الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طلعت رضوان والسباحة ضد التيار

احمد الباسوسي

2016 / 7 / 21
سيرة ذاتية


من المؤكد إن الكاتب طلعت رضوان يعرف ما الذي يريده بالضبط. فهو دائما في حالة من البحث والسعي لإنجاز مبتغاه بصرف النظر عن الوسيلة التي في يده سواء كانت تلك الوسيلة مقالة في احدى المجلات الثقافية أو في صحيفة يومية ، أو على أحد المواقع الاليكترونية المهتمة بالثقافة والابداع، أو يكتبها في تدوينة على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي المشهور الفيس بوك، أو يحبكها في صورة أو موقف درامي في هيئة قصة قصيرة أو عمل روائي كبير، أو في يعلنها في مساجلاته ونقاشاته وتعليقاته في محفل ثقافي، على سبيل المثال ندوة أدبية، صالون ثقافي أو مؤتمر أدبي أو لقاء باصدقاء، حينها يضطر للمخاطره بمغادرة صومعته التي عشقها بشغف مفرط وعشق حياته هكذا وسط الكتب وعوالمها الاسطورية ورحابة الكتابة وقتما يتثنى له ذلك. والكاتب طلعت رضوان ليس مجرد روائي أو حكاء يمتلك داخل رأسه كافة أدوات صناعة الحكي، والتمكن من خلق المآسي الدرماتيكية محبوكة الصنعة والتي يلتقطها بعين المثقف الواعي المتبصر بعمق نافذ خلال البشر والشوارع وتلك اللحظات الانسانية النادرة التي اعتاد مراقبتها واصطيادها بمهارة صائد المجوهرات الماكر المبدع. كما إنه ليس مجرد مثقف ومفكر مهموم بالوطن على طريقته الخاصة حيث لا يفتأ يطالب بنظافته من غبار تراكم عليه عبر قرون بعيدة وقد تكونت طبقات سميكة من الصدأ والتحجر والجمود والانغلاق، من أجل استعادة رونقه الشفاف، الأسطوري، المبهج، المتفتح، القابل للاندماج مع الجميع، والقابل للتعددية والتنوع في مختلف صورهما وأشكالهما. بل يمكن اعتبار طلعت رضوان جُمٌاع بين هذا وذاك، فالرجل صاحب مشروع فكري/ثقافي/ له أبعادا محددة وواضحة، ويعلم على وجه اليقين أهدافه بدقة، أيضا هو رجل شجاع، يجيد السباحة بهدوء ضد تيار الثقافة المجتمعية السائدة، لاينشغل كثيرا عما اذا كانت أفكاره قد تأخذه في صدام شرس مع ما ترسخ في عقول الجماهير العريضة بوجه عام، وجماهير المثقفين بوجه خاص عبر سنوات بعيدة بسبب ثقافة النقل، وأمراض الطاعة للأقدمين من معتقدات دينية أو اجتماعية تقليدية سائدة. حيث يبدو إنه تدرب جيدا على السباحة ضد تيار الثقافة المصرية السائدة متلاطم الامواج، ودائما يضبط نفسه شاخصا بصره في اتجاه موجه الثقافة المصرية القديمة في انتظار هبوب رياحها من جديد، واستعادة الهوية المفقودة. ويمكن أن نجمل المحاور المركزية التي تهيمن على تفكير الكاتب والمفكر طلعت رضوان والتي تجلت في كتابته الفلسفية والسياسية والادبية على النحو التالي:
اولا: التمرد على المألوف والسائد من ثقافة واردة من بيئات بدوية مخالفة للمجتمع الزراعي الحضري المصري وتدعم قيم الجمود والتعصب وأحادية الفكر لحساب ثقافة منفتحة تقبل التعدد والتسامح والآخر بغض النظر عن جنسه وديانته ولغته. وفي كتابه زواج الدين الثابت بالسياسة المتغيرة الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2014 يرى "إن اصحاب المرجعية الدينية تحركهم أخطر آفة واجهت البشر : أي احادية الفكر، لقد أثبتت تجارب البشر أن الاحادية تعني الجمود، الذي يعني عدم التفاعل مع الطبيعة ومع المتغيرات الإجتماعية ص11". وفي ذات السياق يشيد بمنجزات جدودنا المصريون القدماء ويقول " إن اكتشاف الزراعة كان السبب في اختراع أدوات العمل، وبعد الزراعة توصل المنجز الحضاري الثاني الى اختراع الكتابة كأداة للتواصل الإنساني بين كل البشر، وارتبط بالكتابة إختراع أدوات الكتابة، بداية من ورق البردي الى آخر منجزات عصرنا الحالي الزراعة والكتابة، وعلوم الهندسة والمعمار والطب والرياضيات ...الخ ص12".
ثانيا: إيمانه المطلق بلغة العلم، واعتبار العقل، وحتمية إعماله ضرورة يجب أن تسود في الثقافة المصرية الحالية بديلا عن ثقافة التفكير السائد والخرافي والقدري والاتباع الحرفي لقوالب وتعليمات ونصوص قديمة بعيدة كل البعد عن ثقافتنا وبيئتنا وطبائع شعبنا صاحب الحضارة النهرية العريقة. وفي هذا السياق كتب " العلمانية والعلاقة بين الدين والسياسة، وصدر هذا الكتاب عن هيئة قصور الثقافة عام 2012، ثم اصدر لاحقا كتابه الهام زواج الدين الثابت بالسياسة، عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2014 حيث يشير الى إن " إن الاصوليين الاسلاميين يستهدفون اعتقال عقل ووجدان شعبنا المصري، وذلك بتقييدنا بسلاسل عصور الظلم والظلمات، ص173". كما يحتفى بالمفكر الاسلامي المستنير خليل عبد الكريم ويفرد له فصلا كاملا في كتابه الهام زواج الدين الثابت بالسياسة المتغيرة فيقول "إن خليل عبد الكريم الزم نفسه بالاسلوب العلمي والموضوعي في الرد على الاصوليين، فالرجل لم يخالف ضميره العلمي حينما أكد إن ما حدث في 641م هو (غزو عربي) استهدف استنزاف اموال الفلاحيين المصريين، وإن الغزاة العرب لم يختلفوا عن سابقيهم من الغزاة،ص174". أيضا أثبت خليل عبد الكريم في كتابه الجذور التاريخية للشريعة الاسلامية الصادر طبعته الأولى عام 1990م " إن ما جاء به الإسلام كان موجودا (في معظمه) في الفترة السابقة التي أخذت وصفا غير علمي وهو (العصر الجاهلي)،ص174". ويذكر أيضا " إن خليل عبد الكريم امتلك شجاعة الإعلان بأن خطاب الاصوليين في خصوصية مكانة المرأة ووظيفتها مستمد من النصوص، وبغض النظر عما يقال عن تفسيرها وتأويلها، ومن ثم فإن الالمام بظروف المجتمع والبيئة التي انبثقت عنها تلك النصوص أمر على درجة كبيرة من الأهمية، بل هو مفتاح فهمها وتعليل ما ورد بها من أحكام واوامر ونواه ومحرمات،ص179-180". وفي سياق آخر (كتاب العرب والمرأة) وبعد أن أثبت خليل عبد الكريم الوضع المتدني للمرأة في التراث العربي عند المقارنة بينها وبين المرأة في تراث الحضارة المصرية، فإنه يرجع الفرق بين الوضع الانساني للمرأة المصرية، والوضع اللاانساني للمرأة العربية الى الحضارة، بين أعرق حضارة عرفها التاريخ وبين البداوة، كتاب زواج الدين الثابت بالسياسة المتغيرة، طلعت رضوان ص180".
