذا الأهم، التقييم الإجتماعي-الاقتصادي لمجال الخدمات(80٪-;- في مثالك) يتحدد طبقا للعلائق القائمة في مجال الانتاج.

اهلا بك.


3 - احجية تصنيف القطاعات
سعيد زارا ( 2016 / 7 / 10 - 00:56 )
الرفيق المحترم حاتم تحية

انت يا رفيقي لا تريد ان تقبل بان السيادة في الانتاج هي للخدمات و تبرر ذلك بخطأ التصنيف في القطاعات. فتجارة السلع اعتبرها ماركس هامة كالشريان لدورة الانتاج و مع ذلك لا تنتج قيمة. و ان قبلت بسيادة انتاج الخدمات تقول بان ذلك لا يغير في الامر شيئا, و في هذا مماثلة لشيئين غير متماثلين فخصائص السلعة تختلف تماما عن خصائص الخدمة. و من بين ذلك ما اكدته في مقالتك حيث الخدمة تختبئ داخل السلعة.

انتاج الخدمات لا ينتج فائض قيمة و في سيادته دليل على انهيار النظام الذي لا يحيى الا بفلئض القيمة الا هو النظام الراسمالي .

و شكرا


4 - لجوهري والفرعي!!
حاتم بشر ( 2016 / 7 / 10 - 07:43 )

تقول ”لا تريد أن تقبل بأن السيادة هي للخدمات، وتبرر ذلك بخطأ التصنيف في القطاعات.“
هذه القضية بعيدة كل البعد عن الواقع. وإلا فكيف سلمت معك بطغيان الإنتاج الخدمي في المثال الذي أوردته؟!! رفيقي العزيز عد الى المقال ستجدني أشرت الى التصنيف الخاطيء للقطاعات بوصفه ”خطأ آخر“. قبله تكلمت عن ”جوهر“ البطلان. إذن أنا أعني ب”الخطأ الآخر“ خطأ فرعي، ثانوي، بمعنى أن شواهد(هم) على توسع الانتاج الخدمي -مبدئيا-مشوشة.((هذا نقد لطرائق الإحصاء البرجوازية)) وليس ”مبرر !!“ لرفض سيادة الخدمات. السؤال ”الجوهري“ في المقال: ليس هل يتسع مجال الخدمات أم لا؟ ((ولكن مداخلتك الكريمة رفيقي المحترم تصر على أنه السؤال الجوهري )).
السؤال المركزي في المقال، هل هذا التوسع يعبر عن تحول الى مجتمع الرخاء الشامل؟! ((راجع افتتاحية المقال رفيقي بتركيز أكبر رجاء)).


حسنا. تقول”..وإن قبلت بسيادة الإنتاج والخدمات تقول بأن ذلك لا يغير من الأمر شيئا“. هذه القضية صحيحة كليا، بمعنى أن اتساع مجال الخدمات لا يغير النظام الرأسمالي الى نظام رخاء((هذا هو لب المقال)). هذا التوسع، كما جرى على لسانك ”أنت!!“ دليل انهيار.

شكرا

اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