الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الركض وراء الشعارات

عبد الزهرة العيفاري

2016 / 7 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


حول الركض وراء الشعارات

الدكتور عبد الزهرة العيفاري

قدر للمؤلف ان ينخرط بنشاط في النقاشات السياسية الجادة المتعلقة بالمسألة القومية ( الكردية بالذات ) منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي . وكان ذلك في ظروف سجنية غير عادية ( في سجون : بغداد وبعقوبة الـمخـصصة للشيوعيين ) . وكانت النقاشات تتصف بالصخب الشبابي والعلاقات الاخوية والشعور الرفاقي تجاه الشعب الكردي الذي مثله في تلك النقاشات سجناء شيوعيون اكراد يتمتعون بالروعة والصدق مع النفس والوطن مما جعلهم مثالا ً للشباب الوطنيين من القوميات المتآخية والطوائف الدينية المتباينة تحت الخيمة العراقية الكبرى .
ومن طرائف الامــور بالنسبة لي خاصة ان بعض السجناء الذين تعرفوا علي في السجن كانوا يضنون باني انتمي الى القومية الكردية . وهذا من جهة كان امراً رائعاً حقا ٌ . الامر وما فيه ان الاخوة لاحظوا علي الحماس غير العادي ازاء الشعب الكردي في العراق الموحد . ثم بذات الوقت تميز الرفاق الكرد بالاعراب دائما ً عن التصاقهم بالعراق وباخوتهم مع العرب وبكافة الكيانات الدينية والقومية التي يتألف منها العراق العظيم . ومن الطبيعي ان تجد المسؤوليات التنظيمية والادارية لشؤون الرفاق السجناء المقرونة بمحض ارادة جمهرة اعضاء المنظمة السجنية انفسهم وهي بيد رفاق اكراد وعرب ، اسلام وصابئة ومسيحيين وتركمان ...... . وربما تجد نفسك امام رفيق مسؤول في المنظمة السجنية وهو من الدليم اوالعمارة او سنجار !!! ، وآخر من كربلاء او من خانقين او من السليمانية اومن سوق الشيوخ .... الخ والخ . وا لعظمة التي كانت تؤطر كل نشاطات وفعاليات المنظمة السجنية فهي مصاغة بشعار عراقي اصيل يقول: على صخرة الاخوة العربية الكردية يتحطم الاستعمار . هذا الشعار الذي رافقنا سنين طوال .
وبالمناسبة ان الدراسات والنقاشات تلك كانت تجري في ضوء الكتب العربية المتخصصة بالنظريات الكلا سيكية وكذلك المؤلفات الاشتراكية المترجمة الى العربية من قبل بعض السجناء المحيطين باللغات الاجنبية وبمساعدة اساتذة متمرسين من اعضاء المنظمة السجنية ايضا ً . وهذه الكتب كانت تسرب خفية الى داخل السجن بطرق مختلفة يعرفها السجناء القدماء . ونحن نريد من هذا الالماح الى ان النقاشات الفكرية ، القومية وغيرها ، كانت تجري في ضوء الشعور الوطني العراقي الخالص .
وهكذا ، وبعد اكثر من ستين عاما ً ، يعود كاتب هذه السطور ليعيد الى الاذهان ان العراقيين لما لهم من التاريخ الاخوي المجيد الذي يجمع العرب والكرد والتركمان واخوتهم الايزيديين في مزهرية كبيرة بحجم الوطن العراقي العظيم . ثم يلاحظ شيئ مفاجئ هنا ايضا وهو اقتحام ــ برأينا ــ غير مبرر علميا ًاو سياسيا ً ان بعض القوى التي تسرعت فَاقترحت للعراق قبل الاوان باتخاذ النظام الفيدرالي للقسم الشمالي من الوطن . علما اننا من الناحية المبدأية نقر احقية هذا النظام التقدمي ، الا ان لنا ــ كانت وما تزال ــ ملاحظة جدية تصب في التحذير من مغبة الانزلاق المتسرع في سورة العواطف غير المدروسة في امور البلاد .. فنختار النظام الفيدرالي قبل نضوج الافكار الفيدرالية لدينا جميعا ولم نجرب عوامل نجاحها في البلاد الواحدة . وفي ذلك ضرر بليغ للعرب والاكراد وغيرهم . وللعراق بالدرجة الاولى . وبهذا الخصوص نشرت مقالا مطولا باللـغة العربية في لندن قبل عشرين عاما ( 1996)
فليس المهم تكوين شيء متسرع لانه يرضي ا لعواطف القومية للبعض في حقبة زمنية نادرة !! ، المهم هو جعل الفيدرالية اساسا ً للتقدم اللاحق للوطن ولتوطيد وحدة القوميات المعنية به . فاذا كان الوطن سالما وان الشعب فيه متآخياً فان القوميات جميعها فية ستكون بخير واعياد دائمـة . اما اذا اصبحت الفيدرالية عاملا ً من عوامل خراب العلاقات الوطنية وساحة لخروقات ادارية وسياسية ، كما هي الان ، سواء كانت بدوافع قومية او بغيرها فستكون تلقائيا مرتعا ً للفساد المالي والاداري والمزايدات والمناقصات او لا سمح الله العودة الى الاحتراب او الى السقوط في حفرة الافكار الانقسامية التي ينتهجها عادة المرضى بالهوس القومي المتعصب ( كما نرى اليوم ) وهو المفضي الى التشرذم وبالتالي الى تدمير كافة القوميات التي تؤلف وطننا . كما قد يؤدي الى انتصار الاعداء البرابرة في حربهم علينا . فالامر اذن يجب ان يكرس العمل الان لاعادة النظر بموضوع هذا التسرع الذي حصل ثم اجراء تعديلات سريعة عن بناء هذا النظام وربما يجري تفصيل ذلك بالدستور ثم يتم شرحه للشعب بكل مكوناته مستقبلاً .
وهكذا وانطلاقا ً من الحرص على ازدهار الوطن العراقي عموما ً وحفظا ً على سلامة الافاق بعيدة المدى في التخطيط والتنمية في كافة ربوع البلاد وبكل محافظاته ( ببما فيها المحافظات الفيدرالية ثــم توطيد الحقوق الوطنية لكردستان العراق كما تنص عليه تجارب الشعوب التي سبقتنا الى الفيدرالية وبناء الحكم الديمقراطي .
من الطبيعي ان سيقدم الوطنيون تصورات وتوجهات جديدة تخدم تأسيس النظام الفيدرالي الديمقراطي . وسوف نكون على صواب اذا ما طلبنا ان نعتني بنوعية الصياغات القانونية لتضمينها بالدستور بحيث تشير الى الحدود السياسية والادارية والعلاقات الما لية والتعليمية بل وحتى العلاقات العائلية وحقوق الاسرة .......وذلك لكي نـمنع كافة الاجتهادات الشخصية والقومية المتزمتة وكل ما يهدد وحدة تراب الوطن او ما يعكر صفو الاخوة بين القوميات والطوائف التي يتكون منها الشعب . وبخصوص هذه الفكرة القانونية الاخيرة انها تفتـرض ، برأينا،صياغة، نصً قانوني في الد ستور يشير الى ان العراق وحدة جغرافية كاملة وان النظام الفيدرالي يجب ان يقوم على مبدأ توطيد وتمتين الوحدة الوطنية اولا ً واخيرا ًوتوجه كل الشعب العراقي اوبالاحرى( الامة العراقية) الى بناء العراق وتوطيد مكانته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العالم . وبهذا سوف تساعد الفيدرالية على واقع جديد سوف يعيش به شعبنا برخاء ويصبح قويا بين شعوب العالم . وبما ان هذا الامر لم يحدث في وقته فعلينا الآن العمل الجاد لرسم خارطة طريق لتنظيم المسيرة الوطنية لبلادنا في هذا الزمن العصيب ، زمن العولمة في فترتها الصاخبة وامام المؤامرات المتلاحقة على بلادنا . فلا توجد جهة في هذه الدنيا من يريد الخير للعراق كما يريده شعبنا لنفسه .
لقد نشرنا كتابا يضم مجموعة مقالات فيها دراسة تفصيلية حول انتهاء ذلك الزمن الذي انتشرت فيه الدعوة الى المطالبة بما كان يسمى " حق تقرير المصير " وبالخصوص الجزء الثاني منه المتعلق " بانفصال القوميات " عن الوطن الأم . اذ ان حق الانفصال كان ضروريا عن النظام الاستعماري القديم فقط . وقد اقترن هذا الشيئ الجديد بقضية تحرير كافة المستعمرات في العالم حيث جرى تحريرآخر دولة في افريقيا في اواسط الستينات من اللقرن العشرين . واصبح الواجب الوطني تاريخيا يقتضي التآخي بين الشعوب في الوطن الواحد ثم التعاون بين قوميات وشعوب هذا الوطن لبنائه وازدهاره وتنميته حسب برامج وخطط اقتصادية ـــ اجتماعية لاسعاد شعوبه . وبصدد انتقاداتنا لادارة الفيدرالية في شمال وطننا الحبيب فهي تأتي منسجمة مع فكرة بناء النظام الفيدرالي العادل مقرونة بتثبيت مبدأ التخطيط العلمي للتنمية الوطنية مع التقيد بالقواعد المالية والمحاسبية بين المركز ومنطقة الحكم الذاتي. على اننا ملزمون كذلك بتنظيم اقتصاد المحافظات الشمالية والجنوبية معا ً وفق مبدأ التكامل الاقتصادي الداخلي . ونتمنى ان نكون في خدمة الوطــن بشماله وجنوبه وتوطيدا ً لاواصر الاخوة العربية الكوردية والتركمانية والازيدية وطوائفنا الدينية وعلى ارض عراقنا المقدسة .
ولا يفوتنا في ختام هذه المقدمة ان نشير الى ان تاريخنا الوطني شهد من بعض العناصرالانتهازيةالكثير من التحديات والجنايات والضلالات تلك التي وجدت تعبيرها بانشقاقات تنظيمية وتأسيس كيانات هزيلة حقودة مهمتها كانت اضعاف القدرات التنظيمية للحزب الشيوعي العراقي والحركة الوطنية في العراق عموما . كما لم تخل تصرفات بعض المسؤولين فيه بما يسمى بالمجاملات والترضيات لهذا اوذاك من الشخصيات او الاحزاب وذلك حتى على حساب المصلحة العامة والمصالح المالية للبلاد . ونرى هنا من الضروري المصارحة بما نعتقده صحيحا ، على مدى سبعين عاما من وجودنا في اطار الحركة الوطنية العراقية .
ولا نغفل هنا حقيقة مؤلمة : ان بعض القوميين الذين خدمتهم ظروف معينة فوجدوا لهم ملجأ "دافئا" ، كما يقال ، في قيادة الحزب الشيوعي العراقي لسنوات طوال بدون ادنى وجه حق كما هو الحال بالنسبة لاقطاب الانشقاقات والتكتلات على مدى تاريخ الحزب الشيوعي العراقي .
ومع ان الحزب وشهداءه غير مسؤولين عن تصرفات الانتهازيين الذين كانت لهم افكار قومية ( وربما عوامل اخرى ) تدفعهم الى السلوك الانتهازي داخل الحزب الشيوعي ولكن تبقى الحقيقة قائمة وهي انهم لم يدينوا الافكار التي دفعت "رفاقهم" في القومية عندما قالوها صراحة من خلال التلفازوغيره من وسائل الاعلام وعلى رؤوس الاشهاد انهم يتمنون ان يبقى العراق ضعيفا لكي يحصلوا على "المطاليب القومية" لصالحهم ما داموا في السلطة العراقية الضعيفة !!!! ومن القباحة ان كل ذلك صدر منهم حتى اثناء هذه الحرب العالمية الدائرة الان على وطننا وبقواها الفعلية المؤلفة من الداعشيين والبعثيين وبعض الكيانات السياسية من عملاء الدول الاجنبية المعروفة في " اوساطنا "
لقد كانت حياتهم الحزبية تعج بالانشقاقات والتكتلات ((واشياء اخرى!!! )) وكانت لي مساهمات بمكافحتها وتعرية اصحابها منذ اواسط الاربعينات من القرن الماضي الى يومنا هذا مدفوعا بحقي في الثبات على افكاري وارائي الملتزمة بالسلوك الوطني وذلك لخدمة الحركة الوطنية وانتصارا للشهداء من اصدقائي الذين يفتخر بهم الوطن ! اولئك الذين ذهبوا ضحايا باردة اي بدون مكتسبات للوطن الكبير ( العراق ) وذلك بسبب التزمت والتعصب القومي لبعض الرموز الانتهازية . فهم كانوا السبب في ما حصل لكثير من الشهداء وعلى حساب المصلحة الوطنية . ان اندفاع الشباب وراء الشعارات ( ذات المظهر الوطني ) وهم من المناضلين في القوميات ومن مختلف الطوائف الدينية المتآخية مع الشعب الكردي مما تشهد له جبال كردستان ووديانها .ولكن المأساة ان الذي حصل لهم كان من جراء خدعهم باحابيل الاتجاهات القومية وانهم كانوا مدفوعين بشعارات عتيقة لا تخص القومية الكردية في العراق التي تمتعت وتتمتع الان بكافة الحقوق المتاحة للشعب العراقي ولكنهم كانو يريدون " مكاسب " لا تقرها اية شعارات حول " حق تقرير المصير " وانما هي مطاليب نـفعية لها علاقة باقتصاد النفط والضرائب الجومركية والمضاربات المصرفية واشياء اخرى تخص الفئات الطبقية التي تمسك برقاب الشعب الكردي المغلوب على امره بحجة ان السادة الذين يسيطرون على السلطة الفيدرالية الكردية في العراق هم المسؤولين عن السياسة والمصير الكردي . على ان هناك حوادث مؤسفة تصلح ان تكون برهانا على سياسة النفق المظلم الذي يراد ادخال الشعب الكردي في العراق ومستقبله بها ولسنا بعيدين عن احداث بشت آشان على سبيل المثال !او في مناطق اخرى كانت تدل على اشياء كثيرة كانت توجب التوقف عندها . ان الوقائع كثيرة تلك التي يتجلى بها عدم اخلاص القوميين الاكراد المسيطرين اليوم على الفيدرالية في اربيل .وذلك تجاه الوطن العراقي وتجاه الشعب الكردي بالذات بما في ذلك الكثير من الوقائع التي تتعلق بالطرق غير القانونية وخروقات في المجالات الاقـتصادية وكذلك العلاقات السياسية المشكوك بها تلك التي تتبعها الكتلة المتحكمة برقاب الشعب الكردي ببما في ذلك علاقاتهم بجهات اجنبية وعلاقات مكشوفة بالمتآمرين على العراق من داعشيين وغيرهم وحتى برؤوس كبيرة من بقايا حثالات النظام البعثي المعروفين بعدائهم للشعب الكردي بل وعموما للشعب العراقي . وليس بعيدة منا مؤامرة داعش وشركائهم في الموصل والانبار وغيرهما واحتـضان مسعود للداعشيين والبعثيين المتهمين بالخيانة الوطنية وحمايتهم في اربيل وربما في مناطق اخرى من كردستان وذلك رغما فلى انف الشعب الكردي .
واخيراً اتمنى ان نتعاون مع الخيرين من ابناء الشعب الكردي والوطنيين منه على وجه الخصوص والمخلصين لخدمة وطننا وذلك بجعل الفيدرالية قوة للعراق والاكراد معا . علما اننا نستطيع ان نحقق الخدمة الصادقة للوطن اذا ما اعتمدنا على التآخي الوطني بين مكونات شعبنا العراقي العظيم . ودون كسر الذات الكردية بالافكار القومية المتزمتة !!!
----------------------------------------------------
الدكتور عبد الزهرة العيفاري (بروفيسور) باختصاص
الاقتصادالسياسي والتخطيط الاقتصادي الستراتيجي للبلدان النامية
موسكو 8 - 7 - 2016








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر