الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمازيغية بالوسط الحضري في المغرب بين -مثلثات برمودا- و-شواطئ الأمان- (تجربة أمريك نموذجا)

الحسين أيت باحسين

2016 / 7 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


توطئة في التحديد الاصطلاحي والمفاهيمي المعتمد هنا

الوسط الحضري: يشمل مختلف أنواع المدن التي عرفها المغرب عبر تاريخه،
وسنقتصر هنا على ثلاثة أنواع من المدن:
- المدن العتيقة: ونقصد بها المدن التي تأسست منذ العصر الوسيط أو قبله مثل تارودانت، مراكش، فاس، طنجة، وجدة، الحسيمة، الرباط، سلا، الصويرة، تيزنيت، وغيرها مما لا زالت متواجدة بالرغم من عراقة وجودها...
- المدن العواصم: وتتمثل في المدن التي اتُّخِذت عواصما إدارية في مرحلة من المراحل التاريخية، مثل مراكش، فاس، مكناس، الصويرة، الرباط، وغيرها من المدن التي تطلق عليها نعوث العواصم غير الإدارية (مثل الدار البيضاء كعاصمة اقتصادية، وغيرها) والتي لها جاذبية الهجرة إليها من الأوساط القروية.
- المدن العصرية: أي التي ثم تأسيسها أو إعادة تأهيلها من قبل الحماية من أجل استيعاب البنيات العصرية للمدينة العصرية وللدولة العصرية؛ أو التي ثم تأسيسها بعد الاستقلال أو من خلال إعادة تأهيل بعض القرى لتصبح مدنا تلبي الحاجيات العصرية لتلك القرى التي عرفت نوعا من التطور وهي كثيرة لا يسع المقام لذكرها أو ذكر بعضها هنا، أو التي تم استحداثها في السنوات الأخيرة في محيط المدن الكبرى الآهلة بكثرة السكان مثل "تامسنا" بضواحي الرباط، و"تامصلوحت" بضواحي مراكش وغيرهما في ضواحي المدن الآهلة بالسكان؛ وبعضها يحمل في طياته رمزية الاعتراف الرسمي بالأمازيغية.
"مثلثات برمودا": المصطلح مستعار من "مثلث برمودا" المشهور (وهي منطقة جغرافية، تقع في المحيط الأطلسي بين برمودا، وبورتوريكو، وفورت لودرديل (فلوريدا)، مشهورة بحدوث كثير من حالات اختفاء سفن وطائرات في محيطها. لكن العديد من الوثائقيات أكدت مؤخراً زيف الكثير مما قيل عنها. وللمزيد من المعلومات يمكن العودة إلى الرابط التالي:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AB%D9%84%D8%AB_%D8%A8%D8%B1%D9%85%D9%88%D8%AF%D8%A7). والمقصود بهذا المصطلح هنا هو الأوساط الحضرية التي تنتكس فيها الأمازيغية بفعل عوامل مختلفة أهمها التعريب والتحريف وتحقير كل ما هو أمازيغي.
"شواطئ الأمان": المراد بهذا المصطلح هو الإشارة إلى المبادرات والفضاءات المدينية التي سنحت إما باستمرار تواجد الأمازيغية أو ساعدت على رد الاعتبار إليها ب"وعي عصري" حسب تحديد الأستاذ وعزي الحسين لمفهوم "الوعي العصري".
"تجربة أمريك": المراد بها هو فقط استعراض ما لمسته، منذ تأسيسها 1967 بالرباط، بصدد الظاهرتين المومأ إليهما من خلال مصطلحي: "مثلثات برمودا" و"شواطئ الأمان".

بداية تنبغي الإشارة إلى أن الأمازيغية عاصرت مجموعة من اللغات القديمة مثل اللغة المصرية القديمة والفينيقية والبونيقية والسريانية واليونانية القديمة واللاتينية، وأنها لا زالت تُتَداول في جل مناطق شمال إفريقيا وفي الدياسبورا، هنا وهناك، من قبل مجموعات مهاجرة، خاصة في البلدان الأوروبية حيث تتواجد جاليات من أصول أمازيغية؛ وأنها عانت من عدم الكتابة بها ومن عدم مأسستها رغم أن الأمازيغ قد أسسوا، هنا وهناك، إمارات وممالك ودولا وإمبراطوريات، ككيانات سياسية مستقلة لم تكن لا تابعة ولا خاضعة لكيانات سياسية أجنبية عنهم. ورغم أنها لم تُمأسس من طرف أي كيان من تلك الكيانات السياسية الأمازيغية المستقلة، ولم يُخَصص لها أي نظام كتابة مّا، بالرغم من وجود أبجدية خاصة بها منذ العصور القديمة والتي تعتبر من بين أقدم الأبجديات الثلاث في إفريقيا، فإنها لا زالت حية ومتداولة في الوقت الذي انقرضت فيه جل تلك اللغات، إن لم نقل كلها، باستثناء التي ثم إحياؤها كاللغة العبرية أو تجديدها كاللغة اليونانية.
ينبغي التذكير أيضا أن احتكاك اللغة الأمازيغية باللغات الأجنبية الوافدة يتولد عنه دائما، خاصة في الأوساط الحضرية، تشكل لغة ثالثة تكون خليطا من اللغة الأمازيغية واللغة الوافدة تصبح هي اللغة التي يتم عبرها التواصل اليومي في مختلف المعاملات التجارية والاجتماعية (أي الشكل الذي ينعت اليوم ب "اللغة الدارجة")، بينما يتم تداول الأمازيغية في القرى والبوادي حيث لا وجود للوافدين وتداول اللغة الوافدة في المؤسسات الحضرية المعنية بتدبير شؤون المؤسسات الرسمية. وهذا شأن احتكاك الأمازيغية بالفينيقية واللاتينية والعربية والبرتغالية والإسبانية والفرنسية، حيث "يَنْدسُّ" كثير من معجم تلك اللغات الوافدة في التواصل اليومي و"يطرد" مقابله الأمازيغي، وإن استمرات البنية التركيبية والقواعد النحوية للأمازيغية "سارية المفعول" في آلية التواصل الجديد (أي "اللغة الثالثة"). وهذه "اللغة الثالثة" كانت، باستمرار وعبر التاريخ، أخطر على اللغة الأمازيغية من اللغات الوافدة؛ لكونها لا تفقر فقط اللغة والثقافة والهوية والحضارة الأمازيغية، بل تجعل كثيرا من الأمازيغ يتنكرون ل"أصولهم الأمازيغية"، إما طمعا في "الامتيازات" التي يتيحها له هذا الادعاء أو تحقيرا ل"الأصول المتخلفة" بمختلف تمظهراتها وتجلياتها أمام "الوافد المتحضر". وقد كان وَقْع هذه الظاهرة كبيرا جدا في مرحلتين من مراحل احتكاك الأمازيغ بغيرهم من الوافدين: في مرحلة الصراع الأمازيغي – الروماني التي أفرزت ما سُمِّي ب "الرومنة"؛ وفي مرحلة وفود وتبني اللغة العربية في شمال إفريقيا وفي الأندلس التي تعربت فيها مجموعة من القبائل الأمازيغية وادعى البعض الآخر كون الأمازيغ عامة من أصول عربية، لينتقل هذا الادعاء وذاك إلى ما هو أخطر، حين ظهرت الإيديولوجيا العروبية البعثية من أجل "تعريب البشر والحجر والشجر"؛ ويمثلها في المغرب تداعيات ما سُمِّي ب "الظهير البربري" وكذا خطاب "الحركة الوطنية" تجاه كل ما هو أمازيغي وامتداداته السياسية والإعلامية والثقافية والمؤسساتية حتى إلى مغرب ما بعد الاستقلال، حيث لم يكف الخطاب التخويني، والتهميشي والتحقيري، وممارسة التعريب والتحريف والاستبدال إلا بعد الاعتراف الرسمي للدولة بالأمازيغية، وخاصة بعد ترسيمها في دستور فاتح يوليوز 2011، بالرغم من انبعاث أصوات معزولة ومنفردة، هنا وهناك ومن حين لآخر، والتي لا زالت لم تتأقلم مع كل المستجدات الوطنية والدولية ثقافيا وحقوقيا وسياسيا.
كما لا ينبغي أن ننسى أن جل اللغات القديمة، التي استمرت في الوجود مؤسساتيا، ارتبطت بنصوص دينية، وخاصة منها المنتمية إلى الديانات السماوية، الشيء الذي مكنها من إنتاج مجموعة من المعارف الثقافية والهوياتية والحضارية وجعلت من نفسها (أي اللغات المرتبطة بالديانات) المَعْبَر المرجعي لفهم وممارسة الدين المرتبط بها وللتسليم بثقافة وهوية وحضارة من تبنّوا وظهر فيهم ذلك الدين.
وانطلاقا من هذه المقدمات الموجزة، لإشكالية معقدة تستلزم تضافر مقاربات متعددة التخصصات، أعود لأحدد الفضاء الزمني والجغرافي والثقافي والسياسي لمعالجة عنوان المقالة.
من حيث الفضاء الزمني، ارتبط وضع الأمازيغية ومصيرها بفترة إصدار ما سُمِّي ب"الظهير البربري" وبما ترتب عنه من "تظاهرات قراءة اللطيف"، رغم أن "قراءة اللطيف" تمت لأول مرة سنوات قبل إصدار "الظهير البربري". قد يتساءل البعض: لماذا تم ربط الفترة الزمنية بهذين الحدثين؟ لأن النخبة التي كانت وراء هذين الحدثين كان لديها وعي عصري بالمسألة اللغوية والثقافية ودورهما الأساسي في تحديد مستقبل هوية مغرب ما بعد الحماية. كما أن مواقف البعض منها، فيما بعد، ستؤكد ذلك الوعي وتقوم بتصريفه إعلاميا وتربويا وثقافيا وسياسيا، حتى في ما بعد الاستقلال.
ومن حيث الفضاء الجغرافي، المتمثل في الأوساط الحضرية التي تم تحديد المقصود بها في بداية المقال في (أي في المدن العتيقة والمدن العواصم والمدن العصرية)، ستنبجس في هذه الأوساط الحضرية؛ التي كانت بمثابة "مثلث بيرمودا" بالنسبة للأمازيغية (لغة وثقافة وهوية وحتى بشريا)؛ ما يمكن أن نسميه "بوادر حركة أمازيغية" تتمثل في ظاهرة الروايس، خاصة في مراكش والدار البيضاء والرباط حيث فضاءات عرض إبداعاتهم وحيث شركات تسجيل وتسويق تلك الإبداعات؛ وفي نزوح كثير من المشتغلين في مجالات المال والأعمال؛ وفي التحاق الأفواج الأولى للشباب المنحدر من المناطق الناطقة بالأمازيغية إلى مؤسسات التعليم الأصيل، مثل تارودانت (المعهد الإسلامي بتارودانت) ومراكش (جامعة ابن يوسف) وفاس (جامعة القرويين)، أو إلى مؤسسات التعليم العصري الثانوي بمختلف المدن المغربية الكبرى، أو التعليم العصري الجامعي، خاصة في الرباط أوفاس.
أما من حيث الفضاء الثقافي، فسنجد أنفسنا أمام ثلاثة حلقات ثقافية: الثقافة المرعية من طرف سلطات الحماية، والثقافة المرعية من طرف الحركة الوطنية، والثقافة الأمازيغية التي تتأرجح بين المد والجزر المتحكم فيهما (أي المد والجزر) من قِبَلِ الطرفين الآخرين (أي الحماية والحركة الوطنية)؛ إلى أن تظهر الحركة الثقافية الأمازيغية لتمهد للاعتراف الرسمي للأمازيغية من طرف الدولة ليتم الشروع في رد الاعتبار للثقافة الأمازيغية من خلال مؤسسات رسمية (المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وزارة التربية الوطنية، وزارة الإعلام) ومؤسسات جامعية (فتح مسالك الدراسات الأمازيغية كمثال على ذلك).
وأما من حيث الفضاء السياسي، فإذا كان الصراع ظاهرا بين سلطات الحماية وبين مختلف قبائل المغرب؛ قبل ما سمّي بسياسة التهدئة التي أملتها ظروف الحرب العالمية الثانية؛ فإن الصراع على السلطة، بعد الاستقلال، كان أحيانا ظاهرا وأحيانا أخرى خفيا. كما استمر تواجد "المغرب غير النافع" إلى جانب "المغرب النافع"، الذي أسست له سلطات الحماية، في شتى الميادين الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، وتعمقت الفوارق بين "المغرب النافع" و"المغرب غير النافع". واستأسد خطاب التوجه البعتي – العروبي مخونا كل خطاب آخر لا ينتمي إلى عقيدته وتوجهاته والتزاماته تجاه مصدري تلك الأيديولوجيا. الشيء الذي جعل الكوكبة الأولى من الشباب النازحين من المناطق الناطقة بالأمازيغية والملتحقين بالمؤسسات التعليمية العصرية بالمدن الكبرى، وخاصة بالجامعة في كل من الرباط وفاس، يكتشفون أن المكون الأمازيغي (لغة وثقافة وهوية) صائر إلى سلة المهملات لا محالة، فكان رد فعلهم الاهتمام والعمل بكل الوسائل المتاحة؛ من أجل رد الاعتبار لهذا المكون المهمش والمقصي؛ من جمع وتدوين ونشر وبحث أكاديمي وإعلام وتكوين جمعيات وفرق فنية عصرية تهتم بالفنون الموسيقية والغنائية والمسرحية والسينمائية وأنشطة ثقافية وفنية وترفيهية وغيرها من القضايا التي من شأنها رد الاعتبار للأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة.
في هذا المناخ الثقافي والسياسي، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، ظهرت أول جمعية ثقافية أمازيغية، في الوسط الحضري، حيث تأسست في مدينة الرباط بتاريخ 10 نونبر 1967، تحت إسم "الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي"، معتبرة بذلك نفسها جمعية وطنية ولسيت جهوية (لا من حيث هوية المنخرطين فيها أو من حيث المناطق التي تتواجد فيها فروعها وتنظم فيها أنشطتها).
من بين أنشطتها الأولى دعم أنشطة التجار المنحدرين من المناطق الناطقة بالأمازيغية، في إطار الغرفة التجارية، وتكوين الأطفال المساعدين للتجار، في مجالات الكتابة والقراءة والحساب والتاريخ المغربي، في مدينة الرباط.
كما قامت، بتنسيق مع طلبة كل من المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط ومعهد الزراعة والبيطرة بالرباط، بأنشطة فنية وثقافية تستهدف الاهتمام بالبعد الأمازيغي للثقافة المغربية. واستقدمت من كليتي الآداب والعلوم الإنسانية بكل من الرباط وفاس طلبة من مختلف تخصصات العلوم الإنسانية للالتحاق بالجمعية والمساهمة في إثارة النقاش داخل الجامعة حول القضية الأمازيغية.
وبالموازاة مع ورش جمع وتدوين ونشر التراث الشفوي الأمازيغي؛ بداية في شكل نشرات داخلية (توزع على المنخرطين في الجمعية وعلى المتعاطفين معها: أرّاتن والتبادل الثقافي)؛ قامت بمجموعة من الأنشطة الإشعاعية في كل من مدينة مراكش ومدينة الدار البيضاء، كما اتصلت ببعض الروايس وبعض الفنانين الموسيقيين من أجل خلق فرق أمازيغية عصرية، تكون مهمتها تحديث وعصرنة الموسيقى والأغنية الأمازيغية (مجموعة "ياه" (1974) التي تحول إسمها في ما بعد إلى "أوسمان" (1975) التي أعطت قيمة مضافة للموسيقى والأغنية الأمازيغية وطنيا ودوليا).
بعد ذلك، توجهت نحو خلق فروع لها في مختلف المدن المغربية، وكانت المدن بمثابة "شاطي الأمان" بالنسبة للقضية الأمازيغية، وذلك لوجود نخبة متمدرسة ومحتكة بمختلف الخطابات السياسية الحزبية والجمعيات الثقافية والتربوية وحيث "الوعي العصري"، حسب مفهوم الأستاذ الحسين وعزي، بالقضية الأمازيغية. وقد ساعدت هذه الجوانب التنظيمية والهيكلية على لفت الانتباه إلى ما نال القضية الأمازيغية من تهميش وإقصاء وتحقير من طرف الخصوم، بل وحتى من ذوي القربى الذين كان "ظلمهم أشد مضادة، خاصة حين ينتمون لأحزاب تستمد أيديولوجيتها من التوجه البعتي – العروبي. لكن الإصرار في الحوار مع نخبة من الطلبة والأساتذة الجامعيين أدى إلى الاهتمام بالأمازيغية بشكل علمي وأكاديمي، فتكونت في كليتي الآداب والعلوم الإنسانية بكل من الرباط وفاس، "شبه مدارس صغرى"، خاصة في مجالات اللغة والتاريخ، كانت النواة الأولى لما نلمسه اليوم من مسالك خاصة بالأمازيغية في بعض الجامعات المغربية.
هذا الوضع الجديد للآمازيغية دفع الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي إلى التفكير في منبر جديد يطور ويرسخ هذا الوعي الجديد بالقضية الأمازيغية، وذلك بعرض ما تم التوصل إليه على مستوى البحث العلمي والأكاديمي، وبالتحاور مع مختلف الأحزاب السياسية والمؤسسات الثقافية والمجتمع المدني من أجل رفع الحيف والتهميش والإقصاء عن الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة؛ وقد ثم اختيار مدينة أكادير لعقد أول دورة ل "جمعية الجامعة الصيفية بأكادير" التي دامت أشغالها قرابة خمسة عشر يوما من الندوات والمناقشات والحوارات الجادة والمفيدة، من 9 صباحا إلى حوالي منتصف الليل كل يوم، كان منع انعقادها دوراتها اللاحقة مدة ثمان سنوات عربونا على ما أحدثته من تأثير على الساحة الثقافية والسياسية معا وعلى الدولة نفسها التي لجأت إلى التضييق والخناق، بل وإلى الاعتقال في ما بعد. لكن في نفس الوقت نشأت جمعيات أخرى، في كل من الرباط والدار البيضاء والناظور وكلميمة، أخذت على عاتقها رد الاعتبار للأمازيغية، بادرت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، مرة أخرى، بتنسيق مع خمس جمعيات، إلى التوقيع على "ميثاق أكادير" بتاريخ 5 غشت 1991، في أعقاب الدورة الرابعة لجمعية الجامعة الصيفية بأكادير المنعقدة ما بين 29 يوليوز و5 غشت 1991؛ ذلك الميثاق الذي كانت من بين مطالبه الأساسية دسترة الأمازيغية، وقد ثم التوقيع عليه من طرف خمس جمعيات (الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي (من مدينة الرباط)، جمعية الجامعة الصيفية (من مدينة الرباط)، جمعية غريس الثقافة (من مدينة كلميمة)، الجمعية الجديدة للثقافة والفنون (من مدينة الرباط)، جمعية إلماس الثقافية (من مدينة الناظور) والجمعية الثقافية لسوس (من مدينة الدار البيضاء).
في هذه الفترة ظهرت مجموعة من المنابر الإعلامية الأمازيغية (جرائد ومجلات وصفحات أسبوعية في المنابر الإعلامية لبعض الأحزاب المتعاطفة مع القضية الأمازيغية)، ونشرت دراسات وأبحاث وكتب حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين؛ كما قامت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بجولتين من الحوارات مع مجموعة من الأحزاب السياسية والفرق البرلمانية والمنظمات الحقوقية والجمعيات الثقافية بمختلف توجهاتها، وعقدت ندوات صحفية وراسلت جهات رسمية (المؤسسات: الملكية والتشريعية والتنفيذية) من أجل الاعتراف بالأمازيغية في الإصلاح الدستوري الذي ثم القيام به سنة 1996 كمرجعية لحكومة التناوب المزمع تنصيبها كمرحلة انتقالية في الحياة السياسية بالمغرب قبيل وفاة الملك الحسن الثاني. وبما أن الاستجابة لهذا المطلب كانت سلبية، فقد ثم اللجوء إلى آليات أخرى من بينها مشروع "تاودا" (أي المسيرة) و"التنسيق الوطني بين جمعيات الحركة الثقافية الأمازيغية"(الذي تولت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي رئاسته في مرحلة أولى ليتولاها الأستاذ أحمد الدغرني في المرحلة الأخيرة)، قصد الضغط على دوي القرار من أجل الاعتراف الرسمي بالأمازيغية. وبعد فشل التنسيق الوطني عن تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها، طُرِح بديل جديد، انطلق من مدينة الرباط، وهو "بيان بشأن ضرورة الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب" أو كما هو شائع لدى الحركة الثقافية الأمازيغية ومجموع المهتمين"بيان محمد شفيق"؛ وبعده سيتوج نضال الحركة الجمعوية بالوسط الحضري، من أجل رد الاعتبار للأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة بخطاب أجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بحضور كل مكونات المجتمع: السياسية والثقافية والحقوقية والنقابية والجمعوية، وضمنها مجموعة من ممثلي الحركة الثقافية الأمازيغية؛ كما ستدفع حركة 20 فبراير الدولة للاعتراف الرسمي بالأمازيغية في خطاب 9 مارس 2011 وفي دستور فاتح يوليوز 2011، بالرغم من أن خطاب 9 مارس 2011 كان أكثر استجابة لمطالب الحركة الأمازيغية من الدستور المشروط بتفعيل قوانين تنظيمية؛ في الوقت الذي دعا فيه، من بين ما دعا إليه، إلى "التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة". ومع إشراط إتمام ترسيم الأمازيغية بالقوانين التنظيمية التي لم تفعل إلى حد الآن؛ ونحن على بضعة أيام من ولاية هذه الحكومة؛ نلاحظ عودة الحركة الأمازيغية إلى محاولات التنسيق فيما بينها من أجل رفع التمييز ضد الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة، بل إن بعضا منها يعمل من أجل اللجوء إلى الممارسة السياسية قصد رفع هذا التمييز.
ونخلص، بكل هذا، إلى التذكير ببعض من عناصر تجربة الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي الطويلة والغنية بأنشطتها وبمبادراتها، إلى جانب بعض مما قامت به جمعيات أخرى من الحركة الثقافية الأمازيغية؛ فقد ثمت كل هذه الأنشطة والمبادرات في أوساط حضرية، كانت بمثاية "شاطئ الأمان" الذي ساعد على رد الاعتبار للأمازيغية، بعد أن كانت موضوع تهميش وإقصاء وتحقير حتى من ذويها في كثير من الأحيان، وبعد أن كانت الأوساط الحضرية من قبل بمثابة "مثلث بيرمودا" تمتص كل ما هو أمازيغي لغة وثقافة وإنسانا ناطقا بالأمازيغية، خاصة في المدن العتيقة التي، ما إن يندمج الوافد من المناطق الناطقة بالأمازيغية، حتى يتنكر لأمازيغيته لغة وثقافة، وحتى أصلا أحيانا.
بل إن بعض المواقف السياسية المعادية للأمازيغية دعت إلى تعريب البوادي بعد أن تعربت المدن، وبعضها الآخر دعا إلى إبادة الأمازيغية لتحقيق المشروع البعتي – العروبي بالمغرب، بينما ذهب البعض، من خلال بحوث أكاديمية ميدانية، إلى أن الأمازيغية تتقهقر في العالم القروي، بعد أن ضرب التعريب بجذوره في الأوساط الحضرية، خاصة من قبل الجيل الثاني والثالث، ضمن الفئات المهاجرة إلى المدن من المناطق الناطقة بالأمازيغية. لكن ينسى هؤلاء وأؤلائك أن "الهوية المبنية" على "الوعي العصري"، خاصة في المدن حيث تتواجد شروط هذا الوعي العصري هي بمثابة "شاطئ الأمان" للأمازيغية بشرط حسن التدبير وامتلاك استراتيجية تبرز القيمة المضافة لما يمكن أن تساهم به الأمازيغية على مستوى دولة الحق والقانون وعلى مستوى تحقيق المواطنة والديمقراطية والتنمية. وهي (أي "الهوية المبنية") أكثر نفعا وقابلية للتوظيف الإيجابي من "الهوية المعطاة" التي قد تكون فريسة ل "مثلث بيرمودا" مّا، سواء في الأوساط الحضرية أو في الأوساط القروية، كلما حدث اختلال توازن مّا، من التوازنات الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية.
وبما أن المغرب قد عزم على اعتماد وتفعيل الجهوية، بمختلف أنواعها مستقبلا، فإن الوصول إلى "شاطئ الأمان" يستلزم تضافر البحث العلمي الأكاديمي مع تخطيطات وممارسات المنتخبين على مستوى المجالس الجهوية، ليصبح "مثلث بيرمودا" بمثابة "سراب ثقافي واجتماعي وسياسي"، وتزول الفوارق المعمقة بين "مغرب نافع" و"مغرب غير نافع"، وبين "الأوساط الحضرية" و"الأوساط القروية"، وتجد الأمازيغية، بمأسستها، طريقها، للقيام بالأدوار والمهام المنوطة بها دستوريا، إلى جانب اللغة العربية كلغتين رسميتين للبلاد، وإلى جانب التعابير الأخرى ولغات الانفتاح على العالم الأخرى.

الحسين أيت باحسين
باحث في الثقافة الأمازيغية
الكاتب العام للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بالنيابة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفشل البنيوي للأمازيغية
عبد الله اغونان ( 2016 / 7 / 14 - 18:48 )

لايخدعنا الكلام المنمق انما نعاين الواقع الطبيعي
أنت نموذج على ذلك مع هذا التعصب تعجز عن التواصل بهذه اللغو المزعوووووومة
هل تستطيع كتابة فقرة من كلامك هذا بأمازيغيتك؟
لاتملك ذلك فعلا
انما تملك التبجح واللجاجة
في الحقيقة أنتم لاتدافعون الا عن الريع ولا قيمة لديكم للغة و أفكار
بعض صحفكم ومواقعكم وكل مقالاتكم لاتكتبون الا بالعربي والفصيح
اخجلووووووووووووووووووا

اخر الافلام

.. في زلة لسان جديدة.. بايدن يطلب من إسرائيل ألا تقتحم حيفا


.. اعتصام أمام البرلمان في المغرب للمطالبة بإسقاط التطبيع مع إس




.. ما طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على هجوم إيران؟


.. السلطات الإندونيسية تحذر من -تسونامي- بعد انفجار بركان على ج




.. خيمة تتحول لروضة تعليمية وترفيهية للأطفال في رفح بقطاع غزة