ثالثا: ايمانه المطلق بالقومية المصرية وخصوصيتها وعراقتها، وضرورة العودة لجذورنا في مصر القديمة وفك الاشتباك عن كل ما اعترى الثقافة المصرية القديمة من شوائب الثقافات الوافدة الأخرى عليها على مر التاريخ. وكتب في هذا الصدد عشرات المقالات الرصينة في المجلات الادبية الثقافية المحلية، والمواقع الاليكترونية المتخصصة، بالاضافة الى تدويناته على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي الشهير الفيس بوك، كما أصدر عام 2010 كتاب " الثقافة المصرية والاصولية الدينية عن دار الدار للنشر، ثم كتاب مصر الحضارة والانتصار للحياة في ديسمبر عام 2012 من سلسلة كتاب الهلال. وجاء كتابه "مثقفون مع الصولية الاسلامية" الصادر عن مركز المحروسة عام 2015 كاشفا عن التشوهات الفكرية التي حلت بعقول عدد كبير من الكتاب المصريين الذين تصدروا ولا يزالون المشهد الثقافي منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الآن. وامتلك طلعت رضوان من الجسارة والجرأة الكثير حيث عرض بشجاعة لمجمل التناقضات الفكرية التي وقع فيها كتاب استحوذوا على عقول الجماهير خلال عقود طويلة على شاكلة احمد بهاء الدين، رجاء النقاش، د. حسن حنفي، د. جلال امين، د. محمد عمارة، محمد سيد أحمد، جمال حمدان، وفهمي هويدي... وغيرهم. فهو يرى على سبيل المثال إن احمد بهاء الدين ينكر وجود تعصب ديني في مصر حيث لا يوجد اقليم يرتكز فيه جميع المسيحيين حسبما يزعم، ويتجاهل الواقع المصري بعد ثورة يوليو 1952 حيث ارتفع سقف التعصب الديني ليس بين المسلمين والمسيحيين فقط بل بين المسلمين والمسلمين انفسهم (طلعت رضوان، مثقفون مع الاصولية الاسلامية، ص10). ويرى طلعت رضوان أيضا إن بهاء الدين في كتابه ايام لها تاريخ الصادر عن دار الكاتب العربي للطباعة والنشر عام 1967 يبدى انبهارا ملحوظا بشخصية جمال الدين الافغاني الايراني ويصفه بأنه كان يجلس على المقهى يوزع السعوط بيمناه والثورة بيسراه، في حين إن الرجل أي الافغاني شن هجوم ضاري على الثورة الفرنسية التي نقلت الشعب الفرنسي من حال الى حال أفضل على المستوى السياسي والاجتماعي، والاقتصادي والثقافي، والأخطر في فكر الافغاني إنه لم يخاطب أي شعب على أساس انتمائه لوطن محدد، بل يخاطب الشعوب على أساس ديني، فيطالب المسلمين بأن يعتصموا بحبال الرابطة الدينية التي هي أحكم رابطة اجتمع فيها التركي بالعربي، والفارسي بالهندي وقامت لهم مقام الرابطة الجنسية. ويرى الكاتب طلعت رضوان إن شعبنا المصري متعدد الاديان والمذاهب مثل معظم شعوب العالم، وتكون النتيجة بحسب مخطط الافغاني وباقي الاصولية الاسلامية ان ينضم المسلمين في جميع انحاء العالم في صفوف، وكذلك المسيحيين، وكذلك اليهود الى آخر تلك التقسيمات الدينية والمذهبية ثم يتم تغيير خريطة الكرة الأرضية لتخصيص قارة لكل اصحاب ديانة، ثم يتساءل عن أي ثورة كان الافغاني يوزعها مع سعوطه؟ ص11، ويستشهد طلعت رضوان بما كتبه طه حسين في صجيفة السياسة عام 1923بأن القومية المصرية لم تنسها مصر في يوم من الأيام، والتاريخ يحدثنا بأنها قاومت الفرس أشد المقاومة، وبأنها لم تطمئن الى المقدونيين حتى فنوا فيها واصبحوا من ابنائها، والتاريخ يحدثنا أيضا بأنها خضعت للامبراطورية الرومانية الغربية والشرقية على كره مستمر ومقاومة متصلة، فاضطر القياصره الى أخذها بالعنف، والتاريخ يحدثنا كذلك ان السلطان العربي بعد الفتح لم يبرأ من السخط والمقاومة والثورة، وكذلك كتب طه حسين أيضا في المجلة الجديدة عدد ديسمبر 1938 إن المصري مصري قبل كل شيء، فهو لن يتنازل عن مصريته مهما تغلبت الظروف، ولا تصدقوا ما يقوله البعض عن العروبة (وكان يقصد في ذلك الحين المفكر ساطع الحصري) فالفرعونية متأصلة في نفوس المصريين، وستبقى كذلك، وإن الأكثرية الساحقة من المصريين لا تمت بصلة الى الدم العربي، بل تتصل مباشرة بالمصريين القدماء، وتاريخ مصر مستقل عن تاريخ أي بلد آخر (طلعت رضوان، مثقفون مع الاصولية الاسلامية،2015).
رابعا: الايمان المطلق بحتمية التعددية والتنوع والتسامح وقبول الآخر مقابل أفكار على شاكلة حتمية التوحيد أو الواحدية التي هيأت مناخ التعصب والجمود والتأخر الحضاري لدى المصريين على مدى عقود طويلة. وفي هذا الصدد يطرح طلعت رضوان مجمل أفكاره بمنتهى الوضوح في روايته الرومانسية " أسطورة حب عصرية" التي صدرت عام 2016 عن الهيئة العامة للكتاب، سلسلة كتابات جديدة. وأهمية هذا العمل تتمثل في جرأة الكاتب وحرفيته أيضا في أنه تمكن من تحويل أفكاره الى شخوص من لحم ودم، تحب، وتسامح، وتقتل وتكره ايضا. كان هناك اشخاص يرتدون ثياب الملائكة ويعيشون حياتهم ايضا مثل الدكتور محب وروحيه وابنتها الدكتورة صفاء، كانوا يملأون الأرض حبا وسماحة وجمالا، في مقابل أشخاص يرتدون ثياب البشر المتعصبين، المتجهمين، الأنانيين، الذين يجرون وراء نصوص تزرع الفتنة والتعصب وتكرس الجهل والحقد بين البشر وهم عمر ابن الدكتور باهر، وخالد أخو روحية وخال صفاء. وهكذا دارت الاحداث وقتل الحقد والجهل والتعصب روحية على يد شقيقها وعمر ابن الدكتور محب، ونجا محب نفسه باعجوبة، لكن قيمة الحب والتسامح تغلبت في آخر المطاف على قيم التعصب والجهل، وكأن طلعت رضوان يعلن تفاؤله بخصوص حتمية انتصار قيم الخير في النهاية.
خامسا: الايمان المطلق بقيمة الليبرالية السياسية، وضرورة الاختلاف والتعدد والتنوع من أجل اثراء الواقع واحداث التطور المجتمعي المنشود. حيث لا تطوير من دون جدل أو تنوع واختلاف. وفي هذا السياق أصدر طلعت رضوان كتابه الهام الليبرالية المصرية قبل يوليو52 الذي صدر عن مكتبة الأسرة عام 2008. وظهر مبلغ غضبه على مجمل العقود التالية لثورة يوليو 1952 واتهامها بأنها قادت البلاد الى حالة عبثية من فساد الحكم والاستبداد وتغييب العقول التي كانت بكامل وعيها قبل ثورة يوليو 52. ثم ترجم غضبه بصورة أكثر وضوحا في كتابه التالي " قراءة في مذكرات ضباط يوليو 1952 الذي صدر عن مركز المحروسة عام 2015. وفيه عرض الكاتب لإجزاء من مذكرات كل من محمد نجيب، خالد محيي الدين، عبد اللطيف البغدادي، احمد حمروش، ثروت عكاشة وغيرهم. ودلل فيه من واقع قراءته لهذه المذكرات على إن مصر قبل ثورة يوليو 52 كانت مؤهلة لتكون دولة عظمى في منطقة الشرق الأوسط على أقل تقدير. والكاتب طلعت رضوان تستطيع ان تختلف معه في الكثير من أفكاره واستنتاجاته، لكن لا تستطيع سوى ان تقول إن الرجل صاحب رأي وفكر جديرين باللاعتبار والإحترام، ويجيد التعبير عن ارائه بكفاءة مدهشة، وإيمان بما يقول، ودائما ما يقوله عكس تيار الثقافة السائد حيث يترك لك في نهاية المطاف الدهشة والاستغراق في التفكير، ويجعل رأسك تدور من غير توقف، فالرجل لديه ايمان مطلق بقيمة الحرية في التفكير، والمعتقد، والتعبير عن الآراء، والكتابة، والبحث، وممارسة الحرية الشخصية في الحدود التي لاتسبب الأذى للاخرين.
وأخيرا تظل مؤلفات الكاتب والمفكر طلعت رضوان تحمل قيما نبيلة تتعلق بحتمية إعمال العقل في كافة مجريات وامور حياتنا وتنشيط ثقافة العلم، ومجاراة الأمم التي سبقتنا في تحرير عقولها من الارواح الشيطانية والاساطير، وأن ننشد الموضوعية دائما عندما نفكر، وعندما نكتب، وعندما نقرأ ايضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف