الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صداقة الأستاذ الجامعي للطالب ... بين الوهم ... والحقيقة ..

إخلاص باقر النجار
(Ikhlas Baqir Hashem Al-Najjar)

2016 / 7 / 24
الادب والفن


.أ.م.د. إخلاص باقر النجار جامعة البصرة / الإدارة والاقتصاد قسم العلوم المالية والمصرفية

الصداقة آصرة روحية قد تتكون بين صديقين قريبين أو غريبين ، وان بداية الصداقة تعارف يبدأ بالطبع بين طرفين غريبين عن بعضهما البعض ، وبديهي إن من يروم إيجاد صديق لا يخرج الى الشارع ويصيح أريد صديق أو من يصادقني او يرفع لافته ويكتب فيها احتاج إلى صديق أو ينشر بوسائل الإعلام المرئية والمقرؤة والمسموعة ، ولكن سبحان الله الصديق يكون متواجد في طريقك في قدرك ، في المدرسة او المعهد او الكلية او الجامع او النادي ...الخ ، من المحافل التي يمكن ان يجتمع فيها البشر ، وعندما نتحدث هنا عن كلمة صديق ننزه هذه الكلمة من كل الإساءات التي تلصق فيها دون فهم ، كأن يقول احدهم لي صديق وخانني ، والأخر يقول لي صديق واستغلني وثالث يقول لي صديق صادقني على مصلحة ما ، نحن هنا لا نتكلم عن هذا النوع من العلاقات ، لانها علاقات باطلة ولا تستحق أن يطلق عليها كلمة الصداقة ، لان الصداقة كلمة مقدسة في القرآن الكريم ، وان الله سبحانه وتعالى سمح لنا ان نأكل مثلاً في بيت الصديق وان الكلمة جاءت في الآية بعد ذكر الأقارب ، أي أن الصديق هنا جاء ليكمل العائلة ، بقول الله تعالى : {{ ... أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً.. (61) }} سورة النور .
فنلاحظ هنا تدرج صلة الرحم من الآباء والأمهات ثم تفرع منها الإخوة والأخوات ثم الأعمام والأخوال ثم الصديق ، التي لا يربطه معهم بصلة رحم ، لكن الله سبحانه وتعالى أباح التعامل معه كالقرابة ودخول بيوتهم ، والأكثر من ذلك الجلوس معه على مائدة واحدة ، جميعاً أو أشتاتاً ، ولله حكمة بالغة في ذلك حتى يتم التعارف بين بني البشر إلى ما يحب ويرضى من قول أو فعل واستخلاف واستغلال لثروات الأرض ، بحسب قول الله تعالى : {{ يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير(13) }} سورة الحُجرات .
وان المرء في موقع تواجده ليجد أمامه قائمة طويلة عريضة من الناس ، ولو نأخذ على سبيل المثال المدرسة أو الجامعة ، الطالب يلتقي بكل هذا القوم كقدر وصدفة ، كل يوم يلتقيه ، ولكن أين سيجد الصديق من بين كل هؤلاء ، بديهي انه سيرشح من تتوافق ميوله النفسية والعاطفية معه ، وعندما يحدث التعارف والاستئناس تتولد المودة وسينتخب من يقع عليه الاختيار ، وهنا لا أريد أن أتكلم عن أصدقاء السوء لأني أجزمت سلفاً أن السيئ لا يستحق كلمة الصديق ، لان للصداقة شروط منها الاحترام والثقة والحب ، بالدرجة التي تجعل من الصديق كالنسمة الخفيفة أو الطيف الجميل الذي لا يمل أبداً حتى وان توالى عرضه في الذاكرة مراراً وتكراراً .
ولكن دعونا نرى هل فعلاً للقدر يد في رسم معالم الصداقة أو رسم طريق الصداقة ، للكل سجل حافل بالمعلومات فعلى سبيل المثال هناك صديقان إلتقيا في الثانوية ، ثم فرقتهم الحياة بالزعل وبالنقل إلى مدارس أخرى ، لكنهم سبحان الله التقوا صدفة بذات الكلية وذات القسم وذات الشعبة وتواصلوا من جديد وكأن شيئاً لم يكن واستمرت صداقتهم إلى النهاية ، وفي الجامعة الكثير من يفهم الصداقة غلط كأن طالب يقول هذه صديقتي او بالعكس الطالبة تقول هذا الطالب صديقي ، لكن في إسلامنا هذا الأمر غير وارد ، إذ لا يجوز للفتاة أن تصادق غير محارمها من الرجال ، ومحرم عليها الاختلاط مع الرجال بنية الصداقة أي تطوير علاقة الزمالة إلى صداقة دون إن يكون هناك رباط شرعي بينهما ، وهذا للأسف يحدث وبكثرة ، والله سبحانه وتعالى يحرم إن تتخذ المرأة عشيق بأسم الصديق ، وإنما الصداقة تحدث بين المرأة واحد محارمها من الرجال ، وأنا اقصد هنا الصداقة بين طالبين أو بين طالبتين ، أي تتولد آصرة الإخوة بينهما ، وكل منهما لا يتورع عن تقديم النصح والإرشاد أن اقتضى الأمر وان يكون بينهما الصدق أمانة والكذب خيانة ، وما أجمل أن يجد الصديق صديقه مرآة له يرى من خلاله حسناته وعيوبه ، بالشكل الذي يشعره بأنه مهم في حياته وانه يلتمس له العذر في كل الأمور .
وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عندما سطر الدرر في حكمته القائلة : ( صحبة عشرون سنة قرابة ) ، ( إذا أحَبَّ أحَدُكُم أخاهُ فِي اللهِ فَليُعلِمهُ ، فَإِنَّهُ أبقى فِي الاُلفَةِ ، وأثبَتُ فِي المَوَدَّةِ ) ، إنما استلهم هذه الدرر من القرآن العظيم ، نلاحظ عشرون سنة من المودة كل منهما خبر أخلاق صديقه وعرف بمكنونات حياته حتى ارتقى هذا الصديق إلى مكانة نسيب للروح وجزء من الاهل ، وكذلك : ( خير الأصحاب خيرهم لصاحبة ) ، وكما جاء في قول سيدنا الإمام علي ع : ( الأخ نسيب الجسد والصديق نسيب الروح ) ، وان لا مناص بينهما من الإيثار لبعضهما البعض ، أرواح ترفرف تتوق لرؤية من تحب حتى ولو في لحظة حلم على مسرح الحياة ، أرواح عقدت العزم على أن تحب في الله دون أن يكون للمحب مآرب أخرى ، صداقة تسكن الروح وتسير مسرى الدم في الجسد ، فتكون كالسر المتلألئ في الأوداج بحسب قول سيد البلغاء : ( سرك دمك فلا تجرينه إلا ّ في أوداجك ) ، حتى وان فرقتهم الأيام فلا يمكن للصديق أن ينسى صديقه سيبقى يعيش معه في لحظاته وسكناته ولا ينساه في الدعاء حتى في سجوده في تلك العلاقة الربانية الني تربط العبد ببارئه ، كجزء من حياته يبقى يراه في مخيلته وتبقى روحه تكلمه وتناديه وتناجيه حتى وان امتدت بينهما كل تضاريس الارض وكل الظواهر الكونية ، يبقى الصديق كالهالة المرسومة حول العين ... ذكرى جميلة ، ولحظات رائعة وشعور جميل بالحياة ، وابتسامة تدغدغ الشعور ، وتغازل الذاكرة ، وامنيات متفائلة وامل باللقاء ، وقرّة عين لا تنقطع ، لذلك الاخ الذي لم تلده امك ، وتجده هو الاخر يبحث عن توام الروح الذي عاصر الحياة معه لسنوات.
ولكن ؟؟؟؟ هل يمكن أن يكون الأستاذ صديقاً للطلبة ؟ والطلبة يقضون حياتهم الجامعية بذات الروتين الذي لا يتغير مذ عشرات السنين ، أو حري بنا أن لا نسميه روتيناً وإنما هي ذات نسق متشابه ، متلقي للمحاضرة التي تلقى على مسرح القاعة من قبل الأستاذ وهكذا دواليك ، فمن البداهة تتمخض عن هذه التفاعلات اليومية بين الطالب والأستاذ عن ولادة تلك الآصرة البدائية بينهما ، وهكذا تستمر هذه اللقاءات اليومية ( الدرسية ) طوال أيام الدراسة ، بيد أننا نتساءل هل بالإمكان بلورة هذه الآصرة إلى علاقة مقدسة مثل الصداقة مثلاً وديمومتها إلى ما لا نهاية ، أم إن هذه الآصرة تضمحل وتجتث من العروق ، ولا يبقى لها أي أثر ولا حتى مجرد التحية ما دام الرباط الذي كان يربطهما قد تلاشى بإنقضاء السنة الدراسية ، وعليه ينبغي إيلاء هذه المسألة أهمية خاصة وندلف في هذا المجال الرحب الفسيح ونطرق أفاقه المستقبلية ، ونتقصى كل الأمور التي تدور حول هذه الآصرة في سلبياتها أن إعترتها سلبيات وذلك لتدارك فشل كل طريقة للدخول في هذا العالم المتناقض بطريقة أخرى جديدة تنبثق عن الأولى ، وإيجابياتها أن اكتنفتها بعض الجوانب الإيجابية وذلك من خلال إزاحة النقاب عن أسرار مدهشة متمثلة بوصول الطالب إلى أستاذه كصديق ،إذ يمكن أن يلقى الصدر الأرحب لترسوا على مرفئه الأمن وتتربع على رصيفه كل حاجاته وخصائصه السيكولوجية والفسيولوجية ، التي تقود السفينة إلى شاطئ الأمان إذا إستذوق الطالب وحبذ تلوين شخصيته بذات اللون الزاهي لشخصية أستاذه ، بدون أي مأرب مادية أخرى ،ليرتقي في إدراكه إلى ذروة الكمال وهو يتقمص شخصية أستاذه الفذ في الفعال والخصال ، وأكبر الظن أنه يبغي القفز بخطوات عملاقة إلى عمر أكبر من عمره والى إدراك أوسع من إدراكه ...
فالصداقة تلك العلاقة التي قدست في النصوص الربانية ، وفي درر السنة النبوية الشريفة ، وهناك الكثير من النصوص التي طرقت وأشادت بهذا الجانب لتلقي الضوء على تلك العلاقة الروحية التي تنشأ بين صديقين متكافئين أو غير متكافئين ، كقولنا الأستاذ صديق الطالب أو العكس ...
لِمَ تنشأ هذه العلاقة ، كيف تنشأ ، وهل منشؤها فعلي حقيقي ، أم أنه وهم وغرور وسراب ، هل يتقبل الأستاذ تلميذه تقبلاً حقيقياً أم انه تعاطف واهن ، إذ انه من غير اللائق به أن يأب إهتمام تلميذه به بالسؤال عنه أو زيارته ، وإنما قد يتقبل ذلك مكرها ً ، فيجالسه ويبادر هو الأخر بالسؤال عن أحواله ، حتى ليخال للطالب انه أصبح بمثابة الصديق ، إلا انه من سابع المستحيلات أن يكون الطالب صديق له في دخيلة نفسه لأنه دائماً ينظر إليه من منظار ذو أبعاد ضيقة ، وأنه لا يمكن يبادله العاطفة والتقدير والإحترام بذات الوزن ...
وإذا ما توخينا تقصي الدواعي التي تسوّغ منشأ مثل هذه العلاقة نعرف لِمَ يعجب الطالب بأستاذ ما دون سواه ففي الميدان الكثير ، نجد بان هناك سمة متألقة به ، وهذه السمة تكون كالهالة التي تدغدغ وتغازل طموح هذا الطالب المجد الذي يرتئي تقمص هذه الشخصية وسبر أغوارها والغوص في أعمق بحورها ، فقد تكون هذه السمة المتألقة النجاح العلمي ، الرأي المؤثر ، قوة الحجة والإقناع في قاعة الدرس ، إنتشال الطلبة من سرحاتهم الذهنية ، شدهم وجذبهم بصدى المحاضرة المغناطيسي المتردد على الأسماع ، النزاهة غير المتناهية ورفض الشره المادي الذي يقع في غائلته ذووي النفوس الركيكة ، التواضع .... وغير ذلك الكثير ، لأن الشخصية الراقية دائماً في تجدد إرتقائي . ..
فنجد الطالب بعد إنقضاء العام الدراسي ، لا ينس أستاذه وإنما يتشبث بأية وسيلة تقربه زلفى إليه علها تزحف صاعدة وتقفز على السلم بخطى سريعة ، يسأل عنه ويزوره ويجالسه ويشركه في أموره الخاصة ويطلب منه الرأي والمشورة،ولكن هل هذا يكفي لتقبله كصديق وهل هي مسألة يسيرة ، كلا أنها ليست بالمسألة اليسيرة،لأن من شروط الصداقة السرمدية ثلاث أولهما : الإحترام المتبادل لأنه تاج الصداقة ، وثانيهما : الثقة المتبادلة لأنها عقد الصداقة المرصع بالألىء وثالثهما : التعاطف الروحي الحقيقي لأنه خافق الصداقة الرؤوم ، هذا يعني أن الصداقة بين طرفين غير متكافئين ليس بالمسألة الغريبة على الرغم من أننا أجزمنا سلفاً بأنها ليست مسألة يسيرة ، صحيح أنهما غير متكافئان في المستوى العمري والعلمي ( المزايا العلمية ) ، بيد أنهما كبشر يمتلكان ذات الخصائص السيكولوجية والفسيولوجية والطبيعية ، ولاسيما إذا لم تنطو هذه العلائق على مآرب مادية متمثلة بكونه ِ لا يزال يراوح مكانه كطالب ، شاد لها بالقدسية والرقي الدائم إن صادق الأستاذ على هذه الصداقة ، وأرتضى أن يكون ذلك الفيض المنقطع النظير الذي لا ينضب مهما نهل من أندائهِ.
نرى من ثنايا هذا التوافق بين الطرفين جمال الوجود وروعة الحياة فنقطف حزمة مضيئة من الإيجابيات ذات العبير الرقيق الجذاب الذي ينشد المحبة ويمقت النسيان ، ففي تلك اللحظات الندية المرطبة بالمحبة والثقة والإحترام ، يمكن للطالب عندئذ ان يستلهم من تلك الطاقات الكامنة في أستاذه ويشحذ بها طاقاته المتسربلة ، حتى تأتلق بذاك البريق الذي كان يصبو إليه ، سواء في الخصال أو في الفعال ، فينشأ عن هذا التبلور علاقة طيبة تؤتي أكلها كل حين بأعمال طيبة ، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من طيب ، وهنا تكمن الحقيقة .
بيد أن هذه العلاقة قد تبدو بوجه باسر ، يكتنفه الغموض وتزعزعه بثور الشك وتنسفه وهو في مهد ولادته فترديه وئيداً في واد سحيق ، وقد مني بالفشل الذي قد يكون الأستاذ صفق له أو ترنم له الوشاة ، بعد إن أبدى الطالب إعجابه بالأستاذ ومنحه الثقة ، غير أن الأستاذ لم يفقه حقيقة الأمر وراح ينظر بغرور إليه وكأنه عبد مشدود الوثاق على بابه ، لا يبرح مكانه ، ليس هذا وحسب بل انه لمن الفجاجة بمكان الإقدام على معاملته معاملة مغلـّفة بالمزاح تجلب له سخرية الآخرين ومس كرامته ، بالتأكيد إنها مفارقة محزنة وان كانت بداياتها مفرحة ، بالضبط نمثلها كالنيازك التي تنطلق سنوياً في أعياد الكرسمس من مصنع هوليود تتوهج في صدر السماء بألوان زاهية ساحرة ، ولكن ما تلبث أن تنطفئ وتؤول إلى الأفول ، وبالتالي لابد أن ينساق الطالب إلى نهاية القصة التراجيدية ، وقد تبددت كل تصوراته عن أستاذه وذهبت أدراج الرياح وهنا يكمن الوهم ...
أما إذا كان الوشاة هم الذين صفقوا لإفشال ذلك ، لاسيما عندما يتردد الطالب على أستاذه بإستمرار ويتتبع أخباره ، فيطفح الكلام الساخر عليه ملء الأفواه ، سخرية مبرقعة ببرقع القفشات ، تكاد تخنق الأنفاس وتقتلها بإجحاف في ميدان الشك ، الذي يقصي النفس عن السير في مقصدها ويردها القهقرى ، بيد أن الطالب عندما يدرك تماماً إن أصل هذه السخرية جهل مطبق على عقليات الآخرين في فهم كنه هذه العلائق الأصيلة الراقية التي لا مراء فيها ، فعلام َ أذن يبلد ذهنه بمثل هذه الأفكار الجوفاء الفاقدة المحتوى ، التي تتوارى خلف القفشات الساخرة ، وهي مقعدة في الأصل ، فمهما كثرت فهي متناهية في الصغر وفي الإعتبار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع