الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النخب العربية ومحاولة الانقلاب في تركيا

عديد نصار

2016 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يحار المرء مع أولئك الذين يبددون أعمارهم وهم يُمْلون خيباتِهم على الواقع، ثم حين تصفعهم الحقائق الملموسة يذهبون بعيدا في اختلاق الأوهام الكاذبة التي يحاولون بها تبرير سقطاتهم وسقوطهم، فيتمادون في السقوط.
وإذا كان البعض منهم قد اتخذ من ذلك مِهنة ووجد لها سوقا يستطيع فيه البيع والارتزاق، فالذي يحيرنا ويدفعنا إلى التساؤل والأسف هم الكثرة الذين لم يمَلّوا من مداواة الخطأ بالخطأ والسقوط بمزيد من السقوط! هؤلاء حين تحاصرهم الخيبات وتضيّق عليهم الحقائق القاسية، يتحولون الى دواعش "صرف"، يتملكهم العداء للحقائق العلمية والموضوعية، ولا يرون الحق الا في ذواتهم.
أقول: الداعشي "الصرف" للتمييز بين فئتين من الدواعش، الداعشي المحرِّك والداعشي الوقود أو "الصرف". فالداعشي المحرك هو القائد الملهِم ووظيفتُه أن يعطل الفكر لدى عناصر الفئة الثانية ويستبدله بالوهم وهو الذي يدبّر ويدير ويؤمّن التمويل والتسليح ويسهل ويوجه الفئة الثانية لتنفذ ما تعتقده "الحق" في المواقع التي تحقق أهداف جهات رئيسة هي من توظف من أجل مصالحها الجميع. وهؤلاء في الغالب الأعم رجال مخابرات أو مشغَّلين من قبل شبكات استخباراتية متعددة ومتقاطعة ومتباينة.
والداعشي الصرف هو الذي لا يرى في الحياة الدنيا الا ابتلاء عظيما ولا يجد في الناس جميعا الا كفرة ومرتدين، فيصبح على استعداد لأن يقتل نفسه في سبيل أن يقتل أكبر عدد منهم ليظفر، بعد ذلك، بجنات النعيم!
هنا، لا أحاول أن أقدم نظرية في علم النفس الاجتماعي لطبيعة الدواعش الذين يراد لهم، ومنهم، أن يصبحوا في نظر العالم وكأنهم هم آفة العصر ومصدرا لكل الشرور، وذلك للتعمية على العدو الحقيقي للإنسان والإنسانية وللتقدم والحياة، والذي هو من أنتج داعشاً وأخواتها، الجهة التي تعيش على إدامة الحروب والاحتراب والانقسامات الحادة والصراعات الدموية في أرجاء المعمورة، من أجل تأبيد سيطرتها التي باتت في أزمة وجودية، أعني نظام سيطرة الرأسمالية المتأخرة بصيغتها المافيوزية التي لا تشبه دعاويها في منازعتها للاستمرار الا الشعار الأسدي المعروف: الأسد أو نحرق البلد، فكأني بها تقول للبشرية: العبودية والحروب الدائمة في ظل سيطرتي خير لكم من الفناء الشامل لفنائي. ولكني أحاول أن أجد تفسيرا لبعض المواقف التي يعمل أصحابها على تبريرها بالشيء (التافه) وبضده في الآن نفسه، المهم أن يتمسكوا بهذه المواقف مهما كانت المبررات وهمية وتافهة ومتناقضة ولا يستسيغ مقاربتها مبتدئ. ثم يُصدرون أحكامهم على الجمهور: جاهل، متخلف، قطيعي، يُشرى ويباع...! ثم يتساءلون عن أسباب أزمتهم وتقوقعهم وفشلهم وتنازعهم وانقساماتهم وعقم دورهم، فيجدون الإجابات في مزيد من الذهاب بعيدا وفي شتم الشعوب وتسفيهها.
لقد أثار الانقلاب العسكري في تركيا وثم سقوطه السريع موجة واسعة من التفاهات التي أطلقتها جوقة كبيرة من المحللين الاستراتيجيين والعسكريين والفنانين و"المقاومين" والمثقفين والكتاب والصحفيين... العرب، ممن يطلق عليهم زورا تسمية "النخب". تفاهات أريد لها أن تُعتبر "مواقف" ونظريات(!!) ترتكز أساسا على الموقف الإيجابي من نظام بشار الأسد، والسلبي من اردوغان، والذي في سبيله يسوّغ لكل التفاهات والتناقضات والأكاذيب المدعومة بروايات يملّ منها حتى الأطفال. مواقف قاصرة عن رؤية الواقع، بل تتعامى إراديا عن رؤيته، وتتعامى قصدا عن رؤية أن هناك شعوبا يمكن أن تتوحد حول قضية معينة وأن تحقق إنجازا فيها. وهي، أي تلك المواقف، تتعلق بالتالي بنسبة كل ما يجري في العالم لبطولات ومعجزات ومناورات وخبث ودهاء أفراد معينين أو مجموعات عصابية بعينها. وبناء على الموقف نفسه يصبح الانقلاب العسكري فعلَ بطولة من الجيش التركي ومسرحية اردوغانية هزلية في الوقت عينه! ويصبح اردوغان عميلا منتهي الصلاحية للأمريكان يريدون التخلص منه ولا تستقبل طائرتَه دولة، وفي نفس الوقت تقوم الطائرات الحربية الأمريكية بإسقاط جميع الحوامات العسكرية التركية التابعة للانقلابيين ويتم تهديد القيادة العسكرية التركية من جانب الأمريكيين ما لم تستسلم لسلطة اردوغان!
أما من بغتته الحشود التي هبطت الى الساحات في غضون أقل من ساعتين، فقد رآها مؤيدة للانقلاب وفي الوقت نفسه اعتبرها من أنصار اردوغان!
وتلتحق غالبية وسائل الاعلام العربية بالركب، (وأحيانا تقوده لتواكب التطور الواضح في الموقف الأمريكي من نظام بشار)، وتنخرط في تسويق أوهامه وترهاته وأكاذيبه، فرغم أن زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض بشدة لإردوغان كان أول من ندد بالمحاولة الانقلابية ووقف ضدها، أصرت تلك الفضائيات التي كرست كل وقتها لمتابعة تلك الليلة التركية في وصف الجموع التي نزلت الى الساحات بأنها من أنصار أردوغان!
هؤلاء لا يرون الشعوب، لا يريدون أن يروها، ولا يرون بالتالي أن للشعوب قضايا ولن تتخلى عن مكتسبات حققتها عبر مسيرة طويلة من المعاناة، وهي، في تركيا، على تواضع تلك المكتسبات، لن تتخلى عنها لأنها تتعلق بحريتها وخياراتها الديمقراطية والتي هي الأساس والقاعدة للانطلاق باتجاه تحقيق مزيد من الإنجازات والمكتسبات.
معروفة تلك الجهات التي تقاتل برجال الآخرين وعسكر الآخرين واسلحتهم وإمكانياتهم لتدمير منجزات الشعوب وإعادتها الى عصور التخلف والتقاتل والتبعيات، وقد تجلى ذلك في المواقف المتوالية لوزيري خارجية الدولتين الامبرياليتين الأكثر نشاطا في المنطقة: الولايات المتحدة وروسيا، خلال تلك الليلة.
لئن كانت استدارة أردوغان الأخيرة باتجاه التطبيع من الكيان الصهيوني ومع روسيا محاولة منه لاستباق ما قد يكون تسرب اليه من مخطط أمريكي روسي للانقضاض عليه وعلى تركيا وبالتالي محاولة لتجنب ذلك بالتقرب من الروس والأمريكان، فإنه غاب عن ذهنه أن ما يتقرر في الغرف المظلمة بين القوى الامبريالية لن يتوقف عند تلك التراجعات لأنه أعمق بكثير من ردود فعل على خلافات من النوع الذي سارع لإنهائه.
وإذا كنا نقف باعتزاز واحترام أمام جرأة الشعب التركي ووحدته ورده العاجل والمباشر الذي جعل الانقلاب عليه مغامرة بائسة، فإننا على ثقة أن من أسقط دكتاتورية العسكر المحتملة سيكون قادرا على إسقاط أية ديكتاتورية مدنية تريد السيطرة بما في ذلك محاولات اردوغان للتفرد بالسلطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القومجية
اسماء ( 2016 / 7 / 21 - 09:18 )
القومجية هم دائماً بلا شعب

اخر الافلام

.. هل تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟ • فرانس 24


.. إدانات دولية للهجوم الإيراني على إسرائيل ودعوات لضبط النفس




.. -إسرائيل تُحضر ردها والمنطقة تحبس أنفاسها- • فرانس 24 / FRAN


.. النيويورك تايمز: زمن الاعتقاد السائد في إسرائيل أن إيران لن




.. تجدد القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة