الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل كينونيا عدالة ونخبويا انحراف

محمد بوجنال

2016 / 7 / 16
مواضيع وابحاث سياسية




العقل من حيث الكينونة طاقة عادلة تتميز بكونها إمكانات، طاقة ترفض كل أشكال التراتبية أو قل طاقة حيث كمون الإبداع والرغبة والفعالية. إنه الوضع الذي يخلو من التشكيل المنحرف والغير السوي للعقل ككينونة عادلة؛ لكن ، ولأسباب عدة، تم توجيهه أو قل تشكيله بما يناقض طبيعته الفعالة والعادلة؛ فأصبحنا بذلك أمام ما سموه بالعقل المتفوق وفي مقابله العقل الدوني أو بلغة العصر: عقل النخبة وعقل الجماهير حيث ذكاء الأول ودونية الثاني. ودون الدخول في التفاصيل لأن ذلك موضوع أعمال أخرى، نثير الانتباه إلى أن أشكال الدولة السلبية العربية تدرك جيدا المعنى الكينوني العادل للعقل وبالتالي مدى خطورة ذلك على مصالحها. لذلك، عملت على تدجين العقل الجماهيري بحصاره في دائرة المحدودية حيث لا يمكنه تجاوز المستوى الأدنى من قدرات العقل وهي مرحلة الاقتناع بدونيته التي تعني ، وباللزوم، الاقتناع بالعقل المتفوق ، عقل النخبة الذي يعرف بأنه وحده الكفيل ببناء الدولة والمجتمع والتأسيس للمؤسسات وبالتالي ممارسة الوصاية على العقل الدوني، عقل الجماهير. هكذا، فالعقل الذي هو طاقة متكافئة الإمكانات كينونيا، يصبح عقلين تراتبين حيث المرجعية والهيمنة في مختلف المجالات للنخبوي، والطاعة والدونية للجماهيري. ومن هنا، وانطلاقا من كون العقل كينونيا طاقة عادلة، فالمنطق، واستحضارا للتاريخ، يوجب اعتماده واستحضاره باعتباره قدرات فعالة وعادلة بمعنى أننا نكون عقل واحد يتميز بالتمايز، التمايز العادل والمحدود كما تفرضه البيولوجيا والتاريخ. هذا الوضع ترفضه أشكال الدولة السلبية العربية، فرعت وترعى ، في مختلف مؤسساتها، تفوق العقل النخبوي وتبخيس دونية العقل الجماهيري. وفي هذا الإطار، نستدعي العقل الجماهيري عند كل من العامل والفلاح باعتبارهما مثالين لهما وزنهما في عالمنا العربي.
تباعا لما ورد أعلاه، فالعامل عقل، والفلاح عقل باعتبار العقل ذاك طاقة له قدراته المعرفية والتحليلية والتفسيرية التي يعترف المصنع والمزرعة بمصداقيتها وقيمتها إنتاجا وممارسة وإبداعا. إنها التركيبة الطبيعية والاجتماعية الفعالة للعقل التي لا يمكن أن يكون بدونها إلا إذا تسلطت عليه قوى تعتبر ذلك تهديدا لها وهو ما جعلها تصر دوما على تشكيله وتنظيمه ومراقبته لمنع انفلاته. قلنا أن العامل عقل وبالتالي ، وباللزوم المنطقي، أن المصنع كذلك عقل؛ وعليه، فالعقل الذي هو العامل والمصنع يتحدد كبنية ذات مكونات:أدوات الإنتاج، الرأسمال، الأجر، الزمن، العلاقات القانونية والسياسية والاجتماعية والثقافية. فكلما كانت هذه البنية سليمة وهو ما ترفضه أشكال الدولة السلبية العربية، كلما حصل النمو والتنمية والعدالة. إلا أن ذلك ليس حال العقل كعامل ومصنع في عالمنا العربي حيث تجميده وحرمانه من شروط يقظته وفعاليته. فالعقل كعامل ومصنع، على المستوى الفزيائي،يفتقر إلى الشروط الصحية، وفي ذلك تعد على مقدراته؛ وعلى المستوى التنظيمي يطالب بالخضوع والتنفيذ، وفي ذلك قمع لإبداعه؛ وعلى المستوى السياسي تكون الطاعة لأولي الأمر، وفي ذلك تسلط على الدموقراطية؛ وعلى المستوى الاجتماعي يفرض القبول بالدونية والتراتبية الدنيا، وفي ذلك مس بالحقوق الطبيعية والاجتماعية؛ وعلى المستوى الثقافي يعبأ بالخرافة والانتظارية وحب والوصاية. هذا هو العقل كعامل ومصنع حيث غابت وتغيب المكونات السليمة التي كلما كانت حاضرة كلما كان العقل كعامل ومصنع سيد نفسه. فالوضع السوي للعقل كعامل ومصنع يقتضي التحرير الشمولي للعامل والمصنع؛ وفي هذه الحالة سيمتلك العقل الوعي بحقيقة وجوده. إلا أن الوضع ذاك، كما سبق القول، يخضع لآلية الخضوع والمراقبة والتشكيل، ليصبح ويبقى عقلا منحرفا أو قل ملكية لأشكال الدولة السلبية العربية.
وقد قلنا كذلك أن الفلاح عقل وبالتالي، وباللزوم، نقول كذلك أن المزرعة عقل؛ وعليه، وعلى منوال ما رأينا، فالعقل الذي هو الفلاح والمزرعة يتحدد كذلك كشبكة مكونات رأيناها عند طرحنا العقل كعامل ومصنع مع ضرورة استحضار الخصوصية. فالعقل كعامل ومصنع يتقاطع ويتمايز عن العقل كفلاح ومزرعة. فمن الناحية العلمية يعتبر العقل كفلاح ومزرعة بنية شكلتها المكونات الطبيعية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. لذا، فهذا العقل لا يعدو كونه التفاعل الجدلي بين مكوناته السابقة الذكر التي نذكر منها التعامل مع التربة، ضبط فصول الاستغلال، الإنتاجية،، الأسعار، المعرفة بأشكال الماشية، بناء الأسرة، القدرة على تخمين المردودية، الاستثمار، الادخار. كل هذا يجب، عند الكلام عن العدالة الاجتماعية، أن يكون مصدره العقل ذاك مستقلا بذاته وإرادته التي هي في أساسها الانفتاح والعلاقات لكن السليمة والعادلة. فالعقل الذي هو المزرعة والفلاح بالشكل ذاك في عالمنا العربي سيكون العقل الخصب والمكتسب للتجربة البناءة والمنفتحة جدليا على الغير. فكلما تحرر هذا العقل كلما تم التخلص من المحتوى المنحرف لمكونات البنية كالتخلص من التبعية والخرافة والتواكلية وهي عمليات عرقلت كثيرا نشاطه كعقل ووعيه بحقيقة وجوده؛ في هذه الحالة، سنكون أمام فلاحة وفلاح عربي بناء وأكثر يقظة حيث حصول الإنتاجية والارتقاء بالمعرفة الفلاحية ليصبح العقل الفلاحي العربي قوة منتجة واقتراحية.
وسؤالنا هو:هل عقل النخبة هو فعلا العقل الأرقى والأكثر خبرة من ما يسمى مكرا بالعقل الجماهيري؟ فالعامل كعقل هو الأدرى بقضايا المصنع، والفلاح كعقل هو الأدرى بقضايا بقضايا الفلاحة لا سواهما أو النيابة عنهما. فالعقل معرفة وخبرة وانفتاح وإنتاجية لا فرق في ذلك بين هذا العقل أو ذاك اللهم على مستوى التمايز الذي لا يعني قط التوفر على امتلاك قدرة السيطرة على الآخرين؛ وكلما حصل عكس ذلك، وهو واقع الحال في عالمنا العربي، كلما تم ترويض وتجميد العقل كفلاحة وفلاح ومصنع وعامل للتخلص من طاقته التي هي أساسا التهديد المباشر لمصالح أشكال الدولة السلبية العربية.
انطلاقا من ما ورد أعلاه، نرى أن الوضع السليم للمجتمع العربي هو المجتمع الموحد والمتماسك والمنفتح، وحدة تتجسد في ما نسميه بالعقل كطاقة عادلة وسليمة حيث غياب التراتبية والاستغلال والدوس على الحقوق والعدالة. وحصول ذلك يقتضي من الجماهير العربية رفض التقسيم الثنائي للعقل: عقل نخبوي يفكر ويخطط ويستغل وينهب ويسيطر ويقمع، وعقل جماهيري يخضع ويقدس وينفذ؛ وحدة ترفض واقع الحال الذي هو عرقلة قدرات عقل الجماهير العربية وترويضه والسيطرة عليه. إنه منطق الصراع المحكوم على الجماهير العربية ممارسته لتحرير العقل مما ألحق به من انحراف وترويض وعنصرية. فالعقل النخبوي والعقل الجماهيري ليست سوى صيغا ابتكرتها وفرضتها القوى المسيطرة على أدوات وعلاقات الإنتاج لضمان استمرار السيطرة.إلا أن مواجهة القوى المسيطرة تلك يقتضي حصول العقل الجماهيري على درجة وعي متقدم والذي لا يكون بدوره دون حصول " الثورة الثقافية أولا ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل يبرئ الأنروا، وإسرائيل تتمسك باتهامها


.. بتكلفة تصل إلى 70 ألف يورو .. الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل ي




.. مقتل شخص في قصف إسرائيلي استهدف سيارة جنوبي لبنان


.. اجتماع لوكسمبورغ يقرر توسيع العقوبات الأوروبية على إيران| #م




.. استخراج طفلة من رحم فلسطينية قتلت بغارة في غزة