الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ناجي العلي ... حنظلة ... فلسطين

مسعود محمد

2016 / 7 / 23
الادب والفن


ذكرى اغتيال رسام الكاريكاتور الفلسطيني ناجي العلي، الذي اغتيل في أحد شوارع لندن بمسدس كاتم الصوت مرت بهدوء ورتابة دون ان يذكرها الكثيرون، وهو الرسام الذي جهر بالصوت الحاد بالرأي المختلف والفكر الحر، الذي يشي بروح المبدع الحر المتمرد على الوصاية والرعاية والخطوط الحمراء.
قصة اغتياله بدأت في ظهيرة 22 تموز 1987 عندما وصل ناجي العلي إلى شارع آيفز حيث يقع مكتب صحيفة القبس الدولية، وبينما كان متوجها" إلى مقر الصحيفة اقترب منه شاب مجهول وأطلق عليه رصاصة أصابته قريب أنفه من مسدس، سقط بعدها ناجي على الأرض فيما فر الجاني، الذي فتح صفحة جديدة في تاريخ الاغتيالات العربية، حيث كان ناجي أول فنان رسام كريكاتير يقتل من أجل خطوط بسيطة بالأبيض والأسود، معبرا" فيها عن قضيته ومأساة شعبه الفلسطيني.
كتب ناجي في وصيته أن يدفن إلى جانب والديه في مخيم عين الحلوة في صيدا حيث نشأ وترعرع.
عن عين الحلوة قال ناجي " أنا من عين الحلوة الذي هو مثل أي مخيم أخر وأبناء المخيمات هم أبناء ارض فلسطين لم يكونوا تجارا و ملاكاً، كانوا مزارعين فقدوا الأرض وفقدوا حياتهم فذهبوا إلى المخيمات. أبناء المخيمات هم الذين تعرضوا للموت ولكل المهانة ولكل القهر. وهناك عائلات كاملة استشهدت في مخيماتنا".
كانت فلسطين رئته التي يتنفس منها (اللي بدو يكتب عن فلسطين... واللي بدو يرسم عن فلسطين... لازم يعرف حاله ميت. أنا مش ممكن أتخلى عن مبادئي ولو على قطع رقبتي) لم تكن هذه الكلمات البسيطة والواضحة، سوى تعليق من التعليقات التي كان يكتبها ناجي العلي على رسومه.
سيرته تتقاطع مع سيرة الوطن المغتصب، وقضية فلسطين صارت جزءاً من ملامح ناجي الشخصية ومن نبض إبداعه الحار عبر آلاف الرسومات التي أودعها سجل فلسطين التراجيدي، عن صورة الطفل الحافي القدمين كان ناجي يقول:
(اسمي ناجي العلي، ولدت حيث ولد المسيح عليه السلام، بين طبرية في الناصرة في قرية الشجرة بالجليل الشمالي. أخرجوني من هناك بعد عشر سنوات في عام 1948 إلى مخيم عين الحلوة في لبنان... أذكر هذه السنوات العشر، أكثر مما أذكره من بقية عمري. لسه العشب والحجر والظل والنور أشياء ثابتة، كأنها محفورة في عيوني حفراً... لم يخرجها كل ما رأيته بعد ذلك).
ومن مخيم عين الحلوة بدأ المشوار... وكان لافتاً أن أصدقاء ناجي الذين يتحدثون عنه، ويحفظونه هناك في قلبهم وذاكرتهم هم شريحة من الناس البسطاء، يشبهون الرجال الشرفاء المتعبين الذين رسمهم باعتبارهم ضمير القضية ... كانت طفولته فقيرة، وكان تشرده قاسياً في لبنان، منذ وطأت أقدامه فهو وكل الشعب الفلسطيني اللاجىء لم تكن لهم أية حقوق والحال كما هو الى اليوم ... لم يلتفت ناجي إلى قسوة الأشقاء... فالمخيم بالنسبة له ليس وطناً بديلاً، وليس حلاً دائماً. هو مرحلة للعبور من جديد والعودة الى فلسطين لذلك ادار حنظلة ظهره للعرب ونظر بثقة نحو فلسطين .. الوطن والحل والحلم، العدوبالنسبة لناجي هو إسرائيل بوضوحٍ لا شك فيه، ومن يفرط بالحقوق من أبناء القضية أو من اؤتمن عليها هو خائن ... لهذا وجه ناجي العلي سهامه الجارحة والغاضبة والمشحونة بالألم والسخط إلى من فرطوا وتحولوا إلى سماسرة في أي مفصل من مفاصل الصراع صغيراً كان أم كبيراً... رسم بصدق، وعبّر بجرأة، وانتقد بحدة... وفتحت له الصحف صدر صفحاتها، وصارت رسوماته حديث الشارع والساسة، وأهجية الغضب في الزمن العاصف... زمن لم يحتمل فيه الكثيرون وجود ناجي العلي... فكان عليه أن يسافر إلى الكويت حيث عاش هناك لسنوات ورسم في صحيفة القبس حتى صار معلماً من معالمها... ثم خرج مطروداً من الكويت بعد ضغوط سياسية، وجهت أصابع الاتهام فيها إلى الختيار رمز الثورة الفلسطينية وقائدها ياسر عرفات.
ولد ناجي العلي في قرية الشجرة عام 1939م في فلسطين ، وبعد ابعاده عام 48 مع عائلته عاش في عين الحلوة جنوب لبنان، وكانت هذه الحياة مصدر إلهامه في رسوماته فيما بعد .
بعد حصوله على شهادة دبلوم الميكانيكا دخل ناجي أكاديمية الفنون في لبنان ، ثم تركها حيث سافر إلى الكويت ليعمل رساما" في صحيفة الطليعة ومخرجا" فنيا" ، تنقل بعدها بين عدة صحف منها السياسة الكويتية، السفير اللبنانية، صحيفة القبس ..... وبعدها استقر ناجي في لندن ليواصل بريشته مشروعه النضالي المسالم، كان سر نجاحه في عفويته الصادقة التي لم يعهدها الفن الساخر العربي .
أطل ناجي العلي أول مرة عام 1969م من خلال صحيفة السياسة، حنظله هذا الطفل الكبير قدمه ناجي بعبارات صادقة أعلن من خلالها عن التمرد والصدق.
نشرت جريدة الأوبزيرفر اللندنية رسماً لناجي العلي تحت عنوان «النكتة التي كلفت الرسام حياته»، وذلك بعد اغتيال ناجي سليم العلي، رسام الكاريكاتير الفلسطيني، بيد شخص مجهول في لندن يوم 29أغسطس عام 1987، وقالت ان هذا الرسم هو الذي تسبب بقتل ناجي، حيث أشار فيه ناجي الى رشيدة مهران التي يقول الصحفيون أنها كانت عشيقة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهي نفسها مؤلفة كتاب «عرفات الهي».
من هي رشيدة مهران؟؟
هي حتماً ليست إحدى الفدائيات ..هي نزوة الرئيس عرفات هي سيدة مهمة تركب الطائرة الخاصة برئيس منظمة التحرير وتسكن قصراً في تونس وتُقرب وتُبعد في المنظمة وهيئاتها، دون ان يكون هناك من يعارضها، "رسمتُ عن رشيدة مهران وبعدها انهالت تهديدات وتهاني وتعاطف" بهذا علق ناجي العلي على رسمه في حوار مع مجلة الأزمنة العربية قبل اغتياله بيومين في منزله بلندن.
قيل بعد الاغتيال وبحضور زوجة ناجي أم خالد، أن عرفات وقف عام 1975 يخطب قائلاً: "من هو هذا ناجى العلى؟؟ قولوا له إن لم يتوقف عن رسومه لأضع أصابعه في الأسيد".
الدكتور باسم سرحان في مقال له عام 2010 حمل عنوان «أمانة من ناجي العلي »، تناول معلومات خطيرة، وإن أتت متأخرة، تتعلق باغتيال العلي حيث اتهم عرفات بالوقوف وراء عملية الاغتيال، حيث قال ان العلي قال له أمام باب منزله في لندن وقبل اغتياله بيومين أو ثلاثة أيام «أًحمِلك أمانة،كائناً من كان قاتلي، إن قاتلي هو ياسر عرفات».
رحل ناجي العلي ورحل ياسر عرفات وبقيت مواقف سجلها محل سجال وبقي حنظلة محدقاً بالحدود اتجاه فلسطين رغم ان أحداً لم يؤكد او ينفي ما سبق.
كان ناجي يرفض السلام المجرد من الحقوق وقال عن حمامة السلام وغصن الزيتون رمزا السلام ما يعبر عن قناعته برفض السلام الغير عادل، " لقد كنت قاسياً على الحمامة وكل الناس تعرف ما معنى الحمامة الا انني اعتبر أنها غراب البين الحائم فوق رؤوسنا، فالعالم أحب السلام وغصن الزيتون، لكن هذا العالم تجاهل حقنا في فلسطين لقد كان ضمير العالم ميتاً والسلام الذي يطالبوننا به هو على حسابنا، لذا وصلت بي القناعة إلى عدم شعوري ببراءة الحمامة". ويقول في حديث آخر " انا ضد التسوية ولكن مع السلام .. وانا مع تحرير فلسطين وفلسطين هنا ليست الضفة الغربية أوغزة فلسطين بنظري تمتد من المحيط إلى الخليج".
عن الرسم الكاريكاتوري كان يقول " الكلمة ... الكاريكاتور ينشر الحياة دائماً على الحبال وفي الهواء الطلق وفي الشوارع العامة، إنه يقبض على الحياة أينما وجدها لينقلها إلى أسطح الدنيا حيث لا مجال لترميم فجواتها ولا مجال لتستير عوراتها .. هذا الفن يجب أن يكون عدوانياً على موضوعاته على وجه الخصوص، قد يكون صديقاً حميماً على من يتعاملون معه لكنه صديق مشاكس.. صديق لا يؤمن جانبه ". وكان يقول بلغته الشعبية " يا عمي لو قطعوا أصابع يدي فسأرسم بأصابع قدمي".
كان يقول " أريد أن أؤذن في آذان الناس واقول لهم أين قضيتهم، وإلى أين وصلت ؟ أريد أن أرسم للناس البسطاء الذين يفكرون والذين لا يقرأون ولا يكتبون".
عمل ناجي بثبات على حلمه بايصال الحقيقة وإعطاء الناس الأمل وابعاد اليأس عن قلوبهم " كانت هناك أشياء كثيرة تدعو لليأس، في تلك اللحظة كان هناك لون رمادي يحيط بالأفق لكنني شعرت بتحفز داخلي غريب، إن حواسي تصبح أكثر وضوحاً عندما أشير إلى نافذة مفتوحة في الأفق يبدو منها خيط من النور وأن أعري أولئك الذين لا يكفون عن الضجيج ويدعون أن الظلمة تشمل كل شيء وأن التسول هو لغة استرجاع الحق، كل هذا أقل ما أستطيع أن أفعله دفاعاً عن كرامة الذين ضحوا في لبنان وفي فلسطين دفاعاً عن الحق الحلال في الحلم بالمستقبل".
عن حنظلة يقول ناجي العلي " حنظلة كان بمثابة أيقونة وحماية روحي من السقوط كلما شعرت بشيء من التكاسل. انه كالبوصلة بالنسبة لي وهذه البوصلة تشير دائماً الى فلسطين، انا قدمته للقراء وأسميته حنظلة كرمز للمرارة في البداية. قدمته كطفل فلسطيني لكنه مع تطور وعيه اصبح له أفق قومي ثم أفق كونيّ وإنساني. أما عن سبب إدارة ظهره للقراء، فتلك قصة تروي في المراحل الأولى رسمته ملتقياً وجهاً لوجه مع الناس وكان يحمل الكلاشينكوف وكان أيضا دائم الحركة وفاعلا وله دور حقيقي. يناقش باللغة العربية والإنكليزية بل أكثر من ذلك، فقد كان يلعب الكاراتيه... يغني الزجل ويصرخ ويؤذن ويهمس ويبشر بالثورة".
وعندما سئل عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب " عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته، ومع ذلك يبقى التعب الأكبر هو مواصلة المشوار بكل ما فيه من تناقضات وهموم ويبقى في الأعماق تعب الوطن ذلك الذي يبشر به حنظلة بكثير من الأمل".
عن حنظلة وعمره وتطوره يقول ناجي " لم أسع من خلاله للتميز... فهو في العاشرة وسيظل في العاشرة حتى يعود للوطن، عندها فقط يكبر حنظلة و يبدأ في النمو " و كان يقول عنه أيضاً " هذا المخلوق الصغير الذي ابتدعته لن ينتهي من بعدي بالتأكيد و ربما لا أبالغ إن قلت أنني سأستمر به بعد موتي".
كان يقول ساخراً من تجار الثورة " لا أفهم هذه المناورات، لا أفهم بالسياسة، لفلسطين طريق واحد هي (البندقية)".
الطريق الى فلسطين بالنسبة لناجي العلي ليست بالبعيدة وليست بالقريبة هي بمسافة " الثورة". كان يقول " انا متهم بالانحياز وهي تهمة لا أنفيها انا منحاز ليلي تحت، انا ارسم لأصل الى فلسطين".
"انا شخصياً منحاز لطبقتي منحاز للفقراء وانا لا اغالط روحي، ولا أتملق أحداً، القضية واضحة ولا تتحمل الاجتهاد، الفقراء هم الذين يموتون وهم الذين يسجنون".
كان يرى ان المناضل الحقيقي يجب ان يكون دائم العطاء يأخذ حقه من خلال حقوق الآخرين وليس على حسابهم. " الصورة عندي هي عناصر الكادحين والمقهورين والمطحونين، لأنهم هم الذين يدفعون حياتهم ثمناً لكل شيء، غلاء الأسعار، الذود عن الوطن، تحمل أخطاء ذوي السلطة، كل شيء لديهم صعب الحصول عليه، كل شيء قاس يحاصرهم ويقهرهم لكنهم يناضلون من أجل حياتهم ويموتون في ريعان الشباب، في قبور بلا أكفان، هم دائماً في موقع دفاع مستمر لكي تستمر بهم الحياة، أنا في الخندق معهم أراقبهم وأحس نبضهم ودماءهم في عروقهم، ليس لي سلطة لأوقف نزفهم أو أحمل عنهم ثقل همومهم، لكن سلاحي هو التعبير عنهم بالكاريكاتير وتلك هي أنبل مهمة للكاريكاتير الملتزم ".
كان يقول عن رسومه انها ليست لثوار المكاتب ذات الكروش الكبيرة " بالنسبة لي لا يهمني أن يحمل رسومي من يسعون إلى الضحك، ومن تهتز كروشهم صخباً .. يهمني أن يعيشها الإنسان العادي، الأمي والمثقف، وأن تصل الفكرة بكل أبعادها وصدقها، ربما تأخذ شكلاً تحريضياً حيناً وشكلاً ثورياً حيناً آخر".
أسقط ناجي العلي كل الخطوط الحمر كان يقول "أنا اعرف خطاً أحمر واحداً، وهو انه ليس من حق أكبر رأس أن يوقع وثيقة اعتراف واستسلام " لإسرائيل " قضيتنا مع هذا الكيان هي قضية مصيرية وتاريخية فلن يعجز أبناؤنا وأحفادنا عن استرجاعه، بأي حق يرضون بالتنازل عن حق لا نملكه نحن فقط، بل تملكه كل الأجيال الفلسطينية والعربية المقبلة، ليتحدثوا عن المفاوضات والمؤتمرات والدولة الفلسطينية ماحلا لهم الحديث، وهم يعرفون أنه لا يوجد نظام عربي واحد يتمنى وجود دولة فلسطينية حرة وديموقراطية، وأنا لا أقول بأن تحرير فلسطين مهمة الشعب الفلسطيني وحده، هذا وهم، تحرير فلسطين مرهون بالشعوب العربية، والأنظمة الحالية تعتبر نفسها غير معنية، هكذا أفهم الصراع وشروط هذا الصراع هو أن نصلب قاماتنا كالرماح ولا نتعب".
مات ناجي الا انه يعيش بيننا بحنظلة ومازلنا كلنا نقف خلف حنظلة الذي يعطينا ظهره نحدق بفلسطين هناك خلف الحدود على أمل ان تعود الكرامة للشعوب العربية ونستعيد فلسطين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا