الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام الإلكتروني نعمة جليلة ونقمة في آن واحدة :

منى الغبين

2016 / 7 / 10
الصحافة والاعلام


الإعلام الإلكتروني نعمة جليلة ونقمة في آن واحدة :
أمّا أنّه نعمة فلما يوفّره من خاصيّة المشاركة للقارئ فيخرج القارئ من دور المتلقي السلبي الذي كان مفروضا عليه مما كان يطالعه بما ينشر ورقيّا , ثمّ هو نعمة للدارسين لشؤون المجتمعات ومستواياتها الفكريّة حيث توفّر هذه التعليقات مادّة دسمة في مختلف شؤون الحياة وقضاياها , وموقف الناس منها , وفهمهم لها , فلو أردت مثلا فهم تصوّر الناس للدين أو مفهوم المواطنة مثلا فما عليك إلاّ تتبع التعليقات حول القضايا المختلفة المتعلقة بهذه الأمور فيتشكّل لديك نماذج من الفهم الشعبي لمعنى التدين ومعنى المواطنة , كما تستطيع تصنيف فئات حول أفهام مختلفة شريطة أن تكون الدراسة واسعة جدّا وتشمل آلاف العينات .
أمّا أنّها نقمة فلأنّها تفتح المجال لمرضى النفوس والأوباش ليتقيأوا كلّ عقدهم ومخزونهم القذر مما يصنّف في عداد الشتائم والمسبّات القبيحة التي تشكّل جنايات في جميع المقاييس الإنسانية , وعلى الرغم من الضرر البالغ لنشر هذا العفن فإنّه مفيد باكتشاف المستوى الأخلاقي والفكري لمجتمع ما , أو فئة ما , أو تيّار ما , وعلى ضوء ذلك يتم اكتشاف ما تعانيه الفئة المستهدفة بالدراسة من ضعف وهوان ؛ لأنّ الذين لا يملكون إلاّ هذه البضاعة هم ضعفاء بسبب انحطاطهم الفكري والعقلي مهما حاولوا أن يغطّوا على ذلك بمظاهر القوّة الماديّة , وأمرهم في اضّمحلال ومآله إلى الزوال , وساعة نهايتهم قد اقتربت فيعمد صنّاع السياسة في الدول وكذلك الساسة من صنّاع النهضة إلى اسقاطهم من الاعتبار لإدراكهم بأنّ تلك الفئات تعاني من موت سريري فتتفسخ أجسادها , وتتعفن وهي على قيد الحياة , وإكرام الميت دفنه.
لا أزعم أنني أملك دراسات واسعة في هذا المجال , ولكن بحكم مطالعتي لما ينشر على المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي من تعليقات فإنني أكاد أجزم بأننا نعاني من أزمة خطيرة تتمثّل في أكثر من صنف , أودّ أن أشير لأبرزها :
الصنف الأول : الشتّامون من ذوي الأرواح الكلبية , وهؤلاء متخصصون بشتم الجميع , ولا تستطيع تصنيفهم في تيّار واحد , وأدقّ وصف ينطبق عليهم هو ما قاله شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي المستطرف في كل فن مستظرف حيث يقول : ((إذا رأيت الرجل هجاما على أعراض الناس فقد ماثل عالم الكلاب فإن دأب الكلب أن يجفو من لايجفوه , ويؤذي من لا يؤذيه , فعامله بما كنت تعامل به الكلب إذا نبح ألست تذهب وتتركه )) .
الصنف الثاني : " السحّيجة أو الهتّيفة " من المولاة أو المعارضة , وهؤلاء يختلفون عن الصنف الأول من حيث أنّهم يصفقون لكلّ من يوافق أهواءهم والجهة التي يناصرونها , ويحقّرون كلّ من يختلف معهم , وأغلب هؤلاء لا ينطلقون من منطلقات فكرية واضحة في عقولهم , وإنما ينطلقون من مواقف عاطفية تجاه جهة ما , والتيّار الذي يناصرونه لا يعرفون منه إلاّ الشعارات المختزلة التي تدغدغ عواطفهم , وكذلك لا يعرفون عن الآخر إلاّ ما يلقنه إياهم كبارهم ومحلّ ثقتهم ومبرمجوهم , ومن فائدة دراسة هذا الصنف أنّه يكشف مستوى الجهات التي يناصرها , فكلما تعاظمت الإساءة فإنّها تكشف أنّ الجهة التي تقف وراءها مأزومة إلى درجة الاضطراب وفقدان الصواب .
الصنف الثالث : " المتعصّب المشاغب " وهذا يختلف عن الصنف الثاني بأنّه يملك شيئا من الفكر الذي يدعو إليه , ويناصره , ولكنّه قلّما يقابل الحجّة بالحجّة خاصّة في الأمور المفحمة التي تهدم الفكر الذي يحمله , فيلجأ لأسلوب الشغب , وتحريف الكلام , والانشغال بشخص المتكلّم , أو مقابلة باطله بباطل الآخر بحيث يصبح الحوار أقرب ما يكون لأسلوب التعيير بل هو التعيير بعينه , وهو أسلوب لا يلجأ إليه إلاّ المقرّ بعيوبه ضمنا .
الصنف الرابع : " ضعيف الاستيعاب " وهو وإن كان موجودا بكثرة في الصنفين الأولين , فالذي ينبح على الجميع بدون استثناء فإنّه غالبا ما يكون يعاني من خلل في الفهم , وكذلك الصنف المبرمج , ولكن ثمّة فئة ليست من هؤلاء ولا أولئك لأنّها لا تنطلق من موقف محدد بقدر ما تعاني من ضعف في الفهم , ومثل هذه الفئة كانت مستورة , وما كان يعرفها إلاّ معلومها في غرف الدروس , وكذلك من يختلط بها ويتعامل معها , وأدق وصف ينطبق على هؤلاء قول أحد العلماء في وصفأحد تلاميذه حيث يقول : "يسمعُ غيرَ مَا أقولُ، ويكتبُ غير ما يسمعُ , ويقرأ غيرَ مَا يكتُبُ، ويحفظُ غيرَ مَا يقرؤه".
لا انكر أنّ هناك قرّاء على مستوى عال من الثقافة والفهم والأدب , ويضيفون في تعليقاتهم على ما ينشر إضافات نوعية قيّمة , ولكن السؤال ما هي نسبتهم مع تلك الأصناف التي أشرت إليها آنفا ....... أدعو الإخوة القراء الجادّين أن يطالعوا المواقع التي لديها خاصية المشاركة ويستعرضوا الردود ليكتشفوا الحقيقة المرّة بأنفسهم , والتي ضحيتها في النهاية العقل العربي والإنسان العربي ؛ لأنّ المجتمعات لا يمكن أن تنهض من عثرتها , وتخرج من حالة التردي والانحطاط إلا بالعقول الواسعة , والأفكار المستنيرة التي تعظّم الحقّ , وتبحث عن الحقّ لتعرف من خلاله أهله , والخير والحقّ متلازمان فلن ينتصر الخير إلاّ بانتصار الحقّ , ولن ينتصر الحقّ إلاّ بعقول لا ترضى به بدلا .
منى الغبين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات